ساداتي المحبين في كل مكان، إن إحياء ذكرى رحيل القطب الختم سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه، هو( واجبُ وفاءٍ و َولاء) لابد من القيام به للتذكير بمناقبه و بأفضاله خلال 80 سنة من الاجتهاد و المجاهدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله
أيا شولُ أهجتََ فعلا مشاعري برحيل المشايخ والأقاربِ
أول وفاء مني له رضي الله عنه ( أي الشيخ التجاني ) هو( مباركة العناق الروحي) بين مسقط رأسه ونشأته بعين ماضي ومقر تجلياته ودفنه بفاس: فلا حرمنا الله من هذا العناق الذي نجدد به الأشواق
فكيف شهد التاريخ هذا العناق الأخوي الذي ربط به البداية بالنهاية؟ :
بـكـى أبـو سـمـغـون سـابـع عـشــــر
فـي الـنـبـوي عـام ثــلاثـــة عـشـــر
بـفـقـد أنـفــــاس الـتــجــانــي الـقـطب
ُمـــمِــدِّ كــل الـخـلـق دون ريْـــــــبِ
و اســتـبــشـــرتْ فــــاسُ بذا التجاني
ذا الــعــــام ســـادس ربـيــع الـثـاني
للتذكير و المقاربة:
ُولِد إذن رضي الله عنه عام:1150هـ الموافق 1737م، بالصحرء التي كانت تسمى بالشرقية من الجزائر الحبيبة، بقرية عين ماضي المبارَكةِ بوجوده ( غرب الأغواط)
حــصــل مـفـخــر الــعــلا حـيـن وُلدْ
بــعــيــن مــاضــي ذا بـفـضلها شهـدْ
– درَّسَ العلم بعين ماضي وعمره 18 سنة بعد أن فقد والديه وعمره 16 عاما فقط
– رحل إلى فاس عام1171هـ موافق 1759م : فكانت أول رحلة إلى فاس وعمره 21 سنة.
– حلَّ بقصر أبي سمغون سنة 1196 هـ الموافق 1781 م ،وبها أنشأ طريقته السمحة.
– و صعدت روحُه الطاهرة إلى ربها صبيحة الخميس 17 شوال 1230هـ موافق 1815م بعد صلاة الصبح.
– وفي شوال أيضا استشهد أسد الإسلام سيدنا حمزة يوم 15 منه.
وفي نفس الشهر الذي توفي فيه- رضي الله عنه- توفى أيضا والدي الشيخ البعقيلي في 9 شوال1368هـ، و كذا خليفته المباشر أخي سيدي محمد الحبيب في 18 من شوال أيضا ، فلذلك قال أخي عبد العزيز في رثائه لوالده في قصيدة جد طويلة :
أَهَـجْـتَ أيــا شــوالُ جُــلَّ مشــاعري
وأقـرحتَ لـي شـوالُ كـلَّ محاجرِي
كـفــانــي مــن شـــوالَ دمـعةُ زائـــرٍ
ونــعـشٌ وجـثـمانٌ ونـواحُ الحرائــِر
إذن كان موعد هؤلاء الكُمَّل مع ربهم جل وعلا بعد شهر التطهير والغفران مباشرة ،و بعد الأيام الستة من شوال: فأكرِم به من موعد و أنعِم بها من مصادفة تلقت أنوار المشيئة الربانية !!
عناق الأرواح ، من نفحات كتاب’ الشرب الصافي’ للشيخ البعقيلي :
– يقول هذا العارف المغربي وطنا السوسي أصلا والبيضاوي مقرا، في ضرورة تقصير الهمة على الشيخ رضي الله عنه وعدم الالتفات إلى غيره بكل صدق وولاء :
“- إني أُشهد اللهَ وملائكتَه وكلَّ المؤمنين بأني بايعْتُ هذا الشيخ رضي الله عنه مُبايعة تامة شاملة عامة ومستغرقة أنفاسَ الدنيا وأنفاسَ الآخرة، على أن تكون ذاتي وصفاتي وحركاتي وسكناتي، في محبته وطاعته ومتابعة طريقته (حذو نعل بنعل) تصريحا وتلميحا.
فهو أبي وأمي وأصلي وفرعي وسَنَدي وعمدتي وحجتي,
حبَّست عليه عمري وعقلي وروحي وفكري. فلا أفكر في غيره ولا أستمد قطرة من غيره : فهو روحي وأصل سعادتي.
وإني أخذتُ عنه به لوجه ربي. فالله يكرمني بقَبوله وهمته وعلمه…
إن المعبودَ هو الله، والشيخ يدل عليه: فاسترحنا مما أتعبنا قبل الدخول في سِلكه ظاهرا، وإلا فنحن تلامذته في الأزل…” انتهى (الجزء 1 ص: 171.)
إطلالة على بعض التحركات المباركة لشيخنا الختم- رضي الله عنه-
حسب ما جاء في الموسوعة الحرة:
“- …عاد إلى القاهرة مع ركب الحجيج. وبمجرد وصوله ذهب لزيارة (الشيخ الكردي) والسلام عليه تأدبا. فرحب به وطلب منه أن يعود لزيارته كل يوم. فامتثل لرغبته. وتطور هذا اللقاء اليومي بينهما إلى جلسات علمية ومناظرات. فكان الكثير من الحاضرين يطرحون خلالها ما أشكل عليهم من المسائل والقضايا، فكان يجيب عليها بكل كفاءة واقتدار. فذاع صيته بمصر، ووفد عليه الكثير من العلماء للاستفادة من علومه الغزيرة. ثم عاد إلى تونس، ولم يمكث بها طويلا، وارتحل إلى تلمسان عام 1188هجرية الموافق 1774 ميلادية. فقضى فيها حوالي ثلاث سنوات في العبادة والمجاهدة والدلالة على الله. وفي سنة في 1191هجرية الموافق 1777 ميلادية عاد سيدي أحمد التجاني ثانية من تلمسان إلى فاس، قاصداً زيارة مولاي إدريس الأزهر. والتقى في هذه الرحلة بكاتبه سيدي محمد بن المشرى الحسنى السباعي السائحي التكرتى الدار. ومنذ التقائه به صار يؤم به الصلاة وبأهله، ويقوم مقامه في كتابة الأجوبة حتى سنة 1208 هجرية، الموافق1794 ميلادية، وهي السنة التي بدأ فيها سيدي أحمد التجاني القيام بالإمامة بنفسه. وفى مدينة وجدة وهو قافل إلى فاس التقى بسيدي علي حرازم الفاسي لأول مرة، فتوجها معا إلى مدينة فاس. وبعد زيارة ضريح مولاي إدريس أخبر تلميذه علي حرازم بأنه عازم على العودة إلى تلمسان، فودع تلميذه في نفس السنة التي وصل فيها إلى فاس وطلب منه ملازمة العهد والمحبة وصدق التوجه لله. مكث سيدي أحمد التجاني في تلمسان مدة ثم غادرها إلى قصر الشلالة وأبي سمغون، حيث ضريح الولي الصالح الذي سمي القصر باسمه. حل سيدي أحمد التجاني بقصر أبي سمغون سنة 1196 هجرية الموافق 1781 ميلادية وبها أنشأ طريقته الطريقة التجانية عام 1196هـ وصارت فاس المركز الأول لهذه الطريقة، ومنها تخرج الدعوة لتنتشر في أفريقيا عامة. ثم انتقل من أبى سمغون من بلاد الصحراء، في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1213 هجرية، ودخل فاس في السادس من ربيع الثاني في العام نفسه. وبعد أن ركز سيدي أحمد التجاني أسس الزاوية استمر في نشر الطريقة والإذن في الأوراد. فانطلقت الطريقة التجانية لتعم المغرب المعروف حاليا الأقصى بكاملها وصحراء والسودان الغربي. وقد برز سيدي أحمد التجاني شيخاً عارفاً بالله كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين، خصوصاً بعد هجرته إلى فاس للإقامة بها بصفة نهائية إلى أن لقي ربه في صبح يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة 1230 هجرية الموافق 1815 ميلادية، وله يومئذ ثمانون سنة، ودفن في فاس، وأرضاه” انتهى.
و أخيرا أقول لمن أنكر على من حِيزَ له الختمُ والكتم والقطبانية العظمى رضي الله عنه، وحسده على مرتبته السَّـنِيَّـة، ما جاء في كتاب : “الدرة الخريدة ” للعارف بالله الشيخ سيدي محمد بن عبد الواحد النظيفي التجاني:
ألا قـلْ لـمَــــن بـــات لـي حــــاســـدا
أتــدري عـلـى مَـن أســــــأتَ الأدبَ
أســـأت عـلـى الله فــي فــــعـــــلِــــه
إذْ أنــتَ لـم تــرضَ لـــي مــا وَهَـبَ
دع الــحــســـودَ وما يلاقيه من كَمدِه
كــفــاك مـنـــه لــهـيبُ النار في كَبدِه
إن ُلـمــتَ ذا حَـســدٍ نـفَّـســتَ كـربتَه
و إن ســكــتَّ فـقـــد عـذبـتــه بـيـــدهِ
و أقول لأحبابه رضي الله عنه في كل مكان و زمان : كل الأماكن التي عاش بها تحن إليه و يحن إليها فلا داعي إذن للمزايدة على العواطف، فذلك يؤذيه :
فـــإذا تــأمـلت البقاع وجـــــدتـــــــها
تــشــقى كـمـا تـشــقى الأنامُ و تسعدُ
ومــا فـــضـــــل الأرجاء إلا برجالها
و إلا فــلا فـضــلَ لُـترَبٍ على تُربٍ
مع تحية زينب البعقيلي،
بنتِك الروحية يا سيدي التجاني