الزاوية التجانية بحي بريمة مراكش
تصحيح ومقابلة: مولاي البشير أعمون
إعلام
جهال بحقيقة الحقائق بأسنة كلام أنصوص سيد الخلائق
ممزوجا بالمولد النبوي، في مدح أصل النبي المولوي
************
لمؤلفه العالم العلامة فريد عصره، وأعجوبة دهره
سيدي الحاج الأحسن بن محمد بن أبي جماعة
السوسي البعقيلي البيضاوي وقته
غفر الله ذنبه ووفقه لما يحبه ويرضاه
طبع على نفقة وفي مطبعة مؤلفه في 10 ربيع النبوي سنة 1357هـ
المطبعة العربية برحبة الزرع القديمة رقم 36بالباب الكبير بالدار البيضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه وسلم
سلك الله كل فرد من أفراد هذه الأمة مناهج حقائق وطرائق شافع في كل أمة والصلاة والسلام الأتمان عليه وعلى كل من سبق في علم ربنا أنه مؤمن سعيد ونحمد الله الذي لا إله إلا هو، ونعترف بأن لا كريم إلا هو. وبعد فقد أخرج الشيخ الأكبر ومصنف كشف الكشاف في شرح البردة وغيرهما من العلماء الكمال عن عبد الرزاق بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء: قال يا جابر (إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنس فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله [محمد] رسول الله إلى آخر الحديث. وفي رواية عنه [أول شيء خلقه الله تعالى نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة ثم قسمه أربعة أقسام فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش و خزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس والقمر من جزء والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ثم نظر الله تعالى إليه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة: فالعرش والكرسي من نوري والكروبيون والروحانيون من نورى وملائكة السماوات السبع من نوري والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والقمر والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الرسل والأنبياء من نوري والشهداء والصالحون من نتائج نوري ثم خلق اثني عشر ألف حجاب فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض فكان يضيء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق آدم من الأرض وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شئت فكان ينتقل من طاهر إلى طيب ومن طيب إلى طاهر إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم أمه (آمنة) ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النببيئين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين هكذا كان بدؤ خلق نبيك يا جابر) [قلت] فثبت بذلك أن جميع المكونات تكونت بإفاضة فيض الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو القائم المستفيض من الفيض الأول الأقدس. وفي الشفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (لما خلق الله آدم اهبطني في صلبه إلى الأرض وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في النار في صلب إبراهيم ثم لم يزل ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط ) [قلت] وإلى مثله أشار العباس عمه بقصيدته في مدحه وهي معلومة أولها:
من قبلها طبت في الظلال وفي | مستودع حيث يخصف الورق |
وعلى هذا الحديث بني جميع ما روي حتى يصير بالشواهد كالمتواتر المفيد للقطع فإن العلماء قابلوه بالقبول فصار عليه إجماعهم في كل قطر يشيدون به أفضليته صلى الله عليه وسلم وأصليته بانضمام أحاديث لا تحصى فكلها دالة دلالة قطعية على ثبوت هذا الحديث فإذا ثبت حديث واحد قام مقام الكتب الإلهية كلها فإنه لا ينطق عن الهوى (أول ما خلق الله العقل) حديث مشهور (أول ما خلق الله جوهرة) الخبر عن ابن وهب (أول ما خلق الله نوري) الحديث الحسن أو ما خلق الله روحي) الحديث المشهور فهذه الأحاديث الأربعة مشهورة على ألسنة الأمة المختارة فكيفية التطبيق بين الأحاديث أنه خلق روحه ثم منه الأرواح لقوله صلى الله عليه وسلم (أنا أبو الأرواح وآدم أبو البشر) ثم خلق نوره ثم من نوره الأنوار: قال صلى الله عليه وسلم (أنا من نور الله والمومنون من فيض نوري) ثم خلق عقله ثم خلق من عقله العقول الكلية الملكية القدسية العرشية ثم خلق جوهرة عنصره قبل العناصر ثم خلق منه الجواهر الكلية العرشية والسماوية والأرضية فالمطلوب بهذه الأصول الحقيقة المحمدية والحضرة الأحمدية باعتبار النسب والتعيين والمراتب إذ هو فاتحة الوجود مرتبة وإيجادا في الجواهر السفلية والعلوية الملكية والآدمية الكلية الجامعة لجميع الحقائق الإلهية الأسمائية الكلية فهو مقدم الوجود وفاتحه وخاتمه فجوهر وجوده هو الجوهر الفرد الكلي الجامع المحمدي في جميع الأعيان والجواهر: قاله ابن وهب عن الأخبار القدسية (أول ما خلقه الله القلم) [قلت] وهو القلم الأعلى باعتبار أخذه الفيض الإلهي من حضرة الغيب وفيضان الأشياء منه كفيضان الخط من المداد بواسطة القلم فسمي قلما باعتبار إفاضته وإشارته إلى لوح العالم (ويسمى العقل الكلي) أيضا باعتبار تميز ذاته ومعرفة نفسه وربه (ويسمى الروح الأعظم) باعتبار أنه منشأ المخلوقات ((قل الروح من أمر ربي)) أي من عالم الأمر الذي خلق بلا سببية شيء من مادة وعالم الخلق ما أوجده الله من مادة كذا كالحيوانات من الماء((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) فالروح الإنساني هو أول شيء تعلقت به القدرة جوهرة نورانية ولطيفة ربانية من عالم الأمر وهو الملكوت الذي خلق من لا شيء (فالروح الأعظم هو أول المخلوقات) وهو روح سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله روحي) ولا يمكن تعدده لأن الشيئين المتغايرين لا يكون كل واحد منهما أولا في التكوين والإيجاد على الإطلاق إذ الأمر لا يخلو إما أحدثا مضافين أو أوجدا متعاقبين فإن أوجدا متصاحبين معا فلا يختص أحدهما بالأولية فلا يكون واحد منهما على الانفراد و إن أحدثا متعاقبين يكن المبتدأ أولا والآخر بعده فيحمل كلام الشرع ((إن هو إلا وحي يوحى)) أن المخلوق الأول إنما هو لمسمى واحد في جميع ما تعددت فيه الأوليات وإنما له لعظم شأنه أسماء متعددة بالاعتبارات من حيث الصفات وقد كثرت الأسماء و المسمى المعظم) واحد وهو الأصل وما سواه تبع له فلا ريب في أن أصل المفعول من حيث هو مخلوق إنما هو واحد وهو نبينا صلى الله عليه وسلم. فقد قال الله تعالى في الخبر القدسي (لولاك لما خلقت الأفلاك) فهو أولى أن يكون أصلا وما سواه تبع له فإنه كان بالروح بذر شجرة الموجودات فلزم أن يكون أول شيء تعلقت به القدرة وأن يكون المسمى بالأسماء المختلفة فإن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى المعظم وجوده وهو سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم فباعتبار أنه ذرة صدف الموجودات سمي درة وجوهره. أول ما خلق الله جوهرة. وفي رواية (درة فنظر إليها فذابت) الحديث و باعتبار نورانيته سمي نورا و باعتبار وفور عقله سمي عقلا و باعتبار غلبة الصفات الملكية سمي ملكا وباعتبار صدور الأشياء بواسطته سمي قلما قال في الحديث الصحيح (الله معطي وأنا قاسم. الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم) صلوات الله وسلامه على حبيبه وخليله وعلى جميع أنبيائه ذكره نجم الدين الكبري في تأويلات سورة الإسراء. فلما أم سيدنا (محمد) صلى الله عليه و سلم الأنبياء إذ عرج بجسمه وروحه الشريفين إلى حضرة الإستواء. قال (كلهم أثنوا على ربهم وأنا أثنى علي ربي تقدس وتعالى الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وأنزل علي الفرقان فيه تبيان لكل شيء وجعل أمتي خير أمة وجعل أمتي وسطا وجعل أمتي هم الأولون والآخرون وشرح لي صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما) فقال إبراهيم عليه السلام يا معشر الأنبياء بهذا فضلكم (محمد) صلى الله عليه وسلم وقال جعفر الصادق :أكمل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السماوات والأرض حين قدمه على الملائكة في ليلة المعراج فأم أهل السماء فيهم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين)كما في الشفاء (أعطيت خمسا وروي ستا لم يعطهن نبي قبلي. نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت الأرض لي مسجدا وطهرا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وبعثت إلى الناس كافة وأعطيت الشفاعة) قال صلى الله عليه وسلم: (جعل رزقي تحت ظل رمحي والجهاد حرفتي) كما في الشفاء (أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب. وأعطاني النصر والعزة والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا وطيب لي ولأمتي الغنائم وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج ) كما في الشفاء وفيه أيضا ( ان الله قد حبس عن مكة الفيل و سلط عليها رسوله و المومنين و أنها لم تحل لأحد بعدي وإنما حلت لي ساعة من نهار) وفيه أيضا (أنا سيد ولد آدم وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبيء يومئذ آدم فمن دونه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض أنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتح فيدخل معي فقراء المومنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر وأنا أكثر الناس تبعا أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون صفا من أمتي و الباقي من جميع الأمم) وفيه نقلا عن التوراة (أول النبيئين خلقا وآخرهم بعثا النبي (محمد )صلى الله عليه وسلم). ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه قال (وبينا أنا نائم إذ جيئ بمفاتح الأرض فوضعت بين يدي: وقال أنا (محمد) النبي الأمي لا نبي بعدي أوتيت جوامع الكلم وخواتمه وعلمت خزنة النار وحملة العرش وقال: قال لي ربي سل يا (محمد) فقلت ما أسئل يا ربي واتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما واصطفيت نوحا وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فقال لي تعالى ما أعطيتك خير من ذلك أعطيتك الكوثر وجعلت اسمك مع اسمي ينادى به في جوف السماء وجعلت الأرض طهورا لك ولأمتك وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فأنت تمشي في الناس مغفورا لك ولم أصنع ذلك لأحد قبلك وجعلت قلوب أمتك مصاحفها وخبأت لك شفاعتك ولم أخبأها لنبي غيرك فله قال الخلق كلهم محتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم وقال إني عبد الله وخاتم النبيئين وإن آدم لمنجدل في طينته وأنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى وبشارة آية التوراة (محمد) حبيب الرحمان وأرسلتك للناس كافة وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي وجعلتك أول النبيئين خلقا وآخرهم بعثا وأعطيتك سبعا من المثاني ولم أعطها نبيا قبلك وجعلتك فاتحا وخاتما). فأول ما أوجده الله من عالم الخلق بتعلق القدرة به جوهرة قدسية نورانية وهي المسماة عندهم بالعنصر الأعظم وحقيقة الحقائق عند المقربين العارفين المحققين وتسمى بالهيولى الكلية الجامعة المسماة بالقوة القابلية الكلية عند الحكماء وسماها بعضعهم بالجوهر الفرد الذي لا يتجزأ (وهو المخلوق الأول) من وجه وهو قائم بنفسه غير متحيز على الأصح عند المشايخ أهل الشرع فللوجود الأول أسام كثيرة. كالقلم والعقل والجوهر الفرد واللوح والروح الكلي والحق المخلوق والعقل وله أوصاف كثيرة لا يحصيها إلا الله لكن أشد ظهورا (الموجود الأول) في الحقيقة المحمدية والحضرة الأحمدية كأنه هي لكمال اتصافها به [قلت] فالحقيقة الأحمدية واقفة عابدة غايتها في محراب القدس وهي الأم للحقيقة المحمدية فالمحمدية محيطة بكل مخلوق من حيث هو وهي سيدة الحقائق ذرة ذرة وأمها وحاجبها والحامية لنظام الأشياء المقدورية وهي (المفعول الأول) وأول تعين تعين ظهوره في عالم الغيب كنواة مثلا أخرج الله منها النخيل وكذات آدم أخرج الله من كل أفراد صورته من غير شذوذ مع استغنائه تعال عما سواه وإنما أوجد الله ما سواه ليعرفوه تعالى بوصي كرمه الإحسان إلى أحبابه والانتقام في أعدائه ولا بد للكامل منها وليعبدوه ولتتذل رتبهم لرتبته تعالى وليتمتعوا بنعمه ولم يخلق شيئا ليكون دليلا عليه فإن للدليل صولة وسلطة على المدلول فهو كامل من كل وجه واعتبار متصف بأسمائه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم قبل ظهور المفعول الأول إلى العيان وقبل نفوذ القدرة في ذرة واحدة فلا يفعل الله شيئا لعلة كذا لما يؤدي إليه من الافتقار إليه وإنما يعتبر العاقل بعد نفوذ القدرة في الفعل والعاقل والمعقول (فوائد وحكم وأسرار) مفعول الله من حيث هو فيقول بلسانه الله حكيم فكل ما خلقه حكمة وصلاح وأصلح من حيث الحكمة وحكمة ما تعقلناه فيه كذا وفائدته كذا وسره كذا لما خلقه الله من الاستعداد في كل ذرة فحقيقة الحقائق هي المرتبة الأحدية الجامعة جميع الحقائق وتسمى (حضرة الجمع وحضرة الوجود) وهي الحقيقة المحمدية التي هي الذات مع التعين الأول وهو الاسم الأعظم أم الكتاب هو العقل الأول وهو الحقيقة المحمدية فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل الجامع لجوامع العوالم الإلهية والكونية الكلية فمن حيث روحه و عقله كتاب عقلي مسمى بأم الكتاب و من حيث قلبه كتاب اللوح المحفوظ ومن حيث نفسه كتاب المحو والإثبات فهو الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة التي لا يمسها ولا يدرك أسرارها إل المطهرون من الحجب الظلمانية فنسبة العقل الأول إلى العالم الكبير وحقائقه بعينها نسبة الروح إلى البدن وقواه وإن النفس الكلية قلب العالم الكبير كما أن النفس الناطقة قلب الإنسان ولذلك يسمى العالم بالإنسان الكبير. أجمع المسلمون على أنه لا يمكن وجود حادث لا أول له فإن لكل حادث أولا به هو حادث كما ثبت في علم العقائد فوجب انتهاء الناس إلى الإنسان الأول سيرة وصورة وهو آدم عليه السلام من حيث الصورة ومن حيث السيرة والروح فإنما هو سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم قال: صلى الله عليه وسلم: (أنا أبو الأرواح وآدم أبو الأشباح) فالأنبياء مجمعون على حدوث ما سوى الله ولم يطلع أحد ممن قبل النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته المكتوم على أوله فالله فقط هو الباقي الخلاق على الدوام وما سواه حادث فتجلي الله سبحانه بكمال ذاته في الحقيقة المحمدية التي هي مرآة ومجلاة لله تعالى هو الإسم الأعظم الذي هو باطن الباطن الذي اختص به صلى الله عليه وسلم وهو الوارد الأول ثم لما تمكن وصار له مقاما سمي مقامه الخاص به ولم يرثه إلا (القطب المكتوم) الذي له تجلي الذات على سبيل النيابة لا على سبيل الاستحقاق والاختصاص وتجليه بكمال صفاته التي هي عين التجلي بالمرتبة الأحدية التي هي عين الذات مع تعقل الرتبة في روح سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم هو المسمى بالاسم الأعظم الخاص بروحه صلى الله عليه وسلم وهو مقامه وهو باطن الاسم الأعظم الظاهر فهو أيضا مختص به ولم يشم له أحد رائحة إلا في حق المكتوم فإن للأنبياء والأقطاب والصديقين تجلي الصفة لكن لا يفيد كمالها وتجليه سبحانه بكمال أسمائه في ذاته العربية وهو الوارد الثابت المسمى مقامه والاسم الأعظم الظاهر والنور وتسبح الملائكة بتسبيحه وفيه تأييد أنه أرسل إلى الملائكة وغيرهم وهو صريح في أن نبوته ظهرت في الوجود العيني قبل نبوة آدم وغيره وأن الملائكة لم تعرف نبيا قبله وأنه صلى الله عليه وسلم هو النبي المطلق وسائر الأنبياء خلفاؤه حتى يظهر والشرائع كلها شريعته ظهرت على لسان كل نبي بقدر استعداد أهل زمانه فهو أول الأنبياء وآخرهم ولا يمكن أن تنسخ شريعته البتة ولا يكتب على نسخة لاسالته حواشي زائدة وهو سابق روحا وجسدا لوجود مادة جسده قبل كل مادة.روى ابن الجوزي (لما أراد الله أن يخلق (محمد) صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة البيضاء فهبط في ملائكة الفردوس وقبض قبضة من موضع قبره بيضاء نيرة فعجنت بماء التنسيم في معين الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي والسماوات والأرض حتى عرفتها الملائكة قبل أن تعرف آدم يعني عنصره وروحه وبعث إلى كل فرد من أفراد ما خلقه ربنا تقدم أوتأخر) ورجحه السبكي والسيوطي (بعثت إلى الناس كافة عام لهم من لدن آدم إلى النفخ في الصور) ورجحه البارزي وزاد (أنه أرسل إلى الحيوانات والجمادات وأدل دليل عليه شهادة الضب والحجر والشجر بالرسالة وأرسل إلى نفسه ) وإن جزم الحليمي والبيهقي وابن حمزة الكرماني بأنه لم يرسل إلا إلى الجن والإنس [قلت] الجامع أنه رسول باعتبار جوهرة الحقيقة وأمر بإتباع أخلاقهم في بساط الطريقة ((فبهداهم اقتده)) لا بهم (( إن اتبع ملة إبراهيم حنيفا)) ما عليه من الأخلاق ثم إن الله لم يكمل الأخلاق الإلهية كلها في فرد من قبله أيا كان ولا في الهيئة الاجتماعية من جميع العوالم إلا فيه صلى الله عليه وسلم (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وورثها كلها صاحب المقام المحمدي (العلماء ورثة الأنبياء) (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)) وهو عام لكل من عليه علامة الحدوث وهي التغير لدلالته على مغيره تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) فكذلك (( وهم بأمره يعملون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم)) يعني من الملائكة وأحرى من دونهم وهو إنذار على لسان الرسول الله صلى الله عليهم ((وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ كل شيء هالك إلا وجهه)) قال الملائكة هلك أهل السماوات وأهل الأرض.عن جابر بن سمرة ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصف).عن أبي بن كعب قال صلى الله عليه وسلم: (الصف الأول على مثل الملائكة). ومن طريق الليث بلغنا (أن إسرافيل مؤذن أهل السماء يسمع تأذينه من في السماوات السبع ومن في الأرضين إلا الجن والإنس ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة يصلي بهم ويؤم ميكائل الملائكة في البيت المعمور ) وهو أدل دليل على أن الملائكة يؤذنون آذاننا ويصلون صلاتنا عن أبي هريرة تجمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ((وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)) وروى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ((قلت)) يا رسول الله مم خلقت فأطرق وعليه عرق كالجمان ثم قال يا علي لما عرج بي إلى السماء وكنت من ربي عز وجل كقاب قوسين أو أدنى وأوحى إلي ما أوحى ((قلت)) يا ربي مم خلقتني فقال يا محمد و عزتي وجلالي لولاك ما خلقت جنتي ولا ناري ((فقلت)) يا ربي مم خلقتني فقال يا محمد لما نظرت إلى صفاء بياض نور خلقته بقدرتي وأبدعته بحكمتي وأضفته تشريفا له إلى عظمتي استخرجت منه جزءا فقسمته ثلاثة أقسام فخلقتك أنت وأهل بيتك من القسم الأول وخلقت أزواجك وأصحابك من القسم الثاني و خلقت من أحبكم من القسم الثالث فإذا كان يوم القيامة عاد كل نسب وحسب إلى حسبه ونسبه ورددت ذلك النور إلى نوري فأدخلتك أنت وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك ومن أحبكم جنتي برحمتي فأخبرهم بذلك يا محمد عني. روى ابن الجوزي في الوفا وابن أبي جمرة في بهجة النفوس وابن سبع في كتابه شفاء الصدور فلما خلق الله آدم عليه السلام وضع على ظهره قبضة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع آدم في ظهره نشيشا كنشيش الطير فقال آدم يا رب ما هذا النشيش فقال هذا تسبيح نور محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذي أخرجه من ظهرك فخذه بعهدي وميثاقي ولا تودعه إلا في الأرحام الطاهرة فقال آدم أي رب قد أخذته بعهدك ألا أودعه إلا في المطهرين من الرجال والمحصنات من النساء فكان نور محمد صلى الله عليه وسلم يتلألؤ في ظهر آدم عليه السلام وكانت الملائكة تقف خلفه صفوفا ينظرون إلى نور محمد صلى الله عليه وسلم ويقولون سبحان الله استحسانا لما يرون فلما رءا آدم ذلك قال يا ربي هؤلاء ينظرون خلفي صفوفا فقال الجليل سبحانه يا آدم ينظرون إلى نور خاتم الأنبياء الذي أخرجه من ظهرك فقال يا رب أرنيه فأراه الله إياه فأمن به وصلى عليه مشيرا بأصبعه ومن ذلك الإشارة بالأصبع بلا إله إلا الله محمد رسول الله في الصلاة فقال يا آدم اجعل هذا النور في مقدمي كي تستقبلني الملائكة ولا تستدبرني فجعل ذلك النور في جبهته فكان يرى في غرة آدم كدارة الشمس في دوران فلكها وكالبدر في تمامه وكانت الملائكة تقف أمامه صفوفا تنظر إلى ذلك النور ويقولون سبحان ربنا استحسانا لما يرون ثم إن آدم عليه السلام قال يا رب اجعل هذا النور في موضع أراه فجعل الله ذلك النور في سبابته فكان آدم ينظر إلى ذلك النور ثم إن آدم قال أي ربي هل بقي من هذا النور في ظهري شيء فقال نعم بقي نور أصحابه فقال أي رب اجعله في بقية أصابعي فجعل نور أبي بكر في الوسطى ونور عمر في البنصر ونور عثمان في الخنصر ونور علي في الإبهام فكانت تلك الأنوار تتلألؤ في أصابع آدم ما كان في الجنة فلما كان خليفة في الارض انتقلت الأنوار من أصابعه إلى ظهره. وفي الدر النظيم في مولد النبي الكريم لما خلق الله تعالى آدم ألهمه أن قال يا رب لم كنيتني أبا محمد قال له ربه ارفع رأسك فرفعه فرءا نور محمد في سرادق العرش فقال يا ربي ما هذا النور قال هو نور نبي من ذريتك اسمه في السماء أحمد وفي الأرض محمد لولاه ما خلقتك ولا خلقت سماء ولا أرضا. وروى الحاكم وصححه عن عمر رفعه (إن آدم عليه السلام رءا اسم محمد مكتوبا على العرش وأن الله تعالى قال لآدم لولا محمد ما خلقتك.) وأنهى ابن العربي أسماءه إلى ألف اسم وأشهرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم أحمد ثم محمود فكانت نبوته بالفعل سابقة على كتابتها في الذكر وعلى خلق الماء والعرش من الماء فأول ما برز من نوره ومن نور روحه ومن روح جسده الماء فتكونت الأشياء كلها من الماء عرشا وقلما ولوحا فإن تقريب الله له قبل التقسيم النوري واخذ الميثاق حين التقسيم أي الحكم به قبله أنشأه الله حين أخذ الميثاق فالأولية حقيقة إنما هي لنوره وأما أولية الماء فمن نتائج نوره كروحه. قال لأبي هريرة كل شيء خلق من الماء يعني بعد نوره هو فالماء نسخته صلى الله عليه وسلم وكون العماء هو أول مخلوق صحيح فإنه اسم للحقيقة المحمدية. اخرج الطيالسي وأحمد و الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء فأين سؤال عن المكان فالمكان غير الكائن فيه مغايرة غير اعتبارية بل حقيقية وقد صح كان الله ولم يكن معه غيره فكل ما سوى الله فهو مخلوق حادث ومن لوازمه أن يكون الحق غير متحيز ومع ذلك لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله بأين بل أقره وأجاب بما أجاب فدل أنه وإن لم يكن متحيزا صح أن ينسب إليه كينونته في مكان على وجه يليق به فليس أين في لسان العرب مختصا بالسؤال عن المكان بل للسؤال عن الموجود فيعم ما ليس بجسم ولا جوهرولا معنى بل هو ذات مخالف للحقائق كلها المعقولة فالله معلوم بتعريفه. فالمعقول هو المرتبة الألوهية فالعماء هو النور المحمدي فمنه يرى الحق بأنوار التعريفية فليس هواء ثمه فإن الهواء حادث فلم يكن حينه حادث إلا النور المصطفوي فهو مظهر التجلي وإنما سال عن مظهر التجلي فكفت المغايرة الاعتبارية يعني في أي مظهركان يتجلى قبل أن يخلق خلقه فالعماء هو المظهر الجامع للحقائق الإلاهية والكونية وهو إما بالتعين الثاني المسمى بالواحدية وقاب قوسين وإما بالتعين الأول المسمى بالأحدية وبمقام أو أدنى فالأحدية جامعة للحقائق كلها إجمالا والواحدية تفصيلا فالمراد بالعماء والماء نوره الأولي صلى الله عليه وسلم فإنه مشتمل على الاعتبارات الخلقية المختلفة كالشجرة لتشاجر الأنوار على حسب مظاهرها في غيرها (( أنزل من السماء ماء)) يعني قرآنا فاحتملته قلوب المومنين فهو صلى الله عليه وسلم ماء نوري متضمن نور عنصريه صلى الله عليه وسلم. وفي المواهب اللدنية أنه لما تعلقت إرادة الحق بإيجاد خلقه وتقدير رزقه أبرز الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحدية ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على صورة حكمه كما سبق في سابق علمه وإرادته ثم أعلمه بنبوته وبشره برسالته هذا وآدم لم يكن إلا كما قال بين الروح والجسد ثم انبجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فظهر بالملأ الأعلى الأجلى وكان لهم المورد الأحلى فهو الجنس العالي على سائر الأجناس والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس ولما انتهى الزمن بالاسم الباطن انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بكليته جسما وروحا وهو صلى الله عليه وسلم وإن تأخرت طينته فقد عرفت قيمته فهو خزانة السر وموضع نفوذ الأمر فلا ينفذ أمر إلا منه ولا ينقل خير إلا عنه قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل كتب مقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة يعني مما نعده لو كان الفلك فإن أول مخلوق نوره صلى الله عليه وسلم ومنه خلق الماء فخلق من الماء الجواهر والأعراض عرش وكرسي والسماء والأرض وكل ذرة أوجدها ربنا فللعرش قوائم تحمله الملائكة وليس عليه بفلك فلا تكون له قوائم وهو في اللغة سرير الملك وإنما نزل القرآن بلغة العرب فهو سرير له قوائم تحمله الملائكة كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات فالكرسي غير العرش يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على جرم الحلقة. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور. عن ابن عباس فقد شرف الله نبيه بمنقبتين ومرتبتين بين سائر الخلائق أجمعين فلا مطمع لأحد فيها وبما ساد الحقائق كلها الحدوثية فالرتبة الأولى مركبة من ثلاثة أمور كونه أصل العالم كله في الحضرة العلمية الأزلية والوجود الإدراكي وهذا المقام الذي هو تجلى الله فيه بكمال ذاته وبكمال صفاته وبكمال أسمائه هو الحقيقة المحمدية والتعين الأول وحقيقة الحقائق والنور الأحمدي والخلق المخلوق به والإنسان الكامل. وكونه أصل العالم في حضرة الأعيان والوجود الخارجي عند إنفاذ القدرة الإلهية ما اقتضاه العلم والإرادة الإلهيان ببدء الخلق والإيجاد الذي هو عالم الأرواح والأجسام ولوازمهما. وكونه نبيا بالفعل عند بدء الخلق المذكور أفيضت عليها كمالات النبوة علما إلاهيا مقربا قربا خاصا به. روى ابن القطان أن الله تعالى خلق نوره قبل أن يخلق آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام وفي رواية ويسبح ذلك النور فإذا علمت ما سقناه بطل ما ادعاه من لا دراية له بكونه صلى الله عليه وسلم أصلا لكل مفعول خلقه الله فقد صيرت حديث جابر بالشواهد والأدلة في مقام المتواتر وقد أثبته في المواهب وأقره الزرقاني وأثبته كل من يقتدي به وبنيت عليه المواليد النبوية وعليه بنى كل عارف من الأئمة كالبصيري والشفاء وغيره من غير جميع العلماء الأجلاء فنوره في الشاهد كآدم جعل أصلا أصيلا لذوات بنيه حكمة إلهية وحكما حكم به ربنا وكالنواة جعلها أصلا للنخيل فالنخيل كامن فيها وكالإضاءة في الشمس جعلت أصلا للأنوار وكالأم جعلت أصلا للولد وكالماء جعل أصلا لكل حي مع استغناء الله عما سواه الله الصمد فالرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق خلقت منه الحقائق كلها فلا يريد الله أن يظهر وجودا إلا منه كما أنه لم يرد أن يظهر صورة آدمية إلا من آدم حكمة إلهية فلا استغراب فيه وقد علمت بالأصول الدامغة أنه أصل أصيل لكل ما خلقه الله فمن يمينه خلق السعداء ومن يساره خلق الأشقياء ومفاتيح الخير في يد يمناه ومفاتيح الشر في يد يسراه والخزائن تحت قدمه وأسماء المؤمنين في يده اليمنى فلا مزيد وأسماء الكافرين في يد يسراه ولا مزيد وهو الخليفة المطلق في الدنيا والآخرة والأنبياء نواب عن نبوته قبله حتى يظهر كقياد الرحى عليهم الكبير فكبيرهم كبير حتى يأتي الكبير على سائر الأجناد ثم تنفني رتبته في رتبة الكبير عليه مع بقائه كبيرا تحت حجبه لكن ليس له الحل والعقد إلا على يديه فكذلك الأنبياء فهم أنبياء في غير يومهم لكن لا يتصرفون إلا بإشارة من له اليوم وهو النبي صلى الله عليه وسلم فالعلماء نواب عنه في التبليغ كأنبياء بني إسرائيل في مجرد التبليغ عنه لا في الرتبة فلكل رتبة صاحبها لا تقبل غيره أبدا فالحقائق لا تتكرر أبدا. ثم اسمع أفضليته على غيره أنا محمد بن عبد الله القرشي أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب أنا ابن العواتك من سليم أنا النبي الأمي الصادق الزكي الويل كل الويل لمن كذبني أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا القاسم أنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري أن أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحضرون معي ثم أنتظرأهل مكة حتى أحشر بين الحرمين أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع أنا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر أنا قائد المرسلين ولا فخر وأنا خاتم النبيئين ولا فخر وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبش أنا أعربكم أنا من قريش ولساني لسان بني سعد بن بكر أنا رسول من أدركت حيا ومن يولد بعدي أنا أول من يدق باب الجنة أنا فئة المسلمين أنا فرطكم على الحوض أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة أنا محمد وأحمد أنا رسول الرحمة أنا رسول الملحمة أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم أبعث بالزراع أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى بن مريم أنا دار الحكمة وعلي بابها أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أٍراد العلم فليأت الباب أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي والأنبياء أولاد العلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم أنا الشاهد على الله ألا يعثر عاقل إلا رفعه ثم لا يعثر إلا رفعه حتى يصير مصيره إلى الجنة وآباء نبينا قطب من سيدنا عبد الله من قطب إلى آدم وأمهاته من سيدتنا آمنة بنت وهب صديقة من صديقة إلى سيدتنا حواء كأمهاته رضاعا وآبائه رضاعا .
ولما حملت سيدة النساء من سيد الرجال (آمنة بنت وهب) مع القطب الجامع (عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم) بسيد الخلائق أجمعين أصبحت الأصنام منكوسة وبقي تسعة أشهر وتمخضت به أوله في سابع ربيع الأول وزاد منه بعضه الكريم قبل فجر يوم الاثنين من الثاني عشر منه فجمع بين الليلة واليوم حرس الله السماوات بالملائكة ترمي بشهب من أراد استراق سمع أخبار السماوات من الملائكة من كل شيطان فأظهر الله المعجزات في ليلة ولادته وسخر الله لآمنة جميع العوالم حتى خدمتها الملائكة و الإنس والجن فوقع لها الفتح الأكبر بطلعة أكرم خلق الله فرأت قصور قيصر بمكة وأحدقت النساء من الحور وغيرها فرأت ملك الله متدانيا لها تقطف منه بولدها الكريم فأمد لها ديباج أخضر فرأت من المعجزات ما ألف فيه العلماء تآليف فرأت ثلاثة أعلام علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذها الطلق فولدت سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم . (1)
السلام عليك يا أيها الرسول العظيم
اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح الخ
السلام عليك يا سيدنا ومولانا محمد
السلام من الله ومن كل خلق الله عليك يا بن سيدنا عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم.
السلام على فضله الله على سائر الخلائق.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا بن أكرم النساء (آمنة) بنت وهب.
(1) (تنبيه: قيامنا عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم تعظيما وإجلالا أصله (قوموا لسيدكم) وهو سيد الخلائق فإلى مثله أشار فامتثلنا)
السلام عليك من الله أيها البشير النذير.
السلام عليك يا من هو السراج المنير.
السلام عليك أيها الصادق الأمين.
السلام عليك أيها المبعوث رحمة للعالمين.
السلام عليك أيها الفاتح الخاتم لما أغلق.
السلام عليك يا أبا القاسم.
السلام منا عليك أيها الكريم الماجد.
السلام عليك أيها الخليفة الأكرم.
السلام عليك يا من هو المجلى الأعظم
السلام عليك من ألسنة كل الخلائق.
السلام عليك بأي أنواع الطرائق.
السلام عليك منك ومن أرواح الحقائق.
السلام عليك من جنابك الأعظم.
السلام عليك من الله الأكرم.
السلام عليك ممن أوجد منك أنفاس الخلائق.
السلام عليك يا حبيب الله وخليله.
السلام عليك بكل سلام خلقه الله.
اللهم طهرنا ومجالسنا بذكره الطيب.
وتفضل علينا بسلوك نهجه القويم.
وصل لنا يا ربنا عليه وسلم وعلى آله.
صلاة وسلاما دائمين بدوام ملك الله العظيم.
صلاة تفتح لنا بها أبواب الرضى والتيسير وتغلق عنا بها أبواب الشر والتعسير اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.صلاة عظيمة القدر والمقدار صلاة وسلاما يؤديان عنا حقوقه آمين.
فاعلم أن صفة الله ليست عين الذات باعتبار وليست غيره بالذات فاتخد الذات والصفة ذاتا واختلفا اعتبارا وذلك بملاحظة التجلي في المظهر الجامع الأزلي الواحدي وهي عين الذات في الخارج وغيرها في المفهوم بملاحظة الإطلاق الذاتي الأحدي فاتخذ المقامان عند قصد أهل القولين وتحقيق الفرق بين المقامين فالخلف عليه لفظي فالشيء الثابت إما في الخارج أو في ذهن المخلوق أو في القراءة أو في الكتابة أو في علم الله تعالى فعلم الله بالأشياء حضوري لا حصولي وهو قائم به تعالى فالممكنات كلها في الأزل مشهودة ثابتة غير مفقودة وإن لم تكن موجودة في الخارج فهي مرئية لله في حال عدمها ومسموعة فالعاقل الذي فتح له في المقدور يعلم أن الله على كل شيء قدير وهذا شيء فالشيء المقدور العدم الإضافي فهو الذي له ثبوت في العلم دون العدم المحض فإنه ليس له ثبوت أعيان وهو المستحيل الذاتي كإيجاد مثله أو خلق ما نفاه عن نفسه أو سلب ما أثبته لنفسه فالعدم الإضافي هو وصف لما تضمنه العلم القديم وليس وصفا للعلم فكل ما لم يتضمنه علمه ليس بشيء وإنما تتعلق القدرة بشيء موجود في علمه الحضوري فما كانت حقيقته لا شيء لا يكون شيئا فما هو شيء لا يكون لا شيء فالحقيقة لغة من حق يحق بالضم والكسر حقا وحقوقا صار حقا وثبت ووجب ((حق عليهم القول)) ثبت فيكون فعلا لازما ومتعديا فإن كانت الحقيقة من اللازم فهي بمعنى فاعلة الثابت والواجب ومن المتعدي فهي بمعنى مفعولة المثبت والموجب فالتاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية لا يبلغ المؤمن حقيقة الأمر حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه يعني خالصه ومحضه وحقيقة الرجل ما يلزمه الدفاع عنه فلان يسوق الوسيقة وينسل الوديقة ويحمي الحقيقة لها سبع معان. ما يصير إليه حق الأمروخالص الشيء.وما يحق عليه أن يحميه. والرؤية والحرمة والفناء. بالكسر والكلمة التي وضعت أولا وهي للبيانيين وهي عند المتكلمين والحكماء معنى كل يكون كل شيء هو هو كليا أو جزئيا إما حقيقة كلية كحد الإنسان أو حقيقة جزئية كزيد فكل كلي جزء لجزئه وكل جزئي كل لكليه فتسمى ماهية مشتقة من ما هو ومائية من ما منسوبا وهوية. فالتعين الأول أول مرتبة للذات تعالى وأول مراتب العلم فهو ظهور الذات لنفسه باندراج اعتبارات الواحدية فيها فإنه علم ذاته فقط والمرتبة الثانية ظهور الذات فيها لنفسها بشؤونها من حيث مظاهر تلك الشؤون المسماة صفات وحقائق فيها فكان متعلقا بمعلومات متميزة متغايرة والكل عين واحدة في الوحدة الحقيقية التي هي عين التعين الأول الذي هو أول مراتب العلم فمنها إنتشأت الأحدية والواحدية فالأحدية سقوط الاعتبارات كلها عنها بالكلية والواحدية ثبوت الاعتبارات لها مع اندراجها في أول رتبة الذات فالوحدة الحقيقية هي البرزخ الجامع بينهما وأصل كل قابليته وفاعليته فلذلك سميت حقيقة الحقائق والحقيقة المحمدية فإنها أصل لكل حقيقة إلهية وكونية فلا إجمال في علم الله تعالى مفهومات ثابت في علم الله أزلا وأبدا باعتبار كونه عين الذات الأقدس فالأسماء والصفات نسب إلهية ترجع إلى عين واحدة فالعلم باعتبار الذات مجمل وباعتبار الواحدية مفصل فالعلم في المرتبة الأولى يعتبر عين الذات فإنه ظهور الذات لنفسه مع اعتبار اندراج اعتبارات الوحدة فيها مع تحققها فإنه علم ذاته فقط والعلم في الثانية يعتبر مغايرا للذات مغايرة اعتبارية وهو ظهور الذات لنفسها بشئونها من حيث المظاهر المسماة صفات وحقائق فإنها شؤون المظاهر فهي الذي ظهر لنفسه بنفسه ذا حياة وذا علم إلى آخر الصفات بالنظر إلى مرتبة إجمال العلم التي هي المرتبة الأولى فالوحدة في المرتبة حقيقية والكثرة نسبية والكثرة في الثانية حقيقية و الوحدة نسبية مجموعة فالحقائق الإلهية من الأسماء والصفات والحقائق الكونية من متعلقاتها في مرتبة إجمال العلم تسمى شئونا واعتبارات مجتمعة منظورا إليها بعين الوحدة الحقيقية والكثرة النسبية ومندرجة في الذات الأقدس الأحد وتسمى في مرتبة تفصيل العلم حقائق متميزة متغايرة وأعيانا ثابتات منظورا إليها بعين الكثرة الحقيقية والوحدة النسبية وهو علم المفصل في المجمل كمشاهدة العاقل النخيل في النواة و في الثانية علم المجمل في المفصل كمشاهدة نواة في النخلة بجميع ما يترتب عليها من نخيل وثمار إلى نهاية فكل معلوم ثابت في العلم الذي هو عين الذات وصفاته وأسماؤه التي من جملتها العلم وكل متعلقات ذلك بالفتح التي هي الحقائق الكونية الأبدية التي لا تتناهى وإن كانت حقائق متميزة متعددة متكثرة إلى عالم ذي علم ومعلوم في مرتبة علم المجمل في المفصل فهي الوحدة الحقيقية فالواحدية اعتبار الذات من حيث انتشاء الأسماء عنها من حيث اتحادها فيها وإليها يتوجه الطلب وتستند المعرفة لثبوت الاعتبارات الغير المتناهيات لها مع اندراجها فيها في أول رتبة الذات فالشيء الثالث هو كل متحقق في علم الله قديما وحادثا فعمت الحق والخلق فالوحدة عبارة عن الهيئة الوحدانية الشاملة لجميع ما ثبت وتحقق في العلم القديم فهما عبارتان مختلفتان في اللفظ متحدتان في المصادق فهما شيء واحد وهو المطلوب فعلم غير الله لله متوقف على الإحاطة بكنه الذات تعالى وهو محال عقلا وشرعا وكشفا ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)) وإنما يعرفه المقربون بوجه من تجلياته المقدسة التي يتنزل فيها لخلقه فشأن ربنا الإطلاق فيجمع بين جميع التجليات في حالة واحدة ففي حال ظهوره لنفسه بنفسه يظهر بشؤونه ومظاهرها التي هي صفات وحقائق إلهية وكونية من غير تقدم ولا تأخر فلا إجمال في علم الله وإنما يعتبره المعتبر في الوحدة فالتعين الثاني هو الألوهية والنفس الرحماني وعالم المعاني وحضرة الارتسام وحضرة الأزلي وحضرة العمائية والحقيقة الإنسانية الكمالية وحضرة الإمكان بحسب اعتبارات ثابتة فيه مع توحد عينه فالتعين الأول هو الشيء الثالث .كان الله ولا شيء غيره فأحدية الجمع هي الشيء الثالث فالوحدة الحقيقة هي حقيقة الحقائق والحقيقة الكلية فتفسر باعتبار باطن الوحدة الكلية لكونه أصلا جامعا لكل اعتبار وتعين وباطنا لكل حقيقة إلهية وكونية وأصلا إنتشئ منه جميع ذلك وتفسر مرة أخرى باعتبار الذات الموصوف بالوحدة من حيث وحدته وجمعه للأسماء والحقائق وتفسر أخرى بالرتبة الإنسانية الكاملة الإلهية الجامعة لسائر الرتب التي هي حضرة أحدية الجمع التي تتم بها الدائرة فالاختلاف اعتباري فقط لرجوعها إلى معنى واحد وهو أول مرتبة تعينت في غيب ذات الله الذي هو الوحدة الحقيقية بما اشتملت عليه من الشؤون والاعتبارات الغير المتناهية فإنها البرزخ الأول الأكبر الأقدم الأصل الجامع لجميع البرازخ حقيقة الحقائق فالمضاف الأول هو العلم باعتبار التعين الأول والمضاف إليه العلم باعتبار التعين الثاني ومعنى التعين الأول الحقيقية التي هي عين جميع الحقائق والتعين الثاني الحقيقة المستغرقة أفراد الحقائق فالذي صدق عليه التعين الأول شيء واحد والثاني أشياء كثيرة فهي الهيولي الخامسة والهيولات فإنها أصل لكل صورة حسية ومعنوية فيقال تارة هيولي الهيولات وتارة هيولي الكل وتارة الهيولي الخامسة فمن حيث و أصل كل حقيقة هيولي الهيولات ومن حيث كونها بطنا في كل باطن وبطون هيولي الكل والهيولي الكبرى الجامعة لكل شيء وباعتبار الجسم الذي هو آخر مراتب الظهور صورة في النفس والنفس صورة في العقل والعقل صورة في العلم والعلم صورة ظهرت في باطن الوحدة سميت الهيولي الخامسة فنعني بالصورة الصفة لكون علم الله إدراكا محضا مجردا من الصورة فإنه حضوري فعلمه ومعلومه واحد فلا يعلل بالعلم فالحقيقة المحمدية والحق المخلوق به هي عين حقيقة الحقائق وهو الشيء الثالث وهو الوسيلة والمقام المحمود الذي اندرجت فيه الأعيان الثابتة المعبر عنه بالواحدية فإنه تعالى تجلى لذاته بذاته فأراد أن يتجلى لغيره ليرى كمالاته في غيره كالمرآة أوجد الحقيقة المحمدية التي هي جميع أهل النوع الإنساني في الحضرة العلمية كالشجرة أوقفها بحضرة نور ذاته حاجبة ما يخلقه منه فعملت ظلا مرتسما في الهباء فوقف الظل مع نوره تعال بالشجرة لكونه ظلا لها فلو لم تكن لم يظهر ظلها فلو زالت لزال ظلها فخلقت الشجرة لذات الله وخلق الظل بسبب الشجرة الزيتونة الثابتة التي لا تشرق بنفسها بل بربها ولا تغرب تستتر فلو غربت لتبعها ظلها فبطلت متعلقات كمالات وهو محال وإن قبلت الزوال. فأعيان العالم في العلم والعين وكمالاتها إنما حصلت بوساطة الحقيقة المحمدية التي هي الشجرة فلو زالت لزالت فهي المرتبة الثانية للموجد تعالى فصار صلى الله عليه وسلم نقطة كل موجود مخلوق من التخطيط الذي هو عالم الأرواح والتجسيم الذي هو عالم الأجساد فظهر بنقطة أحدية الذات الفردانية إلى المحيط لإجراء أمر الخلافة بالتربية والسياسة وهو العماء والماء والنور المحمدي فأظهر الله منه كما سبق في علمه أنه يوجده وهو شيء موجود في الخارج واحد جامع لجميع المخلوقات الموصوفة بالوحدة الجسمانية فانقسم النور إلى أشياء في الخارج وهو الظل المتكاثر ظاهرا باعتبار الجسمية وإنما ظهرت الأسماء والصفات في الشجرة فسرت منها إلى الظل فهي مستغرقة لأنواع الحمد باعتبار الله فيها حيث ظهرت فيها كمالاته تعالى وباعتبار الظل حيث حصل وجوده بها فهي محمدية باعتبارين فهي عين النور المحمدي الاولي الذي تجلى فيه الرب فظهرت قوة تجليه في الظل الذي هو كل صورة حسية او معنوية فهي البرزخية الوسطية ( أول ما خلقه الله نورى ) فهو أب الأرواح ونور الأنوار فهو التجلي الأول الذي هو أصل التجلي الثاني في غيره الذي هو ملك الله قاطبة. وقد علمت أن حديث جابر والشعبي أفاد أنه نبأه الله واستنبأه حين أخذ منه الميثاق ودل حديث جابر بزيادته التي عند صاحب المنتقى وغيره على أن أخذ الميثاق منه كان حين خلقه وأقامته مقام القرب فينتج أنه استنبئ حين خلقه فكانت نبوته سابقة على كتابتها في الذكر وعلى خلق العرش والماء وخلق اللوح والقلم فصرح حديث جابر بأن نوره أصل لكل مخلوق علوا وسفلا وفي الدر المنثور في (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )) قال أبو هريرة قلت يا رسول الله اذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء ( قال كل شيء خلق من الماء) ( قلت ) يعني بالماء نقطة عرقية من حقيقة نوره ( لما قال لها اقبلي فأقبلت و ادبري فأدبرت فخجلت فسقطت عرقة من هيبة ربها فاضطربت فصارت بحرا فاجتمع فيه زبد فصار الأرضين وخلق السماوات من بخار الماء كالعلويات كلها فهو عليه جزء واحد من الحقيقة المحمدية وخلق العرش من نور جبينه) صلى الله عليه وسلم فقوله من الماء يبين رواية على الماء بأن في بمعنى من. وروى البيهقي في الاسماء وابن مردوية عن أبي رزين : قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ( قال كان في عماء ما تحته هواء و لا فوقه هواء وخلق عرشه على الماء) ( قلت ) معناه في أي مظهر يظهر ربنا. قال في الحقيقة المحمدية فنفى عنها الجهات والهواء فلا وجود لها فهو سؤال عارف وجواب عارف فالعماء هو حقيقة الحقائق فلا يتعين لغة أن يكون الاين سؤالا عن المكان وانما سأل عن مظهر التجلي هل هو من قبيل للتعين الأول أم من الثاني فالثاني الواحدية وحضرة قاب قوسين فالتعين الأول حضرة الاحدية وهي مقام أو أدنى فالماء نور فلا غرابة فيه فان القرآن سمي نورا ثم قال (( أنزل من السماء ماء )). قال في الدر المنثور أنزل من السماء قرآنا فاحتملته عقول الرجال فهو صلى الله عليه وسلم ماء نوراني كالقرآن متضمن للماء العنصرى وغيره من الكائنة التي سيتفضل بالله العظيم فالموجود الخارجي باعتبار أوليته شيء واحد وهو النور المحمدي وبالنظر لأبديته أشياء متعددة هو العالم بأسره وانما هو أجزاء لنوره فهو أصل العالم في حضرة الأعيان والايجاد الخارجي وكونه نبيا مفاضا عليه كمالات النبوة من المعارف والعلوم الالهية عند بدئ خلق نوره المحمدي بالفعل والقوة لا بالقوة فقط فلما وجه رسالته الى حقائق المفعولات خص الله الأنبياء بالذكر ليذكروا نفوسهم وأممهم برسالته فانه نقطة الوجود ونقطة النبوة وكل كمال بقوله (( واذا اخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه )) فأفاد أنه أخذ العهد من غير الأنبياء من باب أولى وأخرى فآذن بالطريق البرهاني الذي هو أقوى وأبلغ بغير الأنبياء فاكتفى بالأنبياء عن أممهم لأنهم المطالبون بالأحكام فيهم واذا أخذ الله الميثاق الذي أخده الأنبياء على أممهم واذا أخذ ميثاق أمم النبيئين على حذف مضاف واذا أخذ الله ميثاقا غليظا كميثاق النبيئين (( وأخدتم على ذلكم اصري )) عهدي فالاصر ما يعقد به في المحسوس والعهد ما يوثق به في المعنى (( قالوا أقررنا قال فاشهدوا )) فليشهد بعضكم على بعض في الاقرار (( وأنا معكم من الشاهدين )) على اقراركم فهدد في حق من تولى بعده. أخرج ابن جرير عن علي كرم الله وجهه ( لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده الا أخذ عليه العهد في ( محمد ) لئن بعث وهو حي ليومنن به وليتبعنه ) وأمره ان يأخذ العهد من قومه ( كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد بعثت الى الناس كافة ) يعني اولهم وآخرهم . وكل أي اتي الرسل الكرام بها * فانما اتصلت من نوره بهم ونقله السيوطي في الخصائص وسلمه القسطلاني في المواهب وتلقتها المحققون بالتحسين والقبول فلا عبرة بتعقبات الخفاجى هنا فقد ابطلها الزرقاني. روى ابو يعلى عن جابر ( لو كان موسى بين اظهركم لما حل له الا ان يتبعني ) فالحق مع السبكى فما قاله الخفاجى لا معنى له فالذي أخرج من ظهر آدم ذوات بنيه لا الأرواح فذاته نبية ومرسلة اليهم في عالم الذر فآدم حين اخراج الله له من طينة آدم كان مواتا وأخذ العهد من ( محمد ) صلى الله عليه وسلم والميثاق ونبأه ربه وآدم موات لا روح له ( ومحمد ) حي نبي قائم بعبادة ربه وبتبليغ الرسالة الى الحقائق الموجودات حينه فهو أول النبيئين خلقا وآخرهم بعثا وهو موجود نبي بالفعل والقوة معا فبالفعل بلغ لمن كان تمه وبالقوة لمن سيوجد بعد استكماله ثلاثا وأربعين سنة من ولادته فلما استتمها واستكمل شروط الرسالة ارسله ربه الى كل حقيقة مخلوقة من بعثتة الى مالا نهاية لازمنة الآبد فهو رسول أهل الآخرة قاطبة بالفعل والقوة فقد رزقه الله الفتح الأكبر وهو العلم المتعلق بربه قبل وجوده والفتح الأصغر وهو العلم المتعلق بالمكونات بنفسه وغيره فلما زاد من بطن أمه حجبه الله عن الفتح الأصغر حتى لم يبق له علم بمراد الله فيه ولا في غيره ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ) كالعالم ضرب في دماغه فزالت حقائق العلم في خزانته تأسيسا لتبليغ الرسالة وأما الفتح الأكبر فلا مزيد على ما هو عليه في مدة الآبد فلما أنذر عشيرته ومات من علم الله كفره في بدر وغيرها رد الله له الفتح الأصغر في ليلة اسرائه وهو الذي يشير له وضع اليد على ثدييه فعلم علم الأولين والآخرين فيما يتعلق بالكون فقط فرجع بالعلم الذي أزاله الله في دماغه بعد ولادته فرجع الى الحالة الأولى
باعتبار العلمين فهو نبي بالفعل الى الأنبياء قبله ومنه يستمدون قبل وجوده نائبين عنه فقط فاذا ظهر تولى بنفسه ما طوقه الله به الى مالا نهاية لحقائق الآبد وخص ( محمد ) صلى الله عليه وسلم باستخراج الله اياه من آدم قبل نفخ الروح في آدم فانه المقصود بالذات في العوالم كلها من نوع الانسان وغيره والأحاديث دالة عليه قال علي كرم الله وجهه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) كما في الترميذي والنسائي وعند مسلم وأحمد ( لا يحبك الا مومن ولا يبغضك الا منافق ) ولم ير في أحد من المناقب بأسانيد صحاح أكثر مما جاء في علي . قال ( لم يبعث الله نبيا فما بعده الا أخذ عليه العهد في ( محمد ) صلى الله عليه وسلم . لئن بعث وهو حي لا يومنن به ولا ينصرنه ويأخذ العهد بذلك على قومه وروي مثله عن ابن عباس كما في ابن كثير في تفسيره وهو نهاية التعظيم له صلى الله عليه وسلم فيتحقق ان الانبياء من أمته مع أممهم وقال بعثت الى الخلق كافة من قبله ومن بعده فان حقيقته ظهرت بالنبوة والرسالة قبل خلق آدم وقبل نفخ الروح فيه فهو مرسل الى الأنبياء مع بقاء كل نبي في نبوته فله كانت الانبياء في الآخرة تحت لوائه فلو ظهر جسده الكريم في زمن آدم ككل نبي بعده لوجب عليهم الدخول تحت ولا يته بالفعل وعليه أخذت المواثيق فشرائعهم على تقدير وجوده شرع له فيهم فأخذت تربة من قبره في المدينة ومزجت بسره الأرض التي هي الكعبة فخلق منهما تعظيما لها به. فأول من أجاب في قوله تعالى ( ايتيا طوعا أو كرها ) تربته ومن السماء البيت المعمور لصعود انوار تربته له ثم بقية البقاع والرقاع وانما دحيت الأرض تحت الكعبة فهي قوة الارض لامتزاجها بتربة قبره صلى الله عليه وسلم فهو الأصل في التكوين وغيره تبع له خلق لعلية وجوده فلولا وجوده ما ظهر لغير الله وجود لتعلق علم الله وارادته بذلك كما خرجت به الأخبار فأصل طينته مدنية مزجت بمكة فهو مكي مدني فنسبه أيضا مكي ورحمه مدني لمقام أخوال أبيه روى الحاكم في صحيحه عن عمر رفعه أن آدم رءا اسم (( محمد )) مكتوبا على العرش . وأن الله تعالى قال لآدم لولا محمد ما خلقتك . وروى الحاكم عن ابن عباس أوحى الله الى عيسى آمن بمحمد وأمر أمتك أن يومنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فسكن. صححه الحاكم وأقره السبكي في شفاء السقام والبلقيني في فتاويه وحكمه الرفع وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه أتاني جبريل فقال إن الله يقول لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار وذكر ابن سبع والعزفي بفتحتين عن علي كرم الله وجهه ان الله قال لنبيه من أجلك اسطح البطحاء وأموج الموج وأرفع السماء وأجعل الثواب والعقاب قلت ولم يكن لغيره نبيا أو ملكا فمذهب الاشاعرة أن أفعال الله لا تعلل بالأغراض وانما يقال بعد فعل الله عند البحث في سر فعله خلقه لحكمة كذا فانه حكيم ففعله حكمه فان الله غني عن العالمين لا غرض له في فعله البتة وانما فعل لحكمة تعود على المفعول لا اليه تعالى فلا يحل أن يقال والباعث لله على فعل كذا لأجل كذا لولا حكمة وجود محمد منك لما خلقتك فامتنع خلق آدم لولا أن الله علم أنه حكمة ترتيب المسبب على الأسباب فمحمد مسبب علم الله أنه ينشئه من سببه الذي هو آدم عند وجوده لا به والربط عادي فلولا تعليق المسبب بالسبب ما خلق الله السبب فالله غني عن السبب والمسبب فهو المسبب بالكسر قائم بنفسه غني عن العالمين لكن علم أن محمدا الذي هو المسبب علق وجود المكونات بوجوده فأفعال الله مصالح وحكم لا علل مستلزمة لفاعليته تعالى فانه غني بنفسه فلا يكمل بغيره وانما وردت النصوص بتعليل أفعاله تعالى بالحكم والمصالح وما خلقت الجن والانس الا ليعبدوني يعني خلقهم وفرض عليهم العبادة فمنهم ممتثل ومنهم غيره فلا يكون فعله لمنفعته لكمال غناه وانما يوجد الله على نحو ما علم فالأشياء انما تسند الى المشيئة ولا تسند هي لغيرها وانما علم الله أن نور محمد صلى الله عليه وسلم سبب لكل موجود آدم وغيره وأن جسد آدم سبب لظهور جسده صلى الله عليه وسلم.
* كتبه عبد الله الأحسن بن محمد بن أبي جماعة البعقيلي آمنه الله ورضي عنه وأرضاه وقبله وأرضى جميع من أحب وأمعن النظر بعين الرضى فيه بعد عصر يوم الاحد سادس عشر من ربيع الأول جعله الله مقبولا في أعين الأمة المصطفاة المجتباة وأفاض علي سر نبوته وشريعته وأكرمني وجميع اخواني بالصدق فان هذا المحل لا مجال فيه للعقل وانما هو سوق الايمان بما استنبطه الراسخون من أبحر الشرع فالعقل ملجم بليس كمثله شيء ليس لك من الأمر شيء فهذه نفحات رحمانية تقبل وتشم وتضم الى المهج وقرة أعين البصائر نفع الله به المسلمين آمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.