تعاليمه

تعاليم ووصايا الشيخ أبي العباس التجاني رضي الله عنه

هذه قراءة موجزة في الرسائل المنسوبة لسيدنا الشيخ رضي الله عنه، الواردة في كتاب جواهر المعاني، وذلك لأهميتها ونفاستها من جهة، وللفت عناية المحبين إلى قراءتها ودراستها واستخلاص العبر والدروس منها من جهة أخرى.

أول ما أوصى به رضي الله عنه في الرسالة الأولى: وأكد عليه، هو تقوى الله تعالى وارتقاب المؤاخذة منه في الذنوب والمخالفات، وإن وقعت المخالفة، والعبد غير معصوم، فعليه بالمبادرة بالتوبة والرجوع إلى الله.
كما حذر رضي الله عنه من الأمن من مكر الله. وحذر الفقراء من التفريط في الورد، ومن مقاطعة الخلق. وحث رضي الله عنه على التزاور في الله، والمواصلة في الله، والإطعام في الله، والصبر لأمر الله.
كما حث رضي الله عنه على الإكثار من مكفرات الذنوب، كصلاة الفاتح وصلاة التسبيح ودعاء: “اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي”، ووظيفة اليوم والليلة، وغيرها من الأذكار التي يرجع إليها في مظانها.

وفي الرسالة الثانية: أمر الشيخ رضي الله عنه بحفظ الحدود الإلهية وترك مخالفة أمر الله، وبالتزام نصيب من مكفرات الذنوب كالحزب السيفي، والمسبعات العشر، وصلاة الفاتح.
وأمر رضي الله عنه بالمحافظة على الصلوات المفروضة في الجماعة، وعلى ذكر الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والقصد بذلك التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وبالمحافظة كذلك على التصدق في كل يوم وليلة، بعد المحافظة على أداء المفروضات المالية.
وحث على صلة الرحم وطاعة الوالدين، وتجنب البحث عن عورات المسلمين، وعلى الإكثار من العفو عن الزلل والصفح عن كل مؤمن، وعلى عدم الاعتراض على الناس بما أقامهم الله فيه، وعلى التزام خلوة الذكر، وأقل ذلك عند الورد اللازم للطريق.
وأمر رضي الله عنه بطاعة المقدم والتزام الوظيفة ولو مرة بين اليوم والليلة.
وبعد ذلك أوصى المقدمين أن يعفوا عن الإخوان، وأن يصلحوا ذات بينهم، وان لا يتشوفوا لما في أيدي الفقراء؛ بل حث رضي الله عنه المقدمين أن يحفظوا ما في أيدي الإخوان من التبذير والتشتيت.
كما نبه إلى وجوب التسليم للعامة ولولاة الأمر، وعدم التعرض للرياسة.
وحث في آخر هذه الرسالة على الوقوف بباب المتعال عند حلول المصائب بالتضرع والابتهال، وأمر رضي الله عنه بالصبر على المصائب والرضا بالقضاء والشكر التام على النعماء.

وفي الرسالة الثالثة: حث رضي الله عنه على الصبر، ثم أمر بالتواصي بالصبر والتواصي بالرحمة، ومراعاة هذه الحقوق في غير كلفة ولا ثقل ولا تكلف.
وفي آخر الرسالة أمر الفقراء أن يصونوا قلوبهم من أن يبغضوا من فعل حقا يخالف هواهم، أو أن يحبوا أحدا فعل باطلا أو هدم حقا يوافق هواهم، واستدرك رضي الله عنه قائلا :”إن بغض أهل الباطل محله القلب فقط، لا يخرج إلى الجوارح لأن ذلك يؤدي إلى منكر أعظم منه”.

والرسالة الرابعة: تضمنت وصيتين مهمتين:
الأولى: هي التعلق بالله تعالى في كل الأحوال، والتعويل عليه بالقلب، والرضا بحكمه في جميع الأمور، والصبر لمجاري الأقدار الإلهية؛ وبين الوسيلة إلى ذلك كله وهي الإكثار من ذكر الله تعالى بحضور القلب، وأكثر الذكر فائدة هو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
والثانية: هي وجوب ترك المحرمات المالية أكلا ولبسا ومسكنا.

والرسالة الخامسة: استهلها رضي الله عنه بوجوب تقوى الله تعالى، وبما أن التقوى أمر صعب في هذا الزمان، وجه إلى كثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة التضرع والابتهال إلى الله تعالى.
قال رضي الله عنه: “إن الله غفور رحيم بعباده، ودود غني كريم، يستحيي لكرمه، إذا رأى عبدا قد تعود الوقوف ببابه ولو في أقل الأوقات، أن يسلمه للمصائب التي لا مخرج منها”.

وفي الرسالة السادسة: أمر رضي الله عنه بالمحافظة على قوله عليه الصلاة والسلام: «ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات فهي تقوى الله في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه».
وأرشد رضي الله عنه في هذه الرسالة إلى الحلول لمواجهة تحرك الشر من الناس من غير سبب، فالحل الأمثل والوجه الأعلى هو أن يقابل هذا الشر بالإحسان، والوجه الذي هو دونه هو الصفح والعفو، وإلا فالصبر لثبوت مجرى الأقدار.
وإن اشتعلت على الإنسان نيران شر الخلق فليدفع بالتي هي أحسن وليهرب إن قدر الخروج من مكانه، فإن لم يجد فليدافع بالأقل فالأقل من الإذاية، وليفعل ذلك ظاهرا، ويكثر من التضرع إلى الله تعالى.
وفي الشق الثاني من هذه الرسالة، أمر الشيخ رضي الله عنه بشكر نعم الله ومقابلتها بطاعة الله، وأشار إلى أن قراءة الفاتحة بنية الشكر هي أعلى وجوه الشكر.
كما أمر رضي الله عنه وأرضاه في آخر الرسالة بوجوب المحافظة على قواعد الشرع في معاملة الأسواق، بتجنب الغش والتدليس والكذب، وحذر من أكل الحرام.

وفي الرسالة السابعة: بعد أن ذكر الفقراء بعلو مقامه رضي الله عنه عند الله، تحدثا بنعمة مولاه، أمرهم وأكد عليهم بوجوب تعظيم حرمة الأولياء الأحياء منهم والأموات وعدم إهانتهم.

وفي الرسالة الثامنة: بين رضي الله عنه الكيفية لصحة التوجه إلى الله تعالى في الذكر:
أولا: أن يكون الذكر طلبا لوجه الله الكريم لا لغرض؛
ثانيا: صيانة اللسان من المخالفات القولية من غيبة ونميمة وكذب وسخرية؛
ثالثا: صون القلب من الكبر والحسد وظلم الناس والبغض لغير أمر شرعي، إلى غير ذلك من جميع الأمور التي لا ترضي الله عز وجل.

وفي الرسالة التاسعة: أشار الشيخ رضي الله عنه لمن سأله عن التصرف ببعض الأذكار والأسماء وخواصها أن لا يتعب نفسه في تتبع تلك الأسرار والخواص.
وختم رضي الله عنه الرسالة بقوله عز وجل: (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدِ اِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ) (النجم : 29 – 30).

وأما الرسالة العاشرة والحادية عشر والثانية عشر: فهي عبارة عن إجازات وأجوبة خاصة.

وفي الرسالة الثالثة عشر: أكد رضي الله عنه على ضرورة تعلق القلب بالله والثبوت لمجاري الأقدار الإلهية، وعدم اعتياد النفس بالجزع من أمر الله تعالى، فإن اشتد الكرب فالتضرع إلى الله تعالى لتفريج ما ضاق.
وحذر من تكرار الفزع إلى الله تعالى في كل كرب، فإنه بذلك يصير الجزع من أمر الله تعالى عادة، بل الأمر يكون مرة ومرة، مرة الثبات لأمره تعالى وعدم الجزع ولا طلب التفريج، ومرة التضرع إليه تعالى لطلب التفريج.

وفي الرسالة الرابعة عشر: أعطى رضي الله عنه ترياقا لتقويم اعوجاج النفس وهو: قمع النفس من متابعة الهوى مع دوام العزلة عن الخلق، والصمت، وتقليل الأكل، والإكثار من ذكر الله بالتدريج، وحضور القلب مع الذكر، وحصر القلب عن الخوض في أمور الدنيا، وحصر القلب عن جميع المرادات والاختيارات.

وفي الرسالة الخامسة عشر: – الموجهة إلى أحد المسؤولين- أمر الشيخ رضي الله عنه بتقوى الله وبمراقبته بالقلب. وبالشفقة والرأفة بعباد الله خاصة الضعفاء والمساكين وقضاء حوائجهم.

وفي الرسالة السادسة عشر: أكد الشيخ رضي الله عنه في جوابه لأحد أحبابه من التجار على وجوب الاقتصاد والتوسط في النفقة والصدقة والبذل بقدر اتساع المال، وقدر المصروف على الأهل والنوائب، وعلى قدر المدخول من التجارة والأسباب في كل وقت.
ونصح رضي الله عنه بالاعتناء بتحصين المال من التلف، وقال بهذا الصدد: “فإن مالك به يصان إيمانك بالله تعالى”.

واشتملت الرسالة السابعة عشر: على أمور كثيرة بدأها رضي الله عنه بتقوى الله تعالى، وكلمة الحق في الرضا والغضب على الصديق والعدو، والقصد في الغنى والفقر، والفزع إلى الله تعالى واللجوء إليه وتعلق القلب به، والحياء منه.
وبين الشيخ رضي الله عنه الفرق بين حياء العامة وحياء الصديقين:
فأما حياء العامة ففسره بقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: «أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».
وأما في حق الصديقين فهو: إطراق الروح من هيبة الجلال.
وحثت الرسالة أيضا على التقرب إلى الله تعالى بمحق العلائق، وقطع العوائق، لا لغرض بل قياما بحق عظمته وجلاله وحبا لذاته سبحانه، وعلى المبادرة بالتوبة والتضرع إلى الله تعالى، وعلى الاهتمام بنفع عباد الله تعالى، والمحافظة على حقوق الإخوان في الطريقة لله، وتَحيُّن الأوقات الفاضلة للخلوة مع الله تعالى كوسط الليل إلى طلوع الفجر، وبعد صلاة الصبح إلى الضحى، وبعد صلاة العصر إلى العشاء.
وحذر من خلال هذه الرسالة من المجالس ومآخذ العلم التي تؤدي إلى الدخول في مداخل العامة أو الأحوال المخزنية.
وأكد على الاهتمام بما يصلح به الإنسان نفسه أولا مما يلزمه من صباحه إلى مسائه.
وحث على شكر الله في وقت النعمة والصبر في وقت الشدة، ووجوب التوبة في وقت المعصية، وشهود المنة في وقت الطاعة، والإخلاص في ذلك كله لله.

وفي الرسالة الثامنة عشر: أوصى رضي الله عنه وأرضاه مخاطبه بأمور:
أولها: وجوب كتم السر. قال رضي الله عنه: “فالأسرار قبورها صدور الأحرار، والأسرار قبورها صدور الأخيار، والأسرار قبورها صدور الكبار”؛
وثانيها: عدم التفريط في أمر الله على قدر الاستطاعة؛
وثالثها: عدم الأمن من مكر الله؛
ورابعها: وجوب الاعتناء بالضعفاء والمظلومين.

زر الذهاب إلى الأعلى