ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطبة الجمعة في موضوع:
[ من هو الذي يجوز له أن يتكلم باسم الدين؟ ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله رب العالمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين “* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين.
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عبادالله: كلكم يلاحظ اليوم أن الكل أصبح يتكلم وينطق باسم الدين فهل الخطاب الديني يتاح لجميع أتباع الدين- أيّ دين- أن يتكلّموا باسم الدين الذي ينتمون إليه وعظاً وإفتاءً، تأليفاً وتحقيقاً؟ فيكون من حقِّ المسلم أن يتحدّث باسم الإسلام، ومن حقّ المسيحي أن يتحدّث باسم المسيحية وهكذا؟ أم يا ترى هو حِكْرٌ على طائفة وجماعة محدّدة وهم علماء الدين؟ ثم ما هي الضوابط أو الشروط التي يلزم توفّرها في القائمين على الخطاب الديني ليكون منسجماً وسليماً وهادفاً؟
أيها المسلمون :لا يخفاكم أنَّ الخطاب الديني أصبحت تتجاذبه في الواقع أطراف متعدّدة ومدارس متنوّعة في ثقافتها وأسلوبها ومنطلقاتها وأهدافها وإنّ كثيراً من الأفكار المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة إلى غربلة والكثير منها يتصف بالكذب ويروِّج للشائعات،بحيث أصبح ضروريا اتخاذ سُبُل لمواجهة الموجات الفكرية الإلحادية أو التكفيريّة أو الغوغائية التي تجتاح عالمنا العربي والإسلامي وأصبحت تفرض وتحتّم تواجد مجموعة من الضوابط والمواصفات في الناطقين باسم الدين إفتاءً أو وعظاً،تعليماً وتدريساً وأولى هذه الضوابط أن يكون المتحدِّث باسم الدين مزوّداً ومسلَّحاً من العلم والمعرفة بما يؤهّله للحديث عن الدين، كيف لا وقد قال الله سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: 36].وقال تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ}[آل عمران: 66]، ولا شك أن: “مَنْ أفتى بغير علم ولا هدىً لعنته لائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر مَنْ عمل بفتياه“. وإذا أخذنا بعين الاعتبار سِعة وعمق المعارف الدينية، لاسيّما الإسلامية، باعتبار أنّ الإسلام هو عقيدةٌ وشريعةٌ ومنهج حياة متكامل، يكون من البديهي لزوم توفير وإعداد جماعة معيّنة تتخصّص في مختلف المعارف وتكون مرجعاً للأُمة في هذا الشأن، وذلك في ظل عدم تمكّن جميع الناس من التخصّص والاجتهاد في القضايا الدينية، بل عدم منطقية ذلك، لأنّ من اللازم أن تُوزِّع الأُمة جهودها وطاقاتها في شتى الميادين والتخصصات التي يحتاج له الاجتماع الإنساني في عملية نهوضه وتطوّره وتكامله،وهذا ما أشارت له الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]،وقال سبحانه: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104]. ومن الطبيعي بعد هذا أن يؤخذ الدين في عقيدته وشريعته ومفاهيمه من أهل الاختصاص، عملاً بالقاعدة العقلانية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم، والتي أرشد إليها القرآن بقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].إلاّ أنّ واقع الأُمّة للأسف مغاير لذلك تماماً، حيث نشهد فوضوية شاملة في هذا المجال، فالكل يتكلم باسم الدين، سواءً مَن كان أهلاً لذلك أو مَن ليس أهلاً له، وهكذا يكثر المفتون والناطقون باسم الإسلام وأخطر ما نواجهه في هذا المجال تصدّي جماعة من المراهقين في العلوم الإسلامية لاسيّما من ذوي النزعات المتطرفة للإفتاء في صغار الأمور وكبارها، فتراهم يُحلّلون ويُحرّمون ويكفرون ويضلّلون ويهدرون دماء الأعداء والأصدقاء، المجرمين والأبرياء متجاوزين بذلك أكابر الفقهاء وذوي الحلّ والعقد، وبذلك أدخلوا الأُمة في نفق مظلم لا يعلم منتهاه إلا الله.
ولاشك تعلمون أيها الإخوة أنّ كلّ العلوم والتخصّصات قد تُخترق وينتحلها المتطفّلون، ففي مجال الطبّ- مثلاً- نجد أطباء ومتطبّبين ودعاة طبّ وهكذا في سائر العلوم، و في مجال التعليم نجد مدارس خصوصية تتجاوز مجالها التعليمي التربوي فتفرض على المتمدرسين عندها ان يشتروا اللوازم المدرسية من المدرسة الخصوصية التي بها يدرسون و هذه مسألة تجارية لا تدخل في اختصاص وخدمات المدرسة وهكذا، في كثير من المجالات لا تحترم التخصصات، لاسيّما في ظلِّ غياب رقابة صارمة وضوابط قانونية تَحُول دون استفحال المشكلة، لكن في المعارف الدينية،المتطفّلون كثر، و”انتحال الصفة” يصل إلى درجة الظاهرة، مستغلين غياب أجهزة الرقابة والمحاسبة في الالتزام بالضوابط المحدّدة والدقيقة في عملية الانتساب إلى “المسلك الديني”،وهو ما سهّل الطريق وفتح الباب أمام الكثير من المخادعين والكسالى الذين يعتاشون باسم الدين والغيب،وكانت نتيجة ذلك كلّه ما نراه من كثرة الدكاكين المفتوحة باسم الدين و”العلم الروحاني” وقراءة الأكفّ والفناجين و الرقية الشرعية الخ .. وتصل الفوضى في هذا المجال إلى مستوى أن يصبح الحقل الديني شرعة لكلّ وارد، ومرتعاً لكلّ شارد، فلا يتورّع حتى البقّال أو الخضار او الجزار أو راعي الماعز والأبقار- مع احترامنا لأشخاصهم- من أن يُدلي كلّ بدلوه في مختلف القضايا الدينية، مع أنّه قد لا يملك ألف باء الإسلام.
ولهذا، أصبح لزاماً على كلّ الحريصين على الإسلام السعي لوضع حدٍّ لهذا الفلتان وهذه الفوضى، والعمل على تثقيف الأُمّة على احترام التخصّصات لأنّ الأُمّة التي لا تحترم التخصّصات العلمية هي أُمّة لا تحترم نفسها، ولن توفّق في عملية النهوض، وكيف تنهض أُمّة يغدو كلّ فرد من أفرادها فقيهاً وطبيباً ومهندساً وفلكياً ..في آنٍ واحد، على الرّغم من اتجاه العالم إلى التخصّص حتى في فروع محدّدة من كلِّ علم من العلوم المذكورة، لصعوبة الإلمام بجوانب كلّ هذا العلم!
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون،…
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المومنون :علينا أن “ننظر إلى التراث الإسلامي باستثناء الكتاب والسنّة باعتباره عملاً تراكمياً مقدَّراً لكنّه ليس مقدساً”،و لكن هناك العديد من التنظيمات التنظيمات المتطرفة التي تدعي أن وجودها من باب خلاف التنوع، وأنّ غياب تطبيق الشريعة يستدعي وجودها الآن، فهل هذا صحيح ؟ الملاحظ أن تلك التنظيمات تختزل الشريعة الإسلامية في الحدود أو مجال معين آخر دون غيره من المجالات في كافة شؤون الحياة التي قد اتسعت لها الشريعة الإسلامية و جاءت ضابطة لها ولسلوك البشر .فالإسلام أول من أرسى القواعد والأحكام والمبادئ التي تنظِّم العلاقات بين الفرد والمجتمع وكان من أهمها مبادئ العدالة الاجتماعية التي اقترن ميلادها بميلاد شريعة سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، بما تحمله من معانٍ وقيم سامية للجميع، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، حتى ينعم المجتمع كلّه بالعدل والسلام والمحبة والإخاء.فلا يمكن أن نعدّ اختلافات تلك التنظيمات كالاختلافات الفقهيةلأن هذه التنظيمات بعيدة كلّ البعد عن الاختلافات الفقهية؛ لأنها في حقيقة الأمر تبتغي تحقيق أهداف سياسية لا أكثر،وتتخذ من تلك الادعاءات وسيلة لتحقيق غايتها بينما الاختلاف الفقهي للعلماء منطقته واسعة،ولو أُخِذ بالمعايير المنضبطة فسيكون فيه رحمة للأمة، أما لو أُخذ بمنهج إقصائي، فسوف يوقعنا في المشاكل العويصة، ولعلنا نعاني من ذلك حالياً، كما يجب إخضاع الاجتهاد والنظر والتقليد في الفقه والإفتاء والقضاء للقواعد، والضوابط الفقهية الدقيقة والمنضبطة عبر الأجيال والعصور، بما يعصم الأمة من التخبط والفوضى، ويسهم في المحافظة على الهوية والاستقرار.
هذا واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها الخ….(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية
بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد
البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com