عروض وأبحات
قدمت بمناسبة تدشين الزاوية التجانية الكبرى لسيدي محمد الكبير التجاني
بحي بريمة
27 ماي 2006 / 29 ربيع الثاني 1427
*الصلاة بالزاوية مقبولة قطعا*
الحمد لله الذي فضل بني آدم على كثير ممن خلق تفضيلا.وفضل بعض بني آدم على بعض و جعل الرسل أفضلهم.كما فضل بعض الرسل على بعض وجعل رسولنا و حبيبنا وعزنا و شرفنا و عظيمنا و شفيعنا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضلهم.كما جعل لهؤلاء الرسل ورثة و خلفاء و فضل بعض هؤلاء الورثة و الخلفاء على بعض و جعل أفضلهم خاتمتهم و الواسطة بينهم و بين الرسل شيخنا و قدوتنا و إمامنا و ممدنا و عمدتنا و كفايتنا سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه و أرضاه و عنا به.آمين.
وهكذا فضل سبحانه بعض الأزمنة على بعض و بعض البقاع على بعض وجعل أفضلها المساجد و بيوت الذكر و العبادة لا لسبب و لا لعلة بل بمحض الفضل و الجود و الامتنان.و قد جاء هذا مصرح به في الحديث و القرآن.أما بالنسبة للبقاع فقد ثبت أنه سئل صلى الله عليه و سلم عن أفضل و خير البقاع و شرها فقال صلى الله عليه و سلم (لا أدري حتى أسأل جبريل.فسأل صلى الله عليه و سلم جبريل فقال لا أدري حتى أسأل رب العزة.فلما سأل رب العزة قال:قل له خير البقاع المساجد و شرها الأسواق و مجامع الطرق.).يكفيها شرفا أن أضافها المولى إلى نفسه حينما قال سبحانه مخاطبا خليله سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة و السلام(وطهر بيتي للطائفين والقائمين و الركع السجود).
وقال في حديثه القدسي(إن بيوتي في أرضي المساجد و إن زواري فيها عمارها و حق على المزور أن يكرم زائره).كما قال سبحانه في كتابه (و إن المساجد لله ).و من المعلوم أن شرف المضاف على قدر المضاف إليه.هذا و مما لا شك فيه عند كل مؤمن أن المساجد الثلاثة:المسجد النبوي الشريف و المسجد الحرام و المسجد الأقصا أفضل سائر المساجد لما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم في تفضيلها على غيرها.ثم يليها في الفضل ما جمع من الفضائل ما ليس في غيره.و على هذا فمما جاء منها متصفا بما وصفه الله في كتابه الكريم إذ قال (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و الله يرزق من يشاء بغير حساب).
الزوايا التجانية في سائر بقاع المعمورة كثرها الله و نشرها في أرضه و كثر و زاد عمارها و أمدهم بمدد من عنده.فإنهم هم الذين يعبدون الله حق العبادة لأنهم يعبدونه سبحانه على وجه الامتثال و الشكر و الاستحقاق.و هم عبيد الله في الحقيقة و غيرهم غالبه إما عبيد الطمع و إما عبيد العصا. هذا و من خاصيات الزوايا التجانية و مزاياها على غيرها أن الأعمال فيها مقبولة قطعا مزية لا غير.و المزية – كما يقال – لا تقتضي الأفضلية.و هنا أسلم الكلام إلى ساداتي و موالي يتولون توضيح هذه القضية و تفصيلها كما ينبغي كشيخي و سندي و مولاي محمد العربي بن السائح رضي الله عنه.فانه قد جاء في كتابه البغية عند شرحه لقول ابن بابا رضي الله عنه في منيته:
و ما بزاويته يصلى * قطعا يكون للقبول أهلا
الزاوية:المراد بها هنا زاويته التي بها مدفنه و هي المعروفة بفاس.و المراد بالصلاة هنا الفرض و النفل.يقول:و من هذا الذي قصدت ذكره هنا من كرامات سيدنا رضي الله عنه التي شاعت عند المعتقد على رغم أنف المنتقد ما تواتر الخبر به عنه رضي الله عنه و أرضاه من أن الصلاة بزاويته المباركة مقبولة قطعا بفضل الله.و هذه كرامة أيضا من جملة ما يذكره المشايخ الكبار لمن تعلق بهم من الصادقين الأبرار على طريق الرجاء في فضل الله تعالى الذي لا يحد بقياس و لا يتعدد بمقدار لئلا يفوت الراغبين في كرم الله هذا الفضل العظيم إن حققه الله .
وليس في هذا أو مثله مما يصدر من كمل أهل الله ما يوجب استغناء عن العلم و العمل و لا أمنا من مكر الله.فالتكليف باق بحاله و الخوف و الرجاء بحالهما كذلك.و إن شد جاهل فاغتر أو أمن فلا التفات له ولا لأشكاله.و إذا كان من المشايخ من يبلغ من كرامة الله إياه إلى أن يأخذ عهدا من الله تعالى أن لا يسوق إليه إلا المقبول في سابق علم الله كما ذكره الشيخ أبو علي اليوسي رضي الله عنه عن شيخ سلسلتهم الشيخ أبي القاسم الغازي رضي الله عنه فكيف يبعد أن يكرم شيخنا رضي الله عنه بأن لا يهتدي للصلاة في زاويته إلا من كانت صلاته مقبولة في سابق علم الله ؟و هل عدم التسليم لذلك إلا محض مكابرة و جحود لفضل الله.
وأيضا إن من المعلوم المقرر بين الخواص و العوام أن بقاع الأرض تكتسب الشرف بسبب من يحلها من أهل الخير و الصلاح.و منها ما يختص بخصائص عظيمة و مزايا جسيمة بسبب من يتعبد لله تعالى بها من أهل القرب و الرشد و الفلاح.و من هنا كان مذهب المحققين من أهل الطريق أن لا يدخل محال تعبدات العارفين الكمل إلا على طهارة كاملة.و ذكروا أن رجلا دخل خلوة أبي يزيد البسطامي وهو جنب فاحترق.و قد ورد أن بقاع الأرض يفتخر بعضها على بعض بمرور الرجل الصالح عليها و صلاته بها و نحو ذلك.و في هذا كله تحقيق ما أشرنا إليه من الخصائص و المزايا تسري في البقاع ممن يحل بها و يتعبد لله فيها.
وإذا تقرر أن شرف الأمكنة ليس لذاتها و إنما هو لما يودعه الله فيها بسبب من يحل بها من الأنبياء و الأولياء.فأي شيء يستبعد في أن يكرم الله تعالى هذا الشيخ الجليل القدر عنده بأن يجعل زاويته التي هي مصلاه و محل توجهه إلى الله و مظنة لحضور سيد الوجود بها الذي هو أشرف خلق الله كما تقدم لا يغيب طرفة عين عن مرءاه صلى الله عليه وسلم أهلا لأن تتلقى أعمال العاملين بها من القبول من أجل ما أودع فيها من السر الأعظم بسبب ما حصل لها من التخصيص و التكريم من أجل هذا القطب الأكرم.و رب حسنة تفوق ألف حسنة مثلا لما حفت به من الأوصاف الجميلة و الخيرات الجليلة كهذه الصلاة التي يصليها المصدق لما أخبر به هذا السيد الجليل من فضل الله تعالى بحضور قلب و سكون و تؤدة مع جماعة من فضلاء أصحاب الشيخ فتسري بركتهم إليه و تشرق أنوارهم عليه لأن من تحقق بحالة لم يخل حاضروه منها.
وقد ورد أن من صلى مع مغفور غفر له.و إذا حفت الصلاة بهذه الأوصاف الجميلة و النعوت الجليلة مع ما سرى إليها من فضيلة البقعة و بركة منشئها و سر الإذن في الصلاة بها و غير ذلك مما فاقت به غيرها بأضعاف مضاعفة فلا يبعد أن ترتقي في الفضل إلى درجة القبول بفضل الله تعالى.و قد أجيب بمثل هذا عن بعض العارفين كان يصلي بمسجد شيخه من المدينة المنورة و لا يأتي الحرم الشريف مع ما في الصلاة فيه من الفضل العظيم و السر المنيف و ذلك لأن شيخه -وكان قطب زمانه إذ ذاك-أمره بالصلاة في مسجده و قال له:إنا لنرجوا من الله أن يحصل لك من الثواب مثل ما يحصل لمن صلى في الحرم الشريف.و معلوم أن الصلاة فيه بألف صلاة في غيره.
فأخبار هذا الشيخ بأن الصلاة في مسجده يرجى فيه ما يرجى في الصلاة في مسجده صلى الله عليه و سلم من قبيل ما أخبر به سيدنا رضي الله عنه من الفضيلة في الصلاة بزاويته.و قد أجيب عن الشيخ المذكور بمثل ما أجبنا به بل منه اقتطفنا جل ما قيدناه في الجواب هنا.و فيه أن مثل هذا لا يقتضي مشاركة و لا مساومة للمسجد النبوي الشريف يريد لأنه مزية فقط.و كذلك نقول نحن أيضا في هذه الكرامة أنها لا تقتضي تفضيل الزاوية المباركة على غيرها من المساجد التي ورد النص بتفضيلها و ثبت الدليل به لأنها مزية فقط.و معلوم أن المزية لا تقتضي التفضيل.و الله أعلم.
وما ذكرنا من الخصوصيات للصلاة في الزاوية المباركة و قلنا أنه يمكن أن يكون هو السبب في اختصاصها بهذه الفضيلة هو بحسب التقريب للأفهام و الذريعة إلى التوصل لإفحام الخصم المجادل في هذا المقام.و إلا فنحن نعتقد أن هنالك خصوصية مخزونة و فضيلة سنية مكنونة لم يفش كنه حقيقتها لنا و هي التي قال من أجلها سيدنا رضي الله عنه:لو علم الأقطاب ما في الزاوية من الفضل لضربوا عليها خيامهم.و لم يبد رضي الله عنه كنه ذلك الفضل لأحد فيما بلغنا .فلم يبق إلا الرجوع إلى قول الشعراني المتقدم:من كان يخبر عما يشاهد…الخ.و في هذا القدر كفاية و الله تعالى المسئول بجاه أحب الخلق إليه و أكرمهم و أحضاهم لديه سيدنا و مولانا محمد حبيبه من بريته و مصطفاه من خليقته أن يقسم لنا من التمتع بالمثول بهذه الزاوية المباركة و الصلاة بها أوفر حظ و نصيب في عافية شاملة و نعم كاملة.انه ولي ذلك و القادر عليه.آمين آمين آمين و الحمد لله رب العالمين.
قلت أنا الضعيف سعيد أبشوش هذا الفضل الذي هو قبول الأعمال ليس خاصا بالزاوية ( الأم ) و إن كانت الأم حضيت بمزايا و خصائص و فضائل لا تلحقها فيها أي زاوية التي منها تأسيسها على يد صاحبها بعد الإذن النبوي الشريف.و منها أنها متعبده رضي الله عنه و محل توجهه إلى ربه سبحانه.و منها أنها مدفن الاسم العظيم الأعظم .و منها أنها هي مدفنه رضي الله عنه.و منها و منها إلى آخر أقل قليل مما يمكن ذكره و الذي لم تشاركها أي زاوية في بعضه-على ما ظهر لي-إلا هذه الزاوية المباركة التي وقع اجتماعنا فيها و تفضل الله بلقائنا فيها بحيث الأم أسست على يد الشيخ و هذه على يد ولده وخليفته ووارث سره.و الأم متعبد الشيخ و هذه متعبد ولده.و الأم حصلت صعوبات قاسية عند بنائها من طرف الأعداء و الحساد.و لم تكن الصعوبات الحاصلة عند بناء هذه بأقل قدرا و خطرا منها إلى أخر المزايا التي لا حد لأقلها فضلا عن الوصول إلى نهايتها.
ولنختم هذا الموضوع المتواضع بما ذكره شيخنا وقدوتنا ومربيــــــــــنا
وسندنا سيدنا الحاج الأحسن الباعقيلي رضي الله عنه و أرضاه و عنا به.آمين في الجزء الثاني من كتابه الاراءة حول سراية الفضل المتقدم الذكر الذي هو قبول الأعمال في الزاوية المباركة الأم إلى جميع الزوايا التي هي بناتها و فروعها.قال رضي الله عنه:و حافظ على الزاوية فان العمل في الزاوية التي دفن فيها الشيخ رضي الله عنه مقبول قطعا و في غيرها كما حققه العارفون في الطريقة.كذلك لأنها إنما عظمها الله بأنفاس النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم و بأنفاس الشيخ رضي الله عنه.فكذلك غيرها حذو نعل بنعل.فإنها بناتها و فروعها وهي أمهن.و قد شاهدهن من يوثق به من أهل الطريقة متصلة معها و منظومة معها انتظام بيوت (الشمندفير)مع البيت الأول و شاهد(مكينتها) متصلة بميزاب حوض النبي صلى الله عليه وسلم و لا دخان فيها.و هي مراكب للنازلين فيها يمشون بسيرها و هم في راحة مع قطع المسافات في حقائق العرفان و قوة الجذب همة بانيه و عجلاتها إخلاص راكبيها و طريقها طريقان شريعة و طريقة التي هي طهارة النفس و هي تمشي عليهما مشي البرق و عمدة عملها طريقة الفضل(صراط الذين أنعمت عليهم).و مصلحها القطب التجاني.فلهم مراتب ركوبا.فالمُجد العازم أوله و المتوسط وسطه و المتراخي آخره.
فكلهم يقطعون في نفس واحد مالا يقطعه غيرهم.فالسفر هنا سير قلوب في مراتب الإحسان لا غير.والفضل للمتقدم.وعند النزول مقام واحد.و عند الشيخ رضي الله عنه مقام واحد.فمن تخلف عن الزاوية مع وجودها تخلف عن مركوبه.فلا يلحقهم حتى ينقلبوا تحت العرش ويستغلوا لذة الحضرة و يشرفوا و يقدموا تنزلا لحمل الضعفاء البطالين فتلتقطهم واحدا بعد واحد و قد فاتت لهم الزورة الأولى و هكذا.ولوعرف الناس أنها كذلك لأتوها و لو حبواً وهي الخصوصية فيها.فانك إن تخلفت يوما واحدا فات لك أكثر ما عملته عمرك.فجد كل الجد فوحدك اجتهد إن لم توجد الإخوان معك فمعك سبعون ألف ملك لا يفارقونك.فاجتهد معهم حتى تجد أخلاء الطريق.انتهى محل الحاجة منه.
فرضي الله عن شيخنا و قدوتنا و إمامنا وممدنا و شرفنا و عزنا و الواسطة في كل خير وصلنا و السبب في كل نعمة قسمت لنا سيدنا و مولانا و نعمتنا أحمد التجاني و رضي الله عن جميع أولاده و أصحابه و فقراءه و تلامذه خصوصا منهم من جاءتنا نعمة الطريقة على أيديهم و بواسطتهم.انه سبحانه قريب مجيب .هذا ولا يفوتني أن أشكر الشكر الجزيل و أهنيء و أبشر التبشير الجليل كل من مد يد المساعدة في تأسيس و تشييد هذا المشروع العظيم و هذا العمل النافع النفع العميم بأي نوع من أنواع المساعدة و بأي شكل من أشكال المساندة.
فالله تعالى يجازي الجميع كلا على حسب نيته و خدمته و أخص بالشكر و الثناء من هو قطب الرحا فيه من بدايته إلى نهايته حبيبنا و شيخنا ولد شيخنا و خليفته سيدنا و مولانا محمد الكبير بن سيدنا و مولانا أحمد جزاه الله عن الطريقة و أهلها خير جزاء و متعنا و إياه بالشفاء العاجل لريحانته و فلذة كبده سيدنا أحمد و بلغنا و إياه مقصودنا في كافة الأولاد و الأنجال حتى نراهم يتمتعون معنا بنعمة الطريقة التجانية و أدامنا و إياهم فيها حتى نلقاه عليها غير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين و لا مغيرين و رحم والدينا و جميع المسلمين.آمين و صلى الله على سيدنا و حبيبنا و مولانا رسوله و حبيبه سيدنا محمد و على آله و أصحابه و جميع أمته.آمين.و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه العبد الضعيف سعيد بن أحمد أبشوش إمام المسجد الكبير بالجرف عمالة انزكان.ولاية اكدير.
بتاريخ يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر ربيع الثاني من سنة 1427 الموافق السابع عشر من شهر ماي2006
بإذن من ولد الشيخ و خليفته حبيبنا و شيخنا سيدنا محمد الكبير مؤسس الزاوية الكبرى بحي بريمة بمراكش.متعنا الله و جميع الفقراء بطول عمره في تمام صحة و كمال عافية و جعل معرفتنا له و معاشرتنا لوجهه الكريــــــم،ولوجه نبيه العظيم و لوجه خليفة نبيه شيخنا الجليل الفخيم.
آمين.سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين
و الحمد لله رب العالمين