نفحات العشر من ذي الحجة و حسن اغتنامها
الخطبة الأولى:
*الحمد لله رب العالمين* والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الانبياء و المرسلين *و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، عباد الله، لقد أطل علينا موسم عظيم، له فضل لا يقل عن فضل العشر الأواخر من رمضان، إنه موسم العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما ثبت في الحديث الصحيح، إنه موسم الخيرات وكرم رب البريات، ففيه فرصة عظيمة لأولي الألباب وذوي النفوس المتعطشة لرحمة الله، العشر الأوائل نهرٌ يتدفق بالحسنات المضاعفات، وأرضٌ خصبة للأعمال الصالحات، فبادروا أيها المؤمنون و لا تكونوا من المُفَرِّطين، فالعمل في العشر الأوائل من ذي الحجة فاق أجر المجاهدين إلا من ذهبت في سبيل الله نفسه ومالُه ذاك فقط الذي يعدلُه، فإياكم أن تكونوا عن نفحاته غافلين، وعن موسم رِبْحِه مُعرضين، فالإقبال فيه على الله فتحٌ وفرَجٌ ودواءِ من كل عِوَج، فاعملوا بقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: ١٣٣] وقوله: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحديد: ٢١]، فالبِدار البدار لصوم هذه الأيام والصدقة فيها، وخَتْمِ القرآن في أيامها ولياليها، وصلةِ الرحم، وأداءِ الزكاة، والإكثار من التهليل والتكبير والاستغفار، وحفظِ الألسُن من الغيبة و النميمة و الهزء و السخرية، وحفظِ الفروج من الزنا، وغضِّ الأبصار من التجسس و الأسماع من التحسس، أيام العشر أيها المومنون: مَيَّزَها الله عن سائر الأيام لاجتماع مجموعةٍ من العبادات فيها صومٌ وذكرٌ وصدقة وحج، إنه عُمُرٌ جديد لمن استغله واستثمره بالطاعة، وإنها حياة أُنْسٍ وسَعْدٍ لمن أيقن واستيقن بوعد الصدق الذي وعد الرحمن عباده بالغيب، إنه كان وعده مأتيا، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمُ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]، لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل العمل في العشر الأوائل من ذي الحجة من غير مشقة ولا تعب يفريه: روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ” يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ” (أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما). و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ؛ يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ» (أخرجه الترمذي في “سننه“.) ، وفي حديث آخر بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه من العملِ فيهن من هذه العشرُ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». فلا شيء يقومُ لذكر الله فإذا اجتمع مع الذكرِ الصيامُ والصلاة كان أكملَ وأبهى وأنضرَ، فذكر الله حياة القلوب، الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. والله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد، وسُنَّة الجَهْرِ بها هُجِرت، ومن أحياها كان له أجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن يُنْقَصَ من أجورهم شيء، ذكر الله لا يقوم مقامه إنفاقُ الذهب والفضة وقتالُ العدو مع أنه يسيرٌ على من يسره الله عليه، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وقراءة القرآن أفضلُ الذكر. وقالت السيدة حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها:”أربعٌ لم يكن يَدَعُهُنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: صيامُ عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيامٍ من كل شهر، وركعتي الفجر” أي لم يكن يدع صيامهن، والمُوفـَّقُ يُكلِّلُ توفيقه للخيرات في اليوم التاسع من ذي الحجة بصومِ يومِ عرفة لغير الحاج فقد ثبت في الحديث الصحيح: «صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية»، وسئل عنه فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا اليوم لمن مَلَكَ فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له».
عباد الله: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُقيّد الأعمال الصالحة في هذه الأيّام بعمل مُعيَّن، وجعل الأمر مُطلَقاً؛ فالعمل الصالح أنواعه كثيرة، ممّا يعني اجتماع أجلِّ العبادات في الإسلام وأفضلِها في هذه الأيّام، ولفظ الأيّام الوارد في الحديث المذكور يدلّ على أنّ العمل الصالح يستغرق اليومَ كلّه، واليومُ في الشرع يبدأ من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وأفضل عملٍ يستغلّ به المسلم نهار هذه الأيّام هو الصيام، كما أنّ أفضل ما يُستغَلّ فيه الليلُ صلاة القيام، أمّا حُكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجّة فهو مندوب، بينما حُكم قيام الليل أنّه سُنّة.وقد حافظ النبيّ صلى الله عليه وسلم على صيام العَشر من ذي الحجّة،؛ ودليل ذلك ما ورد في السنّة النبويّة من حديث حفصة -رضي الله عنها-، قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : معاشر المؤمنين، لقد أولى ديننا الحنيف عناية كبرى بالضعفاء و ذوي الاحتياجات الخاصة فكان صلى الله عليه وسلم يكرم عبد الله بن أم مكتوم الأعمى في تعامله معه بل ولاه على المدينة في بعض الغزوات، و رفع القرآن الحرج و شدة التكاليف الشرعية عن ذوي الاحتياجات الخاصة فقال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) النور61، و قال سبحانه: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91)) (التوبة) ونهى سبحانه و تعالى عن إذايتهم كما أمر بعدم تكليفهم ما لا يطيقون فقال سبحانه:( لا يكلِّفُ الله نفساً إلا وُسْعَها) كما بين صلى الله عليه وسلم أن نصر الله و رِزْقَهُ متوقفٌ على العناية بالضعفاء فقال صلى الله عليه وسلم: ( هل تنصرون و ترزقون إلا بضعفائكم). فهُبّـُوا رعاكم الله للعناية بالضعفاء و ذوي الاحتياجات الخاصة ففي ذلك أجر عظيم و احمدوا الله على العافية
عباد الله، استعينوا على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس “
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء