–التنيه العاشر في التوسل إلى الله بجاه النبي صلى الله عيله وسلم وبجاه الولي.
مما يتعين التفطن له من هذا المقام من الأدب أن يتوسل الإنسان ويتشفع إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وبجاه ذلك الولي عند الله تعالى وحذر الحذر ن يتشفع لإلى النبي صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل أو إلى الولي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز ولا يصح شرعا لأنه من الأسباب الموجبة لانقطاع العبد عن لله تعالى:
1- فقد أخرج أبو داوود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال وهلكت الأنعام ونهكت الأموال فاستسق لنا فإنا نستشفع منك على الله تعالى ونستشفع بالله عليك فقال صلى الله عليه وسلم«ويحك أتدري ما تقول » وسبح صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قالوا يحك إنه لا يستشفع بالله تعالى على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله، إن عرشه على سماواته لهكذا وقال بأصبعه مثل القبة عليه وإنه ليئط أطيط الرجل بالراكب، وقال سيدي أحمد بن مبارك في الإبريز نقلا عن العارف بالله القطب مولانا عبد العزيز رضي الله عنه لما ذكر الأسباب الوجبة للانقطاع عن الله عز وجل ما نصه الثاني من الأسباب التوسل إلى الصالحين بالله عز وجل ليقضوا الحاجة فيقول الزائر قدمت لك برجاء الله يا سيدي فلان إلا ما قضيت لي حاجتي وإنما كان سببا للانقطاع الزائر قلب الواجب وعكس القضية فإنه كان من حقه أن يتوسل إلى الله عز وجل بأوليائه لأن يعكس وهذا هو الأول من تلك الأسباب.
2- من الأسباب الموجبة لانقطاع العبد عن ربه عز وجل وضع المال في ضريح الولي عم وجود من هو أفقر وأحوج منه فال في الإبريز ومما يدلك على كثرة المنقطعين وزيارة الظلام في ذواتهم أنك ترى الواحد يخرج من داره بعشرين موزونة مثلا يذهب بها إلى ضريح ولي من أولياء الله تعالى فيطرحها عنده ليقضي له حاجته وكم من فقير محتاج يلقاه في الطريق ويطلب له متاع الله تعالى في سبيل الله تعالى فلا يعطيه درهما واحدا حتى يصل إلى الولي ويطرحها عند رأسه وهذا من أقبح مما يكون وسببه أن الصدقة لم تخرج لله وعظمته و كبريائه ووجهه الكريم ووجوده العظيم إذ لو خرجت لذلك لدفعها صاحبها لكل محتاج لقيه هـ) وقد سبق هذا في التنبيه الثالث.
3- زيارة الصالحين وعلى الزائر دين فرض كعدد صلوات وجب قضاؤها عليه فترك قضاءها الذي هو حق الله تعالى وفيه نور الله تعالى وسره الذي يرحم به وذهب إلى زيارة صالح ولا يخفى ما فيه من لانقطاع والظلم.
4- الحلف والقسم بالوالي فترى الواحد إذا جهر في يمينه من يقول وحق سيدي فلان كحق سيدي عبد والقادر الجلالي أو سيدي أبي يعزى أو سيدي أبي العباس السبتي أو حق مولاي إدريس أو حق سيدي أحمد التجاني أو غيرهم و إذا أراد أن يحلف أحد أو يؤكد عليه في يمينه يقول احلف لي بسيدي فلان وإذا أصابه ضرر وأراد أن يسأل كالسعاة الذين يتكففون الناس صرح باسم سيدي فلان وهم في ذلك كله منقطعون عن الله عز وجل وإذا قيل لهم توسلوا بالله أو احلفوا به أو نحو ذلك لا يقع ذلك الكلام منهم موقعا هـ.
5- كما قال شيخنا مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه الإصرار على أي ذنب وعدم الرجوع على أي ذنب وعدم الرجوع إلى أي ذنب كان كبيرا أو صغيرا أو عدم الرجوع إلى الله تعالى عنه.
6- طول الأمل واعتقاد أن الإنسان يعيش مدة طويلة من السنين فكن في الدنيا كما في الحديث كأنك غريب أو عابر سبيل وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.
7- الغضب لغير الله تعالى بأن يغضب لنفسه الأمارة بالسوء أو لمتاع له أو فرط في تحصيلها.
8- الحقد على المسلمين وعدم صفاء قلبه بأن يتمنى الخير له دونهم.
9- حب الدنيا والزهد في الآخرة فإن الدنيا كما في الحديث ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالما ومتعلما.
10- حب الرياسة فإن آخر ما يخرج من قلوب الصديقين هو ما ذكر، قال الإمام ابن عاشر في التصوف:
واعلم بأن ذي الآفات | حب الرياسة وطرح الآت |
11- فعل أو قول ما لا يعني الإنسان سواء قل أو أكثر وفي الحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»
12- كثرة الضحك وخصوصا إذا كان بالقهقهة فإن كثرة الضحك تميت القلب كما في الحديث، وفيه أيضا: « لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا»
13- كثرة المزاح بدون فائدة دينية فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه ولكن لا يقول إلا حقا انظر الشمائل للحافظ الترمذي والشفا للقاضي عياض والمواهب اللدنية للإمام القسطلاني وغيرهما من كتب السيرة النبوية.
14-الفرح بالحظوظ العاجلة كتوليته مقدما أو إماما أو قاضيا أو كاتبا أو قائدا أو وزيرا أو ما أشبه ذلك فإن كل إنسان راع و مسؤول عن رعيته كما في الحديث.
15- الغفلة عن ذكر الله تعالى وعن التفكير في أمر الآخرة كالدخول إلى القبر وسؤال الملكين له والوقوف بين يدي الله عز وجل والدخول إلى النار وما أعد الله تعالى فيها من النكال والعذاب والسلاسل والأغلال وكأمر الجنة وضروب نعيمها وسرورها من المآكل والمشارب و الأسرة والفرش والحر العين والتلذذ بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين إلى غير ذلك من عواقب الأمور، فالغفلة عن هذا كله سبيل قساوة القلب وبعده عن الله تعالى.
16-الخوض مع أهل اللهو واللعب فيما هم فيه من أقوال وأعمال ومن سماع حديثهم ومن مجالستهم ومخالطتهم لغير ضرورة شرعية تحمله على مداراتهم.
17- صحبة السفهاء كالأحداث سنا وعقلا ودينا فإن من خالط قوما نال منهم أحب أم أكره:
فمن خالط العطار نال من طيبه | ومن خالط الحداد نال السوائد |
18- أكل الحرام كالمال المغصوب أو المسروق وكلبس ما ذكر أو السكنى فيه فإن كان لحم نبت من حرام فالنار أولى به كما في الحديث.
19- أكل ما فيه شبهة أو لبيه أو سكناه أو ما شابه ذلك ففي الحديث الصحيح:«الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرقع فيه » الحديث.
20- الشبع في الطعام فقد قال الله تعالى: « كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين » وقال تعالى: « والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما » فالواجب كما في الحديث أن يكون الثلث للطعام والثلث للشراب والثلث للنفس ومن وصايا الإمام مالك رضي الله عنه ارفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه وقال بعض الحكماء المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء.
21- كثرة شرب الماء من غير ضرورة فإنه يفتح في المعدة كثرة الأمراض ومن جملتها السمن الذي يضعف القلب عن القيام بطاعة الله تعالى التي من أجلها خلق الإنسان لقوله تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» ولذا أمرنا سبحانه بعدم الإسراف في كل شيء من مأكل ومشرب وملبس ومسكن و منكح وكل شيء كما تقدم.
22-كثرة تناول الشهوات من ملذات النساء والملابس والمآكل وغيرها.
23- كثرة النوم فإن المطلوب منه عند الأطباء ست ساعات وعند الصوفية ثمان ساعات كما قاله الشيخ جسوس في شرح الشمائل وغيره فلا إفراط ة لا تفريط وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « فاعط كل ذي حق حقه فإن لربك عليك حقا ولعينيك عليك حقا ولنفسك عليك حقا» فالواجب الوفاء بسائر الحقوق.
24- كثرة تفكر القلب في غير ذكر الله تعالى والرضا عن النفس باستحسان حالها قال مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه فهذه أربع وعشرون خصلة نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اجتنابنا وجميع ما يحجب بيننا وبين ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا آميــن هـ).
والحاصل أن الأسباب الموجبة لانقطاع العبد عن ربه عز وجل في هذه الأمة المحمدية من غير شعور لأكثرهم بها، منحصرة في ثلاثمائة وستة وستين كما في الإبريز نقلا عن سيدي عبد العزيز وذكر في الرماح منها نحو الخمسين فانظره إن شئت في الفصل الثاني والخمسين.