هذه ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما جاء في حليــة البشر في أعيان القرن الثالث عشر للشيخ عبد الرزاق البيطار.
“أحمد أبو العباس بن مَحمد التجاني المغربي شيخ الطريقة التجانية: لقد ترجمه سيدي محمد العربي العمري في كتابه المسمى «بغية المستفيد لشرح منية المريد» فقال:
“وإن ممن أحله الله تعالى من المقامات ذراها، وحلاه من هذه الكرامات بواضح سناها، شيخنا وأستاذنا العارف الرباني والوارث المحقق الفرداني، والقطب الجامع الصمداني، أبا العباس مولانا أحمد بن مولانا مَحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه ومتعنا وسائر الأحبة برضاه. فلقد صار رضي الله عنه في ذلك كله العلم المفرد بين الأكابر، واستحق النداء بالرفع في سائر الحضرات والمظاهر، وانتهت إليه دون العصابة رياسة هذا الشأن، وخفقت عليه أمام الجماعة ألوية النصر في هذا الميدان، وأظهر من كنوز الشريعة المطهرة إبريزها الخالص، وأبرز من بحار الحقيقة خصائص الفرائد وفرائد الخصائص.
وجاء في أساليب الدلالة على الله تعالى بما لم يسبق إليه، وأتى في مسالك التربية والترقية بما لم يعرج أحد عليه لبلوغه رضي الله عنه أقصى درجات الكمال؛ في الجمع بين العلم والحال، والهمة والمقال. فأسست طريقته على تقوى من الله ورضوان، وشيدت من العلمين الظاهر والباطن على أقوم القواعد وأقوى الأركان. وأيدت من أنوار الهمة وأسرار العناية بأوضح دليل وبرهان. فعم النفع بها في سائر الأقطار وشاسع الأصقاع والبلدان.
واختص ورده المحمدي اللفظ والترتيب، الأحمدي السر والتركيب، بتحقيق السير في مقامات الدين الثلاثة، وسائر منازلها، على الأسلوب الغريب والمنهج العجيب، كما يتبينه المنصف الذي كحلت عينه بإثمد الأنوار الإيمانية، بالوقوف عليه مبسوطا في كتاب «ميزاب الرحمة الربانية» ويتحققه السالك المحافظ على هذا العهد في السر والعلانية، من طريق الذوق التام بالمشاهدة العيانية. فلا جرم أن الله تعالى أحيا به مراسم السنة بعد اندثارها، وأوضح معالم الطريقة بعد خفاء آثارها، وأطلع به شمس الحقيقة بعد أفولها واستتارها.
ولله در العلامة المحقق شيخ مشايخ العلوم النقليات والعقليات المبرز على أهل زمانه في تحقيق الكليات منها والجزئيات، أبي زيد سيدي عبد الرحمن بن أحمد الشنجيطي المتوفى بفاس العليا في شوال سنة أربع وعشرين ومائتين وألف، حيث قال فيما نسجه في مدح سيدنا رضي الله عنه على أبدع منوال وأعجب مثال:
أحيــا طريقــة أهـل الله فهـي بـه مؤلــف شمـلهــا والكسـر مجبــور
شيخ المشايخ مـن فـي طـي بردته جيب على النور والأسرار مزور
من داره جنة الفـردوس وهـو بهـا رضوان خازنها أذكارهـا الحــور
يفيض من سلسبيل الذكر كوثرهـا فاشـرب مفجــرهـا فأنـت مأجـور
أوراده عن رسـول الله قـد رويــت كـــذاك أفعـالــه والســـر مـأثــور
فانقــل فديتــك فــي آثــاره قـدمـــا فإن فعلــت فـذاك النقــل مـدخـور
واحرص بأن تنتمي يومـا لجـانبـه فحــظ مـن ينتمــي إليــه مـوفــور
أقول: “ولفظ التجاني بكسر المثناة مشددة وبالجيم المشددة أيضا، وقد تخفف كذا ضبطه بعضهم”: ولد المترجم رضي الله عنه عام خمسين ومائة وألف، ومات رضي الله عنه عام ثلاثين ومائتين وألف. فيكون قد عاش ثمانين سنة، وكانت وفاته صبيحة يوم الخميس السابع عشر من شوال، بعد أن أدى فريضة الصبح على حالة الكمال، ثم اضطجع على جنبه الأيمن رضي الله عنه، ودعا بماء فشرب منه، ثم عاد إلى اضطجاعه على حالته، فطلعت روحه الكريمة، وصعدت إلى مقرها الأقدس، ولحقت بسربها من محضرها الأنفس.
حضر جنازته المباركة، ما لا يكاد يحصى من علماء فاس وصلحائها وفضلائها وأعيانها وأمرائها، وصلى عليه إماما علامتها الأوحد ومفتيها الماهر الخريت الأمجد، الفقيه النحرير المشهود له بالتحقيق والتحرير، أبو عبد الله سيدي محمد بن إبراهيم الدكالي نسبة إلى الإمام التونسي الشهير، وازدحم الناس على حمل نعشه المبارك الميمون، وكسروه بأثر دفنه أعوادا صغارا ادخروها للتبرك بما حمل فيه من السر المصون.. ودفن بزاويته التي بفاس وعلى قبره الشريف هيبة وجلالة وجمال وإيناس. رحمه الله تعالى” اهـ من كتاب «حلية البشر».