عاشوراء يوم شكر وذكرى للاعتبار
الخطبة الأولى:
*الحمد لله جعل الفرج مع الكرب، والنصر مع الصبر، و العاقبةَ للمتقين.
*والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الانبياء والمرسلين
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، صلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .* أما بعد،
عباد الله: إن الله تعالى قص علينا في كتابه المبين في أكثر من موضع قصة نبيه موسى على نبينا و عليه السلام مع الطاغية فرعون الذي علا في الأرض بغير حق و تجبر و أكثر فيها الفساد: استضعف بني إسرائيل فسامهم سوء العذاب، وذبح أبناءهم واستحيى نساءهم للخدمة و للاستعباد، بل دخله الغرور فادعى الربوبية و الألوهية لنفسه و نفاها عن غيره فقال لأشراف وسادات قومه: “يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري” (القصص) فتعبدوه،فقال تعالى عنه في سورة النازعات:( فَكَذَّبَ وَعَصَى 21 (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَارَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى” واجه فرعون دعوة نبي الله موسى عليه السلام بالجحود و التكذيب و نكَّل بالسحرة الذين آمنوا برب موسى و هارون و مثل بهم، فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، و علقهم على جذوع النخل إمعانا في الطغيان، و منع سيدنا موسى من الخروج ببني إسرائيل من مصر، بل دعا أمراءه و أجناده إلى استئصال شأفة موسى و من معه قال تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ.إِنّ هَـَؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ * وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ) قال عنهم شرذمة مع أن عددهم كان يفوق الستمائة ألف و مع ذلك فهو لا يبالي بسفك الدماء و نهب الأموال، زاعما أن ماجاء به موسى فساد و تبديلٌ للدين، فدعا إلى قتل موسى قال تعالى: ]وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ] (غافر 26) فأوحى الله تعالى إلى نبيه موسى أن يخرج بقومه ليلا و يقطع البحر إلى الضفة الأخرى، فكان في ذلك استدراجٌ لفرعون و ملإه إلى الهلاك من حيث لا يعلمون، فجمع فرعونُ جيوشه و خرج في أثر موسى و بني إسرائيل يريدُ أن يسحقهم و يُبيدهم من وجه الأرض فعامله الله بنقيض قصده، وردَّ كيده في نحره، فجاوز ببني إسرائيل البحر و نجَّاهم من فرعون و ظـُلمِه، و أهلك فرعون و من معه في معجزة باهرة و آية ظاهرة، إذ انفلق البحر لموسى لما أمره ربه أن يضربه بعصاه فصار كل فرق كالطود أي الجبل العظيم، فذُعِر فرعون و هَمَّ بالهروب لكن جبريل عليه السلام هَمَزَ فَرَسَ فرعون فتقدم به نحو البحر فخاضه و تبعه جنودُه ثم ضرب موسى البحرَ لمَّا جاوز إلى الضفة الأخرى فأطبق البحرُ عليهم فأغرقوا أجمعين، و نجَّى الله تعالى جسد فرعون فرماه البحرُ ميتاً لا روح فيه و جعله آية للعالمين و عبرة للمعتبرين قال تعالى:(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ) و كان اليومُ الذي حدث فيه هذا الحدثُ العظيم هو يوم عاشوراء فعبَّر سيدنا موسى عليه السلام عن شكره لله تعالى بالصوم، فصام هذا اليوم و صامه بنو إسرائيل و اتخذوه عيدا سنويا يصومونه كلما دار عليه الحول.
عباد الله، قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في موضوع عاشوراء نلخص لكم الفقه و الفوائد الجمة المستفاد منها:
1- ـ أن صوم عاشوراء كان منذ القدم، فقد كانت قريش تصومه في الجاهلية (انظر سبب صومهم في فتح البارئ) وكانت اليهود تصومه.
2- صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء قبل الهجرة وبعدها وأمر بصيامه فلما وجد اليهود يصومونه قال:(فإذا كان العام المقبلُ إن شاءالله صمنا اليوم التاسع)
3- اتفق العلماء أن صوم يوم عاشوراء ليس بواجب الآن واختلفوا في مبدأ صيامه هل كان واجباً أو مستحباً ؟ والجمهور أنه كان مستحبا.
4- ـ فيه موالاة المؤمنين، فعاشوراء يوم نجّى الله فيه موسى وقومه فصامه موسى شكراً فصامه النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على أن العمل شكر قال تعالى (اعملوا آل داود شكراً) ولا يكون شكراً إلا بموافقة السّـُنة .
6- اختلف أهل العلم في عاشوراء هل هو اليوم التاسع أو العاشر ؟ وسبب الاختلاف أن قوله صلى الله عليه وسلم ( لئن بقيتُ إلى قابل لأصومَنَّ التاسع ) هل هو نقل لعاشوراء من العاشر إلى التاسع أو المعنى صيام التاسع مع العاشر ؟ والقول الثاني هو الأظهر ، وهو قول أكثر أهل العلم.ومن الفوائد مما لها علاقة بالباب:هل يكره إفراد عاشوراء بالصيام؟فيه خلاف والأظهرأنه لا يكره. وإذاوافق عاشوراء يوم السبت فهل يصام ؟ فالحكم أنه لا بأس بصيامه. وقال جمهور أهل العلم أن تكفيرصوم عاشوراء خاص بصغائر الذنوب لا كبائرها . أما لماذا كان صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم عاشوراء يكفر سنة ؟ فقال بعض العلماء: لأن صوم عرفة من شريعة محمد
صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه السلام.
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
++++