بحث متقدم ومتفرد لسيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه في الجواب عن سؤال يستفسر عن دخول الجن الجنة أم لا؟
هَلْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟
وَسَأَلْتُهُ رضي الله عنه عَنِ الجِنِّ هَلْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، وَيَتَنَعَّمُونَ فِيهَا كَالآدَمِيِّينَ، أَوْ لاَ نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا؟ وَهَلْ يَرْجِعُونَ تُرَاباً كَالحَيَوَانَاتِ أَمْ لاَ؟
فَأَجَابَ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: اِعْلَمْ أَنَّ القَوْلَ الذِي يَجِبُ المَصِيرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ عَيْنُ الحَقِّ وَالصَّوَابِ، أَنَّ الجَانَّ مُسْتَوُونَ مَعَ بَنِي آدَمَ فِي عُمُومِ التَّكْلِيفِ، بِالقِيَامِ بِأَمْرِ اللهِ أَمْراً وَنَهْياً وَتَحْرِيماً وَوُجُوباً، وَفِي عُمُومِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى، لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي آدَمَ فِي هَذَا الأَمْرِ الذِي ذَكَرْنَاهُ، بِقَوَاطِعِ نُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ.
أَمَّا الكِتَابُ فَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الأَحْقَافِ وَفِي سُورَةِ الجِنِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ لاَ يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: “بُعِثْتُ إِلَى الثَّقَلَيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ”، وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَوَاتُرِهِ، كُلُّ مَنِ اعْتَقَدَ خِلاَفَهُ كَفَرَ، وَانْعَقَدَ إِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى هَذَا فِي عُمُومِ الرِّسَالَةِ لَنَا وَلَهُمْ، وَعَمُومِ دَعْوَتِنَا وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي عُمُومِ تَكْلِيفِنَا وَتَكْلِيفِهِمْ بِالقِيَامِ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَحَيْثُ كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا، فَهُمْ مُسَاوُونَ لَنَا فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عُمُومُ الخِطَابِ الإِلَهِيِّ وَالنَّبَوِيِّ، مِنْ تَقْرِيرِ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ، لِمَنْ أَطَاعَ الهَ أَوْ عَصَاهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَدُخُولِ الجَنَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِهَا لِمَنْ أَطَاعَ اللهَ، أَوْ غَفَرَ لَهُ مَعَاصِيَهُ وَكَانَ مُؤْمِناً مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَالعَذَابُ بِالنَّارِ وَدُخُولِهَا لِمْنَ عَصَا اللهَ، وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ. يَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ اِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اِللَّهِ) ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (مَّنْ يُّطِعِ اِلرَّسُولَ فَقَدَ اَطَاعَ اَللَّهَ) ، فَهِي صَادِقَةٌ فِي كُلِّ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ، لِمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَقَامَ بِرِعَايَةِ حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ أَمْراً وَنَهْياً، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الآدَمِيِّينَ فِي هَذَا، لِشُمُولِ الرِّسَالَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالتَّكْلِيفِ بِالقِيَامِ بِأَمْرِ اللهِ مِنَّا وَمِنْهُمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعِ اِللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اَلاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ اَلْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، إِلَى قَوْلِهِ: (مُّهِينٌ) ، مُشْتَمِلَةٌ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ المَرْسُولِ إِلَيْهِمْ، الذِينَ أُمِرَ الرَّسُولُ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَمَنْ يَّعْمَلْ مِنَ اَلصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ اَوُ انثَى وَهُوَ مُومِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً) ، فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولُ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ أُولِي الأَلْبَابِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: (رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلاِيمَانِ) ، إِلَى قَوْلِهِ: (مِّن ذَكَرٍ اَوُ انثَى) ، فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الرِّسَالَةُ وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَدَ اَللَّهُ الْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اَلاَنْهَارُ) الآيَةَ، فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ أَيْضاً. وَقَالَ تَعَالَى: (اِنَّ اَلذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) الآيَةَ. وَكُلُّ هَذِهِ الآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ المَرْسُولِ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُلْتَفَتُ لِمَا سُطِّرَ فِي الأَوْرَاقِ مِمَّا يُنَاقِضُ هَذَا، فَإِنَّ تِلْكَ تَخَيُّلاَتٌ عَقْلِيَّةٌ بَيِّنَةُ البُطْلاَنِ، بِصَرِيحِ نُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفاً وَفِي غَيْرِهَا. وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ، وَالسَّلاَمُ. اِنْتَهَى مِنْ خَطِّ مُحِبِّنَا سَيِّدِي المُخْتَارِ بْنِ الطَّالِبِ، مِنْ إِمْلاَءِ شَيْخِنَا رضي الله عنه عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهِ وَلَفْظِهِ.
جواهر المعاني 480