كي لا ننسى نحن المغاربة ولن ننسى القدس الشريف
في يوم السبت 25 من ربيع الثاني سنة 583 هجرية الموافق لسنة 1187ميلادية؛ جهز *السلطان البطل صلاح الدين الأيوبي جيشا جرارا شكله من جنود ضموا مسلمين من كل مكان لتحرير بيت المقدس من المحتلين الصليبيين الذين عاثوا فيه بطشا وفسادا واستولوا عليه سنة 495 هج الموافق لسنة 1099م، لكنه أراد أن يعزز جيشه بنخبة عرفت بالشراسة في النزال والاستماتة في حب الأقصى وبيت المقدس فماذا فعل؟
طلب صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب “أبي يوسف يعقوب المنصور” الموحدي مد يد العون بإرسال شباب من خيرة جنده وهكذا كان.
أتدرون لماذا طلب هذا الطلب بالذات من هذا السلطان الموحدي؟
لأنه كانت لديه خبرة عظيمة في القتال لنصرة إخوانه في الأندلس وتحريرهم من المملكتين الصليبيتين الهمجيتين المحتلتين قشتالة والأراغون.
لم يتردد السلطان الموحدي فأرسل أسطولا بحريا يضم 180 سفينة محملة بالجنود والفرسان والأسلحة والمؤونات الحربية.
كانت خطة صلاح الدين الأيوبي حينذاك هي تصدي الجيش المغربي للتعزيزات العسكرية للصليبيين من أوروبا وخاصة الفاتيكان والإنجليز واليونان والصرب والبزنطيين الذين كانت عاصمتهم القسطنطينية.
بدأ النزال ودخل الجيش المغربي إلى القدس من الباب الذي كان يعتبر الأشد تحصنا وقوة في أسوار المدينة، ثم دخل بقية جيش صلاح الدين فكان الفضل للفرسان المغاربة الموحدين في فك الحصار والنصر والتحرير في يوم عد من أيام الله في معركة “حطين” الخالدة.
تحررت فلسطين بالكامل واندحر الصليبيون…..
فما كان من صلاح الدين الأيوبي إلا أن كافأ الجيش المغربي الموحدي بتسمية أحد أبواب أسوار المدينة الذي دخل منه الجيش المغربي بإسمه “باب المغاربة” وبإسكانهم في منطقة قريبة من الأقصى إسمها “ساحة البراق”، لها قدسية خاصة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بها ببراقه ليلة الإسراء والمعراج فسمي الحي ب”حي المغاربة”.
قال صلاح الدين الأيوبي عن المغاربة:
“أسكنتُ هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتـَمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”،
وقال:”المغاربة قوم لا نؤتى من قبلهم”.
ثم أتى بعد صلاح الدين الأيوبي إبنه الأكبر السلطان “الأفضل ” الأيوبي ليجعل حي المغاربة وقفا على أهل المغرب لا يباع ولا يشترى إلى يوم الدين.
كان حي المغاربة يضم حوالي 135 مبنى على مساحة 145 ألف متر مربع (5% من مدينة القدس) احتضن عدداً من المؤسسات الدينية والوقفية والمدارس والزوايا التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة العلمية والفكرية والدينية في القدس إبانّ العصر الأيوبي، ثم العصرين المملوكي والعثماني.
وقد ذكرها مجير الدين: “حارة المغاربة، وهي بجوار المسجد من جهة الغرب، ونسبتها إلى المغاربة لكونها موقوفة عليهم ولأنهم يسكنون بها”.
إلا أن السلطات الصهيونية قامت سنة 1967م بتهجير المغاربة؛ وإرسال جرافات لحارتهم لهدمها بأكملها في 3 أيام، بالرغم من أنها عرفت عبر التاريخ بأنها من أقدم المآثر التاريخية الأثرية في القدس، وسط صمت مطبق من المجتمع الدولي. وكان مجموع المباني التي جُرفت آنذاك 135 مبنى.
فسووا الحي بالأرض وغيروا إسم ساحة البراق لتصبح “ساحة المبكى” يقيم فيها الصهاينة صلواتهم.
تجدر الإشارة إلى أن ذلك الحي يعتبر من الأهمية بمكان لأنه أولا قريب جدا من الأقصى ولأنه يقع قرب مجموعة من القصور الفاخرة التي بناها الأمويون وتشبهها إلى حد كبير قصور الأندلس…..كيف لا والأموييون هم الذي أسسوا دولة الأندلس .
أحب أن أشير أيضا إلى أن أهل المغرب خاصة والمسلمين عموما كانوا عندما يحجون أو يعتمرون بمكة ويزورون المدينة المنورة كانوا لابد أن يعرجوا على بيت المقدس ويصلوا في المسجد الأقصى.
وبالمناسبة كان حي المغاربة يضم أندلسيين أيضا (سأفصل في هذا لاحقا بإذن الله).
كانت القدس قبلة للعلماء وطلاب العلم ولم تكن هناك أية حدود بين دول العالم الإسلامي كما هو الحال الآن.
فقد كان المسلمون يحلقون كالفراشات بين دولهم الموحدة ويستقر الفرد منهم حيثما ارتاح قلبه ولم تكن هناك لا طائفيات ولا نعرات فقد كانوا أمة واحدة بجسد واحد.
بقي أحفاد المغاربة صامدين بالرغم من الاحتلال وجلهم لم يعد إلى المغرب فتجمعوا في منطقة القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
ومن العائلات المغربية الشهيرة هناك عائلة: العلمي، السوسي، الريفي……..وغيرهم الكثير.
إذن نحن المغاربة لنا حق ديني وتاريخي وحضاري في بيت المقدس لا يمكن أن نتنازل عنه ولا يقل أهمية أبدا على حقنا في صحرائنا المغربية ولا عزاء لأصحاب “تازة قبل غزة”……فليقرأوا التاريخ.
لن نخون أجدادنا ولن ننسى تاريخنا وسنلقنه لأبنائنا .
د.حسناء الشريف الكتاني