هل الطريقة التجانية طريقة إصلاحية ضمن مسار التصوف المغربي العام ؟
د . مولاي علي الخاميري
أستاذ جامعي – مراكش
وبمعنى آخر هل يمكن أن نفسر قلة وخفة أوراد الطريقة التجانية بنوع من النقد المعبر عن رؤية إصلاحية ، انطلقت من الأوراد والأذكار ، وهدفت إلى عملية تقويمية لأمثلة من معوقات المُمَارَسَة كالكثرة والشدة ؟.
سؤال عريض ، يصلح للحديث ، ويصح الخوض فيه ، تعلق بذهني ، وظل يراودني منذ أن قرأت كتاب الأستاذ عمر ازدادو : ( من بركات وأسرار الورد التجاني ) .
ولا أقول إنني سأجيب عنه بالإثبات ، أو النفي ، وإنما أطرحه للنقاش لعلني أجد مَن يشاركني المسألة من العلماء والعارفين ، ولاسيما من أتباع الطريقة التجانية .
بعد قراءة الكتاب المذكور ارتسمت في ذهني مجموعة من المعطيات المتعددة والمتنوعة ، على رأسها أن معظم ملوك الدولة العلوية المتأخرين كانوا من أتباع الطريقة التجانية بدءا من المولى سليمان الذي أهدى للإمام التجاني مقرا مؤقتا للإقامة وممارسة شعائر الطريقة ، يقول المؤلف بعد أن ذكر ترحيب السلطان المولى سليمان بالشيخ التجاني أنه : ( أنفذ له الدار المعروفة بالحضرة الفاسية بدار المراية…..- 50 ) .
وأضيف هنا للتبيين أكثر أنه عند ترجمته لأبي المواهب – كما سماه – العربي بن محمد بن محمد السايح ذكر مجموعة من أسماء تلامذته إلى أن وصل إلى محمد بن خليفة المدني التونسي دفين مكناس ، قال رواية عن مؤلفه محمد الأمزالي ما يلي : ( ومما تبرك بالأخذ عنه ومجالسته مولانا سلطان المغرب الحسن الأول رحمه الله…..فقد لقنه أبو المواهب عددا من صلاة الفاتح – 198 ) .
وما قلته سابقا يذكرني بمحتوى سؤال آخر ، رائج بكثرة ، يدور حول علاقة السلطان المولى سليمان بمحمد بن عبد الوهاب ودعوته المشرقية ، وبالطبيعة المتحكمة في تصوره للدين أيام حكمه ؟ فالرواية التجانية تدحض كل ما يسمع ، وتثبت عكس كل ما راج ويروج .
ومن تلك الارتسامات الكشف عن مجموعة من أسماء العلماء ومؤلفاتهم المختلفة في شأن الطريقة التجانية ، ونستطيع أن نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر الأسماء والمؤلفات التالية :
- علي حرازم الفاسي صاحب كتاب : ( جواهر المعاني في فيض أبي العباس التجاني ) .
- محمد بن المشري مؤلف كتاب : ( الجامع لدرر العلوم الفائضة من بحار القطب المكتوم ) .
- أحمد سكيرج صاحب كتاب : ( كشف الحجاب ورفع النقاب ) .
- العربي بن السايح مؤلف كتاب : ( بغية المستفيد لشرح منية المريد ) .
- محمد الطيب الفاسي صاحب كتاب : ( الإفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية ) .
- عمر بن محمد بن علي صاحب كتاب : ( تعطير النواحي بترجمة العلامة سيدي إبراهيم الرياحي ) .
- رضوان دو أحمد مؤلف كتاب : ( بستان المريد التجاني ) .
- أحمد الأزمي صاحب كتاب : ( الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي ) .
ومن تلك الارتسامات كذلك التي أثيرت ، وستبقى مثيرة ما يتعلق بمصدر الورد والأذكار التجانية ، يقول مؤلف الكتاب : ( فالذي لقن الأذكار للشيخ سيدي أحمد التجاني قدس الله سره هو سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حضورا ، لا مناما وذلك حين أتاه بالفتح المبين بقرية أبي شمغون وقد علمه إياه على مرحلتين متباعدتين زمانا ، في المرحلة الأولى علمه فيها : مائة من الاستغفار ، ومائة من صلاة الفاتح ، وفي المرحلة الثانية زاده مائة من الكلمة المشرفة ” لا إله إلا الله ” – 89 ) .
الباحث يقف في حيرة من أمره مع مثل هذه الروايات المتعارضة مع منطوق الدين ، ومع من يتخذ العقل وسيلة للفهم ، وأنا هنا لا أرفض ، ولا أقبل ، ولكني أوسع البحث كما تراءى لي بإضافات جديدة ، أرويها للقارئ على النحو التالي :
١ – يبدو أن هذا امتياز خصت به الطريقة التجانية وحدها على ما أعلم ، وياله من امتياز يجعل ما يُرى ، ويٌلمَس من تَعَالٍ تجاني مدركا وله سنده الأولي من جهة التفسير والفهم مقارنة ببقية الطرق الصوفية .
٢ – كيف نفسر إيمان الناس ، ومنهم علماء وفقهاء وملوك بالطريقة التجانية ، والتشبث بمبادئها وَوِردِها في صيغته الأصلية السابقة إلى يومنا ، وبكل احترام وتقدير لشيخها ، هل المومنون بذلك هم أكثر الناس وعيا وإدراكا ؟ هل الإنسان متفاوت القدرات في تلقي الظواهر وتحليلها ، وخاصة ما يتصل منه بظاهرة الاصطفاء بمفهومها الصوفي…..؟ كيف سنقضي على التعارض الموجود بين الرواية التجانية وبين بعض نصوص الدين ، وبين الرافضين والمنكرين عليها من الطوائف الأخرى ……؟
يقول الأستاذ عمر ازدادو في تتمة النص السابق : ( وقد تم للشيخ أحمد التجاني نيل ذلك الشرف بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جالسه وكلمه ، وعلمه الذكر الكريم ، وأمره أن يلقنه لسائر المسلمين والمسلمات ممن طلبوه ، وسييسر الله تعالى قلوب الصادقين منهم لتحمله ومعرفة أسراره……) .
٣ – وبرؤية مغايرة هل يمكن القول إن الشيخ التجاني لما كشف عن مصدر أوراده وأذكاره وبسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقلة الملاحظة كان مدفوعا بهم إصلاحي ، يروم من خلاله رد المسلم إلى الطريق الصحيح ، وتخليصه من ثقل أوراد بقية الطرق الصوفية ، وسيطرة شيوخها على المريدين ، وأن يتم ربط المريدين ، وعموم الناس مباشرة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرب العزة ؟ سؤال وجيه ومقبول يجب أن يطرح ، وإذا تأكد بصيغته الأخيرة فإن الطريقة التجانية سترتقي إلى مصاف الدعوات الدينية ذات المنحى الإصلاحي المقصود .
٤ – من النصوص الشعرية الجميلة التي أعجبتني كثيرا ما سماه المؤلف بالقصيدة الاعتذارية التي تنسب إلى السلطان المولى حفيظ ، ومطلعها هو :
ألا هل يلذ النوم والربع شاسع
وهل من لقاء الحِبِّ يُغني التواضع .
وهي قصيدة طويلة ، صاغها السلطان المذكور ( بمهارة شعر الاعتذار كالنابغة الذبياني….يعتذر فيها عن تركه للطريقة التجانية في فترة بسبب الوشاة ، ورجوعه إليها معتذرا عن سابق ما حدث….- 207 ) .
٥ – تطرح الطريقة التجانية تساؤلات جديدة تدفعنا إلى إحضار المقارنة الضرورية بينها وبين بقية الطرق الصوفية ، وهذا ما سميته سابقا بتعالي الطريقة التجانية ، فشروط الصحبة التجانية كما رواها الأستاذ ازدادو تتكون من البنود التالية :
- أن يكون طالب التلقين خاليا من أي ورد من أوراد المشايخ ، فإن خالف رُفِع عنه الآذان .
- عدم زيارة أحد من الأولياء الأحياء والأموات .
- أن يديم ورده دون انقطاع حتى الممات .
- احترام مقام الشيخ ودوام محبته .
- ألا ينتقد شيخه وأن يعتقد فيه الصدق بدون شك ولا ريب .
ثم يقول المؤلف : ( فإن خالف شرطا من هذه الشروط فقد انقطع عن شيخه ، ورُفِع عنه الإذن – 33\ 34 ) .
يمكن في الأخير أن أصرح باستنتاجات ممكنة بدلا من الأجوبة الصريحة عن الأسئلة المطروحة ، وأقول : إن الطريقة التجانية فيها شيء ، أو أشياء مما قيل ، وأن منظومتها قابلة للتأويلات المتعارضة فيما بينها ، فقد نجيب بإيجابية الطريقة ، ورغبتها في الإصلاح ، ولهذا اعتمدت التسهيل والتبسيط في كل شيء ، ولم تقحم نفسها في لجاج الأسئلة الصوفية الكبرى ، وبقيت معتمدة على التربية والتلقين على النحو السهل الذي رأينا ، واتجهت إلى الجنوب نحو الأدغال الإفريقية بدل المشرق ، مخالفة بذلك ما جرى عليه العمل عند الطوائف الصوفية المتبقية ، وأغلب جمهورها من العلماء والفقهاء والملوك ، يشهد لذلك كله طول تجربة الشيخ التجاني ، وانتقاله ما بين ضفاف معارف وطرق متعددة قبل أن يهتدي إلى طريقته كما جاء كل ذلك مفصلا انطلاقا من الصفحة : 20 من كتاب الأستاذ ازدادو : ( من بركات وأسرار الورد التجاني ) .
مراكش في : 7 جمادى الأولى 1446 هج \ 10 نونبر 2024م