*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ من مكارم الشريعة وإضاءات السيرة النبوية:”حفظ الأسرار” ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله أمر بحفظ الأسـرار وكتمانها، و عدها أمانة عظيمة يجب الوفاء بها، فحثـنا عليها، وحذَّرنـا من فشو الأسـرار والتفريط فيها، فقال و هو أصدق القائلين:- ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ) الإسراء : 34، وقال :- ( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) المؤمنون: 8
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل:” إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة “: أي التفت يمينا وشمالا ، لأن ذلك يظهر أنه قصد أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه .(رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله).
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذم إفشاء السر ونهى عنه في كتابه فقال سبحانه: “وَإِذا جاءَهُمُ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً” [النساء: 83]. (أَذاعُوا بِهِ: يعني أعلنوه وأفشوه للناس)
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، القائل ناصحا لأمته:” إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه” رواه مسلم
فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،
عباد الله إن حديثنا في خطبة اليوم سنخصصه لجانب هام من جوانب السيرة النبوية، و مكرمة عظيمة من مكارم الشريعة الإسلامية، ألا و هو موضوع أمانة الأسرار و وجوب كتمانها و تحريم إفشائها، فقد أخبر الحق تعالى أن من مكارم الأخلاق ومن شيم أصحاب الذوق السليم و الحس المرهف عدم إفشاء ما يجري بين الزوجين .. إذ لا يفعله إلا أصحاب القلوب المريضة والعقول الفارغة .. فالعلاقة الزوجة علاقة يؤتمن فيها الزوجان على أسرار بعضهما، ولا ينبغي أن يفشي أحدهما سر صاحبه..
قال تعالى :- ( فَاْلصَّلِحَتُ قَنِتَتٌ حَفِظَتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ) النساء : 34 .. أي حافظات لما يجري بينهن وبين أزواجهن مما يجب كتمه وسِترُه. و قد أشار سبحانه وتعالى إلى غضبه لنبيّه، صلوات الله عليه، مما أتت به بعض أزواجه من إفشاء السرّ إلى صاحبتها، ومن تظاهرهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك الإنباء ذنب تجب التوبة منه: 1ـ جاء في سورة التحريم : ( وإذ أسر النبيء إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا؟ قال نبأنيَ العليم الخبير،إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما،وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) والمتظاهرتان عليه في الآية هما: أما المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما أسر صلى الله عليه و سلم إلى إحداهما أنه حرم على نفسه العسل، وقيل : إنه حرم على نفسه جاريته مارية، و قال لا تخبري بذلك أحدا، فأفشت سره إلى الأخرى. فأنزل الله تعالى الآيتين، وجعل إفشاءهما لسر رسوله جرما ينبغي المسارعة إلى التوبة منه . وهكذا أدبهما الله تعالى بهذا الأدب الجم فأحسن تأديبهما.
2ـ و هذه السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها و صلى الله و سلم على أبيها تضرب المثال الحسن و القدوة الصالحة في كتمان السر و عدم البوح به: فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: اجتمع نساء رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يغادر منهم امرأة في وجعه الذي مات فيه، وما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً ودلاًّ برسول الله «صلى الله عليه وآله»، في قيامها وقعودها من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك.
فلما مرض جاءت تمشي ما تخطئ مشيتُها مشية َ رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: مرحباً يا بنتي. فأجلسها عن يمينه، أو عن شماله، فأكبت عليه تقبله، فسارها بشيء، فبكت، ثم سارها فضحكت.
فقلت: ما رأيت اليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عن ذلك، قلت لها: ما خصك رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالسرار وتبكين.فلما أن قامت قلت لها: أخبريني بما سارك؟قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله «صلى الله عليه وآله».فلما أن توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.قالت: أما الآن فنعم، سارني فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، وإنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش بعده نصف عمر الذي كان قبله، ولا أرى ذلك إلا اقترب أجلي.وفي لفظ: فقالت: إنه أخبرني أنه يقبض في وجعه، فاتقي الله واصبري، إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المؤمنين أعظم رزنة منك، (من الرزانة أي وقارا و حلما) فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبراً، فنعم السلف أنا لك، فبكيتُ.ثم سارني فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة.وفي لفظ: «أخبرني أني أولَ أهله لحوقاً به، فضحكتُ ضحكي الذي رأيت») سبل الهدى والرشاد ج12 ص251 عن الخمسة، والطبراني، وابن حبان، والحاكم.)
3ـ و هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعرب عن ذوقه الرفيع و حسه المرهف و عن أمانتــه في حفظ سر رسول الله صلى الله عليه و سلم: فعن عبـد الله بـن عمــر
“عن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة (أي مات زوجها ) قال عمر : فأتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة . فقال : سأنظر في أمري فلبثت ليالي ، ثم لقيني، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا . قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق . فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلى شيئا . وكنت أوْجَدَ عليه مني على عثمان . فلبثت ليالي ، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكحتها إياه . فلقيني أبو بكر ، فقال : لعلك وجدتَ عليَّ حين عرضتَ عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا ؟ قال عمر : قلت نعم . قال أبو بكر : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولو تركها قبلتها ” .وفي رواية أحمد : وكان سرا فكرهت أن أفشي السر .
ـ قال ابن حجر : يستفاد منه عذر أبي بكر في كونه لم يقل كما قال عثمان : قد بدا لي أن لا أتزوج، نعم أيها الإخوة هذا أبو بكر الذي تميز عن باقي الأصحاب بفضيلة لم تكن لغيره و هي ذوق الأسرار و الحفاظ عليها أن تبتذل أو تبذل لغير أهلها . من أجل ذلك قال صلى الله عليه و سلم عنه مخاطبا أصحابه:” ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدر”
و رحم الله من قال: صدور الأحرار قبور الأسرار
4ـ و هذا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي لا يعلمه غيره، و لم يفشه لأحد ، فقد أسر إليه أسماء المنافقين، و كان الصحابة لا يعلمون عن المنافقين غير العلامات الظاهرة من قوله عليه الصلاة و السلام “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، و إذا و عد أخلف و إذا اؤتمن خان” و أما حذيفة فيعرفهم بأسمائهم بالتعيين، و لذلك كان عمر بن الخطاب إذا وضعت جنازة لا يصلي عليها حتى ينظر ما يفعل حذيفة فإن صلى عليها حذيفة صلى و إلا لم يصل عليها.
5ـ و هذا الإمام علي رضي الله عنه كان ذا علوم غزيرة و أسرار كبيرة لكن لا يظهرها لغير أهلها خشية الفتنة، وقد أومأ إلى ذلك عندما قال: وأشار إلى صدره إن ههنا علوما جمة لو وجدت لها حَمَلة .
6ـ و هذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول:” حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ : فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثـْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثـْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ روى البخاري (120) ”
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الفتح” (1/216) : حَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثـَّهُ عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِينُ أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء ، وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلَا يُصَرِّح بِهِ ، خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ ، كَقَوْلِهِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان ؛ يُشِير إِلَى خِلَافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة . وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاء أَبِي هُرَيْرَة فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ .
قَالَ اِبْن الْمُنِير : وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ : ” قُطِعَ ” أَيْ : قَطَعَ أَهْل الْجَوْر رَأْسه
إِذَا سَمِعُوا عَيْبه لِفِعْلِهِمْ وَتَضْلِيله لِسَعْيِهِمْ ، وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيث الْمَكْتُوبَة لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا وَسِعَهُ كِتْمَانهَا . وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَعَ الصِّنْف الْمَذْكُور مَا يَتَعَلَّق بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّر الْأَحْوَال وَالْمَلَاحِم فِي آخِر الزَّمَان فَيُنْكِر ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفهُ ، وَيَعْتَرِض عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ ” انتهى ملخصا .
وقال العيني في العمدة :” أراد به نوعين من العلم ، وأراد بالأول : الذي حفظه من السنن المذاعة ، لو كتبت لاحتمل أن يملأ منها وعاء ، وبالثاني : ما كتمه من أخبار الفتن كذلك .
7ـ و هذا سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” أسر إليَّ النبيُّ صلى الله عليه و سلم سرا فما أخبرت به أحدا بعده ، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به ” (رواه البخاري) وأم سليم هي أم أنس . وفي رواية أنها سألت أنسا عن حاجة النبي صلى الله عليه و سلم التي أرسل أنسا فيها فقال : إنها سر ، فقالت له : لا تخبر بسر رسول الله أحدا. وفي رواية أن أنسا قال لثابت البناني”والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت ”
8ـ و كان الخليفة عمر الفاروق يختص المتميزين من الصحابة بالعلم والإيمان والرأي فيختارهم ليكونوا أهل شوراه ، وأدخل فيهم عبد الله بن عباس ، على صغر سنه ، فجعله من المقربين إليه . فقال له أبوه العباس: “إني أرى هذا الرجل قد اختصك بمجلسه ، فاحفظ عني ثلاثا : لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يُجَرِّبن عليك كذبا ” فقال رجل للشعبي : كل واحدة منهن خير من ألف فقال : بل كل واحدة منهم خير من عشرة آلاف .
فاتقوا الله عباد الله و اعلموا أن الأولى بالعاقل أن يكون سره وعلانيته سواء . فلا يفعل في غيبته عن الناس ما يسوؤه أن يطلع عليه الناس ، لأنه وإن غاب عنهم فإن الله عليه شهيد ، ولا يضمر في قلبه لأحد من المسلمين ضغينة تحمله على أن يسيء القول، وأن يعلم أن سره ما دام بين حنايا صدره فهو أمير نفسه ، فإن اطلع غيره على سره خرج الخيار من يده وأصبح الخيار لغيره .
وإن لم يكن له بد من أن يحمل أحدا سره ، فلا يبثه إلى كل أحد ، فإنه كما قيل “لسان العاقل في قلبه ، وقلب الأحمق في فمه ” .
و رحم الله من قال من حفظ سره ملك أمره و من أفشى سره دخل الهمّ ُ صدره.
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين
و الحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
عباد الله، اعلموا أنه بين حفظ السر و ستر العورة علاقة متينة يجب توضيحها ، فعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء ” اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ” وعنه أنه قال ” من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ” (رواه الشيخان) . وقال للمنافقين ” يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه : لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإن من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته ” .
والعورة ما يستقبح ظهوره للناس ، حسيا كان كالعورة المغلظة والتشوهات الخلقية، أو معنويا كسيء الأفعال والأقوال والأخلاق . ثم إن كانوا يجهلونه منك فهو سر وعورة . وإن كانوا يعلمونه فهو عورة وليس بسر . وقد لا يكون السر عورة وإن كان صاحبه يكره إظهاره كصدقة السر وصلاة السر .
و أما فضل كتمان السر :فإن كان السر مما يقبح ظهوره للناس فهو عورة كما تقدم ، وفي حفظه فضل ستر العورة على المسلم ، وقد تقدم الحديث ” من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة” وهو حق من حقوق كل مسلم على أخيه .وفي السنة في قصة ماعز الذي اعترف بالزنى ، فأقام النبي صلى الله عليه و سلم الحد عليه بالرجم، فجاء هزال فقال : أنا أمرته أن يأتــي فيعـترف . فقال النبي صلى الله عليه و سلم: “يا هزال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك” .وروى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال” لو وجدت شاربا لأحببت أن يستره الله، ولو وجدت سارقا لأحببت أن يستره الله:
ـ وإن لم يكن السر عورة فإن المحافظة عليه من كمال المروءة ، وكمال الأمانة ، وقوة الإرادة .وحفظ الأسرار على أهل الإيمان من كمال الإيمان ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” وفضل حفظ الأسرار التي في كشفها قبح ومساءة يكون فيه أحيانا معنى إقالة العثرة ، والمعونة على استقامة من وقعت منه الزلة، قال صلى الله عليه و سلم ” أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود”وفي حديث آخر”من رأى عورة فسترها فكأنما أحيا موءودة”
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار، فإن أجسامكم لا تقوى على النار واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النارـ أي صاحبها ـ وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
عباد الله:يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)فاستعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.
اللهم انك تسمع كلامنا ، و تري مكاننا ،و تعلم سرنا و علانيتنا، لا يخفي عليك شئ من أمرنا نحن البؤساء الفقراء إليك ، المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المعترفون بذنوبنا .نسألك مسألة المسكين و نبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل و ندعوك دعاء الخائف الضرير .اللهم يا من خضعت له رقابنا و فاضت له عبراتنا ، و ذلت له أجسامنا ، و رغمت له أنوفنا لا تجعلنا بدعائك أشقياء ، و كن بنا رؤوفآ يا خير المسؤلين.
(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
(ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس “
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء