تتقاذف الشباب المسلم تيارات الفهوم الخاطئة الناتجة عن سوء إستيعاب الداعين، أو عن نيات مبيتة هادفة إلى زعزعة كل ما يتعلق بالماضي المشرق والتشكيك في عطائه ومساهمته في التطور الحضاري لسلف المسلمين وفي المقالة نموذج هذا التغليط والتخليط الناتج عن ببغائة الداعين غير المتفحصين والناشرين غير المتمكنين يقول صاحب المقالة “وحتي الآن ما لقيت معترِضا مثلا على ابن عربي قد قرأ الفتوحات، وإنما ينقل كلام الغير”.
أزمة مصطلحات صوفية
قلبت الكثير من المفاهيم
وأحدثت فتنا مفتعلة
الحلول والإتحاد نموذجا
كان الناس زمان يتهمون العلماء المبدعين بالسحر، وهناك من اتهم علماء الصوفية بالحلول والإتحاد، فمصطلحات الصوفية ذوقية بحته، وتحكمها التجربة الروحية الخاصة للزاهد المطهر الذي يعني بمصطلح الوجود مثلا، الوجود الإلهي الحق وبالتالي الخالق، بينما تعني كلمة الوجود عندنا نحن العوام: العالم والكون، وبالتالي كل ما هو مخلوق.
حينما يقول العارف لا موجود سواي مثلا، فهو يعني أن لا غير الوجود الحق يكون، ولا وجود إلا للخير الحقيقي، الزاهد الذي هو نفسه لدرجته من الخير الإنساني العام كموضوع، بينما تعني الكلمة لنا نوع من الشطح.
والدسوقي وابن الفارض حينما يقول كلاهما أنا الكعبة، أنا الحرم، فإنما يقصدان الإنسان كحقيقة معرفية نظرية، لها شهودها وذوقها وزهدها، وكأنهما يريدان القول أن الإنسان الآدمي الكامل هو كعبة الله في الأرض وأن القلب الإنساني هو حرم الله وبيته، فهم لا يتحدثون عن سيرتهم النفسية والشخصية أو حتي رتبتهم الروحية، ولا يرجون ذلك ولا يبيحونه، فهم أهل زهد وتواضع داخلي مهم.
وللأئمة في أحزابهم تنظير كبير عن غاية العبد ومنتهاه من العبودية التي يستحيل معها القول بأنهم أهل حلول أو اتحاد.
والرؤية الصوفية للدين تعتمد الإنسان كموضوع ديني وتتمحور حول فكرة الإنسان الكامل الذي هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي هو موجود وحي وفاعل، وله حضرة تجلٍ أزلية مستمرة للآن والأبد، وأن الإنسان الكامل موجود فينا، وأن الكون كامل وواحدي الكمال والحق، وهي نواحي نظرية أولا، وأخلاقية ملتزمة ثانيا، وللخاصة من العلماء ثالثا.
ومصطلح الوحدة مثلا يعني عندنا وحدة المادة والماهية، بينما سادة الصوفية يعني عندهم واحدية المصدر، والفرق بين الوحدة والواحدية، كالفرق بين الواحدية والأحدية، فوحدة الوجود عند بن عربي تعني بمصطلحاتنا واحدية الوجود.
وواحدية الوجود التي هي عين وسر التوحيد يراها غير العالم ضد الإيمان !وكأن حقائق العلوم كلها والتي تفيد الوحدة في الخلق والنظام العظيم خطأ.
أقول إنها أزمة مصطلحات أضف إليها ما أضافة العامة والدساسين و الدخلاء إلي التراث الصوفي العظيم، وحتي الآن ما لقيت معترِضا مثلا علي ابن عربي قد قرأ الفتوحات، وإنما ينقل كلام الغير، وهكذا حتي الكتاب الغربين يعرفونه و يقرأون ويترجمون له ونحن نحَرِّم قراءة كتبه، ولا نعرف عنه إلا بعض الأبيات المعدودة مثل: “أصبح قلبي قابلا كل صورة…” وهكذا بينما لا يجب فهم الجزء دون الكل، إلا إن كانت كراهية كنظرة غربيين كثيرين للإسلام مثلا.
وللدفاع عن سادتنا الصوفية يلزم ملازمة كتبهم بالقراءة المتأنية وملازمة الكتب التي كتبها الأئمة كأمثال السيوطي في تبرئة بن عربي، بل إن ابن تيمية كتب رسالة في أواخر حياته يبرؤُه فيها ويعلي من قدره، وذلك ليس بمستبعد في طبع العلماء وله مقدمات في حوار ابن عطاء الله الشهيرة، وذلك ناتج عن حسن نوايا كلاهما.
وأما أحوال الشطح عموما تكون كلها إنسانية تعلي من نظرة الإسلام للإنسان والفرد بمعناه المطلق وليس بمعناه الشخصي وتزيد من علاقة الإنسان بربه ورؤيته ومشاهدته ( أعبد الله كأنك تراه).
منتدى شمس المعاني