هذه ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما جاء في سلوة الأنفاس لسيدي محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني
ومنهم: الشيخ الواصل، القدوة الكامل، الطود الشامخ، العارف الراسخ، جبل السنة والدين، وعلم المتقين والمهتدين، العلامة الدراكة، المشارك الفهامة، الجامع بين الشريعة والحقيقة، الفائض النور والبركات على سائر الخليقة، الواضح الآيات والأسرار، ومعدن الجود والافتخار، البحر الزاخر الطام، المعترف بخصوصيته الخاص والعام، نادرة الزمان، ومصباح الأوان، القطب الجامع، والغوث النافع: أبو العباس مولانا أحمد بن الولي الكبير والعالم الخير، أبي عبد الله مَحمد (فتحا) بن المختار بن أحمد بن مَحمد (فتحا) ابن سالم الشريف الحسني الكاملي التجاني، يرفع نسبه إلى الإمام محمد النفس الزكية ابن عبد الله الكامل.
كان – رحمه الله – من العلماء العاملين، والأئمة المجتهدين، ممن جمع بين شرف الجرثومة والدين، وشرف العلم والعمل واليقين والأحوال الربانية الشريفة، والمقامات العلية المنيفة، والخوارق العظام، والكرامات الجسام، قوي الظاهر والباطن، كامل الأنوار والمحاسن، عالي المقام، راسخ التمكين والمرام، بهي المنظر، جميل المظهر، منور الشيبة، عظيم الهيبة، جليل القدر، شهير الذكر، ذا صيت بعيد، وعلم وحال مفيد، وكلمة نافذة، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عائدة.
ولد سنة خمسين ومائة وألف بقرية عين ماضي، ونشأ بها في عفاف وأمانة، وحفظ وصيانة، مقبلا على الجد والاجتهاد، مائلا إلى العزلة والانفراد، مشتغلا بالقراءة، معتادا للتلاوة، فحفظ القرآن وهو ابن سبعة أعوام، ثم اشتغل بطلب العلوم حتى رأس فيها، وحصل معانيها.
ومن شيوخه فيها: العلامة العارف سيدي مبروك بن بوعافية المضاوي التجاني، ثم ارتحل إلى ناحية المغرب، لفاس وأحوازها سنة إحدى وسبعين ومائة وألف وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وسمع فيها شيئا من الحديث، وبقي يجول بقصد الزيارة والبحث عن أهل الخير.
وأول من لقي: – حينئذ – من المشايخ الكمل: القطب مولاي الطيب الوازاني بوازان، وتبرك به، وأخذ عنه، وأذن له في تلقين الأوراد، إلا أنه امتنع من التلقين لاشتغاله بنفسه.
ولقي – أيضا – القطب مولاي أحمد الصقلي إلا أنه لم يأخذ عنه شيئا، بل لم يكلمه بشيء أصلا، ولقي الولي الصالح سيدي محمد بن الحسن الوانجلي، من بني وانجل من جبال الزبيب – بمحله، وتبرك به ولم يأخذ عنه. ولقي بفاس: العارف بالله سيدي العربي بن عبد الله معن الأندلسي، وتبرك به، ودعا له بخير.
وأخذ بها الطريقة القادرية على يد من كان يلقنها في ذلك الوقت، ثم تركها بعد حين، ثم أخذ الطريقة الناصرية عن الولي الصالح سيدي مَحمد بن عبد الله التزاني، الشهير بالريف، ثم تركها بعد حين أيضا، ثم أخذ طريق القطب سيدي أحمد الحبيب السجلماسي الصديقي عن بعض من له الإذن فيها، ثم تركها بعد مدة، ثم أخذ عن أبي العباس سيدي أحمد الطواش – نزيل تازة ودفينها.
ثم انتقل من المغرب قاصدا بلد الأبيض في ناحية الصحراء، حيث ضريح سيدي الشيخ، ومكث هناك خمسة أعوام، مشتغلا بالقراءة والعبادة والتدريس والتلاوة، وزار في خلالها بلده: عين ماضي، دار آبائه.
ثم ارتحل منها إلى تلمسان، وأقام بها مدة يدرس فيها التفسير والحديث وغيرهما، ويعبد ربه تبارك وتعالى، إلى أن لاحت عليه بوارق الفتح ومباديه، وظهر عليه من الخوارق ما دان له به شانيه ومعاديه، وذلك أوائل سنة إحدى وثمانين ومائة وألف.
ثم انتقل من تلمسان قاصدا الحج سنة ست وثمانين، فمر بتونس، فحبسته الأقدار هناك سنة كاملة، ثم بعدها حج وزار سنة سبع وثمانين، ولم يزل يبحث في طريقه عن العلماء والأخيار، ويتبرك بهم في سائر النواحي والأقطار، حتى تبرك بعدد كثير منهم، فلقي بزواوة الشيخ أبا عبد الله سيدي مَحمد [فتحا] ابن عبد الرحمن الأزهري، وأخذ عنه الطريقة الخلوتية، وهو أخذها عن الشيخ الحفناوي، وبتونس الشيخ عبد الصمد الرحوي، وبمصر الشيخ محمود الكردي المصري العراقي وأخذ عنه، وأخذ –أ يضا – بمكة عن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله الهندي المكي، من غير ملاقاة له، إنما كان الشيخ المذكور يراسله مع خادمه.
قال في جواهر المعاني: “وهو معتمده في العلوم والأسرار، والخواص والأنوار”، ثم لما كان بالمدينة لقي بها القطب الشهير، والعالم الكبير، أبا عبد الله سيدي محمد بن عبد الكريم الشهير بالسمان، أحد تلاميذ سيدي مصطفى البكري الصديقي، فأخذ عنه وتبرك به.
ثم لما رجع من حجه ووصل تلمسان سنة ثمان وثمانين، أقام بها مجتهدا في العبادة والدلالة على الله تعالى.
ثم سافر منها إلى مدينة فاس بقصد زيارة قطبها وقطب المغرب بأسره مولانا إدريس رضي الله عنه، وذلك سنة إحدى وتسعين، فوصل إليها وزاره، وبقي بها يتردد لزيارته مدة، ثم رجع لتلمسان وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها لناحية الصحراء، سنة ست وتسعين، ونزل بقرية القطب الكبير سيدي أبي سمغون [بالسين، ويقال: الصاد]، ثم سافر منها إلى بلاد: اتوات، فلقي بعض الأولياء بها، منهم سيدي محمد الفضيل، [بالتصغير]، وأخذ عنهم بعض الأمور الخاصة، واستفادوا منه علوما وأسرارا في الطريق، ثم رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها واستوطنها، وفيها وقع له الفتح الكبير، وأذن له صلى الله عليه وسلم في تلقين الخلق بعد أن كان فارا من ملاقاتهم، وذلك في السنة المذكورة، وهي سنة ست وتسعين.
ثم لما كان رأس المائة الثانية عشر، وهو بأبي سمغون، وقع له الفتح الأكبر، والمدد الأغزر، على يده عليه الصلاة والسلام، ومن هذا الوقت والأسرار والأنوار تترادف عليه، والوفود من جميع النواحي تقصده وتأتي إليه.
ثم انتقل من بلاد الصحراء من قرية أبي سمغون، سابع عشر ربيع النبوي عام ثلاثة عشر ومائتين وألف، قاصدا استيطان مدينة فاس، وكان دخوله لها سادس ربيع الثاني من العام المذكور، وفي محرم الحرام من السنة التي بعدها، وهي سنة أربع عشرة، حل رضي الله عنه مقام القطبانية الغوثية، فنال بذلك من مطلوبه كل أمنية.
وقد كان – رضي الله عنه – يقول: “أخذنا عن مشايخ عدة، فلم يقض الله عز وجل منهم بتحصيل المقصود، وسندنا وأستاذنا في هذا الطريق هو: سيد الوجود صلى الله عله وسلم”، وقال أيضا: “سندنا في الورد المعلوم: النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المسبعات العشر، فأخذناها مشافهةّ، عن شيخنا الشيخ محمود الكردي المصري، وهو أخذها عن الخضر مشافهة. وأما أحزاب الشاذلي ووظيفة زروق، و[دلائل الخيرات]، و[الدور الأعلى]، فكلها أخذناها بالإجازة فيها عن شيخنا القطب سيدي محمد بن عبد الكريم السمان، قاطن المدينة المنورة…”.
وكان ـ رضي الله عنه – يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن له أن من رآه يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، وأن الله تعالى أعطاه الشفاعة في أهل عصره من حين ولادته إلى حين وفاته، وزيادة عشرين سنة بعد وفاته.
وذكر في [الإشراف] أن والده العلامة الأكبر الصوفي المحدث الأشهر، أبا الفيض سيدي حمدون ابن الحاج كان يثني عليه في العلم والمعرفة بالله، ويقول: “إنه من الكمل”، ومدحه بقصيدة حين كان متوجها للحج سنة خمس ومائتين وألف، مطلعها:
إن شـئـت تـصبـح فـي ريـاض أمـــان وأردت تــغــدو فــي مــنـــى وآمــــــان
ومنها:
فعـليـك بالبــدر المنـيـر سـنــا أبــــي العبـاس أعـنـي أحـمـــد الـتـجـانـــي
شمـس السيـادة قطـب دائـرة الهـــدى بــدر السعـادة، كـوكــب الإحـســــان
بـحـر النـدا مبــد لـنـا حكمــا سمـــت كفــرائــد فــي الـعقـــد والـتـيـجــــان
حــبــر إمــام قــد سمــا بــمـعــــارج فــي الصـالـحـات ولــم يكـن متــوان
ومناقبه ـ رضي الله عنه – وأحواله كثيرة، ومن أراد بسطها، فعليه بكتب أصحابه.
توفي ـ رحمه الله – صبيحة يوم الخميس سابع عشر شوال الأبرك سنة ثلاثين ومائتين وألف، وحضر جنازته ما لا يحصى من علماء فاس وصلحائها وأعيانها وفضلائها وأمرائها، وصلى عليه إماما: الفقيه العلامة أبو عبد الله سيدي محمد بن إبراهيم الدكالي، وازدحم الناس على حمل نعشه، وكسروا اعواده تبركا، ودفن بزاويته المشهورة من حومة البليدة، وضريحه بها مشهور معظم محترم مزار، متبرك به.