هذه ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما جاء في الموسوعة المغربية “معلمة المغرب”
التجاني أحمد بن محمد بن المختار الشيخ الشهير. ولد بعين ماضي (الجزائر) عام 1150هـ – 37/1738م ونشأ بها، وقد تمادى في طلب العلم حتى تبحر في المعارف الأصولية والفرعية.
وهو من أصل مغربي. لأن رابع آبائه هاجر من مراكش لعين ماضي وتوطن بها وتزوج من تجان فكانوا أخوالا له، ولهذا ينتسب للتجانية عن طريق المصاهرة. وقد دخل إلى فاس لأول مرة عام 1181هـ/1767م بعدما أزعجه صاحب وهران الباي محمد بن عثمان، ومكث خمس سنين في البلد الأبيض بالصحراء الشرقية، وكان فراره من الجزائر مظهرا لتمسكه بأهداب الشريعة الإسلامية وعمره لا يتجاوز الثلاثين.
وبقدر ما كان الشيخ التجاني متفتحا يستعمل السماع بكلام ابن الفارض بطبوع الموسيقيين وآلاتهم من عود ورباب وكمانجة “كشف الحجاب” (ص: 275) بقدر ما كان يناهض البدع. وقد ذكر سكيرج في “كشف الحجاب” أيضا (ص: 310) أن أحد أمراء قبيلة الأحلاف بالمغرب الشرقي سجن قوما من القبيلة فاستجاروا بالشيخ وعرقبوا على بابه فاستنكر عملهم وتعذيبهم للحيوان وأبى التوسط لهم عند الأمير.
وتوجد بالخزانة العامة بالرباط رسالة مخطوطة لسيدي العربي بن السائح الرباطي التجاني اتهم فيها بالفسوق والكفر كل من يقدم القرابين لأضرحة الأولياء. وقد أجمع المؤرخون من المسلمين والأجانب على أن سبب هذه الهجرة راجع لاستبدال الجزائر القوانين الوضعية بالشرع وتهالكها على المنكرات، فوفد على عاصمة فاس مهبط رواد المعرفة وملتقى أقطاب الفكر في القارة الإفريقية، حيث تقبله الكثير من علمائها أجود اقتبال وعلى رأسهم إمام السلفية أبو الربيع السلطان المولى سليمان، الذي كان يناهض الطرق الصوفية وقد أثارها شعواء على المواسم في رسالة مطبوعة فلم يسعه إلا التنازل والانصياع لهذا الإمام، فأنزله على الرحب في دار المرايا بفاس وصار يتردد للاقتباس من علمه والغرف من معين هديه، ووفد إليه في هذا الالتفاف ثلة من شيوخ العلماء في المغرب العربي منهم:
إمام شنقيط محمد الحافظ العلوي، وشيخ الشيوخ عبد الرحمن الشنقيطي – الذي كان يحضر بفاس علماء وقته – وشيخ الإسلام بتونس أبو إسحاق سيدي إبراهيم الرياحي، والإمام سيدي عبد السلام بن الشيخ المعطي بن صالح الشرقي والعلامة محمد بن أحمد السنوسي، والعلامة علال بن عبد الله بن المجذوب الفاسي الفهري، وفريد عصره وعلامة مصره مولاي الزكي المدغري، والعلامة محمد بن عاشور السمغوني، والعلامة المختار بن الغالب التلمساني وغيرهم. والتحق بهؤلاء أفواج بلغت عشرات الآلاف شرقا وغربا من السودان إلى العراق إلى الهن، في طليعتهم الشيخ محمد كنون – وهو أول من أقرأ المطول في الحديث – والشيخ محمد بن جعفر الكتاني – وهو أول من أقرأ المسند لابن حنبل – والشيخ حمدون بن الحاج الذي أفرد لمدحه قصيدة في كتابه المخطوط “الأشراف على ما بفاس من العلماء والأشراف” (مخطوط خ .ص. بسلا) وقد مدحه العلامة ابن الحاج وهو إمام أهل فاس بقصيدة نونية أوردها في سلوة الأنفاس (183.1).
وقد انبهر هؤلاء العلماء الأفذاذ بغزارة علم هذا الإمام كما تدل عليه استنباطاته العميقة والأصلية من القرآن، نشر بعضها في كل من جواهر المعاني للشيخ حرازم برادة والجامع للعلامة محمد بن المشري، فهو عالم أصولي محدث سني تدل أجوبته على علو كعبه في الظاهر والباطن.
ومما ساقه صاحب “كشف الحجاب” (ص: 491) تدخل الشيخ سيدي أحمد بطلب من السلطان المولى سليمان في أحد مجالس قراءة التفسير بحضرته حيث تصدى الشيخ الطيب بن كيران (المتوفي عام1227هـ) لشرح جوانب غامضة من بعض الآيات، فطلب السلطان من الشيخ التجاني رأيه في الموضوع فقرر ما بهر العقول تعقيبا على ما نقله الشيخ بن كيران، فانقاد كل الحاضرين لرأي الشيخ سيدي أحمد وعلى رأسهم السلطان الذي نوه بغزارة مادة الشيخ من المعقول والمنقول والظاهر والباطن. والسلطان المولى سليمان ممن أخذ الطريقة التجانية عن صاحبها (ص.425).
وللشيخ التجاني رسائل عديدة منها وصية لجميع الإخوان (مخطوط خ.ع. 2106د) وإملاءات (خ.ع. 1699 د) ورسائل موجهة إلى بعض الفقراء والفقهاء والأمراء (خ.ع. 2425 د) وأجوبة عن الحروف اللفظية والرقمية والفكرية (خ.ع.2106 د) وياقوتة المحتاج في الصلاة على صاحب المعراج (خ.ع. 2447د) وفصل القضية في مسألة معينة (خ.ع. بتطوان 5/460).
توفي الشيخ سيدي أحد التجاني بمدينة فاس صبيحة يوم الخميس سابع عشر شوال عام 1230هـ/22 شتنبر 1815م، وضريحه بها شهير يزار، من جميع الأقطار.