ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
[ خطورة الخرافات و الأساطير وولع الناس بها ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله رب العالمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبعوث رحمة للعالمين* ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، وسلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عباد الله، يقول الله تعالى في سورة الأنعام عن حال الكفار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عند مواجهته إياهم بإسماعهم القرآن: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمُ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)) وقال تعالى في سورة الفرقان:(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا 5)) والأساطير هي الخرافات والباطل من الحديث و القصص، قالوا ذلك جحودا وإنكارا أن يكون القرآن كلاما من عند الله، واتهاما للنبي صلى الله عليه و سلم بأنه مفتر و مختلق ولكن الله فضح بهتانهم. و قد تتساءلون ـ معاشر المؤمنين ـ عماذا يكون حديثنا اليوم في هذه الخطبة وما صلته بموضوع هذه الآيات؟ نقول حديثنا عن موضوع له ارتباط بأحداث واقعنا، هذا الموضوع نكشف من خلاله أمرا بالغ الأهمية وهو أن الناس بصفة عامة:عامتَهم وخاصتَهم ـ إلا القليلَ منهم ـ مولعون بالخرافات والأساطير، يتهافتون عليها كأنها حقيقة، و يرتاحون إلى تصديقها و إشاعتها لأنه يرونها تقدم لهم تفسيرا لكثير من الأمور الغامضة في الماضي و الحاضر والمستقبل، تفسيرا يجدون له اطمئنانا نفسيا يريحهم من تعب التفكير المنطقي و تكمن خطورة التسويق للخرافات و الأساطير في فكر الناس غير المُحَصَّنين حين تُربط بالدين والعلم معاً ربطا يُفقد الناسَ كل قدرة على التفكير السليم والرؤية الواضحة و يهدم كلا من الدين و العلم معا، و هناك طائفة من الناس في كل زمان يعلمون هذه الحقيقة ويستغلونها أيما استغلال لينالوا مآربهم المادية أو المعنوية، وهذا ما يفسر نشأة الأساطير و انتشارها من قديم الزمن إلى يومنا هذا.ولكن شدة الخطورة تكون عندما يتم إلباس الخرافة أو الأسطورة ثوب الشرع و الدين و القداسة فيصعب محاربتها و كشف باطلها .
1ـ من الخرافات و الأساطير التي يغرق كثير من الناس في لُجَّتها المُنتِنة العَفِنَة ما يتعلق بالسحر و الشعوذة حيث تُوظف الغيبيات ليس كمنشط للعقل و الروح بل كمخدرِ للعقول و مُدمرِ للفكر السليم، فظاهرة الإدمان على طَرْق أبواب المشعوذين و المنجمين و السحرة و مُحترفي الرّقى و عمل التمائم ليست إلا نتيجة الإيمان و التصديق بالفكر الخرافي الذي يُسَلِّم بوجود قدرات خارقة و هائلة عند بعض الأشخاص يستطيعون بها فكَّ المربوط و كشفَ المسروق و جلبَ المحبوب و إهلاكَ العدو وتخليصَ المكروب وبل شفاءَ المريض الذي عجز عنه الأطباء، هذا الفكر الخرافي و الأسطوري هو الذي يجعل البعض يُصدِّق بوجود القوى الخفية التي تنطلق من المعالجين الروحيين، لتسريَ في أجساد المرضى وتمنحَهم الشفاءَ في دقائق معدودات إنها دعوةٌ لطمس العقول وإغلاق المستشفيات، ونبذ العلم، وغلق أبواب البحوث، من يعتقدون أن هذه القوى التي يمتلكها بعض البشر قادرة على تعطيل قوانين الكون، وخَرْق شرائعِ الحياة، والتلاعُبِ بالقوانين الصامدة التي لا يأتيها الباطل أبدا، قد جعلوهم فوق الأنبياء أصحاب المعجزات و كذبوا بسنن الله في كونه و القرآن يفضحهم و يكذبهم بقوله: (ولن تجد لسنة الله تحويلا.)
2ـ ومن الخرافات و التفكير الأسطوري ما يتعلق بالإيمان بالجن و الشياطين فالقرآن و السنة الصحيحة واضحان و بعيدان كل البُّعد عن هذه الخرافات ولكن الناس منهم كثير يصدقون بالجن و الشياطين الساكنة في الجداول و الأنهار و المنازل المهجورة و غير ذلك، و عوض أن يعيشوا حياة عادية وينخرطون فيها بصورة سليمة تتحول حياتُهم إلى تعاسة و شقاء، و تَرَقـُّب و تَوَجُّس لمن يترصد لهم أو يسكنهم أو يسكن معهم، و إنما هي أكاذيب زرعها الدجالون المشعوذون في نفوسهم يمتصون بها أموالهم و يوهمونهم بالخلاص من شيء هم أصلا لا يحتاجون إلى الخلاص منه لولا ثقتُهم و تصديقهم للدجل. و ينزلقون في ممارسات ضالة من ذبح الذبائح وممارسة الطقوس الخاصة بالجن والتمائم والبخور… تُملأ لياليهم السوداءُ بالكوابيس المفزعة ليصُبِّحواويُمَسُّوا على أيام مشؤومة موسومة بالفشل في الحياة العملية و الأسرية والاجتماعية. فيزداد تصديقهم بالتابعة و النحس و الشؤم و المس وغير ذلك. ولو تفحصوا واستخدموا عقولهم و وجدوا عاقلا يرشدهم لعلموا أن هناك أسبابا وحلولا منطقية و عملية وراء كل مشاكلهم بعيدة عن الغيب و الشعوذة لو تخلصوا من التفكير الأسطوري لو جدوا الراحة من هذا العناء.
3ـ من هذه الأساطير و الخرافات بل و الدجل المُبَطَّـَن و المُغلـَّف بالدين ربط الوقائع والأحداث المروعة بعلامات الساعة،ومحاولة إقناع الناس بأنه قد آن أوان خراب الدنيا مع الاتكاء على بعض الأحاديث النبوية ليس في عمومها بل يقول مرجو الباطل و الخرافات إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث عنها بعينها وأن ما حدث الآن قد أنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم به، ويوظفون بطريقة غير مضبوطة علميا و لا منطقيا تلك الأحاديث ويربطونها ببعض الأحداث و الكوارث و الحروب و الأوبئة، فيضللون فئة من الناس و يحيرون فئة أخرى يدفعونهم إلى التساؤل أو التشكك، و تمضي الأيام فتنكشف حقائقُ كثير من الأحداث و الوقائع بعيدا عن تلك التحليلات و التفسيرات الأسطورية، و لكن المروجين خبطوا خبطتهم واستفادوا ماديا منها لأن كما هائلا من الناس استهلكوها وروجوها، و الغريب العجيب أن ذاكرة الناس سريعة النسيان ـ وهذا أيضا مما يعرفه مروجو الباطل ـ فكم حدث هذا من مرة و في كل مرة تنطلي اللعبة و الخدعة كأنها تحدث لأول مرة، وهكذا يتحول الإعلام والتواصل السمعي البصري و منابر وقنوات التواصل الاجتماعي المتنوعة من وسيلة لنفع الناس و تنويرهم بالعلم والمعرفة و التواصل الجاد و الإيجابي إلى وسيلة لممارسة التضليل: تستغل الحرية المتاحة في هذا المجال للتضليل و الإغواء و جني الأرباح و الاغتناء بناء على الدجل و الكذب و إلهاء الناس عن الحقيقة وصرفهم عنها. فكونوا عباد الله على يقظة و حذر نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزةعما يصفون…
الخطبة الثانية*
الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
معاشر المؤمنين إليكم حديث صحيح من أحاديث الفتن بعيدا عن كل أسطورة و خرافة و لكن قد يفسره بعضهم و يؤوله حسب ما يبدو له فيظن الناس أن ذلك التفسير و التأويل حقا بل يظن أنه مما قاله النبي صلى الله عليه و سلم و هو إنما قول رجل هكذا فهم و يريد أن يفهم الناس مثل فهمه ولكن قد يصيب و قد يخطئ، اسمعوا :(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عنه وعن أبيه قال: كنت عاشر عشرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، وابن مسعود وحذيفة، وابن عوف وأبو سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فجاء فتى من الأنصار فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خُلقاً، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ (أي أذكى و أعقل)ـ قال: أكثرُهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً قبل أن ينزل بهم، ثم إن الفتى جلس فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ،1ـ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يعملوا بها، وفي رواية: حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ـ (أي يتباهون) ـ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،2ـ وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ(يدخل هنا كل أنواع الغش)إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ(بالجفاف) ـ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، 3 ـ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، 4ـ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، 5ـ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ )
واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد
البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com