عملت عدة عوامل على إبقاء أبناء شيخنا سيدي أحمد التجاني رضي الله عنهم تحت الظلال والحجب الكثيفة التي حالت دون التعرف عليهم عن كثب، وتسليط الأضواء على شخصياتهم بشكل يفي بالرد على الأقوال والأعمال التي نسبها بعض الجهلة إليهم، وخاصة الحملات التشهيرية والتشكيكية التي استهدفت شيخنا سيدي أحمد التجاني وأبنائه رضي الله عنهم.
هو الابن الثاني للشيخ التجاني، أمه السيدة الغالية المتصفة بالهمة العالية، السيدة “مباركة”، تزوج بها السيد بعد عتقها، ونالت منه الحظ الوافر من المودة التامة.
نشأ سيدنا محمد الحبيب في عفاف وصيانة وتقوى محروسا بعناية ورعاية سيدنا الشيخ رضي الله عنه، إذ كان شديد الحرص على تهذيبه، فكان يحيطه وأخوه الكبير بالعناية الفائقة والكياسة والصرامة في آن واحد.
وقد زوجه سيدنا الشيخ-قبل وفاته بمدة يسيرة- اعتناء بشأنه وحفظا له من الشيطان وحزبه، السيدة حسناء أخت أحمد بن موسى، يوم عقد لأخيه سيدي محمد الكبير على فاطمة بنت أخيه.
خلف سيدي محمد الحبيب والده رضي الله عنه في الهداية والإرشاد والنفع العميم للعباد، وبذل النصيحة لعامة المسلمين، بما خصه الله به وكغيره من أبناء الشيخ من الكمال الفطري والمعرفة بالله.
كان رضي الله عنه ذا همة عالية ونفس أبية وجد واجتهاد في طلب العلوم الشرعية وغيرها، منفتحا على المحيط الثقافي، مطلعا على أهم المصنفات التي جاد بها زمانه.
قال سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه “كنت في بعض الأيام مشتغلا بحفظ بعض المصنفات في النحو فرآني سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه فقال لي: أترك عنك هذا واقرأ ما يعود نفعه عليك. قال فتركت ذلك امتثالا لأوامره.
قال فبينما أنا معه في بعض الأيام جالسا إذ قال لي: يا فلان، وسماه، إن عندي بعض أذكار الشيخ- رضي الله عنه- المكتومة التي لا ينبغي أن يطلع عليها الغير، وأريد أن أذكرها ولكني خفت أن ألحن فيها، والآن أردت قراءة النحو فلا بد لنا أن نقرأ معا الألفية؛ قال: فصرت أكتب عشرة أبيات في اليوم وأحفظها وهو يكتب أربعة أبيات فقط، فلما بلغت لباب حروف الجر نظرت إلى لوحه فوجدت فيها آخر الألفية، فتعجبت من ذلك وقلت له يا سيدي ما هذا؟ فقال لي أنا لست مثلك أنام الليل كله وإنما أنام ساعة واحدة فقط واشتغل بما أنا بصدده”.
وكما هو معلوم فما بين باب حروف الجر وآخر الألفية ما يفوق ستمائة بيت، وهذا ما يدل على عزم سيدي محمد الحبيب وحرصه على تحصيل العلوم. وبقي الحبيب على هذا النهج حتى وافته المنية سنة 1269 ولم يرى، كما أكد على ذلك السيد أحمد عبدلاوي، فرنسيا في حياته. (هذا في معرض الحديث عن لقائه بالعدو الفرنسي الذي بعث إليه خطابا يخبره فيه برغبته في مقابلته).