المقدم في الطريقة التجانية، هو الذي يقوم بتلقين أوراد الطريقة، ويأذن في أذكارها، نيابة عن سيدنا الشيخ رضي الله عنه. وليستطيع القيام بهذه المهمة الجليلة أحسن قيام. يجب أن تتوفر فيه العديد من الشروط، نذكرها فيما يلي:
يكون الرجل مؤهلا للتقديم في الطريقة التجانية إذا توفرت فيه العديد من الشروط، وتنقسم إلى قسمين: شروط قبل الحصول على الإجازة وشروط بعد الحصول عليها.
ما يشترط في المقدم قبل الإجازة:
1-أن يعرف ما هو المقصود من الدخول في الطريقة، وذلك بأن يعرف أن الدخول في صحبة سيدنا رضي الله عنه إنما هو لأمرين:
الأول: أن يعلم أن هذا الشيخ رضي الله عنه ولي لله تعالى، فيصحبه ويدخل في طريقته لتجذبه موالاته لموالاة الله تعالى.
الثاني: أن يعلم أن هذا الشيخ رضي الله عنه من عبيد الحضرة الإلهية، وأنه عارف من طريق التعريف الإلهي مكاشفة ومنازلة لما للحضرة من الآداب، فيصحبه ليدله على ذلك.
2- أن يعرف شروط الدخول في الطريقة، وما يلزم المريد بعد الدخول فيها من الشروط، وما يجب عليه فعله، وما يجب عليه تركه.
3- أن يعرف ما يتعلق بالورد اللازم، من أركان وأوقات، وشروط صحة، وشروط كمال، وما يبطله، وما يجبر به الخلل الواقع فيه، إلى غير ذلك.
4- أن يعرف ما يتعلق بالوظيفة والهيللة من أركان وأوقات وشروط، وما يقضى منها وما لا يقضى إذا فات وقته.
5- أن يعرف أحكام الطهارة، سواء كانت طهارة خبث من استبراء واستجمار واستنجاء، أو طهارة حدث من وضوء وغسل وتيمم، وكيفية إتقان ذلك والقيام به على أحسن وجه.
6- أن يعرف أحكام الصلاة من أركان وسنن وفضائل ومبطلات، وما يفعله المسبوق، وحكم السهو، وما إلى ذلك.
7- أن يكون ذا دين متين، وعقل راجح، وأمانة، ورفع همة عن الخلق.
8-أن لا يتعرض لطلب التقديم بالحال أو بالمقال.
ما يشترط في المقدم بعد الإجازة:
* فإذا توفرت في الرجل هذه الشروط، وهي المعبر عنها بالأهلية، أي كان أهلا للتقديم، ولم يطلب التقديم، وإنما أعطي له من غير طلب، لاحتياج بلده إلى مقدم، وحصل فعلا على الإجازة بالتقديم، فيشترط فيه بعد ذلك ما يلي:
1- أن يعلم أنه تقدم لخدمة إخوانه الفقراء، لا ليكون مخدوما، لأن التقديم تكليف وليس تشريفا فقط.
2- أن يهتم بشؤون الزاوية، ويقوم بحقوق الإخوان أحسن قيام.
3- أن لا يطالب الناس بالدخول في الطريقة، قال سيدنا رضي الله عنه: “ولولا ما نهيت أصحابي عن التصريح لأحد بالأخذ لها، لكان الواجب في حق كل من نصح الأمة جبرَ الناس عليها، والإتيان إليها، ولكن لا مندوحة عن الوقوف عندما حد”1.
4-أن يتأنى ويتثبت عند التلقين، وأن لا يتسرع في ذلك، قال في البغية: “فربما يرى بعض متصدرين للتلقين ـ إذا كان غِرّاً بمدارك الأمور ـ ما في كتاب جواهر المعاني وغيره، من أن هذا الورد الشريف يلقن لكل من طلبه من المسلمين على أي حالة كان، كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى، طائعا أو عاصيا، فيظهر له أن المراد بهذا الكلام الأمر بالمسارعة إلى التلقين من غير تثبت ولا تأن، ولا قيام بآداب المقام، وليس الأمر كذلك”2.
فلا بد إذن من التثبت والتأني قبل أن يلقن الورد الشريف لمن طلبه حتى يتأكد من صدقه، لأنه سيفتح عليه إما بابا من أبواب الجنة وإما بابا من أبواب النار، لأن سيدنا رضي الله عنه قال: “ومن أخذ هذا الورد وتركه تركا كليا، أو متهاونا به، حلت به العقوبة، ويأتيه الهلاك”3.
لذلك كان الرجال الذين قدمهم سيدنا رضي الله عنه لتلقين ورده الشريف، يحرصون كل الحرص على العمل بهذا الشرط، قال في البغية: “وما رأيت ولا سمعت أكثر قياما بهذا الأدب، ولا أشد اعتناء به من أصحاب سيدنا رضي الله عنه، الذين صحبوه قيد حياته، وحصل لهم التأهل لتلقين ورده، فإنهم كانوا إذا أتاهم من يريد الدخول في الصحبة والأخوة، يظهر عليهم مزيد الاهتمام بشأنه، والاجتهاد في الدعاء له ولهم معه بالثبات في الأمر، مع إسناد الأمر بينهم في ذلك إلى همة سيدنا الشيخ رضي الله عنه، بإظهارهم أن يدهم فيه إنما هي يد نيابة لا غير، وأنهم ليس لهم فضل على من يلقنونه، ولا حظ لهم فيما يعاملونه به من بذل النصيحة، وكمال الإرشاد، إلا ما يرجونه من فضل الله تعالى، بسبب التبليغ ظاهرا لا غير.
ورأيت منهم من لا يلقن أحدا إلا بعد صلاة الاستخارة النبوية، وصدق اللجوء إلى الله تعالى على أكمل ما يمكن. ومنهم من كان يزيد مع الاستخارة قراءة ما تيسر من صلاة الفاتح لما أغلق، ويهدي ثوابها إلى سيدنا الشيخ رضي الله عنه، ويستأذنه في تلقين ورده لذلك الإنسان الذي طلب منه بقلبه، أو بقلبه ولسانه، بأن يقول: “هذا فلان طلب مني أن ألقنه، وها أنا ألقنه عن إذنك، وببركة همتك، ونحو ذلك”. 4
5- أن يعرض الشروط على من يريد الدخول في الطريقة، ويشرحها، ويقررها له، حتى يتفهمها قبل التلقين، ولا يأذن له حتى يتأكد من فهمه لها، وقبولها بدون أي تردد.
6- أن لا تمس يده يد امرأة عند التلقين، بل يأذن لأحد محارمها أن يلقنها، اقتداءً بسيدنا رضي الله عنه، الذي تواتر عنه أن يده لم تصافح يد امرأة قط عند التلقين للورد، وإنما كان يأمر ذوي محارمهن أن يلقنوهن5. وقد نص سيدنا رضي الله عنه على ذلك في إجازته لبعض المقدمين.
قال السيد الصالح والمرشد الناصح سيدنا العربي بن السائح رضي الله عنه: “وقد طالعت إجازة سيدنا الشيخ له ـ أي سيدي عبد الله بن حمزة العياشي ومن جملة ما رأيته فيها من الشروط: أن لا يصافح الملقن بيده يد امرأة ليست بذات محرم منه”6.
7- أن لا يعطي الإذن لمن يستعمل القاذورات والعفونات، من حشيشة وتابغة وأفيون وغيرها من الأعشاب الخبيثة، شما أو أكلا أو بخارا ، فقد نص سيدنا رضي الله عنه على ذلك في إجازته لصاحبه سيدي عبد الوهاب الضرير بقوله رضي الله عنه: “ولا يعطى هذا الورد لمن يستعمل القاذورات شما وأكلا وشربا ، وذلك كاستعمال العشبة الخبيثة الحشيشة وتابغة والأفيون، بل يعطى لشارب الخمر ولا يعطى لهم، لأن شارب الخمر ترجى توبته، بخلاف هؤلاء فإنهم في الغالب لا يتوبون عن تعاطيها”7.
8- أن لا يتظاهر بالتقديم، ولا يتعاطى التلقين في بلد فيه مقدم، لما يسببه ذلك من التشويش على الإخوان.
9- أن لا يتصدر للتلقين، ولا يتظاهر بالتقديم في وجود مقدم أقدم منه في بلده، لأن ذلك من أعظم الفتن، وأسباب التفريق بين الإخوان8.
10- أن يتخلق بمكارم الأخلاق، و يتحلى بمحاسن الآداب، وحسن المعاشرة مع الإخوان، وقد جمع سيدنا رضي الله عنه أهم ما يجب على المقدم أن يتصف به من ذلك في وصيته للمقدمين.
محمد الشرقي