بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم
وعلى آله وصحبه أجمعين
الشيخ العلامة العارف الأحسن البعقيلي
ترجم له:
ذ : عدنان زهار
هو العلامة تاج المحققين و قدوة العارفين الفرد الغوث أبو علي الأحسن بن محمد بن أبي جماعة الايگيضي[1] البعقيلي الولتيتي، ينتهي نسبه الشريف إلى سيدنا الحسن السبط بن سيدنا علي وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين . البعقيلي[2] .
ولادته ونشأته ولد الشيخ البعقيلي في مطلع القرن 14 الهجري وأبوه هو الولي الصالح سيدي محمد بن محمد.
أخبر سيدي الحسن أنه مر يوما بمحل دفنه بعد وفاته فخرج إليه وقال له (اجتهد واحفظ القرآن فإن الناس أرادوا فيك علوما كثيرة). ( توفي رحمه الله وعمر صاحب الترجمة ثمان سنوات). أما أمه الشريفة العفيفة الذاكرة الناسكة السيدة عائشة فقد كانت فقيهة صالحة تكثر من الذكر وخصوصا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكلمة الإخلاص، فإنها أخبرت ولدها أنها كانت مواظبة على ما يقرب يوميا من سبعين ألف من الصلاة النبوية، وتذكر من الهيللة عشرة آلاف، وهذا قبل أن تتمسك بالطريقة التيجانية . وبسبب ذلك كانت كثيرة الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أخبرت ابنها أن رجلا أتاها ـ وهذا في البداية ـ و دخل عليها وهي تذكر فألقت عليها نقابـها و استحيت منه، فقرب منها وهي تبتعد منه وصار يكشف نقابها و يبتسم، فعلمت أنه رسول الله صلى عليه وسلم . وكانت لها كرامات كثيرة و أحوال عجيبة . و هي أول من أخذ الطريقة عن ولدها الأستاذ بعد رجوعه من عند شيخه سيدي الحاج الحسين الإفراني و القصة طويلة، وملخصها أنه لما رجع من عند الأستاذ الإفراني و قد لقنه الطريقة التيجانية و أذن له في إعطائها أتته أمه و طلبت منه أن يعطيها ما أتى به من عند السيد الحاج الحسين الإفروني هكذا فضحك وقال لها الإفراني . فقال لم آت بشيء فقالت له بل أتيت بالطريقة التيجانية فإني رأيتك معه فهو يعطيها لك بمحضر النبي صلى الله عليه و سلم فقال صدقت . فاستعطفته وسألته بحقها عليه فقال يا أمي لا أقدر أن أعطيك فإذا أعطيتك الإذن فسأصير شيخك فستكون لي حقوق عليك فقالت لا بد أن تعطيني ألست أمك وحقي عليك أن تعطيني، فقال هناك شرط قالت وما هو قال أن تفارقي المرابطة لالة رقية[3] فقالت لا أقدر أن أفارقها، فقال هذا هو شرطي وهو الذي اشترطه علي سيدي الحاج الحسين الإفراني فلم تقبل، وبعد أيام توفيت المرابطة المذكورة فلقن لأمــه الطريقة و هي أول من أخذ عنه .
اختصار مراحل حياته من الإمكان اختصار سيرته الذاتية في ثلاثة مراحل كبيرة وهي:
ـ المرحلة الأولى من عــام 1306هـ إلى عام 1322 هـ: و هي المرحلة الخاصة بحياته في جنوب المغرب و تجوله في ربوعه.
ـ المرحلة الثانية من عــام 1323هـ إلى عام 1341 هـ و هي الخاصة بحياته في شمال المغرب من فاس إلى طنجة والقصر الكبير و النواحي .
ـ المرحلة الثالثة من عام 1341هـ إلى عام 1368هـ و هي مرحلة سكناه بالشاوية ومدينة الدار البيضاء.
ـ المرحلة الأولى من عــام 1306هـ إلى عام 1322 هـ : لما بلغ خمس سنين 1306هـ دفعه أبوه إلى الكتاب لتعلم مبادئ الكتابة ولحفظ القرآن، فلم يكن ملتزما بالحضور في الكتاب ، و في الثامنة من عمره توفي أبوه وأجبره أخوته على ترك التعليم والاشتغال برعي الغنم فبقي يرعاه ست سنين . لما بلغ 14 من عمره غادر قريته والتحق بقرية تاسيلة واستكمل هناك حفظ القرآن بعد صعوبة ومشقة . يقول رضي الله عنه = صعب علي حفظ القرآن فبكيت على الله يومين كاملين فأرسل إلي أحد عشر ملكا على صورة غلمان فمسحوا على وجهي فمن ثم صار يظهر لي الحزب الذي أريد قراءته هو وإعرابه ووعده ووعيده وسره ومعناه وناسخه ومنسوخه ولله تمام الحمد . وفي هذا السن ـ 14 سنة ـ وقعت له واقعة عظيمة تبشر بما سيصل إليه مستقبلا وما سيناله من خير عظيم مما يدل على ولايته وكبير خصوصيته . قال رضي الله عنه في رسالة إلى العارف الإيسيگي رضي الله عنه – فلتعلم سيادتكم أني عام 14 من عمري وقعت لي الفتوحات الكونية للأحوال الزهرية حتى كثرت علي رؤيا الطلعة النبوية سرايا سرايا على عدد سراياه من المدينة في حياته، وأقبلت علي خوارق العادات من طي أرض كزيارة كعبة والمدينة المنورة ونبع مياه، وقتال مع أرواح وامتزاج معهم، والإجتماع بالأموات و السكون بمخاطبتهم يقظة ومناما وجردت نفسي للوازم الدنيا رأسا مرتين ومن العلم أربعة عشر سنة بعد أن أكرمت بمشاهدة رسوم قرآنية في اللوح المحفوظ ومشاهدة حقائق الأحكام الشرعية بلا قراءة . وحاصله أن جميع ما سطر في أحوال الأولياء أسلفته قبل إعطاء العهد بالطريقة التجانية ليترتب عليه عدم التشوف إلى ما هنالك بعدها . تم قص رضي الله عنه رؤياه النبوية المشهورة والمذكورة في أول كتاب الشرب الصافي والتي تدل على ما يصير إليه أمره من كونه على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه سينال الإمامة في الدعوة إلى الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سقاه بيديه الشريفتين من عين الشريعة و من عين الطريقة ومن عين الحقيقة . وفي هذه المرحلة كان الأولياء الأحياء والأموات يحضونه على طلب العلم لأن الناس ينتظرون منه الكثير.
وفي سنة 1321ه تمسك بالطريقة التجانية بأوريكة على يد العلامة السيد الحاج علي المسفيوي رحمه الله .
ـ المرحلة الثانية من عــام 1323هـ إلى عام 1341 هـ: ولما حصل ما كتب له من العلم بسوس سافر إلى فاس و التحق بجامعة القرويين وكان نازلا بمدرسة الصفارين فبقي يتلقى العلم هناك طيلة 9 أشهر. ثم سافر إلى الشراكة لتكميل تربيته على يد المقدم ابن سلطان و لتعليم أولاده بإذن من سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه . ومن الشراكة سافر إلى مدينة القصر الكبير و سكن بها و أحيا بها العلم ونشر المعرفة والطريقة التجانية بالمدينة ونواحيها حتى شهدت المنطقة يقظة علمية لم تشهدها من قبل و لا من بعد . وغادر القصر الكبير ليسكن بمدينة سطات 8 أشهر يدرس بزاويتها تم منها إلى قبيلة الخزازرة بالشاوية وهناك قام بنشاط كبير علما وطريقة .
ـ المرحلة الثالثة من عام 1341هـ إلى عام 1368هـ: وفي سنة 1345هـ سافر إلى الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج وفي سنة 1348 هـ انتقل إلى مدينة الدار البيضاء حيت سيقطن بها و يحط بها الرحال نهائيا مع أنه لم يتخل عن أسفاره وتفقده للقرى والمدن التي كلف بالسفر إليها . وفي سنة 1353هـ أنشأ مطبعته العربية التي طبع فيها كتبه وكتب غيره وساهم بها في نشر العلم و الوعي، وبنى بالدار البيضاء زوايا منها زاويته الكبيرة بدرب غلف وعمرها بالعلم والذكر و استقبال الزوار والخطبة يوم الجمعة، وبقي على نشاطه إلى أن مرض عام 1367 هـ مرضا كابده طيلة سنة واشتد عليه شهرين قبل وفاته، وكانت وفاته ليلة الجمعة عاشر شوال عام 1368هـ الموافق لـ 1949 م على الساعة الثانية عشر وثلث ليلا وكان يوم جنازته يوما مشهودا حضره خلق لا يحصى من العلماء والمقدمين والفقراء والمحبين وغيرهم، وتولى الصلاة عليه خليفته ووارث سره ولده العلامة سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه، و دفن بمقبرة طريق أولاد زيان . وتشاء القدرة الإلاهية أن ينتقل بعد وفاته ب50 سنة تقريبا فقد نقل من تلك المقبرة صبيحة يوم الخميس 25 محرم 1417هـ ليدفن بمقبرة الغفران فوجدوه كما هو لم يتغير منه شيء رضي الله عنه و صلى عليه إماما الشريف سيدي محمد الكبير التجاني رضي الله عنه[4].
[1] ـ نسبة الى قرية ايكيضي احدى قرى بعقيلة سميت بذلك إضافة إلى جبل الايگيضي الذي قامت عليه .
[2] ـ نسبة إلى قبيلة بعقيلة و هي فرع من مجموع قبائل إداولتيت المستوطنة في غرب الأطلس الصغير (بلاد جزولة).
[3] ـ أمه من الرضاعة
[4] ـ خليفة والده بعد أخيه سيدي محمد الحبيب في تسيير شؤون الطريقة التجانية في ولاية الدار البيضاء بتعيين من شيخ الطريقة سيدي محمد الكبير التجاني بتاريخ 15 مارس 2011 الموافق لـ 10 ربيع الثاني 1432 هـ.