هذه ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما جاء في شجرة النور الزكية في طبقات المالكية للشيخ عبد الرزاق البيطار.
“أبو العباس أحمد بن مَحمد بن المختار بن أحمد الشريف التجاني العالم العامل المتصوف العارف الرباني، الولي الكبير القطب الشامخ الشهير.
كان ذا صيت بعيد وحال مفيد، له بالمغرب وما والاها أصحاب وأتباع كثيرون، ويتغالون فيه إلى حد يفوق الوصف، ويعظمونه تعظيما بليغا، ويصفونه بصفات عظيمة، وأخلاق كريمة، وينسبون إليه النهي عن زيارة القبور(1)، وبعض أهل العلم والدين يثنى عليه، ويصفه بالعلم والمعرفة. اشتغل بطلب العلوم الأصولية والفرعية والأدبية حتى رأس فيها، وحصّل أسرار معانيها، وقرأ على الشيخ المبروك بن أبي عافية التجاني المضاوي مختصر خليل، والرسالة ومقدمة ابن رشد والأخضري، فكان يدرس ويفتي، وله أجوبة في فنون العلم أبدى فيها وأعاد، وحرر المعقول والمنقول فأفاد.
وفي عام 1171هـ رحل لفاس، وسمع فيها شيئا من الحديث، ولقي الشيخ الطيب الوزاني، والشيخ أحمد الصقلي، ثم رحل لتلمسان وأقام فيها يدرس التفسير والحديث وغيرهما، وحج سنة 1186 ومر بتونس، وأقام بها مدة، وفي طريقه للحج لقي أعلاما وأفاد واستفاد واجتمع بكثير من العلماء الأخيار ورجع بعد حجه لفاس، ثم رحل لتوات، وأذن له في التلقين سنة 1196هـ، والحاصل أنه جليل القدر.
قدم فاس سنة 1213هـ واستوطنها، والسبب في ذلك أنه كان الباي محمد بن عثمان صاحب وهران أزعجه من تلمسان إلى قرية أبي سمغون، وحصل له بها الفتح، وأقبل عليه، ولما توفي الباي المذكور، وتولى بعده ابنه عثمان وقع السعي له بالشيخ، فبعث إلى أهل سمغون بتهديدهم إن لم يخرجوه، ولما بلغ الشيخ ذلك خرج منها مع بعض تلامذته وأولاده سالكا طريق الصحراء حتى دخل فاسا سنة 1213هـ، وبعث رسوله إلى السلطان أبو الربيع سليمان يعلمه بأنه هاجر إليه من جور الترك. ولما اجتمع به ورأى سمته، ومشاركته في العلوم أقبل عليه ومنحه دارا غاية في الاحتفال، وجارية نبيهة، وإذ ذاك اشتهر أمره بالمغرب، فهو شيخ الطائفة التجانية.
ألف في مناقبه بعض أصحابه، منها «جواهر المعاني»، واجتمع به الشيخ إبراهيم الرياحي بفاس حين قدم لها سفيرا، وتبرك به وأخذ عنه. مولده سنة 1150هـ توفي سنة 1230هـ، وكانت جنازته مشهودة وقبره بفاس متبرك به”.
كما ترجم له أيضا الأستاذ الفاضل ناشر لواء التحقيق بالساطع البرهاني العلامة الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في كتابه «جامع كرامات الأولياء»، الجزء الأول صفحة 349 ما نصه:
“أبو العباس أحمد التجاني”: أجل خلفاء (2) سيدي أحمد بن إدريس، ثم صار صاحب طريقة مستقلة. إمام العارفين وأحد أفراد أكابر الأولياء المقربين، قال خليفته سيدي علي حرازم بن العربي برادة المغربي الفاسي في كتابه «جواهر المعاني» الذي ألفه في شؤون شيخه المذكور والتعريف به: “هو رضي الله عنه من العلماء العاملين، والأئمة المجتهدين، وممن جمع شرف الجرثومة والدين وشرف العلم والعمل والأحوال الربانية الشريفة والمقامات المنيفة والهمة العالية السماوية، والأخلاق الزكية الرحمانية والطريقة السنية والعلم اللدني والسر الرباني النافذ التام، والخوارق العظام، والكرامات الجسام، القطب الجامع والغوث النافع، الوارث الرحماني والإمام الرباني إلخ ما وصفه به رضي الله عنه من الصفات الجميلة الجليلة التي هو أهل لها ولما فوقها.
وقد انتشرت طريقته، رضي الله عنه في بلاد المغرب والسودان وسائر جهات إفريقية انتشارا عظيما لم تنتشره طريقة غيرها في تلك الجهات، وحصل بها النفع العظيم والإرشاد التام، ومن أراد الاطلاع على التعريف به وبطريقته، وما يناسب ذلك من فرائد الفوائد، فعليه بكتاب «جواهر المعاني» المذكور، وكتاب «الرماح» المطبوع على هامشه لسيدي عمر الفوتي خليفة خليفته رضي الله عنهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم آمين، قال الشيخ عمر الرياحي التونسي في كتابه: «تعطير النواحي» بترجمة جده العلامة الإمام الشيخ إبراهيم الرياحي: ولما بلغ الشيخ (أي الشيخ إبراهيم الرياحي) رحمه الله إلى حضرة فاس، مشى أولا لدار سيدنا القطب المكتوم التجاني نفعنا الله به، ولما استفتح الباب أجابته خادم: هل أنت إبراهيم الرياحي التونسي؟ فقال لها نعم، فقالت له: إن الشيخ أخبر بمجيئك، وأذن بإدخالك من غير استئذان، وأدخلته، فوجد بدار الشيخ، سيدي محمد المشري، وسيدي محمد الغالي، وغيرهما ممن فاز بحضرة الشيخ، ثم قدم إليه قدحا من لبن فشرب جميعه، وبعد ذلك خرج عليه جناب الشيخ التجاني من خلوته. وبعد أن قبل تحيته أخبره بوفاة شيخه الشيخ صالح الكواشي، وأنه كان في جنازته، فيكون ذلك اليوم هو يوم الإثنين السابع عشر من شوال سنة 1218، وحضور القطب المكتوم في جنازة الشيخ صالح الكواشي بطريق الكرامة، إذ الأول بفاس والآخر بتونس، انتهت عبارة الشيخ عمر الرياحي في كتابه المذكور اهـ”.
[1] النهي عن زيارة القبور ليس على عمومه، وإنما نهى عن الزيارة غير الشرعية، ومن ذلك ما ذكره علماء التربية، أن من تخصص في بساط التربية على شيخ خاص، الأفضل له أن يكتفي به في شؤون السير والسلوك الروحي، ولا يزور أحدا من الأولياء إلا من أذن له في زيارته كالطبيب يعرف ما يناسب المريض من المشارب وقد بين ذلك جميع أهل التربية في جميع الطرق، من شاذلية ونقشبندية وخلوتية ومنهم الشيخ الدردير في كتابه «الخريدة» في التوحيد وشرحها للصاوي، وتدرس في الأزهر، و«بتحفة السالكين» للشيخ المنير السمنهودي، و«المباحث الأصلية في الطريقة الشاذلية» لابن البنا، المطبوع مع شرح الشيخ ابن عجيبة للحكم العطائية، وكتب الشيخ محمد أمين الكردي النقشبندي وكثيرين، مع احترام جميع الأولياء وحبهم وتعظيمهم واعتقاد كراماتهم أحياءا وأمواتا. وأما الزيارة بقصد السنة لمن يخلصها من دسائس النفس فلم يمنعها رضي الله عنه، كما ذكره صاحب ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية.
[2] كلام الشيخ النبهاني هذا غير محرر، والتحقيق خلافه، فإنه ذكر في ترجمة سيدي أحمد بن إدريس أنه ظهر في القرن الثالث عشر هجري وسيدي أحمد التجاني ولد في منتصف القرن الثاني عشر وظهر فيه. فهو متقدم عنه ولم يكن من أهل طريقته. بل سيدي أحمد بن إدريس هو الذي أخذ عنه. ولما زار سيدي أحمد التجاني فاس بعد الحج كان سن سيدي أحمد بن إدريس خمس عشرة سنة.. ولما أذن للشيخ سيدي أحمد التجاني بالتربية سنة 1196هـ، كان سن سيدي أحمد بن إدريس ثلاث وعشرين سنة. وكان ما زال في طلب العلم ولم يؤذن له بإعطاء الطريق بعد. اجتمع بالشيخ سيدي أحمد التجاني بعد انتقال الشيخ إلى فاس سنة 1213، ولم يظهر أمره إلا بعد أن سافر للمشرق. ولم يذكر أحد ممن كتب تاريخ سيدي أحمد بن إدريس من السادة الأدارسة أهل طريقته -وهم أعلم الناس به-، أن الشيخ سيدي أحمد التجاني أخذ عنه، ولا ذكر له في أصحابه، بل ذكر لي الشيخ أحمد فراج خليفة السادة الأدارسة بمصر أن سيدي أحمد بن إدريس جيء به وهو صبي، إلى سيدي أحمد التجاني، فأمسك برأسه وقال: ياما يخرج من هذه الرأس. كما لم يذكر ذلك أحد من أهل الطريقة التجانية، وليس للشيخ النبهاني سند في هذا القول ولا سلف. وإنما دخل الوهم على مولانا الشيخ النبهاني رحمه الله، فوضع الشيخ سيدي أحمد التجاني بدلا من الشيخ السنوسي. لأن الشيخ السنوسي هو أجل خلفاء سيدي أحمد بن إدريس، وقد أخذ الشيخ السنوسي أولا عن سيدي أحمد التجاني، كما هو ثابت في إجازته وأسانيده، ثم اجتمع بسيدي أحمد بن إدريس في المشرق وأخذ عنه. وسيدي أحمد بن إدريس، هو ممن أخذ عن سيدي أحمد التجاني، كما هو مذكور في صفحة 45، من الربع الأول من كتاب «رفع النقاب» للعالم العارف القاضي سيدي أحمد سكيرج.