كلمات الوفود
الوفد السنيغالي
بسم الله الرحمن الرحيم
- صاحب المعالي السيد المحترم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية الشقيقة.
- أصحاب السيادة والشرف أحفاد شيخنا احمد التجاني ،
- أصحاب السيادة العلماء المشاركين في هذا اللقاء الطيب المبارك ،
- أيها الإخوان والأحباب.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنه ليعانقني سرور كبير وفرح عظيم في اللقاء المبارك ،الذي ننتهزه فرصة سانحة نجدد فيها محبتنا وعهدنا وصلتنا الروحية والفكرية بشيخنا ابي العباس احمد بن محمد التجاني ،لا حفاده الإجلاء ،مؤكدين ولاءنا لطريقته التي ارتضيناها لأنفسنا منهجا رشيدا للحياة الروحية ،كما نغتنم المناسبة للتعبير عن شكرنا وامتنانا واعتزازنا بانعقاد هذا الملتقى في ربوع المملكة المغربية ، وفي هذه الزاوية العامرة بالذات ،مثوى ضريح شيخنا احمد التجاني ، تحت الرعاية السامية والكريمة لصاحب الجلالة والماهبة ، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين ، السيد محمد السادس حفظه ورعاه ،فأصبنا بفضل هذه المزاوجة عصفورين برمية واحدة ، والحمد لله أولا وأخرا علي هذه النعم الجليلة ، والشكر الخاص لمعالي وزير الأوقاف ،ولشخنا الشريف محمد الكبير ولجميع العلماء المشاركين بارك الله فيكم .
واسمحوا لي في هذه العجالة،أن انتقل إليكم تحيات عميد الأسرة
الملكية الخليفة العام للطائفة التجانية في السنغال ،الشيخ احمد التجاني سي ،وتحايا الأسرة المالكية وكافة المقدمين والأحباب والمسلمين في السنغال ،وان أضيف هذه المساهمة المتواضعة إلى سلسلة المساهمات القيمة التي قدمها أساتذتنا وعلماءنا ،وهي عبارة عن تذكير مالم ينس قط ،لأنه يجول في خلدنا ،ويحيا في ضمائرنا ،دائما ويتجدد بتجدد الأيام وذلك يتمثل في :
مكانة الطريقة التجانية ودورها في بناء شخصية الإنسان الصالح والمواطن الرشيد
إن الطريق التجانية برزت من حضرة الزلفى ، بفضل الله “وان الفضل بيد الله ويؤتيه من يشاء ” وكلها مركبة من مقام الإحسان ابتدءا وانتهاء ،وهو ما يؤكد أنها مدرسة روحية نفسية واجتماعية وعلاجية في خدمة الإسلام والمسلمين ،او بتعبير أخر ،وهي أن التجانية عبارة عن مستشفى للأرواح والأخلاق والأبدان ،فالتجاني بطبيعة الحال ،مواطن صالح ومسلم حقيقي ،يغرس الفضائل في نفسه ،ويبني القيم الأخلاقية السامية في المجتمع الذي يعيش فيه ـبحيث لا يشتغل بإضاعة الوقت ولا بالسعي في الأرض عبثا وفسادا ،بل يتقلب بين حلقات الذكر ، وصفوف المساجد،وميادين العمل ،ويضع نصب عينه قول احد رموز الطريقة وروادها وأعلامها الشيخ الحاج مالك سي:
وعاقل يكون في شيئين يسعى فلا ثالث دون مين
حسنــــــــة تكون للمعاد ودرهم من المــــعاش باد
وتمتاز الطريقة التجانية عن غيرها من الطرق بعدة خصائص جوهرية
لا يسع المقام لبسط الكلام فيها تفصيلا، وسنكتفي منها بما يلي:
- كونها مبادرة طيبة مباركة من رسول الله إلى سيدنا الشيخ احمد التجاني
- كون شروط هذه الطريقة وأذكارها وفضائلها وضماناتها مرتبة من عند رسول الله ،وإلى ذلك أشار العالم العلامة الشيخ الحاج مالك بقوله .
هذي التي رتبها الرسول صلى عليه ربنا الجليــل
وكان أمرا بها تلقينا لكل مسلم آتى يقينــــا
من بعد عرضه شروطنا التي في كتب الطريق قد تجلت
- موافقة الجانية بشروطها وأورادها العظيمة : اللازمة والاختيارية لصريح الكتاب والسنة ، فكلها مستنبطة من مبادئ الشريعة الغراء
- كون الطريقة التجانية ميدانا عمليا جادا لتطبيق تعاليم الإسلام تطبيقا رائعا ،يكتب له الثبات والدوام ،فمن شروطها الأساسية مثلا :شرطية صحة قراءة الاراد بعد أداء الصلاة المكتوبة ،منها شرط الالتزام ببر الوالدين لاخذ الورد ،ومنها شرط عدم استعمال الدخان بأنواعه المختلفة
5-ثبوت ضمان نبي الله (صلعم) لهذه الطريقة بالدوام والاستمرارية في أداء رسالتها ، علي احسن وجه إلى إن يرث الله الارض ومن عليها كما قال أداء رسالتها ،علي أحسن وجه إلى إن يرث الله الارض ومن عليها كما قال فريد عصره الشيخ الحاج مالك :
لقد رفعت رايات اسلوب شيخنا فمن شاء فليؤمن ومن شاء انكرا ضمان نبي الله نفي انقطاعه إلى اخره الدنيا عن الشيخ قررا
- طريقة الامناء والعظماء سلوكيا منذ نشأتها وفي كل العصور التي لا حقتها ،فإليها ينتمون ويستظلون بظلها منخرطين في سلكها ،
- كون الطريقة التجانية ذات سمعة طيبة وصيت بعيد في العلم والعمل ،فالتجانيون في كل قطر ومصر يعدون من اكابر العلماء تعلما وتعليما ،وتأليفا وتوعية ،وتثقيفا وعملا وتطبيقا ،ويدل علي هذه الحقيقة ما عرف بفقه الطريقة التجانية ،وهي ثروة فقهية هائلة في بيان مسائل الذكر ، وفي مسائل متنوعة ومرتبة علي قواعد كلية ، ومؤلفات شيوخ الطريقة في جميع المجالات خير شاهد علي ذلك يقول الشيخ العلامة الخليفة الأكبر الخليفة ابو بكر :
هم الكرام وأصحاب الرسول وار باب القبول وأهل الضعف والنون
- قيام التربية في هذه الطريقة لي اساس من الهمة والحال ،بدلا من التربية الاصطلاحية المتعارف عليها بين كثير من الصفيين ، والتي تعتمد اساسا على العزلة والانغلاق كما قال ابو بكر سي :
ربي بلا خلوة أصحاب علنا حتى استقاموا فيالله منحاه
بهمة او بحال حاز تربية نعم المربي مرب الحق يرضاه
- عناية اهل الطريقة بتعمير المساجد ،بأداء الصلوات الخمسة فيها وذكر الله والتسبيح له بالغدو والآصال بالإضافة إلى بناء المدارس والمعاهد التي يتلقون فيها أحكام العبادات،
- استقامة سلوك إتباع الطريقة التجانية وحسن سيرهم الأسرية والاجتماعية ،كما قال الشيخ الخليفة ابو بكرسي :
فلا ترى أحدا من أهله أبدا إلا وسيماه في حسن وتزيين
إلى غير ما ذكرناه من الخصائص التي تمتاز بها الطريقة في منهجها التربوي الأصيل المستمد من وحي الكتاب والسنة ،وهو الأمرالذي جعل لها مكانة عالية ومرتبة قصوى ،يعرفها القاصي والداني كما في البغية : إن للطريقة التجانية بين الطرق مكانة عالية ومرتبة قصوى سامية لما امتاز به اهله من الانتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الانبياء والمرسلين ، وسلطان مملكة الأصفياء والمتقين ،إذ لا استاذ لها إلا استاذ الاساتذة كلهم علي الاطلاق وإمام الكل وممد الكل وسد الكل بالاطباق.
وبهذا كانت الطريقة التجانية طريقة استقامية ،وطرية التزام واتبتع وطريقة علم ،وسعي دؤوب وراء مرضات الله رب العالمين فيكون بذلك اهلها مرادين في صورة مريدين وان كانت مراتبهم تتفاوت بقدر ما .
لكل واحد منهم من استعداد في مجاهدة نفسه والاجتهاد في العبادات الخالصة والاعمال الصالحة .
مدار التربية في الطريقة على إقامة الورد اساسا
لاشك ان الاوراد العظيمة في هذه الطريقة من خصائصها ان تطهر القلوب ،وتهدب النفوس ،وتربي الاخلاق ،وترقي الارواح ،فالسير فيها منسجم مع سنن الله الخالق البارئ في تسيير القلوب ،بالنظر إلى احوال القلب إلى ما يصلحه وما يفسده وهو قائم على سنن الاعتدال والوسطية التي هي من المبادئ الاساسية في الاسلام “وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكنو نوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” وكما في قوله ايضا في الحديث القدسي ،إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب وكقوله . “إن الله لاينظر إلى صوركم واموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم واعمالكم ”
من هنا نفهم سر إصرار السادة الصوفية،وحثهم الدائم علي مواظبة قراءة الاوراد بإخلاص ،مع مراعاة أدابها المطلوبة للاستفادة من تلك الخاصية ،التي لا توجد إلا في الذكر ،وبغية ان تكون اثاره فعالة في تصفية القب وإيقاظه وتعويده للمؤمن على الانس بربه ، والشعور بقربه ، والعبد إن لم يستيقظ من غفلته لن يتمكن حتما من قطع منازل السير ،الموصلة إلى معرفة الله ،ولا يستيقظ إلا بالذكر .
وإدا كان مشايخ الساد ة الصوفية ،الاطباء الروحانيون يتنافسون في تجاز المراحل الستة التي لابد منها لكونها من الاساسيات والتي تحقق المأرب فلانها من أعمال القلب جملة وتفصلا وهي التوبة والاستقامة والتقوى والصدق والإخلاص والمراقبة ،بدليل قوله صلعم في حديث المصلي الذي كان يلعب بلحيته :لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه”
إذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء إن الطريقة التجانية منحة إلهية ،ونعمة سماوية ،هيئتها العناية الربانية لتكون باب لكل من تعلق بأذيالها المباركة المتمثلة في الشروط والآداب والأوراد ،ليلج من خلاله إلى معارج السمو الروحي ،وإلى الارتقاء في سلم الصعود نحو الصفاء والطهر والزكاء النفسي ،وهي تمتاز بالوسطية والاعتدال تمشيا مع جوهر الإسلام طبقا لقوله تعالي :”وما جعل عليكم في الدين من جرح وهدا ما أشار إليه الشيخ التجاني بأن جده اوصاه قائلا له “الزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس ،حتى تصل مقامك الذي وعدت به ،وانت علي حالك من غير ضيق ولا حرج ولاكثرة مجاهدة ”
ولا شك ان هذا الالتزام يتمثل في إصلاح الظواهر عن طريق امتثال الاوامر واجتناب النواهي وفي إصلاح الضمائر عن طريق التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل وفي إصلاح السرائر عن طريق مراقبة الله في كل خاطرة او قول او عمل
إدا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
الخلاصة :
بهذه الامتيازات والخصائص كانت الطريقة التجانية مجسدة لمعني التصوف الحق ، ومبرزة لمعالمه بصورة واضحة جلية ،حيث ترتكز أساسا علي تنقية القلب وتهذيبه ،استعدادا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم ، وعلى تزكية النفس وتطهيرها “قد افلح من زكاها ” وعلى تغذية الروح وتقويتها بالعبادة والفضائل “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين ” كما ترتكز على نشر الأخلاق الفاضلة السنية والمثل العليا ” البر حسن الخلق” وما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلع به درجة صاحب الصوم والصلاة .”
فعلى كل المنخرطين في سلك عهدها ان يجددوا عهدهم بالطريقة ويراجعوا أنفسهم ،حتى يتأكدوا من توفر جميع الشروط فيهم ،ولكي يكون انتماءهم إليها انتماء حقيقيا صحيحا وحى لا يكون سلوكهم سببا لا انتقادات توجه إلى الطريقة وهي منها بريئة براءة الذئب من دم يوسف
هذا قطرة من فيض ،نختمها بمجموعة من التصورات والاقتراحات التي تهدف إلى توسيع دائرة التلاحم والتآزر بين أفراد المجتمعات وبالأخص التجانية منها ،ويمكن أن يأتي ذلك بالاستفادة من
- المؤتمرات الدولية، والملتقيات الإقليمية لخلق مزيد من أرضيات العمل المشتركة ،ولنقل تجارب الآخرين والاستفادة منها ،ولرسم منطلقات عمل مستقبلية.
- استغلال وسائل التواصل الاجتماعي التي توفره التكنولوجيا الحديثة في خلق عالم من التماسك الاكتروني ،لتبليغ رسالة الطريقة وحمل خيرها للعالم اجمع.
- العمل على تحقيق وحدة عالمية فعلية لكافة الزوايا ،دات المرجعيات الحدة ،التي تمثلها الشيخ احمد التجاني رضي الله عنه
- إنشاء لجان مختصة بدراسة ومناقشة القضايا التجانية ،والتكثيف من الملتقيات الصوفية الدولية المهتمة بدراسة هذه القضايا.
- إقامة كيانات تنظيمية لشباب الطريقة ونسائها بصورة موسمية وبكيفية دائرية.
- تأسيس مؤسسات ثقافية واجتماعية وروحية ذات طابع تفوض إليها مهمة إحياء تراث المشايخ وإعادة نشر مؤلفاتهم ومنتجاتهم بهدف إطلاع العالم على الفكر الصوفي ونجاحاته في إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية على اسس روحانية جديدة .
- ولا يسعنا في الختام إلى ان نكرر عظيم شكرنا وفائق تقديرنا لصاحب الجلالة والمهابة ،السيد ممد السادس ،الذي يسعى دائما لجمع كلمة المسلمين ،وترسيخ قدم الطريقة التجانية وكافة الطرق الصوفية ،مع العناية الفائقة بالدعم المادي والمعنوي لنشاطاتها وأعمالها فجزاه الله عن الإسلام خيرا.
- كما نتقدم بجزيل الشكر إلى الخليفة السيد محمد الكبير على مبادراته الطيبة ،وجهوده المباركة لدفع عجلة الطريقة إلى الإمام والشكر موصول كذلك لجميع الشرفاء المحترمين المحبوبين ،مجددين العهد والمحبة ،والشكر موصول لجميع المراكز التجانية في العالم ،ولكم من الجمهورية السنغالية ،رئيسا وحكومة وشعبا :تحايا عطرة ،ومشاعر طيبة وعواطف رقيقة ،مقرونة بدعوات خالصة لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبراكته
فاس المحروسة ،بتاريخ 13/05/2014 المملكة المغربية الشريفة
الشيخ عبد العزيز سي ألامين
الناطق الرسمي باسم العائلة المالكية في تواوون عاصمة التجانية في السنغال