السر الرباني
في مولد النبي العدناني
للعلامة الهمام السيد محمد البناني
رضي الله عنه وأرضاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اختار الذات الأحمدية، وأبرزها أَوَّلاًً في الحضرة الوَاحِدِيَّة، وجعلها وَاسِطَةً لكل إنسان، وَفَرَّعَ عليها سائر الأكوان، وأمدها بأنواره العظيمة الشَّعْشَعَانِيَّة، وأوصل لجملة الأعيان أمدادها السرمدية، أحمده أن جعلنا من هذه الأمة المرضية، ورحمنا بهديه وسنته القوية، وطهر قلوبنا بحب هذه الجوهرة الفردية، وأفاض على سائرنا من الود هذه المعاني العلمية، فصارت قلوبنا طاهرة مُطَهَّرَة من الطغيان، فنطقنا بالحكمة التي تشرف بها الثقلان، وأَهَّلَ عقولنا للتأمل فاقتدينا بتلك الأفعال العلية، فرقينا على دُرَجِ العناية لأَعْلَى الجِنَان. وأشكره على أن أصعد إلى منصة الإجلال والتشريف، عروس جماله البدر المنيف، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، فَضَّلَ سيِّدَنا محمداً صلى الله عليه وسلم، على جميع الخلائق، وأسعد به كل صامت وناطق، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخلِيلُه، المنتقل في الغرر الكريمة نُورُهُ صلى الله عليه وعلى آله، الذين أذهبتَ عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا، ومنحتهم إجلالا كاملا وتوقيرا، وَصَحَابَتِهِ الذين نصروا دينه وشريعته، واتبعوا طريقته وسنته، صلاة وسلاما يتعاقبان ما تعاقبت الأعصر والدهور، ولا ينقطعان بفضل الله الغني الشكور.
وبعد: فإن المقصود من هذا الديوان، ذكر مولد المصطفى النبي العدنان صلى الله عليه وعلى آله، في كل وقت وأوان، وسميته السر الرباني، في مولد النبي العدناني، جعله الله خالصا لوجهه الكريم، وسببا لِلسُّكْنَى في جنات النعيم، والفوز بالرضى والنظر في وجهه العظيم، إنه المتفضل بكل نعيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اعلم يا ذا العقل السليم، والمتصف بأوصاف الكمال والتتميم، وفقني الله وإياك بالهداية إلى الصراط المستقيم، أنه لما تعلقت إرادة الله بإيجاد خلقه، وتقدير رزقه، أبرز الحقيقة المحمدية، من الأنوار الصمدية، في الحضرة الأحدية، ثم سلخ منه العوالم كلها، علوها وسُفْلِيَها على صورة حكمه، كما سبق في سابق إرادته وعلمه، ثم أعلمه بنبوته، وبشره برسالته، هذا وآدم لم يكن إلا كما قال بين الروح والجسد، ثم انْبَجَسَتْ منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح، فظهر بالملاء الأعلى، وهو بالمنظر الأجلى، وكان لهم كالمَوْرِدِ الأحلى، فهو صلى الله عليه وسلم، الجنس العالي على سائر الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، فهو صلى الله عليه وسلم، وإن تأخرت طينتُه، فقد عُرِفَتْ قيمته، فهو خِزَانَةُ السر، وموضع نفوذ الأمر، فلا يَنْفُذُ أمر إلاَّ منه، ولا يُنْقَلُ خير إلا عنه.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
أخرج البيهقي بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أول شيء خلقه الله، قال نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير، وخلق بعده كل شيء، وحين خلقه أقامه قُدامه في مقام القرب اثنى عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب، اثنى عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق القلمَ من قسم، واللوحَ من قسم والجنةَ من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق الملائكةَ من جزء، والشمس من جزء، والقمر والكواكب من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق العقل من جزء، والعلم والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة، ثم نظر الله إليه فترشح النور عرقا، فقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء، فخلق الله تعالى من أنفاسهم نور الأولياء، والسعداء والمطيعين من المومنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكَرُوبِيُّونَ والرُّوحَانِيُّونَ من الملائكة من نوري، وملائكة السماوات السبع من نوري، والجنة وما فيها من النعيم المُقِيمِ من نوري، والشمسَ والقمرَ والكواكبَ من نوري، والعقلَ والعلمَ والتوفيقَ من نوري، وأرواح الرسلِ والأنبياءِ والشهداءِ والصالحينِ من نوري، ثم خلق الله اثنى عشر ألف حجاب، فأقام النور في كل حجاب ألف سنة، وهي حجاب الكرامةِ والسعادةِ، والهيبةِ والرحمةِ والرأفةِ، والعلمِ والحلمِ، والوَقَارِ والسَّكِينَةِ والصبرِ، فَعَبدَ الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة، فلما خرج النور من الحُجُبِ، ركبه الله في الأرض، فكان يضيء منه ما بين المشرقِ والمغربِ، كالسراج في الليل المظلم، ثم خلق الله آدم من الأرضِ، وركبه في جَبينِهِ، ثم انتقل منه إلى شِيتْ، وكان ينتقل من طَيِّبٍ إلى طاهر، إلى أن وصل إلى صُلْبِ عبد الله أبِي، ومنه إلى رَحِيمِ أمِّي آمنة بنت وهب، ثم أخرجني إلى الدنيا، فجعلني سيدَ المرسلينَ، وخاتم النبيئين، هكذا كان بدء خَلْقِ نبيك يا جابر”
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي الدر المُنَظَّم، عن سيدنا علي كرم الله وجهه، قلت: ” يا رسول الله مِمَّا خُلِقْتَ؟ فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وعليه عرق كالجُمَان، فقال يا علي: لما عُرج بي إلى السماء، وكنت من ربي كَقَابِ قوسين أو أدنى، قلت يا ربي ممَّ خلقتني؟ فقال يا محمد، وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت جنتي ولا ناري، فقلت يا رب ممَّ خلقتني؟ فقال لما نظرتُ إلى صفاء بياض نوري، الذي خَلَقْتَهُ بقدرتي، وأبدعته بحكمتي، وأضفته تشريفا له إلى عظمتي، اسْتَخْرَجْتُ منه جزءا، فقَسَّمْتُهُ ثلاثة أقسام، فخلقتك أنتَ وأهلَ بيتك من القسم الأول، وخلقتُ أزواجك وأصحابك من القسم الثاني، وخلقت من أحبكم من القسم الثالث، فإذا كان يوم القيامة، عاد كل حسب ونسب إلى حسبه ونسبه، ورددت ذلك النور إلى نوري، فأدخلتك أنت وأهل بيتك وأَصْحَابكَ ومن أحبكم جنتي برحمتي، فأخبرهم بذلك يا محمد عني”.
وأخرج ابن عساكر، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هبط جبريل عليه السلام فقال: ” يا محمد إن ربك يقول لك: إن كُنْتُ اتَّخَذْتُ إبراهيم خليلا، فقد اتخذتك حبيبا، وما خَلَقْتُ خلقا أكرم علي منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كَرَامَتَكَ ومَنْزِلَتَكَ عندي، ولولاك ما خلقت الدنيا “.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي الدر المنظم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح، نظر إلى ساق العرش، فرآى عليه مكتوبا، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقال: يا رب من صاحب هذا الإسم؟ فقال: نبي من ذريتك آخر الأنبياء وأول الأنبياء، فقال: يا رب، وكيف يكون أولهم وآخرهم؟ فقال: أولهم دخولا إلى الجنة وآخرهم بعثا، فقال: يا رب ويدخل الجنة قبلي؟ فقال: يا آدم هذا ولدك، لولاه ما خلقتك ولا خلقت جنة ولا نار، ولا شمسا ولا قمرا.
وروي أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام، ألهمه أن قال: يا رب لما كنيتني أبا محمد؟ قال الله تعالى: “يا آدم ارْفَعْ رأسك، فرفعه فرأى اسم محمد في سُرَادِقِ العرش، فقال: يا رب ما هذا النور؟ قال نور نبيٍّ من ذريتك اسمه في السماء أحمد، وفي الأرض محمد، لولاه ما خلقتك ولا خلقت سماءا ولا أرضا “.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي شرح المواهب، روي أنه لما خرج آدم من الجنة، رأى اسم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا على ساق العرش، وعلى كل موضع في الجنة فقال: يا رب هذا محمد من هو؟ فقال الله تعالى: هذا الذي لولاه ما خلقتك، ولو تَشَفَّعْتَ لنا بمحمد في أهل السماوات والأرض لَشَفَّعْنَاكَ.
وفي حديث نقله الحلبي في سيرته، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام: كَمْ عَمَّرْتَ يا جبريل من السنين؟ فقال: لست أعلم يا رسول الله، غير أن في الحجاب الرابع نجما، يَطْلُعُ في كل سبعين ألف سنة مرة، رأيته اثنين وسبعين ألف مرة، فقال صلى الله عليه وسلم: ” وعزة ربي أنا ذلك الكوكب”.
ونقل أبو عبد الرحمن الصقلي رحمه الله، في كتابه الدلالة ما نصه: إن الله تعالى لم يخلق خلقا أحب إليه من هذه الأمة، ولا أكرم عليه من نبيها عليه الصلاة والسلام، ثم النبئين بعده، ثم الصديقين والأولياء المختارين، ذلك أن الله تعالى خلق نور محمد قبل خلق آدم بألف عام، وجعله في عَمُودٍ أمام عرشه، يسبح الله ويقدسه، ثم خلق آدم عليه السلام من نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخلق نور النبيئين من نور آدم.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي كتاب شفاء الصدور، أنه لما شاء الحكيم خَلْقَ ذاته صلى الله عليه وسلم المُبَارَكَةَ المُطَهَّرَةَ، أمر جبريل أن ينزلَ إلى الأرضِ، وأن يأتيهُ بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورُها، قال: فهبط جبريل وملائكة الفردوس وملائكة الرفيق الأعلى، فقبض قبضة من موضع قبره صلى الله عليه وسلم، بيضاء نيرة، فَعُجنت بماء التسنيم، وغمست في معين أنهار الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء، لها نور وشعاع عظيم، فطافت بها الملائكة حول العرش والكرسي، والسماوات والأرض والجبال والبحار، فعرفت الملائكة وجميع الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفَضْلَهُ قبل أن تعرف آدم عليه السلام، فلما خلق الله آدم عليه السلام، وضع في ظهره قَبْضَةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع آدم في ظهره نَشِيشًا كَنَشِيشِ الطيرِ، فقال آدم يا رب، ما هذا النشيش؟ فقال: هذا تسبيح نور محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، الذي أُخْرجُهُ من ظهرك، فخذه بعهدي وميثاقي، ولا تدعه إلا في الأرحام الطاهرة، قال: يا رب قد أخذته بعهدك، أَلاَّ أودعه إلا في المطهَّرين من الرجال، والمُحْصَنَاتِ من النساء، فكان نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتلألأ في ظهر آدم، وكانت الملائكة تقف خلفه صفوفا، ينظرون إلى نور محمد صلى الله عليه وسلم، ويقولون، سبحان الله استحسانا لما يرون، فلما رأى آدم ذلك، قال: أي رب ما هؤلاء ينظرون خلفي صفوفا، فقال: الجليل سبحانه يا آدم، ينظرون إلى نور خاتم الأنبياء الذي أُخْرِجُهُ من ظهرك، فقال: أي رب أرنيه، فأراه الله إياه، فآمن به وصلى عليه مشيرا بأصبعه، ومن ذلك الإشارة بالأصبع بلا إله إلا الله، محمد رسول الله في الصلاة، فقال: آدم أي رب اجعل هذا النور في مُقَدَّمِي، كي تَسْتَقْبِلَنِي الملائكة ولا تستذبرني، فجعل ذلك النور في وجهه، فكان يُرى في غُرة آدم كدارة الشمس في دَوَرَانِ فلكها، وكالبدر في تمامه، وكانت الملائكة تقف أمامه صفوفا، تنظر إلى ذلك النور، ويقولون سبحان الله استحسانا لما يرون، ثم إن آدم عليه السلام قال: يا رب اجعل هذا النور في موضع أراه، فجعل الله ذلك النور في سبابته، فكان آدم ينظر إلى ذلك النور، ثم إن آدم قال: يا رب هل بقي من ذلك النور شيء، قال الله تعالى: بقي نور أصحابه، قال آدم: أي رب اجعله في بقية أصابعي، فجعل نورأبي بكر في الوسطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر، ونور علي في الإبهام، فكانت تلك الأنوار تتلألأ في أصابع آدم ما كان في الجنة، فلما كان خَِليفَةً في الأرض انتقلت الأنوار من أصابعه إلى ظهره.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وعن سيدنا علي كرم الله وجهه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُنْتُ نورا بين يدي الله عز وجل، قبل أن يخلق آدم عليه السلام، بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم، جعل ذلك النور في صُلْبِه، فلم يزل ينتقل من صُلب إلى صُلب، حتى اسْتَقَرَّ في صُلب عبد المطلب ثم انتقل إلى والده عبد الله، ومنه إلى رحم أُمِّهِ آمنة.
وروي عن سيدنا العباس رضي الله عنه، أنه قال: لما بنى عبد الله، بآمنة العَظِيمَةِ الجَاهِ أحْصَوْا مائتي امرأة، من بني عبد مناف وبني مخزوم، مُتْنَ ولم يتزوجن، أسفا على ما فاتهن من سره المعلوم.
وروي عن سَهْلِ بن عبد الله: أن الله تعالى لما أراد أن يخلق سيدنا محمدا في بطن أمه، ليلة رجب وكانت ليلة جمعة، أمر الله خَازِنَ الجنان، أن يفتح الفردوس، وَنَادَى منادٍ في السماوات والأرض، ألا إِنَّ النور المحمدي الكمنون، قد استقر في بطن آمنة، فظهرت لحمله عجائب، ووجدت أمه لإِجَادِهِ غرائب.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وعن الزُّهْرِي أنه قال: كانت آمنة تقول، ما شعرت أني حَمِلْتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا وجدت منه ثِقَلاً كما تجده النساء.
وعن أبي زكرياء أنه قال: بقي صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تِسْعَةُ أشهرٍ كَمُلاَ، لم تَشْكُ أمه وجعا ولا مَغَصًا ولا ما يَعْرِضُ لذوات الحمل من النساء.
وقالت سيدتنا آمنة: أتاني آت وأنا بين النوم واليقظة وقال هل شعُرت بأنك حمَلت بسيد هذه الأمة ونبيها، فإذا وُضِعَ فسميه محمدًا وقولي أُعِيذهُ بالواحد، من شر كل حاسد.
وَرَوَى أبو نُعَيْمٍ في الدلائل، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُمِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تبق أي دابة إلا نطقت تلك الليلة، وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَبِّ الكعبة، وهو إمام الدنيا وسراج أهلها، ولم يبق سرير مَلِكٍ من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، وَهُتِفَ بالبشارات في البَرِّ والبحر، ونودي في السماوات والأَرَاضِينَ أنْ أَبْشِرُوا فقد آن أَنْ يَظْهَرَ أبو القاسم، إماما مُبَارَكًا، ولم تبق في تلك الليلة دارٌ إلا أشرقت، ولا مكانٌ إلا دخله النُّورُ، ولا دابة إلا نطقت، وصارت الأصنام منكوسة، وصاح إبليس على جنوده قائلا: ويل لكم لقد حُمِلَ بمحمد صلى الله عليه وسلم هذه الليلة، وكانت قريش حينئد في جدب شديد، وضيق عظيم، فاخضرت الأرض، وَحَمَلت الأشجار، وأتاهم الرفد من كل جانب، فسميت تلك السنة، التي حمل فيها برسول الله سنة الفتح والابتهاج.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ولما مضى على حَمْل رسول الله شهران على الأصح، توفي والده عليه السلام، قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لما تُوُفي عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت الملائكة: إلهنا وسيدنا ومولانا وعالم نجوانا، بقي نبيك يتيما لا أب له، فقال الله تعالى: “أنا أولى به من أبيه، أنا حافظه وراعيه”.
قالت سيدتنا آمنة عليها السلام: لما كانت ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، أخذني ما ياخذ النساء، ولم يعلم بي أحد لا ذكر ولا أنثى، وإنِّي لوحيدة في المنزل، وعبد المطلب في طوافه، فسمعت وجبةً عظيمةً، وأَمْرًا عظيمًا هَالَنِي، ثم رأيت كأن جناح طيْر أبيض، قد مسح عن فؤادي، فذهب عني الرُّعْبُ، وكل وَجَعٍ أجده، ثم الْتَفَتْتُ فإذا أنا بشربة بيضاء، فتناولتها، وأصابني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا، كأنهن من بنات عبد مناف، يحدقن بي، فبينما أنا أتعجب وأقول: واغوثاه، من أين علمن بي، فقلن لي نحن آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وهؤلاء من الحور العين، واشتد بي الأمر، وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظمَ وأهولَ مما تقدمَ، فبينما أنا كذلك، إذا بِدِيبَاجٍ أبيض، قد مُدَّ بين السماء والأرض، وإذا بقائل يقول: خذاه، يعني إذا ولد، قالت: ورأيت رِجَالاً قد وقفوا في الهواء، بأيدهم أباريقُ من فضة، ثم نظرت فإذا بقطعة من الطير، قد أقبلت حتى غطت حجرتي، مناقيرُها من الزُّمُرُدِ، وأجنحتها من الياقوت، فأمر الله جبريل أن يَصُبَّ رَاحَ الأرواح، ونادى رضوان : افتح أبواب الجنان، وَنَادَى مالك: أغلق أبواب النيران، قالت آمنة: فكشف الله عن بصري، فرأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات، علما بالمشرق، وعلما بالمغرب، وعلما على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض، فوضعت سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم.
الســلام عـليـك يــا طـــــه يــا حـــبـيـبي | السـلام عـــلـيـك يــا مــســكــي وطــيبي | |
الســلام عـلـيــك يــا كــنــز الــغــريـــب | السـلام عـلـيـك يـا أحـمــد ومــحــمــد | |
الســلام عــلـيـك طـــه يـــا مُـــمَـــجَّـــدُ | الســلام عــلــيـك يــا مُــهْْــدِي الــهــدايـا | |
الســـلام عـلــيــك يـا كـاســي الـعـرايـــا | الـسـلام عـلـيــك يـا مُـعْـطِـي الـعـطـايــا | |
الســلام عـلـيــك مــخــتــار الإلــــــه | الـســلام عـلـيــك يـــا صـفـــوة اللــــه | |
الســلام عـلـيــك يــا عــزي وجــاهــي | الســلام عــلـيـك يـا أفْـضَـلَ كُــلِّ نـاطـق | |
السـلام عـلـيـك يــا خـيــر الــخــلائــق | الــســـلام مــــن خــالـــــق ورازق | |
الســلام عــلــيــك مـا هُـدِيَـتْ هـدايــا | الـســلام عـلـيــك مــا ســارت مــطـايـــا | |
الـسـلام عـلـيــك مــا رُفِــعَــتْ بَــلايــا | الســلام عـلـيــك مــن رَبٍّ رحــيــم | |
الــسـلام عـلـيــك مــن رب كــريـــم | الــسـلام عـلـيــك كـم لــك مــن مـقــام | |
الســـلام عـلـيــك مــن بــاب الــســـلام | الســلام عـلـيــك يــا طــه يــا تِــهَــامِــي | |
الســـلام عــلــيـك يــا خــيـــرَ الأنــــام | الـســلام عـلـيــك يـــا بـــدر الــتــمـــام |
قالت سيدتنا آمنة عليها السلام، “فوضعت الحبيب معتمدا على يديه، شاخصا إلى السماء بعينيه، فنظرت إليه فإذا هو ساجد، قد رفع أُصْبُعَهُ إلى السماء كالمتضرع المبتهل، وَوُلِدَ صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا، مكحولا نظيفا”.
وورد في شواهد النبوة، أنه صلى الله عليه وسلم، لما وقع على الأرض، رفع رأسه وقال بلسان فصيح، لا إله إلا الله وإني رسول الله، فهذه آيَاتٌ بيناتٌ، ومعجزاتٌ واضحاتٌ، وخوارقُ عاداتٍ، أظهرها الله عند ولادة هذا النبي الكريم، عناية به وكرامة له، سَعِدَ بهِ أقوام، وشَقِيَ به آخرون.
وورد في المعيار على أن ليلة مولدِه عليه السلام، أفضل من ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ولما تمت له صلى الله عليه وسلم، أربعون سنة وستة أشهر، بَعَثَهُ الله نبيا ورسولا، أرسله إلى الناس كافة، وإلى العالمين قاطبة ورحمة، فصدع بأمر الله، وأدَّى الأمانة، ونصح الخَليقة، ولما تَمَّتْ عليه ثمان وأربعون سنة، أُسْرِيَ بجسمه وروحه الشريفين، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به عليه السلام إلى ما فوق السماوات السبع، ثم إلى سِدْرَةِ المنتهى، ثم إلى ما لا يَصِلُهُ نبي مُرْسَلْ، ولا مَلَكٌ مُقرب، إلى أن كان من ربه كَقَابِ قوسين أو أدنى، وهاجر صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، إلى المدينة المنورة في الثالثة والخمسين من عمره، والتحق رسول الله بالرفيق الأعلى في الثالثة والستين، ودفن عليه السلام بالمدينة المنورة التي صارت له ولأصحابه دار سلام.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
فيا فوز من أصبح له هذا النبي الكريم نبيا، ويا سَعْدَ من وُفقَ لاتباعِهِ واقْتِفَائِهِ، وكان عند ربه مرضيا، فبشرى لنا معشر الإسلام، وأُمَّةَ خَيْرِ الأنام، بطلعة هذا النبي الكريم، والرسول المُبَجَّل العظيم، شرفه الله على جميع المخلوقين، وآدم بين الماء والطين، وجعل مقامه رفيعا، وحرزه منيعا، وَحُسْنَهُ بديعا، ومَوْلِدَهُ للمومنين ربيعا، وتوجه بتاج الفخار، وَنَوَّرَ به جميع الأقطار، وصَفَّاهُ من سائر الأكدار، وَخَلعَ عليه خِلعَ المهابة والوقار، وختم به النبيئين، وتَمَّمَ به المرسلين، وجعله رحمة للعالمين.
ففي حديث كعبٍ الأحبار: يا موسى رحمتي كلها لأحمد وأمَّتهُ.
وروي أن الله تعالى نادى هذه الأمة فقال: يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني وأجبتكم قبل أن تدعوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، من لقيني منكم لا يُشرك بي شيئا، أذْخَلْتُهُ جنتي.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم، لما كان من ربه كَقاب قوسين أو أدنى قال: ” اللهم إنك عذبت الأمم الماضية، بعضهم بالحجارة، وبعضهم بالخسف والمسخ، فما أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى: أُنْزِلُ عليهم الرحمة، وأُبَدِّلُ سيئاتهم حسنات، ومن دعاني منهم لَبَّيْتُهُ، ومن سألني أعطيته، ومن توكل علي كفيته، وفي الدنيا أستره على العُصاة، وفي الآخرة أُشَفِّعُكَ فيهم، ولولا أن المحِبَّ يُحِبُّ معاتبة حبيبه، لما حَاسَبْتُ أُمَّتَكَ”.
ولما أراد صلى الله عليه وسلم الانصراف، قال: يا رب لكل قادم من سفره تُحْفة، فما تحفة أمتي؟ قال: أنا لهم ما عاشوا، وأنا لهم إذا ماتوا، وأنا لهم في القبور، وأنا لهم في النشور.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أراد أن يمن عليه بما أعطاه وأمته، قال: يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق، بألفي عام في ورقة من أوراق الجنة، ثم وضعه على العرش، ثم نادى: يا أمة محمد، إن رحمتي سبقت غضبي، غفرت لكم قبل أن تستغفروني، وأعطيت لكم قبل أن تسألوني، من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبدي ورسولي، أدخلتُه الجنة.
وروي أنه مكتوب على ساق العرش، من اشتاق إلى رحمتي رحِمْتُهُ، ومن سألني أعطيته، ومن لم يسألني لم أُأَيِّسْهُ من رحمتي، ومن تقرب إلي بقدر محمد، غفرت له ذنوبه، فلله الحمد والنعمة، ولله الشكر على ما أولانا من هذه النعم الجمة، التي أتحفنا بها خالق البرية، بوجود نبينا عليه من الله كل فضل وتحية.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ذكر الإمام الرُّسَّاع في تُحْفَةِ الأخيار، في فضل الصلاة على النبي المختار، حديثا غريبا، وأَثَرًا عجيبا، عن ابن عباس وابن عمر، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قالوا: صلَّى بِنَا النبي صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الفَجْرِ، فلما فرغ من صلاته، أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الكريم على الناس، وَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ الشريف إلى المِحْرَاب، وَوَجْهُهُ يَتَلأْلأُ نُورًا، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ما أحسن وجهك، وما أَحْلَى مَنْطِقَكَ، وَأَصْدَقَ حديثك، وَأَرْأَفَ مَوَدَّتَكَ، وأَعْقَلَكَ وأَلْيَنَ مُعَاشَرَتَكَ، وأحسن بشاشتك، وأزين مُخَالَطَتَكَ عِند الله وعند الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي اشْتَقَّ الله اسْمِي من اسمِه، فالله محمود، وأنا محمد ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي خَلقَ نُوري أول كل شىء، فسجد لله عز وجل، فبقي في سجوده سبعمائة عام، فأول شيء سجد لله نوري ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي خلق الله العرش من نوري، فَاضْطَربَ، ولَمْ يَسْكُنْ حتى كتب عليه اسمه تعالى مع اسمي، فكتب على ساق العرش، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن، وذلك قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي عَرَّفَ الله الملائكة بفضلي، قبل أن يسمعوا بذكر آدم باثني عشر ألف عام ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي خلق الله آدم وذريته على حروف هجاء اسمي ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، إذ كنت في صلبه تعظيما واحتراما ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي بادرت بالجواب، حين أخذ رَبُّكَ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم، فَقُلْتُ بلى، أنت رَبُّنَا، فاستحسن الله ذلك مني ولا فخر، يا عمر، أتدري من أنا؟ أنا الذي أخذ الله ميثاق الأنبياء والرسل، بإقرارهم بنبوتي وفضلي ولا فخر، يا عمر أتدري من أنا؟ أن الذي من أجلي، قال الله تعالى للنار: كوني بردا وسلاما على إبراهيم إذ كُنْتَ في صُلْبِهِ ولا فخر، يا عمر أتدري من أنا؟ أنا الذي بعثني الله بالحق وَعَمِلْتُ به، وَضَرَبْتُ بالحسام الملثوم حتى عَلَى قول لا إله إلا الله، ولا فخر، يا عمر ، أتدري من أنا؟ أنا العربي القُرَشِي الهاشمي، البشير النذير، السراج المنير ولا فخر، يا عمر أتدري من أنا؟ أنا محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب بن هاشم ولا فخر، يا عمر أتدري من أنا؟ أناالذي حرم الله الجنة على جميع الأنبياء والمرسلين، حتى أدخلها أنا وأمتي ولا فخر، يا عمر أتدري من أنا ؟ أنا محمد، طِبْ نفسا وقر عينا، فأنت من رفقائي يوم القيامة “.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه سُمِعَ له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي ويقول:
بأبي وأمي أنت يا رسول الله، لقد كان لك جِدع تَخْطُبُ الناس عليه، فلما اتخذت منبرا حَنَّ الجدْعُ لفراقك منه، حتى جَعَلْتَ يدك عليه فسكن، فَأُمَّتُكَ أحق وأولى بالبكاء من الجدع حين فارقتهم، صلى الله عليك.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله، أن جعل طاعتك طاعته، فقال: من يطيع الرسول فقد أطاع الله، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله، أن أخبرك بالعفو قبل أن يُخْبِرَكَ بِالعِتَاب، فقال: عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله، أن بعثك آخِرَ الأنبياء، وذَكَرَكَ أولهم فقال: وَإِذْ أخذ الله من النبيين ميثاقهُم ومنك ومن نوح…-الآية-، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان موسى بن عمران عليه السلام، قد أعطاه الله حجَرا تتفجر منه الأنهار، فما هو بِأَعْجَبَ مِنْ أَصَابِعِكَ، حين نبع منها الماء صلى الله عليك.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان عيسى بن مريم، قد أعطاه الله إحياء الموتى، فما ذاك بِأَعْجَبَ من الشاة، حين كَلَّمَتْكَ وهي مَشْوِيَّةٌ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، وأنت تقول بعدما أوديت أَشَدَّ الأذى، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، بأبي وأمي أنت يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سِنِّك وَقِصَرِ عُمُرِكَ، ما لم يتبع نوحا، في كثرة سنه وطول عمره، فلقد آمن معك الكثير، وما آمن معه إلا القليل، بأبي وأمي أنت يا رسول الله، لو لم تجالس إلا كُفؤا لك، ما جالستنا، ولا نكحت إلينا، فلقد جالستنا، ونكحت إلينا، ولبست الصوف، وركبت الحمار، وأرْدَفت خلفك، ووضعت طعامك في الأرض، وَلَعَقْتَ أَصَابعَكَ، صلى الله عليك، أخرجه الباجي في كتابه، وابن النجاح على هذا المنوال.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
اللهم إنا نسألك بحرمة هذا النبي الكريم، وبجاه قدره العظيم، وما كان بينك وبينه ليلة التقريب والتكريم، أن تجعلنا بالصلاة عليه من المرحومين، ومن عذاب النار بجودك وكرمك من المعتقين.
اللهم إنا قد حضرنا مولد نبيك الكريم، فَأَفِضْ علينا ببركاته لباس العز، وأسكنا بجواره في دار النعيم.
اللهم يا برُّ يا رحيم، كما جعلتنا من أمة هذا النبي الكريم، الذي خلقت الدنيا والآخرة لأجله، وأوليته في الأولين والآخرين، الشفاعة الكبرى والجاه العظيم، اجعله لنا شفيعا في سائر الأحوال، وملاذا منيعا من جميع الفتن والأهوال، واغفر لنا بجاهه، فنحن من أوزارنا مستغفرون، وبما اقترفناه من الموبقات مُقِرُّونَ.
اللهم إنا نسألك بجاه هذا النبي المصطفى، وبصحابته أَهْلِ الصدقِ والوفاء، قَبُولاً وَعِزًا وشرفًا، ونتضرع إليك بذاتك العالية، أن تأخذ بأيدينا أخذ الرأفة والحنان، وأن توفقَنا لِعَمَلٍ صالح يُفضي بنا إلى الجنان، ونور بصائرَنا بنور معرفَتِكَ، وأوزعنا يا مولانا شكر نِعْمَتِكَ، وهب لنا من لدنك توفيقا، واجْمَعْنَا مع الأحبّةِ تحت ظلك، واجعلنا من الذين لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون،واحشرنا يوم الفَزَعِ الأكبرِ، مع عبادكَ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنون.
اللهم اغفر ما علمت من ذنوبنا، وأصلح ما ظهر وما بطن من عيوبنا، واعتق من النار رَقَابَنَا، ويسر إلى الخيرات أسبَابَنَا، وهذب أخلاقنا، ووسع أرزاقنا، وهدن أوطاننا، وأيد سلطاننا، ورخص أسعارنا، ودارك بالخيرات انكِسَارَنَا، واسْبِلْ سترك على بلادِنا، وأرنا قرة الأعين في أزواجنا، وأولادنا، واغفر لآبائنا، وأمهاتنا، وأشياخنا، ولمن حظر مَجْلِسَنَا هذا من أحبابنا، وإخوانِنا ولا تُبقِي علينا تَبِعَةً من خلقك، ولا تواخذنا بما ضيعنا من حقك، فأنت ذو الكرم والجود، وصل لنا يا ربنا، على سيدنا محمد، وعلى آله وأَصْحَابِه، صلاة وسلاما دائمين متلازمين، بدوام ملك الله العظيم.
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
صلاة تفتح لنا بها أبواب الرضى والتيسير وتغلق عنا بها أبواب الشر والتعسير، وتكون لنا بها وليا ونصيرا، أنت ولينا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.