إدراك الشيخ التجاني رضي الله عنه للولاية والقطبانية
بأبي سمغون بفضل العناية المحمدية
حل سيدي أحمد التجاني بقصر أبي سمغون سنة 1781/2 ميلادية، الموافق 1196هجرية وبه حصل له الفتح الأكبر والولاية العظمى التي صبر وصابر من أجل الوصول إليها.
ويلاحظ أنه قبل حصول هذا الفتح تغيب عن قرية أبي سمغون مرتين لفترتين قصيرتين.
فقد توجه في المرة الأولى إلى توات لزيارة العارف بالله سيدي محمد بن الفضيل، وهو من أهل تكورارين في توات الغربية. فأخذ كل واحد منهما عن الآخر بعض أسرار الطريق.
أما في المرة الثانية فقد توجه إلى مدينة تازة. وبها التقى بصاحبه وتلميذه العارف بالله سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي، الذي كان يقوم بدور الوساطة في الأجوبة التي كان ينقلها له من الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر. إذ أنه عندما كان يجتمع به لم يكن يقوى على سؤاله مباشرة، تأدبا مع الحضرة الشريفة.
الترقي إلى مرتبة الفتح الأكبر:
حصل لسيدي أحمد التجاني الفتح الأكبر بأبي سمغون منذ السنة الأولى التي أقام بها بعد رحيله من تلمسان عام 1196هجرية. فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، يقظة لا مناما، بتاريخ 17 صفر 1196 موافق 31 يناير 1782 بتربية الخلق على العموم والإطلاق، بعد أن كان فارا منهم. وعين له الورد الذي يلقنه، وهو مائة من الاستغفار ومائة من الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم. وأذن له صلى الله عليه وسلم بتلقينه لكل من رغب فيه من المسلمين والمسلمات، بعد تحديد الشروط والتزام المريد بها. وفي رأس المائة عام 1200هجرية كمل له، صلى الله عليه وسلم، في الورد اللازم مائة من الكلمة المشرفة لا إله إلا الله.
وأخبره صلى الله عليه وسلم بأنه مربيه وكافله، وأنه لا يصله شئ من الله إلا على يديه وبواسطته، ولا منة لأحد من شيوخ الطرق عليه وَقَالَ لَهُ: “لاَ مِنَّةَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْكَ مِنْ أَشْيَاخِ الطَّرِيقِ، فَأَنَا وَاسِطَتُكَ وَمُمِدُّكَ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَاتْرُكْ عَنْكَ جَمِيعَ مَا أَخَذْتَ مِنْ جَمِيعِ الطَّرِيقِ… وَقَالَ لَهُ: اِلْزَمْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ وَلاَ اعْتِزَالٍ عَنِ النَّاسِ حَتَّى تَصِلَ مَقَامَكَ الذِي وُعِدْتَ بِهِ وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ مِنْ غَيْرِ ضَيْقٍ وَلاَ حَرَجٍ وَلاَ كَثْرَةِ مُجَاهَدَةٍ، وَاتْرُكْ عَنْكَ جَمِيعَ الأَوْلِيَاءِ”، فَمِنْ حِينِ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ القَوْلَةَ تَرَكَ جَمِيعَ الطُّرُقِ، وَتَرَكَ الطَّلَبَ مِنْ جَمِيعِ الأَوْلِيَاءِ.[1]وعملا بهذا الأمر المحمدي ترك سيدي أحمد التجاني جميع الطرق ولم يعد يطلب أي شئ من الأولياء”.
وهذا يدل على أهمية مرتبة الشيخ التجاني عند الله ورسوله كما أخبره بذلك سيد الوجود، لأن فتحه ووصوله كان على يديه صلى الله عليه وسلم. ومن كان فتحه ووصوله على يديه كان أرفع قدرا وأعظم شأنا، كما هو معلوم عند أهل الطرق. ومنذ وقوع هذا الفتح والفيض بدأ يتكاثر على شيخنا ورود الأنوار والأسرار والترقيات في أبي سمغون والشلالة. وما أن اشتهر أمره وذاع خبره بين الناس حتى شرعت تتوافد عليه أعداد كثيرة من الخلق بغية الأخذ عنه والانتماء إليه والاستزادة مما كان يمدهم به في الحس والمعنى.
ثم انتقل من أبى سمغون, من بلاد الصحراء، في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1213 هجرية، ودخل فاس في السادس من ربيع الثاني في العام نفسه, يرافقه خليفته سيدى على حرازم برادة.
العمل على نشر الطريقة الغراء:
وبعد أن ركز سيدي أحمد التجاني أسس الزاوية استمر في نشر الطريقة والأذن في الأوراد. فانطلقت الطريقة التجانية لتعم المغرب الأقصى بكاملها والصحراء والسودان الغربي. وقد برز سيدي أحمد التجاني شيخا عارفا بالله كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين لترقيتهم إلى أعلى درجات القرب، خصوصا بعد هجرته إلى فاس للإقامة بها بصفة نهائية إلى لقي ربه في صبح يوم الخميس 17 شوال 1230 هـ، وله يومئذ ثمانون سنة، ودفن في فاس، رضي الله عنه وأرضاه.
التمسك بتطبيق الشريعة والإنقطاع إلى الله:
لقد جمع إمامنا التجاني بين علو الهمة وحفظ الحرمة ونفوذ العزم. عمل في بدايته على تصحيح التوبة بشروطها، وحفظ الشريعة وحدودها. ونفى أرادته وقطع عن نفسه الحظوظ والعلائق، وانقطع إلى الله بمراعاة حقه، فانكشفت له الحقائق. عمل على نفى الرخص والتأولات، وشمر عن ساعد الجد، وكف نفسه عما لا يعنيه، وتمسك بالكتاب والسنة وما درج عليه سالف الأمة، وتوجه بكليته إلى مولاه، فكفاه عما سواه. أسس بنيانه أولا باشتغاله بعلم الحديث والقرآن، وتبحر في غرائب العلوم ودقائق الفهوم.
صفاته العلية:
كان الشيخ رضي الله عنه من أعظم الأئمة الذين أجمع العلماء على تعظيمه وتوقيره واحترامه من غير مدافع ولا منازع من أرباب الصدق، وإليه انتهت رئاسة هذا الشأن في تربية السالكين وتهذيب المريدين. ولم يكن أحد قد بلغ ما بلغ. فهو، رضي الله عنه، شريف الأخلاق، لطيف الصفات، كامل الأدب، جليل القدر، وافر العقل، دائم البشر، مخفوض الجناح، كثير التواضع، شديد الحياء، متبعا لأحكام الشرع وآداب السنة، محبا لأهل الصلاح والفضل، مكرما لأرباب العلم.
الإحتفال[2] بليلة الدركة[3] 17 صفر 1196 هـ موافق 31 يناير 1782
وبعد الإنتشار الكبير والمبارك للطريقة التجانية في شتى أنحاء العالم، عمد التجانيون كل سنة إلى الاحتفال بهذه الليلة المباركة، حيث تجد جل الزوايا التجانية بالعالم تَعقِدُ حلقات الذكر جماعة، ويجتمع المتحابون في الله في حلقات الدروس الدينية المذكرة في هذه الليلة المباركة بحب الله وحب وخصال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفضل آل بيته رضوان الله عنهم، وذلك اقتداء بالحديث النبوي الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ” أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله ، وأحبوا آل بيتي بحبي .. ” الحديث .
وكان من أوائل من أقام هذه هذه الذكرى المباركة وابتدعها[4] سيدي مْحمد[5] بن سيدي مولاي علال بن سيدي أحمد عمار بن سيدي محمد الحبيب بن القطب المكتوم سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ( الملقب سيدي محمد البودالي “حمر العين”) رضي الله عنه بزاوية عين ماضي المحروسة، حيث عمد السادة الأشراف هناك إلى إحياء هذه الليلة مع جمع الأحباب بإقامة الصلاة والذكر جماعة، وختم كتاب الله الكريم، وعقد الدروس الدينية والنبوية المذكرة بحب الله ،وحب خصال رسوله رضي الله عنه، وحب آل بيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذا الدعاء للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات بالخير وحسن القبول..
[1] ـ جوهر المعاني الصفحة 70 نسخة مشيخة الطريقة التجانية .
[2] ـ نهى عنه أعلام هذه الطريقة رغم التذكير والإشادة .
[3] ـ تسمى بالدركة لإدراك الشيخ الفتح الأكبر بالإذن يقظة لا مناما في تربية الخلق بالذكر.
[4] ـ فلم تكن تقام في أي زاوية مع العلم بفضلها وفتحها وعظيم شأنها إمتثالا لنهي الشيخ عن اتخاذ المواسيم منافسة للإحتفال بموسم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتمثل في إحياء ذكرى مولده عليه أفضل الصلاة والسلام.
[5] ـ وسنده في ذلك لا شك أنه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد اشترط لذلك شروطا حتى لا يقع الزيغ الذي حذر منه الشيخ رضي الله عنه.