ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
[ أحسن الطرق للتعامل مع الناس]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله رب العالمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين “* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين
* أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عباد الله إن الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف “وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:”إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب“ فلا شك أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ). فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم. ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون، ومعرفة الدخول إلى القلوب، كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان فمن الأمثلةٌ المتعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام قد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أنه يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه لا من قلبه، وإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك،وآخر يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر، غير مهتمٍ بك. وهناك أمثلةٌ أخرى تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس.
أيها المؤمنون هناك دوافع تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل: منها أن يكون من خير الناس أو خيرهم:فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم.يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :”خير الناس أحسنهم خُلُقاً” فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة،إنما ليكسب رضا الله عز وجل، ويبقى على حسن خلقه سواءً رضي الناس أم لم يرضوا تحسنت العلاقة أم لم تتحسن ، كسب الود أم لم يكسب ، فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ، وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول صلى الله عليه وسلم :” إن الرجل ليدرك بحسن خُلـُقه درجة قائم الليل وصائم النهار ” ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :”المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس” .
ثم إن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه و سلم و هو القدوة لنا أن يلتزم الحكمة في التعامل مع الناس لأن ذلك دليل كمال العقل. يقول الله عز وجل: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين” و من المعاملة بالحسنى ليونة جانبه صلى الله عليه و سلم كما وصفه الله تعالى،ولو لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفض أصحابه من حوله فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل صلى الله عليه وسلم من أراد فليأت ومن لم يرد فلا يهمنا أمره، بل كان حريصاً عليهم رؤوفا رحيما بهم. يقول تعالى:”فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ” والعفو والتجاوز عن أخطاء الناس وغض الطرف عنها وطلب المغفرة لهم وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. ومشاورتُهم في الأمر تعني احترام رأيهم وتقديرُهم وإعطاؤُهم القيمة عند التعامل معهم,
و من القواعد الثابتة المشتركة في التعامل مع الناس: أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل هو مع الأسوياء من الناس، أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف، والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ـ ثم تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: علاقة الوالد مع ولده علاقة الزوج مع زوجته، علاقة الطالب مع شيخه، علاقة الرئيس مع مرؤوسه والعكس.فلكل علاقة آداب و أخلاق و سلوك مناسب؟
كذلك إن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول. فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم، ومن جعل الناس سوا فليس لحمقه دوا.
ثم يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية. فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ, فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.ولا تنس أخي المؤمن أختي المؤمنة وهذا مهمٌ للغاية: أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت، فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم وتعبر عما في نفسك من زاويتهم، وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم، أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية، اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم ” حسن الله اخلاقنا و اخلاقكم و نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و حديث المصطفى الكريم صلى الله عليه و سلم سبحان ربك…..
عباد الله : الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المومنونإن مما ينبغي علمه في طريقة التعامل مع الناس أنهم يكرهون النصيحة في العلن :لأنهم كل يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم، ولكن أخْذَ الفردِ ونُصحَه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة، أو النصحُ بصيغة العموم دون تخصيص أحد.
و كذلك الإكثار من اللوم : فإن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فينبغي أن يتجنبه من أراد كسب حُبَّ غيره له.فالناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء، وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلا تحاول مناقضة نفوس الآخرين، ومن الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء: فالاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً ويخفف أثر الخطأ ثانياً…فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به، وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو، وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل :”المقر بذنبه كمن لا ذنب له“.ثم إيَّاك والأنا :فالناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه، فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه، فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً، ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم، فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟. كذلك لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات: يقول صلى الله عليه وسلم :”لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر“. فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس، يقول سعيد بن المسيب:”ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لاينبغي أن تُذكر عيوبه ” فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولاتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.
بكيت من عمروٍ فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرو
والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار، لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قوله صلى الله عليه وسلم :”أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي )، فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة)،وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم “ثمالناس يكرهون من لا ينسى الزلات:ويبغضون من لايزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه والله عز وجل يقول:”والعافين عن الناس”. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :”من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ” فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه .
واستعينوا على اموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله: ” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد