باسم الدفاع عن الإسلام تم اختراق قواعد وموازين التقعيد والتعيير، فاستعملت آليات لا تمت إلى علم أصول النقد والحوار بصلة، هدفها تضليل العوام وتشكيك أشباه المثقفين وإبراز علماء كانوا تحت الظل نظرا لتطرف فهم وسقم سعيهم، لخدمة من يحرك خيوط الإطاحة بمجد المسلمين، فظهرت صيحات نقل صوتها أصحاب المناهج الغربية التشكيكية والتضليلية، باسم البحث عن أسباب شد المسلمين إلى الوراء، وكان من جملتها التطاول على صلحاء هذه الأمة الخيرية. لكن عقلاءها ما تزال نبراساتم تضيء بنور الحقيقة وتشع بضياء الحقيقة.
الرد على منكري هيئة الإفتاء بالسعودية.
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد الكائنات ، اللهم ألهمنا الصواب والحكمة ، وأنطقنا بالحق لإزهاق الباطل وكشف زيفه وتلبيسه على أهله ودعاته ، آمين ، إن مما ابتليت به هذه الأمة فى هذه الأزمان أن ولى أمر دينها من ليسوا من أهله ، وقديماً كان السلف الصالح من العلماء يقولون : ” لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، وابكوا عليه إذا وليه غير أهله ” ، وأيضاً إن من سنن الله الماضية أن يسلط الله على أنبيائه وأصفيائه وأوليائه من يؤذيهم وينسب إليهم ما هم منه برءاء ليرفع به درجاتهم عنده ، فأشد الناس تعرضاً للبلاء والإيذاء الأنبياء والعلماء ثم الأمثل فالأمثل ، وصدق الله تعالى إذ يقول : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ مِّنَ المُجْرِمِينَ ) ، وقد قال العلماء جازاهم الله خيراً : ” لم تزل الأشراف تبتلى بالأطراف ” ، فلا عجب أن يتصدى الأشقياء ـ الذين انطمست بصائرهم ، وساءت نواياهم وظنونهم ، وضاقت آفاقهم وفسدت أخلاقهم ، ممن لا يعرفون الإنصاف ، و لا يتروون قبل الهجوم على أعراض العلماء والصلحاء ، ولا ينضبطون بضوابط الشرع وآدابه ـ بالكذب والافتراء على الشيخ التجانى رضى الله عنه وعلى أتباعه من العلماء والصلحاء والمنتسبين إليه من الفقراء والمريدين ، فكل الذين أطلقوا ألسنتهم وحركوا أقلامهم للحط من الطريقة التجانية ومؤسسها وأهلها يجمعهم وصف واحد ، هو انعدام الخوف من الله الذى يكتب شهادتهم ويسألهم عنها يوم القيامة ، فهم فى الواقع يستحقون الشفقة ، لأنهم يصدق عليهم قوله سبحانه و تعالى : ( وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) ، وكيف لا يستحقون الشفقة وهم يعرضون أنفسهم لمحاربة الله تعالى ، الذى يحارب من يحارب أولياءه ويؤذيهم ، وأى حرب أشد وأية إذاية أعظم من هذه التى يشنونها على الشيخ التجانى وأتباعه ، إذ يصفونهم بالفرقة الضالة ، وينعتونهم بالكفر والخروج عن الملة ، وينسبون إليهم بالكذب والبهتان عقائد فاسدة لا يقولون بها ، ويتعمدون تحريف كلام الشيخ التجانى رضى الله عنه ، ويزورون عليه من المقالات ما لم يقل ، ولا يمكن أبداً أن تصدر منه ولا من أى أحد من أتباعه الصادقين ، بل يظهر قصدهم الخبيث واضحاً عندما يتعمدون الكذب وإخفاء الحقيقة ، ويتعمدون صرف الكلام عن مدلوله الواضح إلى معانى سقيمة لا تستقيم مع السياق الذى أُخذت منه ، مما يدل إما على أنهم متسمون بالبلادة والغباء، أو أنهم لحسد فى أنفسهم يريدون تغطية نور الشمس الواضح فى كبد السماء ، فبالله عليكم لماذا يتكلمون عن الشيخ التجانى وكأنه نكرة مجهولة نشأت فى بيئة يلفها ويكتنفها الجهل ؟ أليس فى وسعهم أن يطّلعوا على سيرته المعروفة المشهورة ، وأن يطّلعوا على كفاءته العلمية والمعرفية ، وعلى صلاحه وتقواه وورعه وزهده الذى شهد به العلماء القريب منهم والبعيد ، أليس فى وسعهم أن يعرفوا البيئة العلمية الرفيعة التى أنجبته وتربى فى أحضانها ، أليس فى وسعهم أن يعلموا أنه سليل العلماء الشرفاء الأتقياء الصلحاء بشهادة المؤرخين المعاصرين له ومن جاء بعدهم ، أليس فى وسعهم أن يعرفوا سيرته الإصلاحية فى الدعوة إلى الله على بصيرة ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر دون أن يخشى فى الله لومة لائم ؟ أليس فى وسعهم أن يعلموا أنه كان وقافاً عند حدود الله ومتابعة السنة النبوية والشريعة المطهرة حذو نعل بنعل ، لا يميل أبداً فى تدينه إلى الرخص والتأويلات ، ولا يركن إلى العوائد والزوائد المنافية للشرع ، ولا يسكت عن فاعلها ، لا يُعرف إلا بركوب المعالى من الأمور ، متنزهاً عن سفسافها ، بل لم يكن يقدر أحد أن يهتك حرم الشريعة بمحضره لما علم من عدم قبوله بذلك ولا السكوت عن فاعله كائناً من كان ، ألم يعرفوا أنه كان على قدر عال ورفيع من تحصيل العلوم العقلية والنقلية والفقهية والأصولية ، بالإضافة إلى غوصه فى علوم الحقائق والدقائق والرقائق وإبرازه عجائب العلوم والمعارف وإظهاره دقائق الفهوم ، تلك عادته وذلك ديدنه ، مقبل كل الإقبال على مولاه ، يعرفه بذلك كل من رآه ، فهو من عباد الله المتحققين بالخير ، المشار إليه فى الحديث النبوى (( خيركم من إذا رُؤي ذُكر الله )) ، فكيف بالله عليكم يمكن لرجل هذه سيرته وهذا نعته منذ نشأ وكان إلى أن التحق بربه أن يفترى على الله وعلى رسوله الأكاذيب أو يسعى إلى إضلال الأمة ، أو يمكن للشيطان أن يلبس عليه ، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم بنص القرآن المبين . وأما العباد المضافون إلى الله تعالى ، المواظبون على تلاوة القرآن وتدبره ، وقيام الليل ، ومجاهدة النفس ، ومجالسة العلماء والصلحاء والرحلة إليهم للاستفادة منهم والأخذ عنهم ، وإفادة وتربية الأمة على سلوك سبيل المخلصين من أهل الإنابة التامة إلى الله تعالى ، فإنهم ممن يصدق عليهم قوله سبحانه فى خطابه لإبليس اللعين : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ، لذلك أعود فأقول لو كان هؤلاء المنكرون المبغضون دافعهم البحث عن الحق والكشف عن الحقيقة ونصح الخليقة ، لتحروا كل التحرى قبل المسارعة بإصدار الفتاوى والأحكام ، ألا يعرف هؤلاء كم عدد العلماء الأثبات الثقات الذين انخرطوا فى سلك هذه الطريقة منذ ظهورها إلى الآن ؟ وما اضطلعوا به من واجب الدعوة إلى الله تعالى ونشر الإسلام وعلومه وبيان أحكامه وتربية الناس التربية الربانية ، حتى إنهم ليعدون بالملايين ، أيهون على هؤلاء الطغام أن يكفروا كل هذا العدد من ملايين التجانيين الذين يشهدون شهادة التوحيد ، المحافظين على الصلاة المكتوبة فى الجماعة مع الإتقان ، وتلاوة القرآن ونشر علومه ، اللاهجين بالأذكار آناء الليل وأطراف النهار ، المواظبين على ترديد كلمة التوحيد فى أذكارهم السرية والجهرية ، وعلى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمقبلين على ربهم وعلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم ، والمنهمكين بإصلاح عيوب أنفسهم وما يعنيهم ، التاركين الخوض فيما لا يعنيهم من شؤون وعيوب الناس وتعاطى أسباب الرئاسة . لا محالة أن هؤلاء يتعاطون بفتاويهم فضولاً يقودهم التهور فيه إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فما شهد تاريخ الإسلام أبداً منذ ظهوره أحداً تعاطى الإنكار على أهل الله وتهور فى هضم جنابهم إلا وسجل عليه بالحرمان والطرد والخذلان والموت على سوء الخاتمة ، والعياذ بالله تعالى من ذلك ، فليتفطن العاقل اللبيب لهذه الدسيسة الشيطانية ، التى يتزعم الوهابيون والمتسلفون كبر نشرها واستدراج جمهور المسلمين لتسميم أفكارهم بها ، فقد أثبت الواقع أن كل من تسمم بأفكار هؤلاء الشرذمة ـ التى لا تمثل الإسلام ولا المسلمين فى شيء ـ لا يرجع أبداً إلى الصواب ، فيصدق عليه ما ورد فى الحديث النبوى فى شأن الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعود فيه أبداً . وأما رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم هذه التى ينكرونها ، فنسألهم هل الشيخ التجانى وحده الذى ادعاها أو ادعيت له ؟ فإن كان هذا مبلغ علمهم وفهمهم فكفاهم هذا جهلاً وخبلاً ، وإن كانوا على علم بالعدد الذى لا يحصى من العلماء والصلحاء قبل الشيخ التجانى وبعده الذين قالوا بجواز بل ووقوع هذه الرؤية مناماً ويقظة فى الدنيا وادعوها وادعيت لهم ، فماذا يقولون عنهم ؟ هل يرمونهم جميعاً من أولهم إلى آخرهم بنفس الأوصاف من الكفر والضلال ؟ فإن هم فعلوا فكفاهم إثماً أن تجرأوا هذه الجرأة العظيمة على هذا الجم الغفير من الأولياء والصالحين ، الذين منهم من كانوا أئمة وفقهاء ومحدثين ومجتهدين منبثين فى سائر بقاع العالم الإسلامى ومنذ قرون ، فإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عماهم الذى ما بعده عماء ، وعلى بعدهم عن نهج الإسلام بعد الأرض عن السماء ، وعن كون كل صياحهم لا يعدوا أن يكون شبيهاً بما يصدر من الكلاب من عواء ، فالرؤية التى يقول بها الصالحون من أولياء هذه الأمة من جملة الكرامات التى هى بنت المعجزات لا يكيفها العقل ولا يتصورها أو يقيسها بمقياس ما يجرى فى عالم الشهادة ، فيكفى فى أمرها التسليم كما يسلم من لم ير الهلال لمن ادعى رؤياه ، ويكفى أن العلماء وضعوا لها ضوابط شرعية ، وأنها لا يمكن أن تشتمل على ما يناقض الشريعة بتاتاً ، ومن تأمل فى كل تصريحات الشيخ التجانى وإخباراته سيجدها ولله الحمد والمنة لا تخرج أبداً عن نطاق الشريعة المطهرة ، فهو لم يدع والعياذ بالله أمراً مستحيلاً شرعاً أو عقلاً أو طبعاً ، يعرف هذا من يعرف التمييز بين حدود الأحكام الشرعية والأحكام العقلية والأحكام العادية الطبعية ، فهو لله الحمد لم يدع إلوهية ولا نبوة ، وإنما تحدث بخصوصيات خصه الله بها ، رب الأرض والسماء ، تحدثاً بنعم الله عليه ، فليؤمن بها من شاء وليكفر بها من شاء ، فهذا لن يغير من واقع الأمر وحقيقته شيئاً ، لأن الله إذا أراد أن يعطى عبداً من عباده عطاء أو يتحفه بتحفة من باب فضله وكرمه فلن يقدر أحداً أن ينزع ذلك الفضل بالإنكار والشوشرة مع الإصرار ، ولم يقل الشيخ التجانى أبداً بتفضيل صلاة الفاتح على القرآن ، وإنما تحدث عن الثواب الحاصل بالنسبة لحال القارئ ، فمن القراء من لا تزيده تلاوة القرآن والعياذ بالله إلا بعداً وشقاوة ، إذا كان لا يقف عند حدوده ولا يفى بعهوده ، على حد القول: ” رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ” ، فهذا الأولى له أن يكثر من الاستغفار وينشغل بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عسى أن يصلح الله حاله فيغفر له وينور باطنه ، وعنده يصبح صالحاً لأن يتقرب إلى الله بتلاوة كلامه ، ولكن هذا المعنى ليس على إطلاقه ، فهو يخاطب به من يريد السلوك والتربية لا مجرد التلاوة فحسب ، ولكن هؤلاء الناس لا يعرفون التمييز بين حال وحال ، لذلك يجيبون عن الأسئلة التى توجه إليهم ولو كانت خارجة عن اختصاصهم أو بعيدة عن مداركهم ، وللأسف فهذا كتاب جواهر المعانى الذى يزعمون أن منه ينقلون ما ينسبون إلى الشيخ التجانى ، لماذا لا يذكرون كلام الشيخ التجانى بتمامه فى موضوع تلاوة القرآن وأقسام ومراتب التالين له ؟ فإنه رضى الله عنه قد فصل فى ذلك المقام الأمر تفصيلاً أفاد فيه وأجاد ، وكشف بوضوح عن غاية المراد بما لا يدع مجالاً لمنكر أن ينكر شيئاً ، وهنا يحضرنى قول القائل :
ونهج سبيلى واضح لمن اهتدى ، ولكنها الأهواء عمت فأعمت
نعم أؤكد مرة أخرى إن هؤلاء المنكرين لا يريدون حقاً الحقيقة ولا كشفها ، ولكن والعياذ بالله يقصدون ـ وعن عمد وعن سوء قصد لخبث طوياتهم ـ التزييف والتضليل للسائلين وصرفهم عن الإقبال على أولياء الله الصالحين ، ومع ذلك فإنما هم يتعبون أنفسهم وينفقون الجهد والوقت والمال ، فلن يتم لهم أبداً ما يريدون ، فالطريقة التجانية ولله الحمد وغيرها من طرق أهل الله الصالحين ستستمر فى الانتشار والانتصار ، وسيهتدى إليها بفضل الله كل من سبقت له العناية الربانية ، ولن تؤثر فيه هذه الدعايات المغرضة والوشايات الكاذبة ، فنور الله لا تطفئه الأفواه ، كيف وهو الذى به يستضاء ! وأقول فى ختام هذا التعليق ناصحاً من يريد المنهج السليم فى طلب العلم والمعرفة أن يسأل فى أى مجال يريده عن أربابه وأصحابه المتخصصين فيه ، فهم وحدهم سيجد عندهم الحقيقة ، فلا يسأل عن علوم الطب إلا الأطباء، ولا عن علوم الهندسة إلا المهندسون ، ولا عن علوم الإقتصاد إلا المتخصصون فيه ، ولا يعقل أن يسأل مريد معرفة أحكام الدين الإسلامى وشرعه أحبار اليهود ورهبان النصارى وهم معروفون بعداوتهم للإسلام ! وكذلك لا يعقل أن يسأل الوهابيون والمتسلفون وسائر التكفيريين عن الصوفية وطرقهم لأن الجواب معروف سلفاً ! فهم قد جمعوا ودون تمييز الكل فى صرة وذبحوهم بفتوى الكفر والزندقة والضلال بالمرة ، ولكن ننصح من يريد أن يعرف ما هى الطريقة التجانية أن يلجأ إلى أهلها من العلماء الأثبات فيها المشهورين ، وكما ننصحه إن كان أهلاً للبحث والاطلاع أن لا يقنع بمجرد السماع من فلان وفلان ، بل عليه أن يترك الكسل والخمول والقناعة بما يقدم إليه فى العجالات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع ، بل عليه أن يبحث فى الكتب التى ألفها علماء هذه الطريقة فى التعريف بها وبمؤسسها وبالرد على المنكرين عليها ، وهى ولله الحمد موجودة ومطبوعة ومتوفرة ومنشورة ، والوصول إليها سبله ميسورة ، ككتاب جواهر المعاني لسيدى على برادة ، وبغية المستفيد لسيدى العربى بن السائح ، وكتاب إراءة عرائس شموس فلك الحقائق العرفانية لسيدى الأحسن البعقيلى ، وكتاب الكوكب الوهاج وكتاب جناية المنتسب العانى فيما نسب بالكذب للشيخ التجانى لسيدى أحمد سكيرج ، وكتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم المطبوع كحاشية مع كتاب جواهر المعانى لسيدى عمر الفوتى، وكتاب الخريدة لسيدي محمد النظيفي ، وغيرها كثير من الكتب المفيدة فى التعريف بهذه الطريقة ومنهج التربية بها وفضائلها ومكاسب الداخلين إليها فى الدين والدنيا والآخرة ، والله ولى التوفيق وعليه التكلان فى السر والإعلان.
سعيد عبد الواحد منقار بنيس – الدار البيضاء – المغرب