وسائل العصمة من الفتن ما ظهر منها و ما بطن
الخطبة الأولى*
*الحمد لله على نعمة الاسلام و كفى بها نعمة *و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد السبب في كل خير و منة * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، و من استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين.
* أما بعد ،
عباد الله:عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ، هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ،….)
عباد الله: لقد كثرت الفتن في هذا الزمان، وأصبح المسلم يرى الفتن بكرة وعشياً، ويحلَّ من البلايا والمحن والنوازل والخطوب الجسام الشيءُ الكثير، وقد أنذر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الفتن وحذَّر من الوقوع فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ (أي الصالحة) فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ (أي تحول بينكم و بين العمل الصالح)، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا، أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ(أي تغلب)، وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) . قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ).)
عباد الله:عليكم بالكياسة و الفطنة و اعرفوا ما يُعتصمُ به من الفتن: و أولُ ذلك كتابُ الله عزَّ وجل، وسُنةُ النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد إلا بالاعتصام بهما، يقول الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ).
2ـ ومما يَعْصِمُ من الفتن: الالتفافُ حولَ العلماء الربانيِّن؛ أئمةِ أهل السنة والجماعة؛ الذين لا يهمهم الشهرة و لا المناصب، فهم أنصارُ شرع الله، الذين يبينون للناس الحقَّ من الباطلِ، والهُدَى من الضلال، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ) .
3ـ ومما يُعتصم به من الفتن: لزوم الجماعة، فالله جل وعلا يقول: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ) ، وفي رواية: (مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ) ، وقد أوصى ابنُ مسعود رضي الله عنه من سألوه عن الفتن بقوله: (اتقوا الله واصبروا حتى يستريحَ بَرٌ، أو يُستَرَاحَ من فَاجِر، وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أُمَّةَ محمدٍ على ضلالة)،
4 ـ واعلموا عباد الله أن مما يعْصِمُ من الفتن: التَّسَلُّحُ بالعلم الشرعي، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ لا يَنْجُو مِنْهُ إلاَّ رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللهِ فَجَاهَدَ علَيْهِ بِلِسَانِهِ وقَلْبِه). فالعلم الشرعي مطلبٌ مهمٌ في مواجهة الفتن؛ ليكون المسلمُ على بصيرةٍ من دينه، ومن فقد العلم الشرعي تخبَّطَ في الفتن،وعَمِيَ عن نور النبوة، وانحاز إلى أهل البدع والفجور، ووقع في الشر الذي لا يستطيع الخروج منه.ألا تذكرون قوله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدِّين ).
5 ـ ومما يَعْصِمُ من الفتن: التأني والرفقُ والحلمُ وعدمُ العجلة، حتى يَرَى الأمورَ على حقيقتِها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ)، أما العجلة فإنها ليست من منهج السنة النبوية، وخاصة في زمن الفتن. فلا بد من النظرِ في عواقب الأمور، إذ ليس كُلُّ مقالٍ يُقَال و لو حقا، ولا كُلُّ فعلٍ يُفْعَل، وإن بَدَا ياأخي المسلم حسناً حتى تعلمَ عواقبَه وما يترتَّب عليه، فقد سكت السلف الصالح عن أشياءٍ كثيرة أحبوها؛ طلباً للسلامة في دينهم.
6 ـ ومما يعْصِمُ من الفتن: الثقةُ بنصر الله، وأن المستقبلَ للإسلام، مهما ادلهمَّت الظلمات، واشتدَّت الفتن، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنْجي مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].
7 ـ واعلموا عباد الله أنَّ الصبر من أعظم ما يعين على الاعتصام من الفتن، قال تعالى:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ). و فسر صلى الله عليه وسلم لماذا : بأنهم يجدون على الدين أعواناً وفي زمن الفتن لا يجد المسلم على الدين أعوانا. فعن الزبير بن عدي قال: دخلنا على أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحَجَّاج، فقال: (اصبروا، لا يأتي عليكم زمانٌ إلا والذي بعده شرّ منه حتى تلقوا ربكم، سمعتُ هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم.) فاللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأعذنا من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، و اصرفهاعن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة، سبحان ربك رب العزة عما يصفون .و سلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية*
الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد،أيها الإخوة المؤمنون: اعلموا أن في أوقات الفتن تكثر الإشاعات، وتنشط الدعايات، ويُشمِّرُ المُغرِضُون عن سواعدهم بالكَذِبِ والإثَارَة، ولخطورةِ الشائعاتِ على بُنيَةِ المجتمعِ حذرنا الله بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6] وكفى بالمرء إثماً أن يُحدِّثَ بكل ما سمع، أو ينشر كل ما يصل إليه عبر وسائل الاتصال الاجتماعي يقول عمر رضي الله عنه: (إياكم والفتن، فإن وقـْعَ اللِّسانِ فيها مثلُ وقعِ السيف)،
8ـ واعلموا أن مما يعصم من الفتن: البعدُ عن مواطنها وعدمُ التعرضِ لها أو الخوضِ فيها، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ)،
+ ومن الأخطاء العظيمة في زمن الفتن: مراجعةُ أحاديثِ الفتنِ في وقت الفتنة، وتطبيقُها على أوقاتٍ وأشخاصٍ معيَّنين، وهذا منهجٌ خاطئ، فالمنهج الحق أن تذكر أحاديث الفتن للتحذير منها، وإبعادِ المسلمين من القرب عنها، وليعتقدوا صحةَ ما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويَتركونَ الواقعَ هو الذي ينطق، فإذا وقع الأمرُ قالوا كما قال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22] 9 ـ كما على المسلم أن يُكثِرَ من التَّعَوُّذِ بالله من الفتن، أُسْوَةً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم في صلاته: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُون)،
– اللهم يا سامع السر والنجوى يا كاشف الضر والبلوى اللهم انصر إخواننا في فلسطين على من عاداهم، اللهم صوب رميهم، اللهم ثبت الأرض تحت أقدامهم، اللهم اجعل نار أعدائهم بردا وسلاما على المسلمين.
– اللهم و اجعل لأهل فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة في قلوب أعدائهم، اللهم اشفِ جرحاهم وأطلق أسر أسراهم اللهم انصر مجاهديهم في سبيلك في برك وبحرك وجوك يا رب العالمين أمين.
اللهم إنّا نستودعك المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا من لا تضيعُ عنده الودائع، فاحفظه بحفظك و رعايتك.اللهم رد إلينا فلسطين والمسجد الأقصى ردا جميلاً اللهم أنصر ضعفهم فإنهم ليس لهم سواك.
واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم. (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم )(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين،والحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد
البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.