فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان و صوم نهارها
الخطبة الأولى:
*الحمد لله رب العلمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين
* أما بعد ، عباد الله : روى ابن ماجه في سننه: عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فإن اللَّهَ يَنْزِلُ فيها لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فيقول: ألا من مُسْتَغْفِرٍ لي فَأَغْفِرَ له، ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، ألا مبتلى فَأُعَافِيَهُ، ألا كَذَا ألا كَذَا حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». وينبغي الإشارة أنّ من صام هذا اليوم بنية صوم يوم من شعبان، أو الأيامِ البِيضِ أو وافقَ يومَ الاثنين أو الخميسِ فلا شيَء عليه، بل أصاب السّـُنَّة كما هو معلومٌ عند أهل الشأن؛ فالنية هي الحدّ الفاصل في صيام هذا اليوم، وصدق الصادق المصدوق بقوله: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ومن الأحاديث الواردة في فضل ليلة النصف من شعبان:
1ـ ما رواه البزار: عن أبي بكر يعني الصديق قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا كانت ليلة النصفِ من شعبان ينزلُ الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيغفرُ لعبادِهِ إلا ما كان مِنْ مُشركٍ أو مشاحنٍ لأخيهِ». 2ـ وعن أبي ثعلبة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَطّـَلِعُ الله إلى عباده ليلةَ النصفِ من شعبان فيغفرُ للمؤمنين ويُمْهِلُ الكافرين ويَدَعُ أهلَ الحقدِ لِحِقْدِهِم حتى يَدَعُوه» 3- وروى ابن ماجه
في سننه: عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ»
4 ـ وروى الترمذي:عن عَائِشَةَ قالت:«فَقَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فإذا هو بِالْبَقِيعِ فقال: أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ الله عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ،( أي أظننت أن قد ظلمتك بجعلِ نوبتكِ لغيرك، وذلك مُنافٍ لمنصب الرسالة، وذكرَ اللهَ لتعظيمِ رسولِهِ والدلالةِ على أنَّ فعلَ الرسولِ عادةً لا يكونُ إلا بإذنِهِ وأمرهِ، وفيهِ أن القَسْمَ كان واجباً عليه إذ لا يكون تركُهُ جوراً إلا إذا كان واجباً) قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ إني ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فقال: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ من عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» وفي رواية البيهقيّ: « أن عائشة قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الليلِ يُصلي فأطالَ السجودَ حتى ظننتُ أنه قدْ قـٌبِضَ، فلما رأيتُ ذلك قمتُ حتى حَرَّكْتُ إبهامَهُ فتحرَّكَ فرجعتُ، فلما رفع إليَّ رأسَهُ من السجود وفرغ من صلاته قال: يا عائشة أو يا حميراء: أظننتِ أن النبيَّ قد خاس بك؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننتُ أنك قُبضتَ لطولِ سُجودِك، فقال: أتدرين أيَّ ليلةٍ هذه؟ قلت:الله ورسوله أعلم، قال هذه ليلةُ النصفِ من شعبان،إن الله عز وجل يَطّـَلِعُ على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم» وزاد في موضع:«فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاءُ من النار بعدَدِ شعورِ غنمِ كَلـْب، لا ينظرُ الله فيها إلى مشركٍ ولا إلى مشاحنٍ ولا إلى قاطعِ رحمٍ ولا إلى مُسبلٍ ولا إلى عاقٍّ لوالديهِ ولا إلى مُدْمِنِ خمرٍ، قال: ثم وضع عنه ثوبَيْهِ، فقال لي: يا عائشة تأذنين لي في قيام هذه الليلة؟، فقلت: نعم،بأبي وأمي، فقام فسجد ليلا طويلا حتى ظننتُ أنه قُبِض، فقمت التمسته ووضعت يدي على باطن قدميه فتحرك ففرِحْتُ وسمعتُهُ يقول في سجوده: (أعوذُ بعفوكَ مِنْ عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك جَلَّ وجهُك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك)،فلما أصبح ذَكَرْتُهن لهُ، فقال يا عائشة: تعلمتِهنَّ؟ فقلت: نعم. فقال: تعلمِيهنَّ وعلميهنَّ؛ فإن جبريلَ عليه السلامُ علمنيهنَّ وأمرني أن أردِّدَهُنَّ في السجود»6- وروى الإمام احمد: عن عبد الله بن عَمْرٍو انَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَطَّلِعُ الله عز وجل إلى خلقة لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ الا لاِثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ»
عباد الله: يتبين مما سبق أنَّ الأحاديثَ في فضل ليلة النصف من شعبان ثابتة ويتبيَّنُ أن الله لا يغفرُ في هذه الليلة لسبعة أصناف من الناس:
1- لمشركٍ.2-أو مُشاحنٍ لأخيه3-أو َقَاتِلِ نَفْسٍ. 4- أو قاطعِ رحمٍ.5- أو مسبلٍ(أي لابس ثوباً للتكبر على الناس).6- أو عاقٍّ لوالديه. 7- أو مدمنِ خمر، ويغفر للمؤمنين ويُمهِلُ الكافرين،ويدع أهل الحقد لحقدهـم حتى يتركوه. فاتقوا الله و لا تقعوا في فخ الشيطان و مكايده يزين لكم ما يحرمكم به من فضل هذه الليلة المباركة من الوقوع في المحظورات المذكورة.
.ونفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم وكلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون،وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين