كيفية تعبيره صلى الله عليه وسلم عن ثرائه العاطفي و محبته لأزواجه
الجمعة 5 ربيع الثاني 1442هـ 20-11-2020م
435
[ كيفية تعبيره صلى الله عليه وسلم عن ثرائه العاطفي و محبته لأزواجه]
*الحمد لله رب العالمين * و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد الانبياء و المرسلين* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له * و نشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله و صحابته و على اتبع هداه إلى يوم الدين .أما بعد، عباد الله: يتساءل كثير من الناس هل لابد من إعلان المحبة بين المتحابين؟ أوذلك عيب وعار؟أولا ينبغي التصريح و الاكتفاء بالتلميح قولا وفعلا؟أو أن النفس لا تستريح من الشكوك و الظنون إلا بالتصريح؟
أولا: نقول للمتعجبين ممن يجهر و يُعلن محبته لغيره: اِعلم أن الله تعالى شأنه و عزسلطانه يفعل ذلك ويخبر جبريلَ عليه السلام ليخبرَ كل الملائكة ليعملوا حسابهم في شأن العبد المحبوب فيحبونه و يدعون له و يرعونه ويعتنوا به. ففي (الصحيحين) عن أبى هريرة عن صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أحب اللهُ العبدَ نادى جبريل: إن الله يُحِب فلاناً فأحْبِبْه؛ فيُحبه جبريل، فينادى جبريلُ في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم يُوضَعُ له القَبُول في الأرض”،أي يصير محبوبا عند الناس.
ـ ونقول لهم أيضا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلن ذلك و يدعو إلى فعله، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال:”يا معاذ،والله إني لأحبك، والله إني لأحبك“(أخرجه أبو داود وابن حبان).وحبَّبَ صلى الله عليه وسلم لمَن أحبَّ شخصاً ما في الله، أن يُعْلِمَه بحُبِّه له، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه”أنَّ َّرجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ به رجلٌ فقال يا رسول الله: إني لَأحِبُّ هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعْلمْتَهْ؟ قال: لا، قال: أعْلِمهُ. قال: فلحِقَه فقال: إني أحبك في الله، فقال:أحبَّك اللهُ الذي أحببتني له” (رواه أبو داود)،
ـ أما عن سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه صلى الله عليه وسلم فكان قمة في الإثراء العاطفي والإعلان عن محبته لهن قولا و فعلا تصريحا و تلويحا، يكفي أن تعلموا إخوتنا في الإيمان: أن حياته صلى الله عليه وسلم حافلة بالمواقف الرومانسية مع زوجاته، الغنية بالتعبير عن الحب ومراعاة مشاعر المرأة المرهفة، فقد عبر صلى الله عليه وسلم أثناء الطعام عن مراعاة المشاعر و العواطف، تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاهُ على موضع فيّ فيشرب، وأتعرَّق العِرق وأنا حائض فأناوله فيضع فاهُ على موضع فيّ” (أي يأكل ما بقي من لحمٍ تركتُه على العظم)، فالزوجة عندما تكون حائضا أحوجُ ما تكون إلى التعبير عن الحب على عكس الجفاء الذي كان يصنعه اليهود يطردون الحائض من البيت فلا تنام مع زوجها في نفس الغرفة ما دامت حائضا.
وعبر صلى الله عليه وسلم عن الحب وقت الشدة ووقت الحزنوالبكاءخصوصا في السفر فعن أنس قال:“خرجنا إلى المدينة – قادمين من خيبر- فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رِجْلَها على رُكبتيه حتى تركبَ البعير”، فلم يخجل الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم من أن يرى جنودُه هذا المشهد وهو يُظهر الحبَّ والمودة و الخدمة لزوجته السيدة صفية رضي الله عنها بل مرة كانت السيدة صفية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر وكان ذلك يومُها و نوبتُها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها صلى الله عليه وسلم وهى تبكي متأثرة،وتقول:حملتني على بعير بطيء،فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحُ بيديه عينيها ودموعها، ويُسكِتها. جبراً لخاطرها و إظهارًا لعنايته بها.
و عبر صلى الله عليه وآله وسلم عن محبته لعائشة رضي الله عنها عندما أرادت أن تعرف منزلتها عنده، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:إنه صلى الله عليه وسلم دعاها لتشاهد كيف يرقُصُ أهل الحبشة بالحِرابِ في المسجد، فتقول: إن النبي سمع لغطًا وصوتَ صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قومٌ من الحبشة يرقصون، والصبيانُ حولَهُم فقال:“ياعائشة،تعالى فانظري”،فجائت السيدة عائشة ووضعت ذَقنها على كتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت تشاهد مِنْ ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لها:“أما شبعت،وأما شبعت؟” قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده” يعني لترى هل سيتركها تنظر ؟
وعبر صلى الله عليه وآله وسلم عن محبته و عواطفه أثناء حدوث الغيرة بين الضرائر فقد استضاف مرة بعضَ أصحابه في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها فأبطأت عليه في إعداد الطعام، فأرسلت السيدة أم سلمة طعامًا فدخلت السيدة عائشة لتضع الطعام الذي أعدَّته فوجدتهم يأكلون من صحفة أم سلمة، فغارت وغضبت وأحضرت حجرًا ناعمًا صلبًا ففلقت به الصحفة التي أرسلتها أم سلمة، فجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين فِلـْقَتَيْ الصحفة، وقال لأصحابه:“كلوا، كلوا غارت أمكم،غارت أمكم” وهو يضحك، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة،
وعبَّر صلى الله عليه وآله وسلم عن محبته و عواطفه بالتزين لنسائه و تَهَيُّئـِـه ِلمقابلتهن فقــد
سُئِلَتْ السيدة عائشة رضي الله عنها:“بأي شيء كان يبدأ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك”. وقالت كأني أنظر إلى وبيصِ المسك(بريق أثره) في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يطوف على نسائه جميعا ليلة السفر حتى لا تكون صاحبة الليلة و النوبة أكثر حظا من غيرها و هكذا بطوافه تحصل كل واحدة منهن على نفس درجة الأخرى من القرب منه صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يقرع بينهن ليصحب معه من سيخرج سهمها وصدق سبحانه اذ قال( و انك لعلى خلق عظيم).
فسيروا عباد الله على نهج نبيه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه و جمال عشرته نور الله بصائرنا و بصائركم بنوره، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
***** ***** ***** ***** *****
الخطبة الثانية
*الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الزكي و على آله، وعلى جميع من تعلق بأذياله،ونشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله وبعد: أيها المؤمنون، هذا نبينا و هذا خلقه، و نحن أمته المأمورون باتباعه و الاقتداء بسيرته و التخلق بأخلاقه، فنصيحتي لكم اليوم خصوصا للزوجين إياكم و الوقوع في أسباب الإفلاس العاطفي فانه نذير دمار خطير، و من مؤشؤاته:اولاعدم الاحترام وتبادل الإهانات و التشاجر على أتفه الأمور مما يجعل العلاقة الزوجية تواجه مأزقاً لا بدّ من التخلص منه وإلّا وصلا إلى حدّ الطلاق. او بقيت العلاقة في حالة فتور و جمود عاطفي رغم استمرار الزواج.ثانيا تبادل الاتّهامات و اللوم بسبب أو بلا سبب، ثالثا الرفض مثل أن تلاحظ الزوجة هروب زوجها من المنزل لكي يتفادى المكوث معها وقتاً طويلاً،أو انغلاقه في غرفة مع هاتفه أو حاسوبه، وهنا يكون دور الزوجة في إغراء الزوج لكي ينجذب لها دوماً كأنهما في مرحلة الخطوبة. أو يكون الرفض بالعكس يلاحظ الزوج أن زوجته تتهرب من الاقتراب منه أو مشاركته الحديث او افتعال الأسباب لاجتناب الاحتكاك به كالتظاهر بالمرض و الشعور بالألم ليبتعد منها.رابعا فقدان الأمان العاطفي: وهذا يُعدّ السبب الاكبر للإفلاس العاطفي لا سيما إن كان الشريك لا يلبّي احتياجات شريكه العاطفية فيصبح محروماً من أبسط المشاعر فيشعر باكتئاب نفسي لأن حقوقه مهدورة أو لأنّ الشريك غير رومانسي وقاسي القلب ومتقلّب المزاج خاصة إن كان الزوج يهدّد دوماً بالطلاق أو الزوجة هي من دائما تطلبه ان كانت هي المفلسة عاطفيا.وهنا لا يمكن حلّ تلك المشكلة سوى بالتفاهم عبر الحوار الذي يجب أن يعتمد على ركائز تساعد في نجاحه. واخيرا ـ لا آخراـ :عدم تبادل العواطف، فعندما يفقد الزوجان مشاعر الحب يبدأ الفتور والبرود العاطفي يتسلل إلى حياتهما رويداً رويداً مما يُؤزّم الوضع بينهما ويدهور العلاقة الزوجية وهذا يكون سبَبُهُ الملل، أوالشعور بعدم الاختيار السليم للشريك وقد لا يكتشف الطرفان ذلك إلا بعد مرور سنة من الزواج،اوسنوات ولا سيّما أن “الملل” يكمن حله في خلق نشاطات زوجية تكسر الرتابة في الحياة الزوجية، أما الشعور بعدم “اختيار الشريك المناسب” فيكون حلّه عبر محاولة إقناع الذات بالشريك ورؤية حسناته بدلاً من التفكير في الشق السلبي من شخصيته.عباد الله هذه نفثات عن الافلاس العاطفي الذي يعاني منه الكثير و لا يحس بأسبابه ولايعرف طريق علاجه. فاتقوا الله
واكثروا من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم،
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)
( و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
( و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)
( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية
بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد