*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
[العبرة من مواقف غضب فيها النبي صلى الله عليه و سلم]
*الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات * و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمدسيد الكائنات * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،
عباد الله: إن الغضب طبيعة من طبائع البشر، وفطرة فطرها الله سبحانه تعالى في بني آدم ، قد توقع صاحبها في عظيم الخطر و كبير الشر، وقد حذر من الغضب رسولُ الله r في كثير من الأحاديث الشريفة ، فمنها : مارواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي r أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال لا تغضب ) وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله r: دلني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول الله r :لا تغضب ولك الجنة)
وفي هذه الخطبة سنعرض لمواقف عديدة غضب فيها النبي r ، فكيف حصل منه ذلك وهو r يوصي الناس بعدم الغضب ؟
إن المتأمل سيلاحظ أن غضب النبي r في مواطن متعددة و لأسباب مختلفة لم يكن لهوى في نفسه، أو انتصارا لحمية في طبعه، بل كان مرجعه في تلك الحالات كلها كله إلى أمر الله تعالى ، فهو غضب في الله لله، خصوصا إذا انتهكت حرمات الله، و ليس للنفس و الهوى، و قد أظهر r الغضب في هذه المواقف ليكون أوكد في الزجر عن بعض الأقوال أو الأفعال أو الأحوال والبعد عن فعلها فهو r معلم البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم .
وعندما نعرف هذه المواقف المختلفة التي قصد فيها النبي r أن يعلم أمته عندما يغضب أو يتغير ويتلون وجهه r من فعل معين أو قول معين فيبين لهم لماذا هو غضب ولم يرض عن هذا الفعل أو هذا القول ، وما كان غضبه r إلا لله وفي الله وليس في شيء آخر أو لدنيا أو لجاه أو لمال :
فمنها: 1- ما رواه ابن كثير في التفسير(ج4/ص94) من غضبه r من قول اليهود عن الله ثم استراح.
عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد: قرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي r فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال r: خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا، ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) قال لمن سأله: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة” ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش قالوا: قد أصبت لو أتممت قالوا: ثم استراح ، فغضب النبي r غضبا شديدا فنزل ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقوون ).
2ـ و منها- (ما رواه ابن كثير في التفسير ج4/ص120) منغضبه r ممن ينتصر لنفسهعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رجلا شتم أبا بكر t والنبي r جالس فجعل النبي r يعجب ويتبسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي r وقام، فلحقه أبو بكر t فقال يا رسول الله: إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال:” إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان” ثم قال:” يا أبا بكر ثلاثٌ كُلهن حق: 1ـ ما من عبد ظُلم بمظلمة فيُغضي عنها لله إلا أعزه الله تعالى بها ونصره، 2ـ وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة 3ـ وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة” .
3- و منها ما رواه الطبري في التفسير ج24/ص28) من غضب رسول اللهr من سؤال طرحه عليه اليهود:
حدث ابن جرير في تفسيره بسنده: أتى رهط من اليهود نبي الله r فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي r حتى امتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه(انقض عليهم ، و وثب عليهم)، فجاءه جبريل فسكنه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه قال: يقول الله تبارك وتعالى🙁 قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) فلما تلاها عليهم النبي r قالوا: صف لنا ربك كيف خَلقُه وكيف عضدُهُ وكيف ذراعُه؟ فغضب النبي r أشد من غضبه الأول ثم ساورهم، فأتاه جبريل فقال مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه عنه (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).
4- و منها ما رواه البخاري في صحيحه من غضبهr من التفضيل بين أنبياء الله
حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة t قال بينما يهودي يعرض سلعته أعطِيَ بها شيئا كَرِهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي r بين أظهرنا، فذهب إليه فقال: أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي r حتى رؤي في وجهه ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخِذ ٌ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي؟ ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى.”
5- و منها ما رواه النسائي في السنن الكبرى(ج5/ص183) من غضبهr ممن يعذب خلق الله بعذاب الله.عن عبد الرحمن بن عبد الله كوفي عن أبيه قال: كنا مع رسول الله r فمررنا بقرية نمل قد أحرقت، قال فغضب النبي r وقال:” إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله”.
6- و منها ما رواه النسائي في السنن الكبرى (ج5/ص478) من غضبهr ممن لبسثوبين معصفرين
عن عبد الله بن عمرو أنه أتى النبي r وعليه ثوبان معصفران فغضب النبي r وقال: اذهب فاطرحهما عنك ، قال أين يا رسول الله , قال في النار. (نهى عنهما لأن ذلك من طيب النساء وزينتهن. )
7ـ و منها ما رواه البيهقي في (السنن الكبرى ج9/ص204) من غضبهr ممن يعتدي على حرمات أهل الذمة من أهل الكتاب.
عن العرباض بن سارية السلمي t قال: نزلنا مع النبي r خيبر ومعه من معه من أصحابه وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي r فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمارنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب النبي r وقال: يا بن عوف اركب فرسك ثم ناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، قال فاجتمعوا ثم صلى بهم النبي r ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله عز وجل لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن، ألا وإني والله قد أمَرْتُ وَوَعظتُ ونَهيتُ عن أشياء إنها لـَمِثـْلُ القرآن أو أكثر، وإن الله عز وجل لم يُحلَّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضربَ نسائهم ولا أكلَ ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم .
8- و منها ما رواه أبو عوانة في مسنده (ج4/ص392) من غضبهr ممن استعمله على مال الزكاة فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي عن أبي حميد الساعدي أن النبي r بعث رجلا من الأزد على الصدقات يقال له ابن الأتبية، وقال شعيب وأحمد: على صدقة فجاء من حيث بعثه فقال وقال سعدان: فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، قال والنبي r على المنبر، وقال سعدان فغضب النبي r فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:” ما بال رجال نستعملهم على العمل فيجيء أحدهم فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي؟ أفلا جلس أحدهم في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى له أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منكم يوم القيامة بشيء إلا جاء به على رقبته ـ وقال سعدان: منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو كانت بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع رسول الله r يديه حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت، وقال سعدان بلغت ثلاثا .
9ـ و منها ما رواه أبو يعلى في مسنده(ج3/ص334) من غضبهr من المنفرين
عن جابر قال كان أبَي بن كعب يصلي بأهل قباء، فاستفتح سورة طويلة ودخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما سمعه قد استفتح بسورة طويلة انفتل الغلام من صلاته وكان يريد أن يعالج ناضحا له ( أي الجمل الذي يسقي عليه) فلما انفتل أبي بن كعب قال له القوم: إن فلانا انفتل من الصلاة، فغضب أبَي فأتى النبي r يشكو الغلام، فأتاه الغلام يشكوه إليه، فغضب النبي r حتى رُئي الغضب في وجهه ثم قال:” إن منكم منفرين فإذا صليتم فأوجزوا فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة.”
10ـ و منها ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط ج9/ص148) من غضبهr ممن قال امرأة ماتت:ماتت واستراحت ،عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت قام بلال إلى النبي r فقال: ماتت فلانة واستراحت، فغضب النبي r وقال:” إنما استراح من غُفِرَ له”
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،
و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد عباد الله:
11ـ و من المواقف التي غضب فيها رسول الله rما رواه الحاكم في (المستدرك على الصحيحين ج2/ص160) من غضبهr من أحد بذور الخوارج:
عن شريك بن شهاب قال: كنت أتمنى أن أرى رجلا من أصحاب رسول الله r يحدثني عن الخوارج قال: فلقيت أبا برزة t في يوم عرفة في نفر من أصحابه فقلت: يا أبا برزة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله r يقول في الخوارج، قال: أحدثك ما سمعت أذناي ورأت عيناي، أتِيَ رسولُ الله r بدنانير من أرض فكان يقسمها وعنده رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان بين عينيه أثر السجود، فتعرض لرسول الله r فأتاه من قِبَلِ وجهـِهِ فلم يعطه شيئا، فأتاه من قبل شِماله فلم يعطه شيئا، فأتاه من خلفِهِ فقال: والله يا محمد ما عدلت منذ اليوم في القسمة، فغضب النبي r فقال: “لا تجدون بعدي أحدا أعدل عليكم”، قالها ثلاثا، ثم قال:” يخرج من قبل المشرق قوم كان هديهم هكذا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقِيَهُم، يَمْرُقـُون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون إليه ـ ووضع يده على صدره ـ سيماهم التحليق ( أي علامتهم حلق شعر الرأس)) لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم ـ قالها حماد ثلاثا ـ هم شر الخلق والخليقة ـ قالها حماد ثلاثا ـ وقال قال أيضا: لا يرجعون فيه( يعني لا يتوبون إلى الصواب ابدا) .
23- و من المواقف التي غضب فيها رسول الله ما رواه ابن كثير في ( البداية والنهاية ج4/ص362) عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا و تليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو ابن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده فقلنا له: هل حضرت رسول الله حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم، جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه وهو يعطي الناس، فقال له: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله: أجل، فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت قال: فغضب النبي فقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله، فقال دعوه، فانه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء. سبق الفرث والدم . أعاذنا الله من حاله و من حال أمثاله. فخذوا عباد الله العبرة من مواقفه صلى الله عليه و سلم التي غضب فيها و تعلموا أن يكون غضبكم لله و غيره على دينه لا لأجل هواكم و شهواتكم هذا و استعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.
ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون )
(و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء