شكر الله على التوفيق لأداء العبادات
الخطبة الأولى :
*الحمد لله رب العالمين* والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الانبياء و المرسلين *و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، عباد الله، اعلموا أن من أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى بعد أداء العبادات و التوفيق إلى طاعته بالتقرب بها إليه أن تحمدوه و تشكروه على ذلك، وأن تجمِلوا الثناء عليه بما هو أهله، فهو سبحانه من هدَى إليها، وهو من وفَّق لأدائها، وهو من صرف الموانع من فعلها ، و هو من بكرمه و جوده يقبلُها ويثيب عليها، وهو من يتجاوز عن التقصير في أدائها، فتأملوا هداكم الله كيف يتكرر الأمر بالشكر بشكل ملحوظ في دُبُرِ العبادات، ففي الحج قال الله تعالى ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾.[البقرة: 198].وقال سبحانه حاكيا دعاءَ نبيه إبراهيم عليه السلام بعد بنائه البيت:﴿رَبَّنَا إِنِّيَ أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾، [إبراهيم: 37]، وبعد الهَدْيِ والأضاحي قال الله تعالى:﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.[الحج: 36]وبعد آيات الصيام قال الله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، [البقرة: 185]، وبعد آية أحكام الوضوء والطهارة قال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وفي صيغة التكبير التي نكررها في هذه الأيام الفاضلة في آخرها الحمد ( الله أكبر و لله الحمد)، بل شُرع للمصلي أن يدْعوَ ربه بعد كل صلاةٍ أن يعينه على شكره، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً، ـ وهي وصية له ولأصحابه ـ قال له: (يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أبو داود)، بل جاء الأمر بالشكر مع العبادة مطلقًا دون تخصيص لعبادة، قال تعالى: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وكُنْ من الشاكرين﴾ [الزمر: 66]، فكما ينبغي أن يُشكَر تعالى على النِّعم الدنيوية، كصحةِ الجسم وعافيتِه، وحصولِ الرزقِ وغيرِ ذلك، كذلك ينبغي أن يُشكَر ويُثنَى عليه بالنِّعم الدينية، كالتوفيقِ للإخلاص، والتقوى، بل نِعَمُ الدين، هي النِّعَم على الحقيقة، لمن تدبَّر أنها من اللّه تعالى وسَلـَّمَهُ سبحانه مِنْ آفةِ العُجْبِ التي تعرِض لكثير من العاملين، بسبب جهلهم.
عباد الله: إن استحضارَ نعمة الله على العبد بعد العبادات من أَجَلِّ النِّعَم وأزكاها عند ربنا، فيَا مَنْ صُمْتُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَوْمٌ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ، اشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى حِينَ هَدَاكُمْ لَهُ، وَأَعَانَكُمْ عَلَى صِيَامِهِ.ويَا مَنْ ذَبَحْتُمْ أَضَاحِيَكُمْ، اشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا وَسَّعَ عَلَيْكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَمَا هَدَاكُمْ لِتَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ بِذَبْحِهَا، وَمَا تَمَتَّعْتُمْ بِه مِنْ لَحْمِهَا، وتصدقتم منها و أهديتم.وَيَا مَنْ أَقَمْتُمْ أَيَّام العَشْرِ من ذي الحجة تَرْتَعُونَ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، اشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى إِذْ هَدَاكُمْ وَأَعَانَكُمْ عَلَى الصَّوَارِفِ وَالشَّوَاغِلِ، وعَلَى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ. و يا من وصلتم أرحامكم و جيرانكم، و أحسنتم عشرة أزواجكم وتربية أولادكم اذكروا أنَّ الله تأَذَنَّ لمن شكر بالمزيد، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، فهو يزيد من الخير والصلاح لمن تَعبَّد ربه وشكره.
وتأملوا رعاكم الله حال رسولنا صلى الله عليه وسلم مع الشكر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطّـَرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) رواه البخاريُّ ومسلمٌ. فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بنعمة الوجود بعد العدم و بنعمة العلم بعد الجهل و بنعمة وسائل الإدراك فقال:﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. [النحل: 78].
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : معاشر المؤمنين، حريٌّ بنا أَنْ نَلْحَظَ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كل شيء ، وَفِيمَا شَرَعَ في شرعنا مِنَ الشَّعَائِرِ والمَنَاسِكِ، وَفِي كُلِّ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَأَبْوَابِهَا وَتَفْصِيلِهَا؛ ففضلنا على كثير من خلقه و عباده الذين حرموا من هذا الخير و الفضل الجسيم، فَإِنَّنَا إِذَا اسْتَشْعَرْنَا ذَلِكَ لَهَجْنَا للهِ تَعَالَى حَامِدِينَ شَاكِرِينَ، وَأَتَيْنَا مَوَاطِنَ الحَمْدِ والشُّكْرِ، وَتجنبنا مَوَاضِعَ الجُحُودِ وَالكُفْرِ.﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 243]، هكذا أخبر الله تعالى أن أكثر الناس لا يشكرون، فمنْ مِنَّا أدَّى شُكرَ جوارحِه؟ ومن منا أدَّى شُكرَ النِّعم الدينية والدنيوية عليه؟ ولهذا قال الله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، [سبأ: 13]، فما أعظمه من خَطْب وما أشدَّه! أكثرُ العبادِ لا يشكرون الله تعالى على ما أولاهم من النعم، ودفع عنهم من النقم؛ ولأن الخبيث إبليس يعلم أن العباد ضعفاء تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازمًا ببذل مجهوده على إغوائهم ظنَّ وصدقَ ظنه في أغلب الناس قال تعالى:( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)(سبأ). وقال الله حاكيا قول اللعين إبليس: ﴿ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. [الأعراف: 17] فاتقوا الله عباد الله، و اكثروا من ذكره و شكره على نعمه الظاهرة و الباطنة خصوصا توفيقه لكم لعبادته، هذا و استعينوا على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين
(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين)
(و الحمد لله رب العالمين).
إضغط على الرابط:
شكر الله على التوفيق لأداء العبادات