امتازت طريقة شيخنا أبي العباس مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه على غيرها من سائر طرق أهل الله تعالى بمزايا كثيرة، وخصت بخصائص منيفة شهيرة.
وفيما يلي 20 مزية من مزايا الطريقة التجانية كما رتبها سيدي ادريس العراقي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه، في كتابه: “الرسالة الشافية”
1- مدار التربية والتزكية فيها على إقامة الورد الأصلي المعلوم، الذي لا يصح الدخول فيها بدونه لأحد من الخصوص ولا من العموم، وتوابعه من الأذكار المشمولة باللزوم معه، وذكر الهيللة بعد عصر يوم الجمعة، بالمحافظة في جميع ذلك على الشروط المشروطة، والتزام الآداب التي هي بغاية الحسن ونهاية الكمال منوطة، وآكد تلك الشروط وأعظمها، المحافظة على إقامة الصلوات الخمس بأركانها على الحد المحدود لها شرعا بقدر الإمكان، واستكمال شروطها وآدابها وتمام جميع ما لها من الأركان، ثم عمارة ما يقدر المريد على عمارته من الأوقات والساعات بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا بصلاة “الفاتح لما أغلق”، التي هي من أسمى الذخائر وأسنى البضاعات على طريق المحبة والشكر والاعتماد على الفضل المحض الذي ليس إلا عليه في بساط التحقيق المعول، من غير التزام خلوة ولا كثرة مجاهدة ولا اعتزال عن الناس، ولا أكل الحشيش والنخالة، ولا المبالغة في التقشف والتقلل وغير ذلك مما اصطلح عليه في التربية من بعد الصدر الأو،ل إذ هذه طريقة سيدنا رضي الله عنه التي سلكها وأمره بالتسليك عليها سيد الوجود، ومنبع الإمداد والجود صلى الله عليه وسلم، بدليل ما ذكره في جواهر المعاني بعدما أعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيدنا رضي الله عنه بأنه هو الواسطة بينه وبين الله تعالى والممد له على التحقق، وصرح له بأنه هو كفيله ومربيه دون غيره من مشايخ الطريق، وقال له في وصيته التي أوصاه بها: ((التزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة)) انتهى.
قال في البغية بعدما نقل ما تقدم عنه: “وفرق بينهما أي بين التربية كان عليها السلف الصالح من الصدر الأول التي هي طريقة الشكر والفرح بالمنعم سبحانه وإياها سلك النبي صلى الله عليه وسلم بالشيخ رضي الله عنه، وبين التربية التي سلكها من جاء بعد الصدر الأول، وهي طريق المجهدة والمكابدة والرياضة البدنية بأن السير في الأولى: سير القلوب، وفي الثانية: سير الأبدان، ومعلوم أن الأهم الذي عليه المدار في طريق الوصول إلى حضرة الله تعالى هو سير القلوب بالنظر في أحوال القلب وما يصلحه ويفسده على سنن الإعتدال والتقييد بالشريعة المطرهة والسنة الشريفة المنورة، لا على التضييق على النفس بالتقشف والاستخشان في المأكل والملبس والكد والتعب من غير التفات إلى أحوال القلب على الحد الذي تقرر، وإنما آثر من بعد القرون الثلاثة التسليك بالطريقة الثانية لما كثرت الأهواء وتشبعت الآراء فاستعانوا بذلك على تطهير النفس وتزكيتها ليستنير القلب ويتخلص من كدورات الهوى” انتهى.
2- أنه لا سند لها إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فإن مولانا الشيخ التجاني قدس الله سره تلقاها من سيد الوجود وعلم الشهود ومنبع الفضل والجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما بلا واسطة أحد، فقد قال رضي الله عنه: ((قد أخذنا عن مشايخ عدة فلم يقض الله تعالى بتحصيل المقصود، وإنما سندنا وأستاذنا في هذه الطريق هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قضى الله سبحانه بفتحنا ووصولنا على يديه ليس لغيره من الشيوخ فينا تصرف))، وقال أيضا في بعض رسائله: ((سندنا في الورد المعلوم النبي صلى الله عليه وسلم)) انتهى. وإلى هذا الإشارة بقول صاحب المنية:
أخذ هـذا الـورد شيخنـــا الإمــام
عن الرسول المصطفى خير الأنام يقـظــة وكــــل مـــا سيـذكــــــر
مــــن المـآثـــــر فعـنــــه ينشـــــر
وقال في البغية: اعلم أمدنا الله وإياك بأنوار اليقين وسلك بنا وبك مسالك الذين يؤمنون بالغيب من عباده المتقين، أن لهذه الطريقة الشريفة بين الطرق مكانة عالية ومرتبة قصوى سامية وذلك لما امتاز به أهلها من الانتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الأنبياء، وسلطان مملكة الأصفياء، إذ لا أستاذ لها إلا أستاذ الأساتذة كلهم على الإطلاق، وإمام الكل وممد الكل وسيد الكل بالإطباق صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام البررة السُّباق. انتهى.
وسيأتي الكلام على الاجتماع به صلى الله عليه وسلم يقظة والأخذ عنه أنه أمر جائز، ثابت على وجه الكرامة لمن رزقه الله الفتح وهو به فائز.
3- أنها طريقة الفضل المحض بلا علة ولا سبب، قال العلامة الشريف العارف بالله المنيف سيدي الحاج الحسين الافراني (المتوفى في تزنيت يوم ثالث شوال عام 1328هـ) ما نصه بعد الحمدلة والتصلية: “إلى جميع الإخوان التجانيين بروادنة وغيرها من الأقطار السوسية أفاض الله على جميعكم الفيوض الختمية التي تلحق جميعكم بمن تقد من السلف الصالح وإن لم تنهجوا نهجهم وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم هذا فنحب من كمال الأخوة أن لا تنسوا حق الإيخاء، أما بعد فاعلموا منه أن جميع الإخوان بفضل الله قد أفاض الله عليهم فيضة من السعادة بلا وجود سبب ولا شرط ولا انتفاء مانع بل بسباق العناية الأزلية تغنيهم عن طلب الزيادة لكونهم محبوبين عند الله في الأزل لأنه تعالى جعلهم من أهل الدائرة الفضلية المكنوزة من وراء خطوط الدوائر التي هي دوائر الأمر والنهي والجزاء خيرا كان أو شرا، فإن هذه الدوائر هي دوائر عموم الخلق، وتلك الدائرة الفضلية هي دائرة اختصاصه واصطفائه سبحانه وتعالى يختص بها من يشاء من خلقه.
قد جعل الله سبحانه فيضها فائضا من بحر الجود والكرم لا يتوقف فيضها على وجود سبب ولا شرط ولا زوال مانع، بل الأمر فيها واقع على اختصاص مشيئته فقط ولا يبالي بمن كان فيها وفى بالعهود أم لا، انتهج الصراط المستقيم أم سقط في المعاصي والطريق الوخيم، ولا يبالي فيها لمن أعطى وعلى ماذا أعطى وإن من وقع في هذه الدائرة كملت له السعادة في الآخرة بلا شوب ألم ولا ترويع، وفيها أوقع الله شيخنا القطب المكتوم رضي الله عنه وجعلها دائرة أهل طريقته، وأوقعهم فيها فضلا منه وجودا وكرما لشدة عنايته بسيدنا الشيخ رضي الله عنه الذي جمع له بين مقام المحبة والخلة الناشئتين من هذه الدائرة التي بها اتخذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله حبيبا وخليلا وسيدنا ابراهيم خليلا لوراثته رضي الله عنه إياهما من هذين النبيين، ولذلك كانت طريقته رضي الله عنه طريقة المحبة والشكر.
قال الله تعالى: ((إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم))، وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا))، وهذا من أهم ما ينبغي ذكره للصادق، وعلى رغم الشقي المنتقد، لينتبه له كل موفق من أهل هذه الدائرة العظيمة التي أوقع الله فيها هذا الشيخ العظيم القدر وأهل طريقته وحزبه، ويتبين لكل ناظر في هذا المحل أنه لا ينكر فضله رضي الله عنه على جميع الأولياء، وفضل أهل طريقته على غيرهم من أهل سائر الطرق ولا يستغربه إلا من غفل عن هذه الدائرة العظيمة وجهل أنها دائرة طريقه وفيها يسبح أهلها وكان مسجونا في سجن عقله جاهلا بسعة رحمة ربه وكونه، فاعلا مختارا يفضل من يشاء ويعطي من يشاء، لا يسأل عن ما يفعل ومن بحرها سخر الله له جده سيدنا ومولانا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحبه محبة لا تكيف ولا تعرف، ومن بحرها جعله القطب المكتوم والبرزخ المختوم والخاتم المحمدي المعلوم، ومركزا يتفجر منه لجميع الأغواث الفيوض والعلوم ومن بحرها تفضل علينا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخريدة الفريدة التي هي خاصة به صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الدائرة الفضلية قال مولانا تعالى: ((ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم))، وقال في الرماح: قد ذكر في القرآن نحو ثلاث وعشرين آية كلها إلى الدائرة الفضلية انتهى.
وذلك المذكور كله من فوائد تسمية الطريقة محمدية ولغرابتها عند أهل الطريق في هذا الزمان تجد الكثير من أهل العلم وبعض المتصوفة وغيرهم من المتصلحين ينكرون وجودها بل لا يدرون لها حقيقة أصلا، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال شيخنا أبو المواهب السائحي: “ومن هذه الحيثية أي من حيث ما عم في الوقت من الجهل بعلم الطريق كبر في صدور الناس أمر طريقتنا هذه المحمدية حتى ادعوا أنها لا شيخ لها ولا إمام، فلم يهتد إليها إلا من سبقت له العناية الأزلية لا غير” انتهى من بغيته.
ولغرابتها أيضا نص القطب الشعراني رضي الله عنه في تآليف الأخلاق المتبولية على عدة وافرة من أكابر الأولياء المشايخ أنهم على هذه الطريقة المحمدية، منهم القطب الغوث السيد ابراهيم المتبولي، ومنهم القدوة العظمى الأمي المحمدي الشيخ علي الخواص، ومنهم الشيخ الأمي المحمدي سيدي محمد العدل، ومنهم الشيخ الصالح الأمي المحمدي الشيخ محمد بن داوود بنواحي المنزلة، فكل هؤلاء محمديون في الطريقة لا شيخ لهم إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، ونقل في لطائف المنن والأخلاق أنه قال: أدركت بحمد الله جماعة ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة، وعد منهم السيد علي الخواص، والحافظ السيوطي، قال وكان سيد ابراهيم المتبولي يقول: “نحن خمسة لا شيخ لنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنيد -يعني نفسه- وأبو مدين والشيخ عبد الرحيم الفناري والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر والشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنهم” انتهى، ونقله في البغية.
وإنما أطلت الكلام في هذه المنقبة العظيمة إذ لم نعلم فيما وقفنا عليه من كلام أهل الله ما يدل على أن تلاميذه من أهل هذه الدائرة إلا شيخنا رضي الله عنه لغرابة شأنها، وقد نص شيخنا أبو المواهب في بغيته على أن من يفهم هذه الطريقة وأسرارها وحكمها يكفيه ذل منقبة، وعليه فأوصيكم بتقوى الله والجد والاجتهاد في الأوراد والدءوب عليها تظفروا وتظفروا وتظفروا بتمام المحبوبية، وفقنا الله جميعا بمنه وكرمه والسلام، خديم الأعتاب الحسين بن أحمد الإفراني.
4- أنه لا أعلى من سند هذه الطريقة الأحمدية التجانية إلى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو المواهب والمرابح مولانا العربي بن السائح رضي الله عنه في كتابه البغية: “فإن طول أهلها أي الطريقة التجانية اليوم يندا من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربع وسائط أو خمس ومنهم أفذاذ ليس بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الآن إلا واسطتان لأن بينهم وبين سيدنا الشيخ رضي الله عنه واسطة واحدة وقد حصل لنا ذلك من بعض الطرق والحمد لله حمدا كثيرا لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه. انتهى
قلت وقد حصل لي ما يقرب من ذلك رغم التأخر في الزمان لله الحمد وله المنة، فإني مجاز بالإطلاق والسمول والإستغراق من شيخنا العلامة المشارك المقدم العارف بالله الشيخ سيدي أحمد سكيرج، وهو عن العارف بالله سيدي أحمد العبدلاوي، وهو عن الخليفة القطب سيدي الحاج علي التماسيني، وهو عن سيدنا ومولانا الشيخ رضي الله عنه، وهو عن جده قطب الدائرة وإمام أهل الدنيا والآخرة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيني وبينه صلى الله عليه وسلم أربع وسائط، وبيني وبين مولانا الشيخ رضي الله عنه ثلاث وسائط. قال ابن معين ولا شك أن علو السند قربة إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى.
5- أن هذه الطريقة التجانية تسمى بالأحمدية وبالمحمدية وبالابراهيمية الحنيفية، كما بين ذلك صاحب البغية في المطلب السابع. وقد وجه تسميتها بـ”الأحمدية” بأربعة وجوه يكفي منها أنها نسبة إلى اسم صاحبها حيث أن اسم مولانا الشيخ رضي الله عنه أحمد وهو إمامها المتلقي لها من حضرة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم من دون واسطة شيخ آخر.
ووجه تسميتها بـ”المحمدية” بأحد عشر وجها يكفي منها ذكر الوجه الرابع، وهو: أن لأهل هذه الطريقة علامة يتميزون بها عن غيرهم ويعرف بها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحبها بوجه خاص وهي كما قال حواري هذه الطريق، المشهود له في معرفة أسرارها بالتبريز والتحقيق، أن كل واحد من أعلاه مكتوب بين عينيه بطابع النبي صلى الله عليه وسلم: ((محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وعلى قلبه مما يلي ظهره: ((محمد بن عبد الله))، وعلى رأسه تاج من النور مكتوب عليه: ((الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية))، انتهى كلامه فيما وقفنا عليه من بعض مؤلفاته، انتهى كلام البغية.
والمراد بحواري الطريق هو العلامة الشيخ عمر بن سعيد الفوتي، وهو الذي ذكر هذه المنقبة لأهل هذه الطريقة في كتابه الرماح ولا شك أن هذا من الأخيار، ويختص بها من أراده من أوليائه المكرمين الأبرار، وذكر في الرماح أن من وجوه تسميتها “محمدية” أن أهلها أكثر من غيرها من سائر الطريق كما أن الأمة المحمدية أكثر من سائر الملل، ومنها أيضا أنه لما كان له رضي الله عنه مدد خاص يتلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم لا اطلاع لأحد عليه سميت محمدية، ثم قال في الرماح: “ولولا أن في القلب ما فيه لأودعنا في هذا المحل ما يبهر العقول ويعجز عن إدراكه الفحول” انتهى.
ووجه تسميتها بـ”الإبراهيمية الحنفية” بعشرة وجوه يكفي منها ذكر السادس وهو أن الطريقة لما كانت طريقة اجتباء سهلة لا حرج فيها ولا مشقة ولا ضيق، كانت إبراهيمية حنيفية اعتبارا إليه قوله سبحانه وتعالى: ((هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم)) الآية، فهذه الطريقة التجانية أسهل الطريق كما أن شرع إبراهيم عليه السلام الذي هو داخل في شرع سيدنا محمد صلى اله عليه وسلم كذلك، وقد سبق بيان تدور عليه تربيتها في الوجه الأول وبذلك تعلم سهولة شأنها ويسر عملها، مع إدراك ما لم يعلم قدره إلا الله سبحانه وتعالى من الفضل العميم، والخير النافع الجسيم.
6- أن أحوال غالب أهل الطريقة الأحمدية التجانية جارية على أحوال الملامتية، والملامة كما سيأتي فإنهم رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب، ولا يتميزون عن المؤمنين المؤدين فرائض الله بحالة زائدة يعرفون بها، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الخاص والعام من الناس، لا يبصر أحد من خلق الله تعالى واحدا منهم يتميز عن العامة بشيء زائد على عمل مفروض أو سنة معتادة في العامة، قد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم له طرفة عين، ولا يعرفون للرياسة طمعا لاستيلاء الربوبية على قلوبهم فهم أرفع الرجال مقاما وسيأتي مزيد في هذا الموضوع.
7- أن الذكر الذي أمره صلى الله عليه وسلم ليلقنه للناس هو الاستغفار والصلاة على سيد الأبرار وذكر الكلمة الشريفة، وكلها مأمور بها في الكتاب والسنة، فالذاكر هذا الورد هو في الحقيقة تال لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ظهر على سيدنا الشيخ رضي الله عنه وعلى أصحابه من آثار أنوار الهدى وأسرار الرضا ما استعد به للهداية والإرشاد والدلالة بالحال والمقال على ما يوصل لحضرة رب العباد، وترادف عليه من أنواع الخيرات والبركات والفضائل ما فاق به كل عارف واصل وصديق كامل، أنظر البغية لدى قول صاحب المنية:
فلاحـت أنـوار الهــدى عــليــه وبانـت أسـرار الرضــا لـديــه
وفاق في الخيرات كـل عـارف لغـرفــه مـن منبــع المعــارف
8- أن صاحب هذه الطريقة الأحمدية التجانية وهو سيدنا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه أدرك المقامات الثلاثة الخاصة، وهي “القطبانية” و”الختمية” و”الكتمية” كما سيأتي.
فقد حل رضي الله عنه عام 1214هـ وهو العام الثاني بعد حلوله وانتقاله لفاس في مقام “القطبانية العظمى”، فأهله الله تعالى للحلول بأقصى ذراه بلا شك عندنا والحمد لله، ومن خصائص هذا المقام أن صاحبه منذ جلوسه على كرسي القطبانية لا تقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حجابية أصلا، فحيثما جال الرسول الأعظم من حضرة الغيب ومن حضرة الشهادة إلا وعين قطب الأقطاب متمكنة من النظر إليه لا يحتجب عنه كل لحظة من اللحظات.
وأعلى الأقطاب درجة في هذا المقام الأقعس، وأرفعهم مكانة في هذا المشهد الأقدس، هو من بلغ منهم مقام “الختمية” الأجل الأنفس، وهو المقام المسمى بختم المقامات عند الخاصة من الرجال، ولم يرتقه إلا أفراد من فحول هذا المجال، ومما لا شك عندنا فيه أن الشيخ رضي الله عنه قد حل في هذا المقام حسبما وقع التصريح به منه رضي الله عنه، وأثبته له الفحول من رجال الطريق كما سيأتي في المبحثين المقبلين بحول الله تعالى وقوته.
وأدرك رضي الله عنه عام 1218هـ مقام “الكتمية” وهو مقام باطني لا يعلم حقيقته في تلك الرتبة إلا اله” تبارك وتعالى وسيد الوجود صلى الله عليه وسلم، لأن لصاحبه نسبة خاصة من الحقيقة المحمدية وهي مرتبته صلى الله عليه وسلم التي لم يطلع عليها أحد، ولا يعلمها إلا الله جل جلاله وكذا صاحبها وهو النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يعرفني غير ربي))، فالقطب المكتوم كذلك، ويدل لإدراك الشيخ رضي الله عنه لهذا المقام أخبار جده عليه الصلاة والسلام له به حيث قال رضي الله عنه: ((أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني القطب المكتوم منه إلي مشافهة يقظة لا مناما)) فقيل له وما معنى المكتوم فقال رضي الله عنه: ((هو الذي كتمه الله عن جميع خلقه حتى الملائكة والنبيئين إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فإنه علم به وبحاله، وهو الذي حاز كل ما عند الأولياء من الكمالات واحتوى على جميعها))، أنظر كتاب الرماح وغيره.
9- أن صاحب هذه الطريقة مولانا الشيخ رضي الله عنه وطائفة وافرة من أصحابه أطلعهم جل علاه على اسمه الأعظم الباطني المخزون المكنون وهو الذي لم يطلع عليه إلا فذاذ من الأفراد وله صيغ كثيرة متعددة بتعدد تراكيب حروفه واختلافها في الترتيب، وتتفاوت تلك الصيغ في الأجر والثواب فيثاب الذاكر على ذكر بعضها أكثر مما يثاب على ذكر غيرها من الصيغ بأضعاف مضاعفة، وأعظم الصيغ الخاصة بمقامه صلى الهب عليه وسلم وتليها الصيغة الخاصة بمقام سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال في البغية ما نصه: ((وأخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة المحمدية صلى الله عليه وسلم صيغا عديدة في هذا الاسم وأنه تلقى منها أيضا كيفية يستخرج منها ما أحب من تراكيبه))، ثم أخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة المصطفوية أيضا عليه أزكى الصلاة والسلام الصيغة الخاصة بمقامه صلى الله عليه وسلم وكذا الصيغة الخاصة بمقام مولانا علي كرم الله وجهه وهذه الصيغة الخاصة بمقام مولانا علي رضي الله عنه لا يعثر عليها إلا من سبق عند الله تعالى في الأزل أنه يصير قطبا.
وأخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة الشريفة أيضا صلوات الله وسلامه عليه خواص هذا الاسم وكيفية الدعاء به وكيفية سلوكه كما تلقى منه أيضا صلى الله عليه وسلم ما أعد الله تعالى لذاكره من الفضل العظيم الذي لا حد له ولا حصر، وذكر في جواهر المعاني من تفاصيل ذلك الفضل العظيم الذي أعطيه سيدنا رضي الله عنه خصوصا والذي أعطيه غيره من الذاكرين له عموما على اختلاف مراتبهم، وتباين استعداداتهم ما يحير الأذهان، ويعجز عن تقريره التبيان. ثم قال في البغية: وهذا الاسم إنما ينال بمحض المحبوبية من الله تعالى لا غير فافهم والله أعلم.
وبلغني أيضا أن بعض أصحاب الشيخ رضي الله عنه الذين كانوا بالصحراء وهم جماعة اطلعوا على الاسم الأعظم في بعض كنانيش الشيخ رضي الله عنه وذلك بعد سفره من بلده فاس، فلما وصل رضي الله عنه إلى الصحراء أخبر بذلك فأمر بحضورهم لديه فخاطب كل واحد منهم بما لم يخاطب به الآخر، فقال لبعضهم إن ذكرته لأحد تموت كافرا والعياذ بالله تعالى، واختلى بآخر منهم وأذن له فيه في خاصة نفسه بشرط أن لا يذكره لأحد فضلا عن أن يأذن فيه، وقال لآخر اتركه عنك فلا حاجة لك به، وقال لآخر إن أحببته سلم في الأموال والأولاد، وقال لآخر اذكره مرة واحدة بين الليل والنهار، وقال لآخر يكفيك من فضله أن من عرف لفظه فقط يكون مأمونا من السلب، وإذا دخل إلى مسجد من المساجد تقول الملائكة هذا فلان يعرف اسم الله الخاص بالذات العلية فيحصل له ثواب من ذكره بسبب ذكر الملائكة له بذلك، وهذه القضية وحدها تنبئ عما اختص به سيدنا رضي الله عنه من سعة الدائرة في التربية رضي الله عنه وأرضاه، وأدامنا وجميع الأحبة دنيا وأخرى في حماه آمين انتهى.
10- أن الله عز وجل قد خص صاحب هذه الطريقة رضي الله عنه بكرامة مأثورة ومنقبة مشهورة وهي اجتماعه ورؤيته لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، في حال اليقظة والمشافهة لا في حال المنام، وهي لدى الرجال الكاملين أجل مقصد وأسنى مرام، ودوام شهوده له صلى الله عليه وسلم بحيث لا تغيب عنه صورته الشريفة طرفة عين، وذلك شيء حاصل به بلا شك ولا مين، وضمن له صلى الله عليه وسلم من فضل الملك الوهاب إن من رآه رضي الله عنه يوم الاثنين أو يوم الجمعة يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، وقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه أخبر أن من رآه أو رأى من رآه إلى سبعة ولو في غير اليومين المذكورين دخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، ومما لا ريب فيه أن رؤيته صلى الله عليه وسلم والاجتماع به يقظة جائز جوازا متفقا عليه عند الحفاظ، وأنهم لم يختلفوا في ذلك أصلا كما ذكره الإمام اللقاني، وسيأتي الاستدلال على ذلك عند الكلام على الوظيفة بحول الله، وانظر بغية المستفيد لدى قول صاحب منية المريد، في تعداد كرامات الشيخ رضي الله عنه:
ومنــه رؤيــة النـبـي الهــادي وهي لديهـم غــاية المـــراد
وعنــه لا يغيــب لمــح بصـر يقظــة فيـا لــه مـن منـظــر
فــي يــوم الاثنيــن والجمعــة رائيه يدخل غدا في الجنــة
بــــلا حســاب ولا عقــــــاب بــل هـو آمـن مـن العـذاب
وقد حدثني والدي قد الله سره أنه رأى ستة أشخاص ممن اجتمعوا بمولانا الشيخ رضي الله عنه وأخذوا عنه مشافهة كالعلامة سيدي أحمد بن أحمد بناني المعروف بكلا، والشريف البركة مولاي الطاهر العلوي المعروف بالمتوكل، والعارف بالله سيدي أحمد بن كيران.
وقد حدثت بعض بنات هذا الأخير وكانت من الصالحات أن سيدنا رضي الله عنه قال لوالدها كل من رأى وجهك يدخل الجنة ومن رأى من رآك كذلك، فكان رحمه الله ورضي عنه يجلس في غالب أحيانه بباب الزاوية يتوسم وجوه المارين ويقول لهم على وجه التحدث بالنعمة، ونفع الأمة انظروا وجهي لتفوزوا بالجنة، فقد قال لي سيدنا رضي الله عنه كذا وكذا ويذكر المقالة المذكورة.
11- أن الحق جل جلاله أكرم صاحب هذه الطريقة سيدنا الشيخ رضي الله عنه بالكرامة العظمى والمنقبة الكاملة الكبرى وهي شدة اتباعه للشرع الكريم الطاهر، والتقييد بأوامره ونواهيه في الباطن والظاهر، ومتابعته للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع في جميع أقواله وأفعاله، حتى في العاديات والمباحات من حركاته وسكناته، وسائر أحواله، وذلك معنى الاستقامة التي لا يعرف معناها ويعمل بمقتضاها إلا الخاصة دون العامة، وحاصلها أن تحفظ على العبد آداب الشريعة، وأن يوفق لفعل مكارم الأخلاق واجتناب سفسافها، والمحافظة على أداء الواجبات مطلقا في أوقاتها والمسارعة إلى الخيرات وإزالة الغل للناس من صدره، والحسد وطهارة القلب من كل صفة مذمومة، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس ومراعاة حقوق الله تعالى في حق نفسه وفي سائر الأشياء، ومراعاة أنفاسها في دخولها وخروجها، فيلقاها بالأدب ويخرجها وعليها خلعة الحضور.
قال في البغية فمن راجع كتاب جواهر المعاني في باب سيرته رضي الله عنه في عبادته ومعاملته، فإنه يظفر بما تقر به العين في هذا الباب ويزول عنه الحجاب، ويعلم يقينا أنه رضي الله عنه قد أدرك منها المكانة التي لا يجاريه فيها أحد ولا يباريه، والمنزلة التي لا يقاربه فيها غيره ولا يدائيه، وهذه الكرامة عند الرجال الأكابر أجل كرامة للعبد من مولاه الملك القادر كما أشار له في المنية بقوله:
مــن ذلــك اتبــاعـــه للسنــــة وهـو لـذا الرجــال خيـر منــة
وكـــان في ذلـــك لا يجـــارى ولا يضـــاهــــى ولا يـبــارى
وكــان مــن صغــره مـذكـورا عنه ومـا زال بــه مشـهـــورا
12- أن في هذه الطريقة الأحمدية التجانية الأخذ من “حي عن حي”، وليس فيها الأخذ من “حي عن ميت”، ذلك أن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة كاملة كما سيأتي الكلام على ذلك وهو الذي أعطى هذه الطريقة لمولانا الشيخ رضي الله عنه يقظة لا مناما كما تقدم وهو رضي الله عنه لم يتوفاه الله إليه حتى قدم في طريقه عدة أفراد يقومون مقامه في تلقين طريقته لمن طلبها منهم، ومنهم من كان له الاطلاق التام، والتقديم الشامل العام، كخليفته سيدي الحاج علي حرازم برادة، وسيدي الحاج علي التماسيني وسيدي امحمد بن عبد الواحد البناني المصري، وسيدي الحاج المفضل السقاط، وسيدي امحمد ابن أبي النصر، وسيدي الحاج عبد الوهاب ابن الاحمر ومن على شاكلتهم.
كما ذكرت ذلك في تقييد خاص حول التقديم وما يتعلق به، ومنهم من كان له التقديم المقيد كسيدي الحاج الطيب القباب وسيدي محمد الغالي أبي طالب ومن على شاكلتهما، ثم قدم هؤلاء المذكورون وغيرهم ممن له التقديم عدة أفراد ممن توفرت الأهلية المعتبرة عند أهلها على السنن المألوف والمنهج المعروف، كما سيأتي بيانها في الكلام على صفة المقدم بحول الله ثم قدم هؤلاء من بعدهم ممن رأوا فيه الأهلية.
وهكذا فكل من له التقديم الصحيح، بالسند المتصل الصريح، فهو نائب عن الشيخ رضي الله عنه في تربية الخلق، قال في البغية: “وإنما آثرنا ذكر ما هو الحق إن شاء الله تعالى في مسألة التربية هنا لما أفضى به منع المانعين لها في الطريق بناء على ما توهموه فقط من قيام بعض الناس على أصحابنا في هذا وقولهم لهم أن طريقكم ليست فيها تربية وإمام يقتدى به فيها، حتى دخل التشويش على بعض الأصحاب من أجل ذلك وزاده تشويشا وحيرة كون التشويش على بعض الأصحاب من أجل ذلك وزاده تشويشا وحيرة كون سيدنا رضي الله عنه ذكر حسبما في جواهر المعاني وغيره أن الفتح والوصول لا يجري إلا على يد الأولياء الأحياء إلى آخر كلامه”.
فلو اهتدى إلى أن التربية ليست موجودة في طريقتنا إلا بوصفها الأكمل الذي هو حصول الإذن من الله ورسوله أو بالإذن الصحيح من الشيخ ولو بالوسائط في الدلالة والإرشاد لما دخ عليه ما ذكر من التشويش والحيرة.
وقد قيدنا في هذه المسألة ما تيسر مما يكفي إن شاء الله ويشفي لمن سألنا عن ذلك، ومحصل هذه المسألة أن أهل هذه الطريقة المحمدية يوجد في أفرادها من يفتح له في التربية بها، أي بتلقين وردها وجميع أذكارها بالشروط المشروطة والكيفيات المضبوطة، بحيث لا يخرج عما حده الشيخ في ذلك مما تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأنها الطريقة المحمدية، أعطاها النبي صلى الهم عليه وسلم للشيخ منه إليه وضمن لأهلها ما ضمنه من الأسرار والخيرات والبركات ولا سبيل إلى الخروج عما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وترتب ضمانه عليه فافهم ذلك، وفي هذا القدر الذي نبهنا عليه من ذلك هنا كفاية، والله ولي التوفيق والهداية. انتهى.
13- أن الحق جل جلاله وعز كماله جعل في أهل هذه الطريقة المتمسكين بالشريعة والحقيقة جماعة تجاوز ستمائة ومن الجن جماعة تجاوز ثلاثمائة قد بلغت في المقامات الشريفة والأحوال السامية المنيفة درجة لا يصل إليها إلا من خصه الله بها، بحيث لو اجتمع أقطاب هذه الأمة المحمدية ما وزنوا شعرة مما اختص به هؤلاء من الدرجات الرفيعة الجليلة، وإذا ثبت هذا لهذه الجماعة السنية فكيف بإمامها صاحب الطريقة السنية، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء من غير علة ولا سبب، وإنما هو بمحض الاجتباء وقد أخبر الشيخ رضي الله عنه بظهور فرد من أفراد هذه الطائفة وإذا شئت مزيد الإيضاح في هذا الموضوع فعليك بكتاب البغية، لدى قول صاحب المنية، ولله دره ما أحلاه في تعداد كرامات الشيخ رضي الله عنه وأرضاه:
طائفة من صحبه لـو اجتـمـع أقطــاب أمــة النبـي المتـبــع
مــا وزنــوا شعـرة مـن فــرد منهــا فكيــف بـالإمــام الفـرد
جعـلنــا مــن خلــق الـبريـــة مـــن هـذه الطـائـفـة العـليـــة
وعنــه فــي عـدد هـذه الفئــة من صحبه أكـثر من ستمائــة
14- أنه يوجد في أهل هذه الطريقة الأحمدية التجانية، ذات الأسرار الفاشية عدد قد أدركوا مراتب سامية في درجة الولاية الكاملة العالية، وقد عد صاحب المنية من بينهم اثني عشر فردا وهم حسب ترتيبه لهم:
(1) الشريف العارف بالله سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي صاحب كتاب “ياقوتة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج”، وهو كتاب مرتب في الصلوات على الحروف الهجائية.
(2) الخليفة المبجل سيدي الحاج علي احرازم بن العربي برادة صاحب كتاب “جواهر المعاني” وصاحب “الكنز المطلسم في حقيقة اسم الله العظيم الأعظم” وصاحب “شرح الهمزية” وغيرها.
(3) العلامة الشريف الإمام الكاتب أبو عبد الله سيدي محمد بن المشري الحسني السباعي صاحب “الجامع” وصاحب “السراج الوهاج” وصاحب “نصرة الشرفا” وصاحب “روض المحب الفاني” وغيرها.
(4) الوزير المؤتمن الشريف البركة سيدي محمود التونسي دفين فاس.
(5) الشريف العلامة الشيخ محمد الحافظ العلوي الشنجيطي.
(6) الشريف العارف الكامل أبو عبد الله سيدي محمد الغالي بن سيدي محمد أبو طالب الحسني.
(7) المقدم المحبوب الشيخ الحاج المفضل السقاط دفين مصر.
(8) القطب الشهير الشريف البركة الكبير سيدي الحاج علي بن عيسى التماسيني.
(9) العلامة الأوحد سيدي محمد المعروف بالسالك الوداني الشنجيطي.
(10) العلامة المحقق أبو عبد الله سيدي امحمد (فتحا) بن عبد الواحد البناني المصري.
(11) العلامة الكبير الشريف سيدي محمد الطالب العلوي الشنجيطي.
(12) مفتي الديار التونسية العلامة أبو إسحاق سيدي إبراهيم بن عبد القادر الرياحي التونسي.
وقد زاد عليهم كثيرا صاحب بغية المستفيد، وصاحب روض شمائل الحقيقة، وصاحب كشف الحجاب ورفع النقاب بعد كشف الحجاب وصاحب الإتحافات الربانية، وغيرهم ممن لا يحصون رضوان الله عليهم أجمعين وجعلنا من أهل حزبهم ومددهم، بجاه إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
15- ما أعد الله جلت قدرته، وتقدست أسماؤه وصفاته، لمن تمسك بهذه الطريقة الأحمدية المحمدية الإبراهيمية الحنيفية، من الفضل الذي لا يحصى، والمزايا التي لا تعد ولا تستقصى، مما هو مذكور في كتاب جواهر المعاني، وكتاب الجامع، والبغية بعد المنية، وغيرها وسيأتي ذكر البعض منه في الباب الثاني من هذا الكتاب بحول الله تعالى وقوته.
16- أن الله المتفضل المنان، أنعم على أهل هذه الطريقة الرفيعة الشأن بصلاتين جليلتين من الصلوات على سيد المرسلين وأفضل خلق الله أجمعين، وإن كان في هذه الطريقة التجانية من الصلوات عليه صلى الهت عليه وسلم ما يزيد على خمسمائة صيغة، ولكل واحدة من جلها اسم خاص بها، ولكن أجمع الصلوات لكثير من المثوبات هو هاتان الصلاتان:
*صلاة “الفاتح لما أغلق”: قال أبو المواهب والمرابح مولانا العربي ابن السائح في المطلب السابع من البغية: “فالطرق وإن كانت كثيرة محمدية بالوجه العام، فقد اختصت عنها هذه الطريقة التجانية بهذه المزية العظيمة والخصوصية الجسيمة التي من أجلها اختصت بحيازة هذه النسبة الشريفة، والحلية السنية، والرتبة المنيفة، ثم اختصت طريقتنا هذه الأحمدية المحمدية بمزيد كرامة وتفضيل، وتخصيص له من الملك الجليل، وذلك بكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالياقوتة الفريدة وهي صلاة الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، التي لا يأتي الحصر على ما خصها الله تعالى به من المزايا الفاخرة والأسرار الباهرة والفضائل العديدة وذلك حسبما أوضحه صاحب ميزاب الرحمة الربانية لما اشتملت عليه، مما لم يشتمل عليه غيرها من أسرار السير والسلوك في المقامات العرفانية.
قال فالتقرب إلى الله تعالى بهذه الصلاة سير في مقامات الدين الثلاثة، إذ المقامات مشتملة على مواقف مغلقة الأبواب، وأولها باب المتاب إلى آخر ما بعده من الأبواب، فالغلق شامل لجميعها اشتمال باب واحد، والفتح مطلوب في كلها لكل قائم وقاعد، والختم محتاج إليه في كافة عوارضها المعتادة، وإن في الختم معنى للزيادة وغلقا بين المريد وبين موانع جادة الإفادة، وإن في النصر لعدة لما يكون من الأعداء المذلة، والآفات المعضلة من الآمال الخائبة، واللوائح الكاذبة، ولقد كان المريد للهداية عند تلاطم أمواج بحار حقائق الأسرار، وللتوفيق لقطع مهام تلك الأخطار، والاهتداء إلى الحضرة وما لها من الأنوار، في غاية الاحتياج والإضطرار، فكان الأليق بالمريد أن يتعلق بهذه الصلاة من بين كافة الصلوات على نبيه الكريم، إذ ما كل صلاة تفي بما تفي هي به في ظلمة ذلك الأليل البهيم انتهى.
وانظر الطريقة الثالثة من هذا الكتاب تستفد مزيد بيان وتقف من أسرار هذه الصلاة على ما لا يفي بشرحه التبيان على أن ما اشتمل عليه بالنسبة إلى ما لم يذكر، إنما هو قل من كثر، ونقطة من بحره، وسنلم بالنزر من ذلك عند تعرض الناظم لذكرها، والإشارة إلى شيء من مكنون سرها إن شاء الله تعالى، وإنما مرادنا الآن أن نشير إلى ما يوذن ببعض ما امتازت به هذه الطريقة عن غيرها بالوجه الخاص ثم بالوجه الأخص لتعلم من ظهور ما لها من الخصوصية في ذبك والمزية وجه تسميتها بالمحمدية انتهى.
*جوهرة الكمال في مدح سيد الرجال: فإذا ذكرها الواحد من أهل هذه الطريقة المباركة منفردا أو في جماعة كما هو الشأن في الوظيفة سبع مرات يحضره النبي صلى الله عليه وسلم، ويستمر حضوره معه هو والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم مادام يذكرها إلى أن يفرغ منها. وهي كما عرفته تقرأ اثني عشرة مرة في الوظيفة فيكون حضوره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه الأربعة رضي الله عنهم من السابعة إلى ختم الوظيفة بلا شك. وقد حدثني بعض العلماء الأفاضل رحمهم الله تعالى أنه ذكر لشيخنا رضي الله عنه استمرار حضوره صلى الله عليه وسلم من السابعة إلى أن يفرغ منها وكأنه أعني هذا العالم يثبت في حقيقة هذا الأمر قال فقال لي رضي الله عنه مؤكدا قوله بالقسم والله لو أنك دمت على ذكرها طول عمرك من غير فترة، ما فارقك صلى الله عليه وسلم في جميع مدة عمرك انتهى.
ثم ذكر أن حضوره صلى الله عليه وسلم بالأرواح والذوات وقال فلو كشف الحجاب عن الذاكرين أو بعضهم لشاهدوه صلى الله عليه وسلم على صورته التي قبضه الله عليها يعني بذاته الحقيقية وكذا الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وهذا كله مما لا يمتار فيه إلا جاهل أو حسود متحامل انتهى.
ولها خصائص معلومة وشروط صحة وكمال كما سيأتي بيان ذلك كله في محله، ولها أيضا مزايا امتازت بها عن غيرها من الصلوات فإن فيها كما قال الشيخ أبو عبيدة رضي الله عنه في ميدان الفضل والإفضال تسع فقر على عدد الأفلاك التسعة، وفيها أيضا أربع صلوات دائرة بين المواهب والصلات وهي تشير إلى مراتب الوجود الأربع البهية، وهي مرتبة الطمس ومرتبة الأحدية ومرتبة الوحدة ومرتبة الواحدية، وفيها أيضا العيون الأربعة العين الباصرة وعين الشريعة والحقيقة وعين البصيرة والعين الجارية المشار لها بالبرق الأسطع ولهذه العيون الأربعة الإشارة بقوله تعالى: ((واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا))، وفيها أيضا ذكر لفظ النور ثلاث مرات ولفظ الحق أربع مرات وذكر الكون جمعا وإفرادا ومن لفظ الحوط ثلاث مرات، ثم قال وسترى فقرها في هذا التقييد فقرة فقرة نخرج كل واحدة منها على حدتها من دهليز الحيرة يعرف ذلك أهل المعرفة من أهل الحضرة انتهى.
17- أن في ترتيب أركان الورد اللازم في هذه الطريقة أسرارا عالية المقدار، رفيعة الشأن كثيرة الخير المدرار، يكفي منها أنها تشير إلى مناسبة حال السالك ففي تقديم الاستغفار تطهير الباطن من أدران المعاصي وسائر المخالفات وفي ذلك التخلي عن سائر الرذائل والسيئات، وفي اتباعه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم زيادة تطهير الباطن وتنويه ليتهيأ للتحلي بحلل الأنوار الذي هو ذكر الركن الثالث وهو: لا إله إلا الله، ففي التعلق به صلى الله عليه وسلم أخذ باليد في فتح الباب بعد إزالة الحجاب، ليكون الوصول على يده صلى الله عليه وسلم على رب الأرباب، وفي الختم بكلمة الإخلاص إشارة إلى تحمل ما يرد على القلب من أسرار الحقائق التوحيدية، وأنوار المعارف المفاضة عليه من الحضرة الفردية الصمدية، انظر البغية في قول صاحب المنية:
فهــذه الثـلاثــة الأركـــان لابـد أن يقرأهـا الإنســان
18- أن صاحب هذه الطريقة مولانا الشيخ رضي الله عنه قد جمع الله له بطريق الفضل المحض بين أربع خصال وهي: النسب الطيني والنسب الديني، وختم الولاية الخاصة، ووجوده في آخر الزمان، فاستحق بذلك التقدم معنى على سائر الأقران، ولما تكلم العلامة المحقق العارف بالله الفقيه أبو عبد الله الكنسوسي رضي الله عنه في الجواب المسكت على مقالة القطب مولانا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وهي قدمي على رقبة كل ولي لله تعالى، قال ما نصه: “وممن صرح بأن المقالة الجيلانية خاصة بأهل زمانه برزخ الشريعة والحقيقة وقدوة العلماء والعارفين أبو العباس سيدي أحمد زروق رضي الله عنه، فإنه قال في التوطئة لبيان فضل الشيخ عبد القادر رضي الله عنه ما نصه: إثبات الحكم بالذاتيات ليس كإثباته بعوارض الصفات فقوله صلى الله عليه وسلم: “”سلمان منا أهل البيت”” لأنه متصف بجميع جوامع النسب الدينية حتى لو كان الدين منوطا بالثريا لأدركه، وقد قيل في قوله عليه السلام الأقربون أولى بالمعروف أنه يعني إلى الله تعالى، إذ لا يتوارث أهل ملتين فالمعتبر أصل النسب الديني، ثم إذا انضاف إليه الطيني كان له مؤكدا، فلا تلحق رتبة صاحبه بحال.
وقد أجيب عن قول الشيخ أبي محمد عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه قدمي على رقبة كل ولي لله تعالى، إنه في زمانه ذكر جزئيتين من كثرة عبادته وكثرة علمه يعني مع نسبه الشريف ففاق باجتماع هذه الثلاثة له جميع أهل زمانه، فاستحق المقالة المذكورة عليهم، فإذا حكمنا هذا الضابط وأخذنا بمقتضاه، وهو أن كل من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث استحق الأفضلية الظاهرة المسلمة على غيره ممن ليس كذلك، فإن الشيخ الجزولي رضي الله عنه لأجل هذه الخصال الثلاث نال مثل المرتبة التي نالها مولانا عبد القادر رضي الله عنه بل تولى الله أن يقول ذلك عنه حيث أخبره به، وإن كان لا فرق في الحقيقة لأن مقالة الشيخ عبد القادر إنما تكون عن إذن من الله سبحانه.
وكذلك شيخنا أبو العباس التجاني رضي الله عنه فإنه قد اجتمعت له هذه الخصال المذكورة بلا شك وزاد خصلة رابع وهي كونه في آخر الآخر من الزمان، فلذلك صدرت منه مثل المقال الجيلانية بل أزيد منها وإنما وقعت الزيادة والله أعلم للخصلة الرابعة ولمكان الختم المتقدم ذكره انتهى.
وهذه المقالة الصادرة من مولانا الشيخ رضي الله عنه هي قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور، وقد ذكرها صاحب الإفادة الأحمدية والشيخ عمر الفوتي في الفصل السادس والثلاثين من كتاب الرماح وقد أجاب شيخنا المحقق المشارك الشيخ أحمد سكيرج قدس الله سره في الجزء الأول من كتابه الصراط المستقيم (صفحة 67) وبين أولا أن الشيخ رضي الله عنه تكلم على لسان جده صلى الله عليه وسلم، وبين ثانيا أن المراد بالقدمين الحضرة المحمدية والحضرة الأحمدية ويحتمل أن المراد بهما الشريعة والحقيقة، وبين أيضا أنه لا دخل في هذه المقالة نبي ولا رسول ولا صحابي فانظره إن شئت.
19- أن هذه الطريقة الأحمدية التجانية لا تجتمع مع غيرها من سائر طرق أهل الله تعالى، فامتازت بالانفراد عن الاشتراك، لأن مشربها خاص وهو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وطابعها محمدي فلذلك كانت تغني عن غيرها، وغيرها لا يغني عنها، لجمعها من الأسرار الإلهية والمعارف الصمدانية، مما لم يجتمع في غيرها، وفي الحديث: ((أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل))، وفيه أيضا اجعل عملك لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، وسيأتي بيان ذلك في شروط مريد الدخول في هذه الطريقة الأحمدية.
20- أنها تدوم بحول الله تعالى وقوته بدوام الدين الإسلامي، فلا يعتريها اضمحلال ولا أفول بل تزداد رفعة وظهورا وانتشارا، قال العلامة الكنسوسي رضي الله عنه في الجواب المسكت: “وقد أخبر صلى الله عليه وسلم الشيخ رضي الله عنه من علو شأنه على غيره من الأولياء في الدنيا والآخرة بما يبهر العقول لو ذكرناه، وإنما نذكر الآن شيئا واحدا اقتضاه المقام، وهو أن جميع الطرق تضمحل ولا تبقى إلا طريقه، وذلك واقع ما له من دافع بحول الله تعالى وقوته وعناية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لسر الختم الذي تقدم الكلام على فضله، وهذا لا تمنعه حوصلة من حجر فضل الهل تعالى وأراد وقفه، على ما عرفه واعتاده، وقال حجرا محجورا بل يتخذ من وصف مولانا جل علاه بالإطلاق والاختيار عدوا مهجورا نسأل الله السلامة والعافية:
وأراهم لم يجعلوا الواحد القهار في الخلــق فاعـــــلا مــــا يـشـــــــــــاء
((أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب، أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما، فليرتقبوا في الأسباب، جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب)).
لكــن نـور الحـق جــل فـلا يــرى إلا بتخــصـيــص مــن الله الصمـــد
انتهى”.
إلى غير ذلك من المزايا الفخار والمناقب الكبار التي امتازت بها هذه الطريقة الأحمدية التجانية على غيرها من سائر طرق أهل الله تعالى، وفي هذا القدر من هذه الوجوه العشرين كفاية، وبالله جل جلاله التوفيق والهداية.
سيدي ادريس العراقي
“الرسالة الشافية”