ألا لا يَجْن جانٍ إلا على نفسه، و لا يَجْن والدٌ على ولده، ولا ولدٌ على والده، ألا إن الشيطان قد أيـِسَ أن يعبدَهُ المسلمون، و لكنه رضيَ في التحريش بينهم، ألا إن المسلم أخو المسلم، فلا يحِلُّ لمسلم من أخيه شيء، إلا ما أحلَّ من نفسِه، ألا إن كُلَّ ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلِمون و لا تُظلمون.
*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[في حجة الوداع و وفاته عليه الصلاة و السلام]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين:” و ما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسُل، أفإن مَّات أو قُتِل انقلبتم على أعقابكم، و من يَّنقلبْ على عَقِبَيْهِ فلن يَّضُرَّ اللهَ شيئا، و سَيجزي الله الشاكرين “(آل عمران144)
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد أعْلـَمَهُ ربُّهُ أن في إكمالِ تبليغِ رسالتِه، و استجابةِ الناس للدخولِ أفواجاً في دعوتِه، أذانٌ باقتراب أجلِهِ ، و إعلامٌ بانتهاءِ عُمُرِه، فقال في سورة النصر التي سماها العلماء:سورة التوديع “إذا جاء نصرُ الله و الفتحُ و رأيتَ الناسَ يدخلون في دين الله أفواجا، فسَبِّحْ بحَمْدِ ربكَ و استَغفِرْهُ، إنه كان توابا“
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خاطب نبيَّهُ و الناسَ أجمعين بقوله: ” و ما جَعَلـْنا لِبَشَر مِّن قبْلِك الخـُلـْدَ، أفإن مِتَّ فهُمُ الخالدون؟“( الأنبياء 34 ) و قوله: “ إنك ميت و إنهم ميتون، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون“ ( الزمر 31 )
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، المروي عنه أنه قال :”حياتي خير لكم، تحدِثـُون و يُحدَثُ لكم ، فإذا أنا مِتّ ُ كانت وفاتي خيرا لكم ، تـُعرَضُ علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله و إن رأيت شرا استغفرت لكم( الجامع الصغير للسيوطي:3771).
فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته وعلى من حافظ على دينه و شريعته، واستمسك بهديه و سنته، إلى يوم الديــن .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا، ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمَلـَهُ و سُؤْلـَهُ، فإنما نحن بالله و له، عباد الله : جاء في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى على شهداء أحُد بعد ثمان سنين( أي في السنة العاشرة للهجرة) كالمُوَدِّع للأحياء و الأموات ثم طلع المنبر فقال:” إني بيْنَ أيديكُم فـَرَط،ٌ و أنا عليكم شهيـد، و إن موعدَكم الحوضُ، و إني لأنظـُرُ إليه و أنا في مقامي هذا، و إني قد أعْطِيتُ مفاتيحَ خزائن الأرض، و إني لستُ أخشى عليكم أن تُشركوا بعدي، و لكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها “، و أخرج الإمام أحمد و البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة والطبراني و البيهقي عن جابر و ابن مسعود و ابن عمر رضي الله عنهم: كلٌّ روى طائفة من الحديث و يجتمعُ حديثهم: “أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب الناس في حجة الوداع( السنة 10 للهجرة) فكان مما قاله صلى الله عليه و سلم : ” الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده، صدق وعْدَه، و نصر عبدَه و أعز جُندَه، و هزم الأحزاب وحده، الحمد لله، نحمدُهُ و نستعينُهُ و نستغفرهُ، و نشهدُ أن لا إله إلا الله، و أن محمدا عبده و رسوله.
أيها الناس : اسمعوا مني أبَيِّنْ لكم، فإني لا أدري لعَلـِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس: أوصيكم بتقوى الله.
أيها الناس: أيُّ يوم هذا؟ و أيُّ شهر هذا؟ و أي بلد هذا؟ قالوا: يومٌ حرام، وشهر حرام، و بلدٌ حرام، قال: فإن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا، ألا لا تظالموا، ألا لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطِيبِ نفـْسٍ مِنه، فليبلغ الشاهدُ منكم الغائبَ و لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضُكم رقابَ بعض.
أيها الناس: ألا لا يَجْن جانٍ إلا على نفسه، و لا يَجْن والدٌ على ولده، ولا ولدٌ على والده، ألا إن الشيطان قد أيـِسَ أن يعبدَهُ المسلمون، و لكنه رضيَ في التحريش بينهم، ألا إن المسلم أخو المسلم، فلا يحِلُّ لمسلم من أخيه شيء، إلا ما أحلَّ من نفسِه، ألا إن كُلَّ ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلِمون و لا تُظلمون.
أيها الناس:ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عَوارٍ*لكم ليس تملكون منهن شيئا غيرَ ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، ألا و إن لكم على نسائكم حقا و لنسائكم عليكم حقا، فأما حقكُم على نسائكم: فلا يُوطئن فـُرُشـَكُم من تكرهون، و لا يأذنَّ في بيوتكم من تكرهون، ألا و إن من حقـِّهن عليكم: أن تحسنوا إليهن في كسوته و طعامهن بالمعروف، ألا فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع و اضربوهن ضربا غير مبرِّح، ألا هل بلغت؟ ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإنه رُبَّ مُبلـَّغ أسعدُ من سامع.
*(عوار جمع عارية و هي ما يعطيه غيرك لك بشرط أن تعيده له وفي هذا التعبير مجاز أي المقصود أن المرأة ليست شيئا مملوكا للرجل يفعله به ما يشاء)
أيها الناس: إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقه، و إنه ليس لوارث وصية، ألا و إن الولدَ للفراش، و للعاهر الحجَر، من ادَّعَى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه: فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يُقبَلُ منه صرفٌ و لا عَدْل.( أي لا يقبل منه لا فرض و لا نفل )
أيها الناس:”إن النسيءَ زيادة ٌ في الكفر يَضل به الذين كفروا يُحِلـُّونه عاماً و يُحرِّمونه عاما لِيُوَاطِئـُوا عِدَّة ما حرم الله“، ألا و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض، و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حُرُم، ثلاث مُتواليات و واحدٌ فرد: ذو القعدة، و ذو الحجة، و المُحرم، و رجَبُ الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت؟
أيها الناس: إن ربكـــــم واحــد، و إن أباكـــم واحــد، كلكــم لآدم، و آدم من تــراب
أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي، و لا لأبيضَ على أحمرَ فضلٌ إلا بالتقوى.
أيها الناس: إني فـَرَطُكُم على الحوض أنظر(أي سابقـُكم إليه)، و أكاثِرُ بـِكُمُ الأمَم و إني سائِلـُكم حين ترِدُونَ عَليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأول الأكبر: كتابُ الله، طرَفـُه بيد الله و طرفه بأيديكم ، فتمسكوا به، لا تضلوا و لا تبدِّلوا، و عثرتي أهلُ بيتي، و إنه نبَّأنيَ اللطيفُ الخبير أنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوضَ، ألا و أنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهدُ أنك قد بلغت، و أديت، و نصحت، فقال:”اللهم اشهد“.
*و كان مما قاله صلى الله عليه و سلم للناس في هذه الخطبة أيضا: ” خذوا عني مناسِكَكُم، فلعَلـِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا” و طفِق يُودِّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع.
* وبعد أن أقام صلى الله عليه و سلم بمكة عشرة أيام قفـَل راجعا إلى المدينة و لما رآها، كبَّر ثلاثا و قال:” لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، و هو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعدَه، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده“.
* وهو في طريقه صلى الله عليه و سلم إلى المدينة جمع الناس بماء يُدعى “غديرُ خم” و هو بين مكة و المدينة فخطبهم وقال: أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيَني رسولُ ربي فأجيب، ثم حضَّ على التمسك بكتاب الله و وصَّى بأهل بيته. ثم كان ابتداءُ مرضه صلى الله عليه و سلم في أواخر شهر صفر، و خرج صلى الله عليه و سلم و هو معصوبُ الرأس بخرقة حتى أهوى إلى المنبر فاستوى عليه فقال:”و الذي نفسي بيده إني لأنظر إلى الحوض من مقامي هذا“، ثم قال:” إن عبدا خيَّرَه الله بين أن يُؤتيَهُ من زهرة الدنيا ما شاء، و بين ما عنده فاختار ما عنده“، فبكى أبو بكر رضي الله عنه و قال: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأولادنا و أموالنا، فسكَّن رسول الله جَزعَه، و أخذ في مدحه، و الثناء عليه على المنبر ليعلمَ الناسُ كلـُّهم فضلـَه فلا يقعَ عليه اختلاف في خلافته، فقال: إن أمَنَّ الناس عليَّ في صُحبتِهِ ومالِهِ أبو بكر، ثم قال: لو كنتُ مُتـَّخِذاً من أهل الأرض خليلا لاتخذتُ أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام، ثم قال صلى الله عليه و سلم: لا يبقى في المسجد خوخة إلا سُدَّت، إلا خوخة أبي بكر. و في رواية: فقال لهم الرسول : أيها الناس : دعوا أبا بكر فو الله ما من أحد كانت له يد إلا كافأناه بها إلا أبا بكر لم استطع مكافئته فتركت مكافئته لله عز و جل، و بدأ صلى الله عليه و سلم يوصى الناس و يقول : أيها الناس : أوصيكم بالنساء خيراً و قال : الصلاه الصلاة الصلاة، الصلاة،الله، الله في النساء، و ظل يرددها و بدأ يدعو و يقول: آواكم الله، نصركم الله، ثبتكم الله.. ثم ختم و قال: أيها الناس : أبلغوا منى السلام كلَّ من تبعني إلى يوم القيامة. و كانت هذه آخرَ مرة يصعدُ المنبر صلى الله عليه و سلم، ثم لما ثقـُلَ به المرضُ قال: أين أكون غدا؟ قالوا عند فلانة، قال: أين أكون بعد غد؟ قالوا عند فلانة، فعرفن أزواجُه أنه إنما يريد عائشة، فقلن: يا رسول الله قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة. قالت عائشة: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم و اشتدَّ وجَعُه استأذن أزواجَه أن يُمَرَّضَ في بيتي، فأذِنَّ له فخرج و هو بَيْن رَجُلـَيْن تخُطُّ رجلاه في الأرض: بين عباس بن عبد المطلب(عمِّه) و بين رجل آخر قيل هو علي و قيل هو الفضل. و قال عمر رضي الله عنه: دخلتُ على النبي صلى الله عليه و سلم و هو موعوكٌ فوضعت يدي فوق ثوبه فوجدتُ حَرَّها من فوق الثياب، فقلت يا نبي الله: ما رأيتُ أحداً تأخذهُ الحُمَّى أشدَّ من أخذها إياك! قال: وكذلك يُضاعفُ لنا الأجر،إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” مُرُوا أبا بكر فليُصَلِّ بالناس” قالت عائشة: إن أبي رجلٌ رقيق، إذا قام مقامَك لم يستطع أن يصلي بالناس(أي من البكاء)، قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فعادت، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف.
* و وجد صلى الله عليه و سلم خِفـَّة في مرضه فخرج و أبو بكر يُصلي بالناس، فلم يشعر أبو بكر حتى وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين كتفيه، فنكص أبو بكر، و جلس النبي صلى الله عليه و سلم عن يمينه، فصلى أبو بكر و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما انصرف قال:” لم يُقبض نبيّ ٌ قط حتى يَؤمَّهُ رَجُلٌ من أمَّتِه“، و عن الفضل بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:شـُدُّوا عليَّ رأسي لعلي أخرجُ إلى المسجد، فشددتُ رأسه بعِصابة، ثم خرج إلى المسجد يتهادى بين رَجُلين حتى قعد على المنبر ثم قال:”أما بعد، أيها الناس، إنه دنا خُفـُوفي مِن بين أظهركم، ألا فمَنْ كنتُ جَلدتُ له ظهرًا فهذا ظهري فليَسْتـَقِدْ، و من كنتُ أخذتُ له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، و من كنت شتمتُ له عِرْضًا فهذا عِرْضي فليستقد، و لا يقولنَّ قائلٌ: أخافُ الشحناءَ من قِبَلِ رسول الله صلى الله عليه و سلم، فإنها ليست من شأني و لا من خُلـُقي“. صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله! يا سيد الخلق! ما أعدلك! وما أحلمك! و ما أكرمك!
* ثم لما ثقـُلَ صلى الله عليه و سلم جعل يبسُطُ رِجْلاً و يقبـِضُ أخرى و يبسُطُ يداً و يقبض أخرى، فضمَّتهُ السيدة فاطمة إلى صدرها و قالت: واكرباهُ لكربك يا أبتاه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” أيْ بُنيَّهْ، لا كَربَ على أبيك بعدَ اليوم“. و قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يموت و عنده قدَحٌ فيه ماء، فيدخل يده في القدَح و يمسح وجهه بالماء، ثم يقول:” اللهم أعِنـِّي على سكرات الموت“، و عن ابن عباس رضي الله عنه جاء ملك الموت إلى النبي صلى الله عليه و سلم و رأسُه في حِجْرِ عَلِيٍّ فاستأذن فقال: السلام عليكم و رحمة الله وبركاته، فقال له علي:ارجع فإنا مشاغيلُ عنك، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: تدري من هذا يا أبا الحسن؟ هذا ملك الموت، ادخل راشدا .
* و في رواية أتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك و تشريفا يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، و أجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه في اليوم الثاني والثالث، فقال له ذلك، فرد عليه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك، و جاء معه في اليوم الثالث مَلـَكُ الموت، فقال له جبريل عليه السلام: هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما استأذن على أحدٍ قبلك، و لا يستأذن على آدمي بعدَك، أتأذن له؟ فأذِنَ له، فدخل فسلم عليه، ثم قال يا محمد: إن الله أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، و إن أمرتني أن أترك تركت قال: أو تفعل؟ قال: نعم، و بذلك أمِرتُ، فنظر النبي صلى الله عليه و سلم إلى جبريل عليه السلام( أي كالمستشير) فقال له: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك – وفي رواية- إن الله يُقرئك السلامَ و رحمة َالله و يقولُ لك: إن شئت شفيتـُك و كفيتـُك، وإن شئت توفيتـُك و غفرتُ لك، قال:” ذلك إلى ربي يصنع ما يشاء“. و عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله يقول و هو صحيح :” إنه لم يُقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر“، قالت: فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل، و رأسُه على فخِذِي غُشي عليه، ثم أفاق فأشْخَصَ بصرَهُ إلى سقف البيت، و قال:” اللهم الرفيقَ الأعلى” فعرفتُ أنه الحديث الذي حدثنا به و هو صحيح (قالت: خُيِّرتَ فاخترتَ).
* فلما توفي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أبتاه، أجاب رباًّ دعاه، يا أبتاه مِن َربِّه ما أدناه، يا أبتاه جنة ُالفردوس مأواه، يا أبتاه الربُّ و الرُّسُل تسلم عليه حين تلقاه. و بكى الناس، فقام عمر بن الخطاب في المسجد خطيبا فقال: [ لا أسمع أحدا يقول إن محمدا قد مات، و إن محمدا لم يمت، لكنه أرسَلَ إليه ربُّه كما أرسل إلى موسى بنِ عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة، و أنه صلى الله عليه و سلم لا يموتُ حتى يُفنِيَ اللهُ المنافقين]، و جاء أبو بكر فدخل على النبي صلى الله عليه و سلم فكشف عن وجهه فاسترجع ( أي قال : إنا لله و إنا إليه راجعون) فقال: مات و الله رسول الله، ثم تحوَّل من قِبل رأسه فقال: وانبياه! ثم حدَر فمه فقبل جبهته فقال: واخليلاه! ثم حدر فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه، فقال: و اصفياه! ثم حدر فمه فقبل جبهته ثم قال: طبتَ حيا و ميتا رحمة ُالله عليك يا رسول الله! ما أطيبك حيا، و ما أطيبك ميتا، ثم سجَّاه بثوب، ثم خرج و قال: اجلس يا عمر، فتشهَّدَ ثم قال: أما بعد، أيها الناس من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، و من كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت . قال الله تعالى:” و ما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبلِهِ الرسُل، أفإن مات أو قـُتِلَ انقلبتم على أعقابكم“، فكأن الناس لم يعلموا أن الله نزَّل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلـُّهم، فما سمعها بشرٌ من الناس إلا و أخذ يتلوها. قال عمر رضي الله عنه: ” و الله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعٌقِرْتُ ما تـُقِلـُّني رجلايَ، و حتى أهويتُ على الأرض حين سمعتـُه تلاها، و علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد مات”.
فاللهم اجز عنا نبيك سيدنا محمدا بخير ما جازيت نبيا عن أمته و اجزه خير ما هو أهله و اسلك بنا منهجه و أدم علينا محبته و ارزقنا شفاعته. آمين
(سبحان ربك رب العزة عما يصفو) ، (و سلام على المرسلين) ،
(و الحمد لله رب العالمين)
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله وعلى جميع من تعلق بأذياله، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :-أيها المومنون، قد يتساءل البعض هل جُرد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من ثيابه عند غسله؟ الجواب:
روى ابن سعدٍ عن عليّ، وأبو داودَ ومسدد، وأبو نعيم وابن حبَّان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: “لمَّا أرادوا غَسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم–اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنع أنجردُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم–ثيابه كما نجردُ موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجُل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص, ويدلكونه بالقميص دون أيديهم (فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). أخرجه الحاكم (3/59) والبيهقي في الدلائل (7/242).
من تولى غسله عليه الصلاة و السلام؟
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر-رضي الله عنه-، أقبل الناس على جهاز رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يوم الثلاثاء، فحدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا: أن عليّ بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وقُثَم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشُقران مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، هم الذين ولوا غسله، وأنّ أوس بن خولي أحد بني عوف ابن الخزرج، قال لعليّ بن أبي طالب: أنشدك الله يا عليّ وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكان أوس من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وأهل بدر، قال: ادخل، فدخل فجلس، وحضر غسْل رسول الله-صلى الله عليه وسلم -، فأسنده عليّ بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه، وكان أسامة بن زيد وشُقران مولاه، هما اللذان يصبان الماء عليه وعليُّ يغسله قد أسنده على صدره، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يُفضي بيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وعلي يقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيّاً وميتاً، ولم يُرَ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – شيء مما يُرى من الميت). تاريخ الطبري (3/211، 292) وطبقات ابن سعد (2/277) وله شاهد في سنن ابن ماجه في كتاب الجنائز (2467). باب ما جاء في غسل النبي – صلى الله عليه وسلم
أيها المؤمنون: إنها للحظات مؤثرة مباركة طيبة هذه التي ُذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، و سمعنا فيها أخباره و أخبار حجة الوداع و ما وَجَّه من خلالَ خطبتها إلى الأمة جمعاء من الأوامر و التوجيهات النافعة لهم في الدنيا و الآخرة، و تابعنا فيها قصة شكواه ومرضه و لحوقه بالرفيق الأعلى و شدة اعتنائه بأمته خصوصا و نحن في بيت من بيوت الله تعالى و في ساعة ورد في الحديث الشريف بأنها ساعة إجابة – نقصد الساعة التي بين الأذان من يوم الجمعة و إقامة الصلاة- فليكن مسك ختام خطبتنا امتثال أمر ربنا الذي قال و قوله الحق:” إن الله و ملائكته يصلون على النبيء يأيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما” فعلينا معاشر المؤمنين المحبين في رسول الله بالإكثار من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم،اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. وارض اللهم عن أصحاب رسولك و خلفاء نبيك، القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمر به وارتضاه و استنه، خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة،و الأنصار منهم و المهاجرين، وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.
(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
( و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)
(و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت عين البرجة الدار البيضاء