مقالات

الطريقة التجانية أسهل الطرق إلى الله عز وجل

يقوم سيدي إدريس العراقي رحمه الله بتوضيح ما خص الله به هذه الطريقة التجانية من خصائص يتناولها في هذه المقالة بتوثيقه المعهود فلنتابعه في هذه الحلقات من كتابه الرسالة الشافية في مقالة رائعة نرجوا الاستمتاع بها

لسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله

الطريقة التجانية أسهل الطرق إلى الله عز وجل

قد امتازت طريقة شيخنا أبي العباس مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه على غيرها من سائر طرق أهل الله تعالى بمزايا كثيرة، وخصت بخصائص منيفة شهيرة:
1- مدار التربية والتزكية فيها على إقامة الورد الأصلي المعلوم، الذي لا يصح الدخول فيها بدونه لأحد من الخصوص ولا من العموم، وتوابعه من الأذكار المشمولة باللزوم معه، وذكر الهيللة بعد عصر يوم الجمعة، بالمحافظة في جميع ذلك على الشروط المشروطة، والتزام الآداب التي هي بغاية الحسن ونهاية الكمال منوطة، وأكد تلك الشروط وأعظمها، المحافظة على إقامة الصلوات الخمس بأركانها على الحد المحدود لها شرعا بقدر الإمكان، واستكمال شروطها وآدابها وتمام جميع ما لها من الأركان، ثم عمارة ما يقدر المريد على عمارته من الأوقات والساعات بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا بصلاة الفاتح لما أغلق التي هي من أسمى الذخائر وأسنى البضاعات على طريق المحبة والشكر والاعتماد على الفضل المحض الذي ليس إلا عليه في بساط التحقيق المعول، من غير التزام خلوة ولا كثرة مجاهدة ولا اعتزال عن الناس، ولا أكل الحشيش والنخالة، ولا المبالغة في التقشف والتقلل وغير ذلك مما اصطلح عليه في التربية من بعد الصدر الأول إذ هذه طريقة سيدنا رضي الله عنه التي سلكها وأمره بالتسليك عليها سيد الوجود، ومنبع الإمداد والجود، صلى الله عليه وسلم بدليل ما ذكره في جواهر المعاني بعدما أعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيدنا رضي الله عنه بأنه هو الواسطة بينه وبين الله تعالى والممد له على التحقق وصرح له بأنه هو كفيله ومربيه دون غيره من مشايخ الطريق، وقال له في وصيته التي أوصاه بها: ((التزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة)) انتهى
قال في البغية بعدما نقل ما تقدم عنه: وفرق بينهما أي بين التربية كان عليها السلف الصالح من الصدر الأول التي هي طريقة الشكر والفرح بالمنعم سبحانه وإياها سلك النبي صلى الله عليه وسلم بالشيخ رضي الله عنه وبين التربية التي سلكها من جاء بعد الصدر الأول، وهي طريق المجهدة والمكابدة والرياضة البدنية بأن السير في الأولى سير القلوب وفي الثانية سير الأبدان، ومعلوم أن الأهم الذي عليه المدار في طريق الوصول إلى حضرة الله تعالى هو سير القلوب بالنظر في أحوال القلب وما يصلحه ويفسده على سنن الإعتدال والتقييد بالشريعة المطهرة والسنة الشريفة المنورة، لا على التضييق على النفس بالتقشف والاستخشان في المأكل والملبس والكد والتعب من غير التفات إلى أحوال القلب على الحد الذي تقرر، وإنما آثر من بعد القرون الثلاثة التسليك بالطريقة الثانية لما كثرت الأهواء وتشبعت الآراء فاستعانوا بذلك على تطهير النفس وتزكيتها ليستنير القلب ويتخلص من كدورات الهوى انتهى.
الرسالة  الشافية
العلامة الشريف إدريس العراقي

2-إنه لا سند لها إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فإن مولانا الشيخ التجاني قدس الله سره تلقاها من سيد الوجود وعلم الشهود ومنبع الفضل والجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما بلا واسطة أحد، فقد قال رضي الله عنه: “قد أخذنا عن مشايخ عدة فلم يقض الله تعالى بتحصيل المقصود، وإنما سندنا وأستاذنا في هذه الطريق هو المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد قضى الله سبحانه بفتحنا ووصولنا على يديه ليس لغيره من الشيوخ فينا تصرف )”، وقال أيضا في بعض رسائله: “سندنا في الورد المعلوم النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى. وإلى هذا الإشارة بقول صاحب المنية:
أخــذ هــذا الــورد شــيــخـنـا الإمـام

عـــن الرسول المصطفى خير الأنام
يـــقــظـــــة وكـــــل مـــا سـيـذكـــــر

مــــن الـمـــــآثــــر فــعـنـــه يـنـشـــر
وقال في البغية: اعلم أمدنا الله وإياك بأنوار اليقين وسلك بنا وبك مسالك الذين يؤمنون بالغيب من عباده المتقين، أن لهذه الطريقة الشريفة بين الطرق مكانة عالية ومرتبة قصوى سامية وذلك لما امتاز به أهلها من الانتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الأنبياء، وسلطان مملكة الأصفياء إذ لا أستاذ لها إلا أستاذ الأساتذة كلهم على الإطلاق، وإمام الكل وممد الكل وسيد الكل بالإطباق صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام البررة السباق انتهى.
وسيأتي الكلام على الاجتماع به صلى الله عليه وسلم يقظة والأخذ عنه أنه أمر جائز، ثابت على وجه الكرامة لمن رزقه الله الفتح وهو به فائز.
الرسالة الشافية
العلامة المحقق: الشريف إدريس العراقي

3-أنها طريقة الفضل المحض بلا علة ولا سبب، قال العلامة الشريف العارف بالله المنيف سيدي الحاج الحسين الافراني المتوفى في تزنيت يوم ثالث شوال عام 1328هـ ما نصه بعد الحمدلة والتصلية: “إلى جميع الإخوان التجانيين برودانة وغيرها من الأقطار السوسية أفاض الله على جميعكم الفيوض الختمية التي تلحق جميعكم بمن تقد من السلف الصالح وإن لم تنهجوا نهجهم، وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم هذا فنحب من كمال الأخوة أن لا تنسوا حق الإيخاء.
أما بعد فاعلموا منه أن جميع الإخوان بفضل الله قد أفاض الله عليهم فيضة من السعادة بلا وجود سبب ولا شرط ولا انتفاء مانع بل بسابق العناية الأزلية تغنيهم عن طلب الزيادة لكونهم محبوبين عند الله في الأزل لأنه تعالى جعلهم من أهل الدائرة الفضلية المكنوزة من وراء خطوط الدوائر التي هي دوائر الأمر والنهي والجزاء خيرا كان أو شرا، فإن هذه الدوائر هي دوائر عموم الخلق وتلك الدائرة الفضلية هي دائرة اختصاصه واصطفائه سبحانه وتعالى يختص بها من يشاء من خلقه.
قد جعل الله سبحانه فيضها فائضا من بحر الجود والكرم لا يتوقف فيضها على وجود سبب ولا شرط ولا زوال مانع، بل الأمر فيها واقع على اختصاص مشيئته فقط ولا يبالي بمن كان فيها وفى بالعهود أم لا، انتهج الصراط المستقيم أم سقط في المعاصي والطريق الوخيم، ولا يبالي فيها لمن أعطى وعلى ماذا أعطى، وإن من وقع في هذه الدائرة كملت له السعادة في الآخرة بلا شوب ألم ولا ترويع، وفيها أوقع الله شيخنا القطب المكتوم رضي الله عنه وجعلها دائرة أهل طريقته وأوقعهم فيها فضلا منه وجودا وكرما لشدة عنايته بسيدنا الشيخ رضي الله عنه الذي جمع له بين مقام المحبة والخلة الناشئتين من هذه الدائرة التي بها اتخذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله حبيبا وخليلا وسيدنا إبراهيم خليلا لوراثته رضي الله عنه إياهما من هذين النبيين ولذلك كانت طريقته رضي الله عنه طريقة المحبة والشكر.
قال الله تعالى: “إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم “، وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: “أفلا أكون عبدا شكورا”، وهذا من أهم ما ينبغي ذكره للصادق، وعلى رغم الشقي المنتقد، لينتبه له كل موفق من أهل هذه الدائرة العظيمة التي أوقع الله فيها هذا الشيخ العظيم القدر وأهل طريقته وحزبه، ويتبين لكل ناظر في هذا المحل أنه لا ينكر فضله رضي الله عنه على جميع الأولياء وفضل أهل طريقته على غيرهم من أهل سائر الطرق ولا يستغربه إلا من غفل عن هذه الدائرة العظيمة وجهل أنها دائرة طريقه وفيها يسبح أهلها وكان مسجونا في سجن عقله جاهلا بسعة رحمة ربه وكونه، فاعلا مختارا يفضل من يشاء ويعطي من يشاء لا يسأل عن ما يفعل ومن بحرها سخر الله له جده سيدنا ومولانا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحبه محبة لا تكيف ولا تعرف، ومن بحرها جعله القطب المكتوم والبرزخ المختوم والخاتم المحمدي المعلوم ومركزا يتفجر منه لجميع الأغواث الفيوض والعلوم ومن بحرها تفضل علينا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخريدة الفريدة التي هي خاصة به صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الدائرة الفضلية قال مولانا تعالى: “ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينـزل عليكم من خير من ربكم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم” وقال في الرماح قد ذكر في القرآن نحو ثلاث وعشرين آية تشير كلها إلى الدائرة الفضلية، انتهى.
وذلك المذكور كله من فوائد تسمية الطريقة محمدية ولغرابتها عند أهل الطريق في هذا الزمان تجد الكثير من أهل العلم وبعض المتصوفة وغيرهم من المتصلحين ينكرون وجودها بل لا يدرون لها حقيقة أصلا والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال شيخنا أبو المواهب السائحي: “ومن هذه الحيثية أي من حيث ما عم في الوقت من الجهل بعلم الطريق كبر في صدور الناس أمر طريقتنا هذه المحمدية حتى ادعوا أنها لا شيخ لها ولا إمام، فلم يهتد إليها إلا من سبقت له العناية الأزلية لا غير انتهى من بغيته.
ولغرابتها أيضا نص القطب الشعراني رضي الله عنه في تآليف الأخلاق المتبولية على عدة وافرة من أكابر الأولياء المشايخ أنهم على هذه الطريقة المحمدية منهم القطب الغوث السيد إبراهيم المتبولي ومنهم القدوة العظمى الأمي المحمدي الشيخ علي الخواص ومنهم الشيخ الأمي المحمدي سيدي محمد العدل ومنهم الشيخ الصالح الأمي المحمدي الشيخ محمد بن داوود بنواحي المنـزلة، فكل هؤلاء محمديون في الطريقة لا شيخ لهم إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. ونقل في لطائف المنن والأخلاق أنه قال: “أدركت بحمد الله جماعة ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة وعد منهم السيد علي الخواص والحافظ السيوطي، قال وكان سيد إبراهيم المتبولي يقول نحن خمسة لا شيخ لنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنيد يعني نفسه وأبو مدين والشيخ عبد الرحيم الفناري والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر والشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنهم انتهى.
ونقله في البغية، وإنما أطلت الكلام في هذه المنقبة العظيمة إذ لم نعلم فيما وقفنا عليه من ككلام أهل الله ما يدل على أن تلاميذه من أهل هذه الدائرة إلا شيخنا رضي الله عنه لغرابة شأنها، وقد نص شيخنا أبو المواهب في بغيته على أن من يفهم هذه الطريقة وأسرارها وحكمها يكفيه ذل منقبة، وعليه فأوصيكم بتقوى الله والجد والاجتهاد في الأوراد والدءوب عليها تظفروا وتظفروا وتظفروا بتمام المحبوبية، وفقنا الله جميعا بمنه وكرمه والسلام”. خديم الأتعاب الحسين بن أحمد الإفراني.
الرحلة الشافية
العلامة المحقق: الشريف إدريس العراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى