تم نشر المقالة على صفحات موقع وزارة الأوقاف المغربية http://www.habous.gov.ma
بتاريخ
الأربعاء 08 فبراير 2012
لقد ساهمت المملكة المغربية إسهاما حقيقيا ولعبت دورا محوريا في نشر الإسلام وبناء قيمه الروحية والعلمية والحضارية في العالم ولاسيما عن طريق النماذج الخيرة من شيوخ التصوف وتلاميذهم من التجار وذوي السلوك . من بين مسالك هذا الإشعاع المشرب التجاني الذي انطلق من المغرب حيث حل الشيخ التجاني ووقع احتضان طريقته رسميا وشعبيا .
هو الشيخ العارف بالله العالم الرباني المربي الشهير أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم. التجاني، الشريف الحسني. يتصل نسبه بالإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن مولانا علي وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم.
ولد الشيخ سيدي أحمد التجاني بقرية عين ماضي 1150 هـ / 1737م / 1453 قبطية ( أورده سيدي إدريس العراقي في كتابه الرسالة الشافية الجزء الأول الصفحة 150 المطبوع 2009 ) وتوفي بمدينة فاس (يوم 17 شوال عام 1230 للهجرة ) الموافق لـ ( 21 شتنبر – 1815 للميلاد) ودفن بزاويته بحومة البليدة بالمحروسة فاس.
وقد اعتنى والده بتربيته مند صباه، حيث حفظ القرءان الكريم وهو لم يتجاوز السبع سنين، ثم طلب العلوم وبرز فيها، ولما بلغ إحدى وعشرين سنة تطلع إلى النهل من معين التصوف، فسافر سفره الأول إلى فاس سنة 1171 هـ، قاصدا كبار أهل الله من الشيوخ العارفين. ولقي في هذه الرحلة بعضا من أكابر الشيوخ . كان من جملتهم الشيخ الإمام مولاي الطيب بن مولاي محمد بن مولاي عبد الله الشريف بوزان. والشيخ الكبير العارف مولاي أحمد الصقلي بفاس. وسيدي محمد الحسن الوانجلي بجبل الزبيب، وكذا الشيخ العارف سيدي عبد الله ابن العربي بن أحمد من أولاد معن الأندلس، والشيخ سيدي أحمد الطواش بتازة. فهؤلاء أشهر من لقيهم الشيخ سيدي أحمد التجاني في سفره الأول إلى فاس.
وذكر العارف بالله خليفته سيدي العربي بن السائح أنه في هذا السفر حضر مجالس بعض كبار أهل العلم بفاس، وسمع بها شيئا من الحديث. وأقام بجبل العلم مدة أخذ فيها القراءة والتجويد على بعض المتقنين لذلك.
وأخذ في هذه الرحلة عدة طرق عمن كان يلقنها من المشايخ فأخذ الطريقة القادرية بفاس. والناصرية عن سيدي محمد بن عبد الله التزاني بالريف، وأخذ طريقة الشيخ العارف سيدي محمد الحبيب السجلماسي الصديقي عن بعض شيوخها بفاس.
ويتضح مما ذكر أن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه جال في ربوع المغرب من فاس إلى تازة والريف ووزان وجبل العلم حيث مرقد القطب الكبير، مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه. كل ذلك طلبا لملاقاة كبار شيوخ العصر من الصوفية المربين.
ثم رجع الشيخ بعد ذلك إلى الصحراء، وقصد البلد الأبيض حيث زاوية الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد ( المعروف بسيدي الشيخ ) القطب الصديقي الشهير. ونزل بهذه الزاوية مدة خمس سنين قضاها في العبادة والتبتل والتدريس والإفادة.
ثم انتقل إلى مدينة تلمسان وأقام بها مدرسا معلما مرشدا نافعا، دون ادعاء مشيخة ولا طريق خاص مستقل، ومكث بها إلى غاية عام 1186 هـ , حيث عزم على شد الرحلة لزيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج، وزيارة مرقد المصطفى عليه الصلاة والسلام. وفي طريقه الى تونس لقي الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري، فأخذ عنه الطريقة الخلوتية.
ثم حل بمدينة سوسة وأقام بها سنة كاملة، درّس فيها العلم، وخصوصا ” الحكم العطائية ” وطلب في مدة إقامته بها ملاقاة شيخ زمانه وقطب وقته سيدي عبد الصمد الرحوي، فكانت بينهما مهاداة ومكاتبة.
وبعد انقضاء سنة على إقامته بتونس ركب البحر إلى مصر، وبها لقي الولي الكبير، والعارف الشهير سيدي محمود الكردي.
ثم توجه لبيت الله الحرام، ودخل مكة المشرفة في شهر شوال سنة 1187 هـ. وعلم بوجود شيخ كبير بها وهو العارف بالله سيدي أحمد بن عبد الله الهندي، فكاتبه وراسله، وكانت بينهما مواصلة بالمكاتبة فقط دون ملاقاة.
ثم لما قضى الشيخ حجه ونسكه، رحل لزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام. وبالمدينة المنورة لقي القطب عبد الكريم السمان المتوفى عام 1189 هـ.
وبعد قضاء حجه وزيارته رجع رضي الله عنه إلى مصر، فمكث بها مدة عند شيخه سيدي محمود الكردي، وهناك ذاع صيته، وقصده الناس.
وفي عام 1188 هـ. رجع إلى تلمسان وأقام بها مدة ثمانية أعوام. ولقي في هذا العام صاحبه وتلميذه العلامة سيدي محمد بن محمد بن المشري السباعي مؤلف كتاب ” الجامع لما افترق من العلوم”.
وفي مدة إقامته بتلمسان كان يتردد على فاس مرات متعددة، لزيارة المولى إدريس الأزهر، وملاقاة الرجال من أهل العلم والمعرفة. وهكذا وفي عام واحد وتسعين ومائة وألف، وفي إحدى زياراته لفاس لقي بمدينة وجدة، صاحبه وخليفته سيدي علي حرازم برادة الفاسي مؤلف كتاب ” جواهر المعاني ” المتوفى قيد حياة الشيخ سنة 1218 هـ في رحلته للحج. ودفن مع شهداء بدر رضي الله عنه.
وفي عام 1196 هـ. رحل من تلمسان إلى قرية أبي سمغون والشلالة بالصحراء. وفي مدة إقامته بها رحل إلى بلاد ” توات ” لملاقاة أحد كبار الشيوخ وهو سيدي محمد بن الفضيل. وفي أحد أسفاره لقي صاحبه سيدي العربي الدمراوي التازي.
وكان الشيخ سكن بقرية الشلالة من 1196 إلى 1199 ، حيث انتقل إلى قصر أبي سمغون وسكنه إلى غاية عام 1213 هـ.
وفي هذه السنة أي عام 1213 هـ. ارتحل بصفة نهائية بأهله وعياله إلى مدينة فاس. واتخذها دارا وقرارا إلى أن وافاه الأجل المحتوم عام 1230هـ .
وعندما استوطن الشيخ سيدي أحمد التجاني مدينة فاس، سطع نجمه، وظهر علمه، وذاع صيته، حيث تعرف عليه السلطان مولانا سليمان العلوي رضي الله عنه. وهو الإمام العدل العالم فأكرم مثواه وأنزله منزلة رفيعة، وأسكنه دارا من دوره المعتبرة، لما رأى من غزارة علمه، وجلالة قدره.
والملاحظ في حياة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه مسألتان أساسيتان:
الأولــى: أن حياته وعطاءه وشخصيته تميزت بمرحلتين مختلفتين تماما : مرحلة ما قبل 1196هـ . ومرحلة ما بعدها.
فمرحلة ما قبل 1196 . كان الشيخ فيها طالبا بحاثا عن العلم والمعرفة والشيوخ كثير الأسفار والرحلات، آخذا عن جمع من شيوخ الطرق. ولم يتصدر خلال هذه المرحلة لمشيخة.
وفي مرحلة ما بعد 1196 . تفرد بطريقته الخاصة به، وتصدر للمشيخة وإعطاء الطريقة، ووضع منهجا سلوكيا تربويا بقواعد مضبوطة وشروط معتبرة.
الثانــية : أن دخوله فاسا واستيطانه بها، كان مرحلة هامة حيث لم يغادرها إلى غيرها على سبيل الإقامة. وبها بنى زاويته، فكانت منطلق طريقته، وبها موطنه ومدفنه. ومنها خرجت هذه الطريقة المباركة وانتشرت في الآفاق .
لقد كان للطريقة التجانية القدم الراسخ واليد الطولى في نشر الثقافة والعلوم الإسلامية وتربية الأجيال تلو الأجيال على المحبة والسلام والوئام ،محققة بذلك وحدة روحية وهوية ثقافية تجمع شعوب إفريقيا وقبائلها وأجناسها وحدة تجمع بين المادة والروح ، والعلم والعمل ، والدين والدنيا .
وظلت هذه المبادئ مترسخة ، قائمة ، قوية بفضل رعاية ملوك وأمراء الدولة العلوية وحدبهم المتواصل ، ومجهوداتهم المحمودة في الحفاظ على هذا الموروث العلمي والروحي الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الذات الإسلامية ويمثل بجلاء دين الاعتدال والسلم والوسطية .
ومن هنا فإن تنظيم المغرب لهذه التظاهرة الهامة ينطلق مما يلي :
1 – رعاية الوشائج الناتجة عن العلائق التاريخية مع الخارج كما أثمرتها الطريقة التيجانية .
2- رعاية الإسلام في عمقه الروحي كما تمثله الطرق المنطلقة من أرضه .
3- التجاوب مع العرفان المستديم عند الآخذين بالطريقة التجانية الذين ينظرون إلى المغرب على أساس أنه التربة التي انطلقت منها هذه المنابع الخيرة .
4- التطلع إلى أنواع الفضائل والفوائد المرتقبة من لقاءات من هذا المنطلق لصالح البلدان التي تغطيها ظلال الشجرة التجانية روحيا وأخلاقيا واجتماعية .
5- الإسهام في تعزيز أنواع من الصلات والتقارب التي من شأنها تقوية أخلاق الإسلام وكل المبادرات التي تتطلبها تحديات العصر الحاضر ولاسيما في مجال التضامن وحفظ الأمن والوئام .
6- خلق فرصة لإطلاع الإخوة المنتسبين للطريقة الروحية التجانية على جهود المملكة المغربية من أجل بناء نموذج من التدبير في المجال الديني يراعي صيانة كل المقومات الأساسية في ديننا الحنيف ويراعي ما يتطلبه العصر من الانخراط الفاعل في صيانة القيم وحفظ كرامة الإنسان.