مقتطف من كتاب:
الحلل الزنجفورية
في الأجوبة الطيفورية
تأليف:
محمد بن أحمد أكنسوس
حول لفظة الأسقم
المبحث العاشر من المبحث الثالث: سؤالكم وما أدراك ما سؤالكم الذي كان ما يظن صدوره من أمثالكم.
وانظر فلا عجب يوما لمعتبر
|
|
من الذي عمى لم يزل يسطو بقائده
|
ووالله ثم والله إني لأستحيي أن أنسبه إليكم، ولولا أنه بخط يدكم لما شككت أنه مكذوب عليكم، وذلك أن أدهى ما يلقاه المحب في مضراته إتيان المساءة ممن يعده لمسراتها، وعتادا لادخار مبراته
ألا تسألاني عن أعز الحبائب
|
|
فقد زعمت أني كثير المعائب
|
ولا أظنك في حال كتابته إلا مصطلحا أو حالما حقيقيا لا متحلما، وها أنا أمليه عليك الآن بعد إفاقتك وحصول توقيك ما يصم وإشفاقتك، فإن وجدت في نفسك حياء منه، واقشعرارا ونفورا، وتمنيك أنك لم تكن قبله شيئا مذكورا، فقد صدقت فراستي وحياطتي لنزيه عرضك وحراستي. وأن وجدت بقاء العزم عليه والتصميم فاستعذ بالله إنه سميع عليم، وها هو القول الفظيع الهائل وبيس القول من نعم القائل، ومن الممدوح بالقويم الأقوم، ثم بالسقيم الأسقم، وهذه أعظم لتكررها صباحا ومساء، فانظروا لهذه مخرجا إن كان فاعلموا أننا قد سقطنا في نار هذه النقطة، ووقعنا في هار هذه الورطة، وحمنا عار هذه الفلطة،
قول تكاد له إلاجبال من خطر
|
|
تنهد هدا وتهوي الأرض زلزالا
|
وكأني بكم تقولون أعوذ بالله أن نكون بعد الهداية ممن يحيد عن الحق أو يزيغ، وأن نكون ممن يتبع ما تشابه ابتغاء الفتنة كفعل صبيغ، [صبيغ هذا الرجل كان يتبع متشابه القرآن ويفتي الناس به، فبلغ الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر من يأتيه به، فلما حضر عنده ضربه حتى كاد أن يموت وسجنه، ثم شفع فيه بعد مدة فقال سيدنا عمر ذكرتموني في الخبيث فأمر به فضرب على رأسه، فقال صبيغ يا أمير المومنين شفيتني شفاك الله] وإنما نقول كما قال ربيعة الذي ربحت تجارته، وحمد مشتراه ومبيعه عند مراجعته لسعيد بن المسيب في عقل أصابع المراة، فقال له سعيد أعراقي أنت؟ فقال لا، ولكن جاهل متعلم، أو عالم متثبت، يعني لا زائغ متعنت، فأنت بحمد الله صادق في مقالتك مقبول في اغترارك واستقالتك، لكن هذا اللفظ مطموس المسالك. والمرتبة لا تقبل أمثال هذه المهالك، وأمثالك من الخاصة يواخذون بمثاقيل الذر وادنى من ذلك، والمحبوب وإن كان لا يواخذ لكنه يشدد عتابه ويهول بغاية التغليظ خطابه، وأنت والله لست محل اتهام، وإن كان ذلك القول آلم من رشق السهام.
وها أنا قبيل الشروع في جواب المسألة أسألكم عن إنسان غريب في بلد قفر، ليس فيها إلا مهالك، وأراد ذلك الإنسان المهاجرة منها إلى محل يحصل له فيه الأمر والراحة والسرور، وهو يعرف ذلك المحل ويتقنه، إلا أنه يجهل الطريق المفضي إليه، ثم وقف في موضع قد تشعبت فيه طرق كثيرة جدا فتحير، ولم يدر أيها يسلك، فتبلغه إلى المحل المقصود، وإن كانت كلها تبلغ لم يدر أيها أقرب وأحسن، وأوفق وأكثر مرافق وأنجى من المهالك والمخاوف، وأبعد من العوائق والمعاطب التي تنال السالكين في مسالكهم. فنظر فإذا كل طريق دليل يدعي أن طريقه أحسن، وهو يدعو الناس إلى سلوك طريقه، فلما رأى ذلك ازدادت حيرته ثم قال، لا بأس أن أتوسم كل دليل من هؤلاء فمن ظهر لي رجحان قوله اتبعته، فجعل يختبر أولئك الادلاء واحدا بعد واحد، وهو عاقل فطن لا يخدع ولا يغتر بظواهر عن بواطنها وأسرارها، فكلما فرغ من واحد ذهب لآخر، حتى أتى على آخرهم فوجد أحدهم أكثرهم محبة لمالك ذلك المحل الذي يريد المهاجرة إليه، وأكثرهم معرفة به وتعظيما لشأنه وإمتثالا لأوامره، وألهجهم بذكره، وأحسنهم مقاما مع مقامه، وأوفرهم إشاعة لأوصافه الجميلة ومحاسنه، لا يزال يحض على طاعته ويحذر من مخالفته، ليس له شغل غير ذلك، صرف وجهته كلها إلى محبة ذلك السلطان في حركته وسكناته، فقال لا أتخذ دليلا غير هذا ولا أسلك غير سبيله.
فألقى إليه يده وملكه زمامه، فلما توسط به الطريق عرض له عدو لذلك الدليل وله أيضا، وهو يعرف شدة عداوته لهما لا يرتاب في ذلك، فقال له ذلك العدو ما دليلك على أن هذا الرجل صادق فيما تظاهر به وإدعاه من أنه محبوب للسلطان، فذكر له الاستذلال المتقدم من كثرة ثنائه عليه والحض على طاعته وغير ذلك، فقال له العدو وأذكر لي شيئا من ثنائه عليه، فذكر له ثناء كثيرا فلم يجد فيه العدو مغمزا ولا مقالا إلا في لفظة واحدة من مائة ألف لفظ مثلا، وتلك اللفظة الواحدة تحتمل احتمالا بعيدا أو قريبا أنها سب لذلك، فقال له العدو أنظر إلى هذه الدسيسة، فإنها تدل على كذبه في دعواه، أليس قد يظهر الإنسان شيئا ويبطن خلافه؟ فالا تغتر فإن الحازم لا يظن غير السوء.
لا يكن ظنك إلا سيئا
|
|
إن سوء الظن من أقوى الفطن
|
وهكذا لم يزل به ذلك يغريه بنزع يده من ذلك الدليل في أثناء تلك المفازعة الهائلة، وليس له حجة إلا ذلك الاحتمال الذي هو من نسج العنكبوت، فهل هو يقبل العقل السالم أن يلتفت ذلك المستدل إلى قول ذلك العدو في جنب دليله وقدوته مع معرفته بعداوته؟ ومع ما وصفناه من ضعف حجته؟ بل لو كانت حجة ظاهرة قوية غاية الظهور وغاية القوة، أيمكن ذلك مع تحقق عداوته؟ أو هل يجوز له أن يفوته بما يدل على تنقيص دليله؟ أو هل يسع العاقل أن يشك في صدق دليله بتكذيب عدوهما له؟ أو الواجب على ذلك المستدل أن يدافع ذلك العدو عن إتهام دليله بكل ما قدر عليه؟ كما فعل الشيخ العلامة البركة سيدي محمد بن محمد الصغير في هزم أحزاب الأعداء بساريته وجيشه الكبير. المراد، بالسلطان في ضرب المثل هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالعدو الشيطان نعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، والدليل هو الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أيها الأخ الكريم الذي له منزلة في قلوبنا هي صميم الصميم، أنه لولا هذه المسألة التي رأينا غلطك فيها، ما اقتحمنا غمرات هذا الجواب، ولا تجشمنا أهواله، بل كنا نضرب عن ذلك صفحا، لأن ما سواها من المسائل المسئول عنها كلها أو جلها مشروحة في كلام سيدنا حجة الله رضي الله عنه ، ومن لم يقنع بشرحه لها لم ينفع فيها كلام معه، وقد سئل بعض العلماء من أصحاب سيدنا رضي الله عنه عن هذه المسألة بعينها فكتب تحت سؤال السائل ﴿ ومَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءَايَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[1] والسلام هـ وأما أنا
ثم إننا
فأقسم ما وجه الصباح إذا بدا
|
|
بأوضح مني حجة عند لومي
|
أيها السيد النبيل، الذي ليس له غير حزب الله من قبيل،أول ما نقول وهو ضروري عند سالمي العقول، إن الصلاة الجوهرة الفاخرة التي أسعد الله بها من أراد كرامته في الدنيا والآخرة في هذه الأزمان المستخارة من إملاء سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ، على شيخنا حجة الله رضي الله عنه في حال اليقظة كما أخبر بذلك من أمليت عليه رضي الله عنه فمن أنكر هذا الخبر أو شيئا منه لا يخلوا إما أن يكون منكرا للولاية من أصلها أو لولاية هذا الشيخ فقط دون ولاية غيره أو مقرا بالولاية وبولاية هذا الشيخ ولكنه ينكر الكرامة الثابتة بالقرآن والسنة والإجماع فهؤلاء الثلاثة لا كلام معهم وحظهم الحرمان من الله تعالى وأما أن يكون مصدقا بالولاية والكرامة لهذا الشيخ ولغيره فذلك هو الموفق السعيد فيقال له يا أيها السعيد الذي ألبسه الله ملبس الصدق والتصديق أن هذه الكرامة التي هي رؤية سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ، والاجتماع به والتلقي منه في اليقظة لا كرامة فوقها ولا يمكنك أيها السعيد بعد إقرارك بولاية هذا السيد وثبوت ذلك عندك بالدلائل الواضحة وتوفيق الله تعالى أن تشك أن هذه الجوهرة من كلام من لا ينطق عن الهوى إذ لا فرق بين حياته ومماته صلى الله عليه وسلم ، وكيف يمكنك أن تدعي أن كلامه في اليقظة مشتمل على اللحن الذي هو مخالفة كلام العرب الخلص وهل هو عربي أخلص وأصرح وأفصح ممن هو في الذروة العالية من قريش واستعرض في بني سعد بن بكر روى الطبراني من حديث أبي سعد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم »أنا أعرب العرب، ولدت في قريش، ونشأت في بني سعد، فأين يأتيني اللحن؟». قال لشهاب في شرح الشفاء أي أني من قبيلتي هما أفصح العرب اهـ.
وهل الحجة للغويين والنحويين إلا كلام العرب السليقيين أَوَهلْ يصح أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم ليس بسليقي؟ لا والله ما بعد الحق إلا الضلال وانظر أيها الموفق السعيد إلى الشيخ أبي علي اليوسي رضي الله عنه كيف استدل بكلامه صلى الله عليه وسلم في المنام لا في اليقظة على وجود كلمة لم تثبت في لسان العرب قبل ذلك المنام وهي اسم آخره واو قبلها ضمة وذلك أن بعضهم مرض له ولد فرأى رسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: »اطعموه كسكسو» بهذا اللفظ، فاستدل الشيخ اليوسي رضي الله عنه على ثبوت الكلمة المذكورة بذلك المنام، فما أشرف عند الصديقين هذا المقام!
ذي المعاني فيلعلون من تعالى
|
|
هكذا هكذا وإلا فلالا |
فإذا تنبه العاقل السيد الموفق من سنة الغلفة وميز من سكره صحوه ومن فرضه فعله، فليتذوق طعم تلك العبارة الواقعة في السؤال، وهي قوله “فالتمسوا لهذه مخرجا إن كان” اهـ. فإنه استبعاد لوجود المخرج، ولقوله أيضا “نار هذه النقطة، وهار هذه الفرطة، وعار هذه الفلطة” فهذا الكلام والله أبشع وأفظع، وأبلغ في الشناعة من قول الرجل المخذول الذي صرح بالعناد وأعانه على سيء الاعتقاد، أنصار من الشياطين وأعوان وأجناد.
ولم يجز إطلاق لفظ مفهم
|
|
نقصا على الرسول مثل الأس
|
ولم يجز إطلاق لفظ مفهم من المخالفة والمغالبة والمبارزة لله تعالى بالمحاربة، لم يتجرأ على أن يجزم بأن معنى الأسقم سقيم كما وقع في السؤال وهو قول السائل، ومن الموصوف بالسقيم والأسقم، وهذا المعاند المخذول هو الذي رد عليه العلامة الشيخ ابن الصغير رضي الله عنه ، بسارية الفلاح، والجيش الكبير. وها أنا أذكر لكم نص التأليفين جميعا قال في السارية
وقول الناعق المصمم
|
|
ولم يجز إطلاق لفظ مفهم |
نقصا على النبي مثل الأسقم
|
|
تتبع نشأ عن توهم |
وصح عنهم أن كل موهم
|
|
صدر من أمثال هذا العلم
|
يقبل أن بينه من قاله
|
|
بظاهر نستحسن احتماله
|
والشيخ قد فسره بالمستقيم
|
|
فيجب الرجوع للمعنى السليم
|
فانظره في قواعد البرنوسي
|
|
بدر البدور بهجة النفوس |
وقال في الجيش “وأما قوله أقال عثرته ولم يجز إطلاق لفظ الخ، فأنما يقول في حق الولي من يبتغي زلات الأولياء والأصفياء. ومن المقرر أن كل ما صدر من أمثاله من المبهمات والموهمات، يسأل عنه صاحبه، فإن بينه بوجه يقبل قبل منه، وإن لم يوجد فما وجد له محمل حسن حمل عليه، وليس صوفي أولى من فقيه، لا فقيه أولى من صديق، بل صوفي أولى بالعذر لضيق عبارته غالبا عن الإحاطة بمراده” انظر قواعد الشيخ محيي الدين ابن عربي، وأقوى ما احتج به المنكرون عليه أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، ويرده قول الإمام النووي رضي الله عنه ، في “بستان العارفين” “أنه يجب تأويل أفعال الأولياء التي قد ينكر ظاهرها” قال المناوي “وإذا وجب تأويل أفعالهم، وجب تأويل أقوالهم إذ لافرق” اهـ. بنقل المنساوي، وقال ابن زكري وفي “الرسالة القدسية للشعراني” والعجب ممن يؤول كلام الحق سبحانه مع كماله، ولا يؤول كلام البشر مع عجزه ونقصه، اهـ.
ولو أنصف هذا الطاعن المتعسف، لرجع إلى ما فسره الشيخ رضي الله عنه ، وقبله من الخاص والعام، فإنه فسره في شرحه لجوهرة الكمال بقوله، الأسقم يعني المستقيم المعتدل في الإستقامة بلا إعوجاج” اهـ.
فإن قلت هذا المعنى الذي فسره به غير مناسب لحروف اللفظ، قلنا من المقرر عن أهل الصناعة النحوية إجراء المزيد فيه إجراء الأصلي والعكس، ومن المقرر عندهم أيضا، أنه إذا دار الاختلاف بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى، كان في اللفظ أولى، لأن المعنى أعظم حرمة، إذ اللفظ خادم للمعنى، بل إنما أوتي باللفظ من جهته. أنظر كتاب “الأشباه والنظائر” لجلال الدين السيوطي رضي الله عنه ، وأيضا غاية الأمر أن يقال ما هذا في العربية ولا جرى على اصطلاحهم، فللشيخ رضي الله عنه أن يقول لا يلزمنا الجري على ما عرفتم
قل للذي يدعي علما ومعرفة
|
|
علمت شيئا وغابت عنك أشياء
|
قلت نظيره ما نقل أبو سالم العياشي في الرحلة، “أن الشيخ محيي الدين الحاتمي رضي الله عنه يقول إن بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة، متعلقة بالحمد لله، وإن خالف النحاة في أن المصدر لا يعمل فيما قبله، فقد قيل إن الشيخ محيي الدين أعلم من كل فن بفنهم” اهـ.
وتمام قول الجيش لاسيما إن مشينا على جواز اللقب المبني على أن اللغة اصطلاحية، أي لكل أحد أن يجري فيها على اصطلاح نفسه، فلك أن تقول أسقم وأنت تريد أصح، فضلا عن غيره من المعاني، ولك أن تسمي الثوب فرسا وهو المبنى عليه لزوم الطلاق والعتاق باسقني ماء ونحوه إن نواه، وهو الأصح كما في المختصر لخليل هذا كله لو كان اللفظ من كلام الشيخ رضي الله عنه ، كيف وقد نسب رضي الله عنه جوهرة الكمال للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل في ذلك اللفظ خاصية كما قد يوجد في ألفاظ وردت عن السلف من غير افتيات عليهم، كما ذكر صاحب الكوكب الوقاد عنه شرحه للحزب السيفي القادري، فإنهم يقتصرون على كلمة ذلك دون آخر الآية، من قوله تعالى ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ﴾[2] وعللها بما قدمنا انتهى.
قلت وفي الأسماء الإدريسية ألفاظ مسموعة بضبط لا وجه له في لسان العرب، وذلك غالبا في كل اسم منها تكفل ببيان ذلك في الجواهر الخمس، وشارحه الشنوي. من ذلك قوله في الاسم 34 وهو “يا جليل المتكبر على كل شيء فالعدل أمره والصدق وعده”، قال في إعرابه “المسموع إن قريء يا جليل بضم اللام، والصدق بغير تعريف ووعده بالذال المعجمة، ينظر العامل أهل الأرض السابعة ويسخر له ما في طباقها اهـ.
وتمام كلام الجيش وأيضا إن حملنا لفظ الأسقم على المعنى الذي حمله عليه هذا المنكر، وهو أنه أفعل تفضيل من سقم ككرم، وفرح بمعنى مرض، فليس فيه نقص مستحيل عليه صلى الله عليه وسلم ، لانعقاد الإجماع على جواز ذلك عليهم السلام لمشاهدته بهم، وقد ورد في القرآن العظيم وصف الأنبياء بالسقم، كقوله تعالى في يونس عليه السلام ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾[3] وحينئذ يصير لفظ الأسقم الذي في الجوهرة نعتا لقوله صراطك، فيرجع إذن إلى قوله صلى الله عليه وسلم ، »أشدكم بلاء الأنبياء فالأمثل فالأمثل» ويكون فيه غاية المدح صلى الله عليه وسلم ، لأنه صراط الله التام المستقيم مع شدة ما يقاسيه من السقم والبلاء، ولم ينقص ذلك من استقامته شيئا أو يكون من التعبير باللازم عن الملزوم، لأن الحب من لازمه غالبا أذا أفرط السقم، ولذلك فإن الشيخ البوصيري رحمه الله ورضي عنه:
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت
|
|
به عليك عدول الدمع والسقم
|
فيصير معنى الأسقم إذن شديد المحبة البالغ منها ما لا يدرك، وإذا علمت أيها المومن المنصف ما قدمناه وتأملته ظهر لك أنه لا موجب لقول المنكر إلا مجرد العناد والجحود لهذا الشيخ العظيم، لما ثبت من فتحه وفيض أنواره رضي الله عنه ، ولو وفق هذا المعاند إلى الإنصاف لسكت أو حذر من اللفظ فقط، كما حذروا من مواضع من الأحياء والقوت أو حذر من الصلاة جملة، ولم يطعن فيها كما حذروا منه لكن جرَّه سوء الأدب مع هذا الشيخ الكريم إلى إساءة الأدب مع سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ، فذهب يفضح غيره فافتضح بعين ما طلب به إظهار فضيحة غيره، ألا تراه نهى عن كل ما يوهم نقصا فوقع في عين التنقيص فسمى جوهرة الكمال جوهرة الخبال، وجوهرة الوعيد، ومن حفر لأخيه حفرة وقع فيها، والله تعالى يقيل عثاره ويحسن عزاءه في مصيبة دينه التي أعماه عن الإحسان بها التعصب للباطل، ويعصمنا مما ابتلاه اهـ. كلام الجيش الكبير.
وبه كمل المقصود من هذه الرسالة المترجمة بالحلل الزنجفورية، في أجوبة الأسئلة الطيفورية، والله سبحانه المسؤول بفضله أن يجعله من الأعمال الموجبة لرضوانه، ورحمته وقبوله وغفرانه، وأن يخلصه لكريم حضرته كما جعله لنصرة أوليائه ونصرته.
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة
|
|
على غير ليلى إنه لمضيع
|
و صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما والحمد لله رب العالمين
اللهم اغفر لكاتبه ولا تؤاخذه بذنوبه ووالديه ولجميع المومنين آمـيـن.
[1] ـ الحج 52ـ53
[2] ـ الأنعام: 122
[3] ـ الصفات:145
لفظة الأسقم
الأسقم