مقالة العلامة حسن علي سيسي الموضحة لمفهومي الكتمية والختمية التي اختص بهما سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه وأرضاه.
الطريقة التجانية والختمية
لقد تواترت في كلام القوم من العلماء المحققين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فالشيخ التجاني رضي الله عنه بفضل الله نال هذا المقام وأعطى بساط المحال واعطاه النبي صلى الله عليه وسلم طريقته فاعتلى في قمم الولاية حتى نال مقام الختمية والكتمية بعدها، وقد تكلم عن الختمية بعض الأولياء منهم الحكيم الترمذي وابن العربي وعبد الوهاب الشعراني رضي الله عنهم وذكر سيدي الشيخ المختار الكنتي أن الخاتم للولاية يظهر في قرن الثاني عشر وهو القرن الذي عاش فيه الشيخ التجاني رضي الله عنه فقال من مواصفات القرن الذي فيه خاتم الولاية أنه يشاكل قرنه عليه الصلاة والسلام من وجوه:
أحدها: أن فيه خاتم الأولياء كما أن في قرنه خاتم الأنبياء.
الثاني: أن أتباع هذا الولي المجدد الخاتم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وحده ويجاهدون الأمم الضالة، كما أن هؤلاء يجاهدون النفس والهوى والشيطان الجهاد الأكبر قالوا: وما الجهاد الأكبر قال: جهاد النفس والهوى.
الثالث: الإشارة إلى أن هذا القرن أفضل من جميع ما تقدمه من القرون السابقة سوى القرون الثلاثة لورود النص بأفضليتها، قال صلى الله عليه وسلم ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ) الحديث فسر ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (خير هذه الأمة أولها وآخرها وبين ذلك نهج أعوج ما أنا منهم ولاهم مني ) اهـ تنبيه الأذكياء.
فإذا نظرنا إلى كلام هذا القطب الجليل نراه ينطبق تماما على أصحاب الختم التجاني رضي الله عنه، فقد تخرج من مدرسته كمل من الدعاة الذين دلوا على الله بحالهم ومقالهم وربّوا أجيالا صاروا للدين نبراسا وللحقائق مقياسا ومقباسا وانتفع بهم جمع غفير لأنهم دعوا إلى الله بإذنه وربوا ورقوا بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي هو الإقتداء به كفى والإستمساك بهديه الغنى والوصول إلى حضرته أجل المنى.
وسأذكر على وجه الإختصار لا الإحصاء المجاهد الكبير ذو الصيت الشهير الشيخ عمر بن سعيد القطب الفوتي الذي أخذ عن عبد الكريم الناقل عن سيد مولود فال عن الشيخ محمد الحافظ عن الشيخ الختم التجاني رضي الله عنهم، وأخذ أيضا عن الشريف محمد الغالي رضي الله عنه وصحبه حتى شهد له بالخلافة عن الشيخ التجاني رضي الله عنه. وانتشرت الطريقة بواسطة الشيخ عمررضي الله عنه وخصوصا في إفريقيا وانبثقت من مدرسته مدارس روحانية تألقت علوا واستنارت بها الطرق، فكانت مدرسة العارف بالله القطب الصمداني الحاج عبد الله إنياس الكولخي الذي عرف بالتصرف في الإنس والجن كما وصفة العلامة الكبير سيد أحمد سكيرج العياشي رضي الله عنهم. وكذلك مدرسة العالم العامل والولي الصالح الشيخ الحاج مالك سه رضي الله عنه.
فمازالت الطريقة بفضل الله شاطئ الأمان للمريدين ويظهر النبوغ وكمال الوراثة فى أصحابها وتتواصل أمدادها إلى قيام الساعة فهى إجتبائية ومن أقصر الطرق للوصول إلى الله وأفضلها وأقربها إلى طريق السلف الصالح مدار التربية فيها دائر على قطبين.
الأول: إقامة الصلوات الخمس بشروطها.
والثانى: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم آناء الليل وأطراف النهار بنية إمتثال الأمر والتعظيم والإجلال والمحبة لجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بعد إلتزام الورد اللازم الذى يصح به قوام التجانية اهـ ( كاشف الألباس ).
والتربية فى هذه الطريقة بهمة الشيخ التجانى رضي الله عنه الذى يقول “من يعرفنى عرفنى وحدى” وليس على المقدم المأذون له بالتلقين سوى مجرد التلقين وتبليغ ما أمر بتبليغه من الشروط والآداب، والمريد ليس عليه إلا حفظ الواجبات الدينية المعلومة ضرورة وملازمة لوازم الورد واعتقاد أن الورد اللازم أعظم أسرار التجانية والنفر فيه، ويلزم بعد ذلك ما أمكنه من الأوراد غير اللازمة بحسب ما أذن له ولا يريد بهذا إلا وجه الله الكريم لا دنيا ولا آخرة ولا مقاما من المقامات. ويشهد المنة ويحسن الظن ويفوض وإذا دام على هذا من غير غرض فليحمد الله دائما، راجع ( جواهر الرسائل ) لصاحب الفيضة الشيخ إبراهيم إنياس رضى الله عنه.
فكان من فضل الله على أهل هذه الطريقة وبقاء السريان المدد فيها أن ظهرت الفيضة التجانية مصداقا لقول الشيخ التجانى رضى الله عنه “تأتى فيضة على أصحابى حتى يدخل الناس فى طريقتنا أفواجا أفواجا تأتى هذه الفيضة والناس فى غاية ما يكونون من الضيق والشدة”. ولقد تواتر الحديث عن الفيضة بين أصحاب الشيخ التجانى رضي الله عنه فكانوا ينتظرون ويرقبون ظهورها . “والحكمة فى ظهور هذه الفيضة فى هذا الزمان الفاسد ضعف الإيمان فى قلوب الناس وكثرة الفرق الضالة والمضلة وهذه الأمة مرحومة، فأفيضت إليهم المعارف والحقائق كى يرجعوا لأهل فطرة الإيمان” اهـ (كاشف الألباس).
ولقد حضرنا هذه الندوة المباركة على رأس جموع غفيرة وهاهم إخواننا من نيجريا والنيجر ومالى وموريتانيا وبوركينافاسو ومن كل بقاع الأرض وجلهم يجمعنا بهم سند واحد وهو شيخنا ومولانا الشيخ إبراهيم انياس رضى الله عنه الذى يجمعنا بالشيخ الأكبر خاتم الولاية المحمدية مولانا الشيخ التجانى رضى الله عنه ونشكر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية التى أتاحت لنا فرصة ملاقاة هذا الجمع الغفير من إخواننا التجانيين فى مثل هذا المؤتمر التجانى العظيم. وقد ورد فيه ذكر أسماء الصالحين وعند ذكرهم تتنزل الرحمات فإن لسماع ذكرهم ترتاح القلوب وتشتاق به إلى عالم الغيوب وتنشط بذلك من عقالها وتصحوا من غفلتها لفعل الطاعة والإخلاص فى أدائها وتتولد العزائم وتتجدد القوة وتجد فى التشمير لمحاسبة النفس على النقير والقطمير ولم يرضوا منها إلا باللحوق بمعالى الأمور والمسارعة إلى ما تحمد عقباه بدار السرور ونزهت الجوارح عن دنس المخالفات وارتكاب السيئات وقاموا بوظائف الدين من فعل المأمورات وإجتناب المنهيات. وفى هذا الصدد قال الشيخ إبراهيم إنياس رضى الله عنه: من أراد أن يكون معى فليسلك طريقى فى الأقوال والأفعال بفعل المأمورات واجتناب المنهيات مع دوام التشوق للوصول إلى مرضات الله ورسوله، أما من ينتسب إلينا ويخالف الشريعة المطهرة باقتحام المحرمات فأشهد الله وأشهدكم أنى برئ منه. هذه هى طريقتنا وهى السلوك والوصول إلى الله تعالى وأن إلى ربك المنتهى .يقول الشيخ في خطبة له في الخرطوم: “نحن لا نشتغل بالكرامات ولا ندعي الدعاوي إنما شغلنا صدق العبودية والقيام بحقوق الربوبية”.
ولا تنتهى كلمتنا حتى نشكر من صميم القلب الجهود الجبارة التى يبذلها أميرالمؤمنين الملك “محمد السادس” ملك المغرب
فى جمع كلمة الأمة وننوه بكل ما أوتينا من كلمة عنايته الفائقة بالإخوان التجانيين وبالزوايا التجانية، كما أننا نشكر وقفاته العزيزة تجاه قارتنا الإفريقية فالله يؤيده ويخلد ذكره، ونطلب من الإخوان الحاضرين ومن جميع الأحباب أن يلتزموا الدعاء له بالحفظ والنصر ويقر عينه في ولي عهده المبارك مولاي الحسن وفي جميع أسرته الكريمة، وأن يدعو للمملكة المغربية هذا البلد الكريم المضياف بدوام الرقى والإزدهار، والأمن والآمان تحت قيادته الرشيدة.
كما نشكر سادتنا الشرفاء ذرية الشيخ التجانى رضى الله عنه ونبقى على الدوام نرعى الذمام، ونشكر أيضا السادة الحاضرين من كل البلاد.
وأوصى نفسى وأوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية والمحافظة على العهد والعمل سويا فى تصحيح المسار وتوحيد الاتجاهات وترسيخ قيم ديننا الحنيف بإشاعة الأخوة والمساواة والحوار الهادف لبلورة عالمية الإسلام وأنه دين الرحمة دين الإنسانية لا يعرف التطرف ولا الإرهاب.
ومن ثمرات هذه الندوة المباركة خلق التعارف بين الإخوان شرقا وغربا و من كل ركن من أركان الدنيا تحت الظل الوارف للدولة العلوية المجيدة راعية التصوف وجوهره في زمن الفتنة الطريقة السنية السنية طريقة الشيخ التجاني رضي الله عنه، وهذا التعارف سيثمر إن شاء الله تعاونا علي البر والتقوي عملا بمقتضي الآية الشريفة حيث قال جل من قائل (وتعاونوا علي البر والتقوي).
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديم نعمه علينا وعليكم وعلى هذه البلاد ويجمع الجوامع ويمنع الموانع ودمتم فوق ما رمنا ورمتم (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الشيخ حسن علي سيس
رئيس المنظمات الإسلامية الإفريقية للسكان والتنمية