فقه الطريقةمقالات

حث الشيخ التجاني رضي الله عنه المريدين على الزواج والسعي لكسب الرزق

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أجمعين

من معالم سلوك طريق التسليك في الطريقة التجانية، حث المريد على التحصن بالزواج، والبحث على سبل كسب العيش الحلال.

وقد بين هذا المنهج القويم العلامة الفقيه الأديب المحدث الحاج محمد النظيفي رحمه الله ورضي عنه في الياقوتة الفريدة وشرحها على صفحات كتابه الجامع لكل فنون التأليف الرسين الذي سماه الدرة الخريدة.

وتم رصد ومتابعة توضيحاته من خلال النقل النصي والحرفي لما جاء في شرح البيتين التاليين:

 

وَلاَ تَتَرَهَّبُوا وَلاَ تَتَعَزَّبُوا

وَلاَ تَتَجَرَّدُوا عَنْ أَسْبَابِ عِيشَةِ

كَكَسْبٍ وَحِرْفَةٍ وَحَرْثٍ تِجَارَةٍ

فَتِسْعَةُ عُشْرِ الرِّزْقِ فِي عَقْدِ صَفْقَةِ

(ولا تترهبوا) الترهب التجرد للعبادة والتفرغ لها فقد ورد أن الله تعالى يبغض الفارغ المتجرد للعبادة وفي (مح[1]) قال السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع:

وليس من زهادة تعزب

وترك محتاج له ترهب

وقال في شرحه ليس من الزهد التعزب وترك ما لابد منه بل ذلك من التعمق المنهي عنه أنظره وفي الحديث “إياكم والتعمق في الدين فإن الله تعالى قد جعله سهلا فخذوا منه ما تطيقون فإن الله تعالى يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا” انتهى. قال تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” وفي (جص[2]) “الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”، قال العزيزي يعني لا يتعمق فيه أحد ويأخذ بالتشديد إلا غلبه الدين وعجز المتعمق انتهى. وفيه ” لا خزام ولا زمام ولا سياحة ولا تبتل ولا ترهب في الإسلام” انتهى. وخزام جمع خزامة حلقة شعر تجعل في أنف البعير، وكانت بنو إسرائيل يخرقون أنوفهم ويجعلون فيها ذلك فنهى الشارع صلى الله عليه وسلم هذه الأمة عن ذلك لأن شريعته سمحة سهلة بيضاء. قال تعالى: “بالمؤمنين رؤوف رحيم” (ولا تتعزبوا) التعزب ترك النكاح فهو من عطف الخاص على العام وفي (جص[3]) “من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان فليتق الله في النصف الباقي” أي بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وفيه “من تبتل فليس منا” أي ليس على سنتنا لأن التبتل سنة اليهود والنصارى يزعمون أن النكاح يقطع عن الوصول إلى الله تعالى وأن تركه هو العبادة قال تعالى: “يا أيها الذي آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا” الآية. وفيه ” تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى” أي لأنهم ينشؤون في الصوامع وقلل الجبال ويتركون النساء والمال وفيه ” تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش” أي لأن الله يكرهه ولا يحبه لما يترتب عليه من المفاسد كقطع النسل والوقوع في الزنى. وروي ” أبغض الحلال إلى الله الطلاق” وفيه شراركم عزابكم ركعتان من متأهل خير من سبعين ركعة من غير متأهل ورحم الله من قال:

شراركم عزابكم جافى الخبر

أراذل الأموات عزاب البشر

إذ ليس لهم أفرط يهيئون لهم ما يحتاجون إليه في الآخرة لكن ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال ” أنا فرط من لا فرط له” والفرط كسبب المتقدم إلى الماء لإصلاح الحوض والدلاء وفي (عف[4]) وقد نقل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج. ونقل عن شيخ مشايخ خراسان أنه كان يكثر التزوج حتى لم يكن يخلو عن زوجتين أو ثلاث فعوتب في ذلك فقال هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله تعالى جلسة أو وقف وقفة في معاملته فخطر على قلبه خاطر شهوة فقالوا قد يصيبنا ذلك فقال لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد ما تزوجت قط ولكني ما خطر على قلبي خاطر شهوة قط شغلتني عن حالي إلا نفذته لأستريح منه وأرجع إلى شغلي. ثم قال منذ أربعين سنة ما خطر على قلبي خاطر معصية. ثم قال وقد كان الجنيد يقول أنا أحتاج إلى الزوجة كما أحتاج إلى الطعام. وسمع بعض العلماء بعض الناس يطعن في الصوفية فقال يا هذا ما الذي ينقصهم عندك فقال يأكلون كثيرا فقال وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون أكلت كما يأكلون، ثم قال ويتزوجون كثيرا قال وأنت أيضا لو حفظت فرجك كما يحفظون تزوجت كما يتزوجون، قال وأي شيء أيضا قال يسمعون القول قال وأنت أيضا لو نظرت كما ينظرون سمعت كما يسمعون، وكان سفيان بن عيينة يقول كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول خير هذه الأمة أكثرها نساء، أنظره وفي الحديث “الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة” ورحم الله من قال:

وخير ما نال الفتى

بعد الهدى والعافيه

امرأة جميلة

عفيفة مواتيه[5]

وفي (عم[6]) أخذ علينا العهد العام من رسول اله صلى الله عليه وسلم أن نختار التزوج على العزوبة ولو كنا في عبادة ليلا ونهارا، ونعين من طلب التزوج جهدنا وذلك لأن عبادة العازب ناقصة، ثم قال وكم يقع العازب في فاحشة ويستره الله، وكم تخطر في باله الفاحشة ويحميه الله، وكم يصلي صلاة وجارحته منتشرة في حال الصلاة، وكم يسيء الناس ظنهم به وكم يمنعونه من السكنى بين النساء في الربوع وغيرها، ولو أنه تزوج لكان أعف نفسه عن مثل ذلك ومن هنا ورد ” من غسل واغتسل ثم أتى الجمعة…” الحديث أي أتى زوجته قبل أن يحضر لصلاة الجمعة خوفا أن يخطر في باله وهو بين يدي الله عز وجل الجماع ولو حلالا في تلك الحضرة الخاصة والجمع العظيم فإذ جامع زوجته وخرج للجمعة أمن من ذلك. ثم قال وانظر يا أخي إلى إيجار السيد موسى عليه السلام نفسه عشر سنين في تحصيل مهر امرأة تعرف مقدار التزويج. وقال بعض فقراء العصر وقع لي أني أمرت بعض الفقراء المتعبدين عندي في الزاوية بالتزويج فقال لا حاجة لي بذلك فغلبته نفسه فوقع في الزنى. فتزوج يا عازب واسع سعي الرجال فلأن تتزوج  وتسأل الناس وتكتسب بنصب وتعب خير لك من أن تأتي يوم القيامة زانيا أو محشورا مع قوم لوط ولو كنت على عبادة الثقلين، ومن القواعد أن السلامة مقدمة على الغنيمة وقول بعض الفقراء في هذا الزمان أن العزوبة مقدمة على التزويج إنما ذلك في حق من لم يخف على نفسه العنت أما من يخاف العنت فالتزويج مطلوب له بالإجماع أنظره. قال تعالى “وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله” وفي الحديث “اطلبوا المال بالنكاح” (ولا تتجردوا) التجرد التفرغ للعبادة عن سائر الشواغل فإن الله يبغض المتجردين لها ويحب المؤمن المحترف. وعن أبي قلابة رحمه الله لأن أُرى في معاشي أحب إلي من أن أُرى في زوايا المسجد، وقال عليكم بالسوق والصنعة فإنكم لن تزالوا كراما على إخوانكم ما لم تحتاجوا إليهم. وفي (حى[7]) وسئل ابراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة قال التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وخالفه الحسن في هذا. وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، ثم قال وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني الغنى عن الناس، وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي، فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي ” وقوله عليه السلام حين ذكر الطير تغدو خماصا وترح بطانا فذكر ” أنها تغدو  في طلب الرزق ” وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم، وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك في معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد، وقال أبو سليمان الدراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، أنظره. وروي أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال ما تصنع قال أتعبد قال من يعولك قال أخي قال أخوك أعبد منك. وروي أن الصحابة اثنوا عند النبي صلى الله عليه وسلم على رجل بالعبادة فقال صلى الله عليه وسلم فمن كان يطعمه ويقيه ويعلف دابته ويكفيه ضيعته فقالوا نحن يا رسول الله فقال كلكم خير منه. وقال حذيفة رضي الله عنه خيراكم من لم يدع دنياه لآخرته وآخرته لدنياه. وروي ” لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ من الخير وبها ينجو من من الشر ” انتهى. وفي (عم[8]) أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشتغل بشيء من العبادات ونترك التكسب بحيث يضيع عيالنا وأنفسنا ونحتاج كلنا إلى سؤال الناس، وهذا العهد يقع في خيانته كثير من المتعبدين وطلبة العلم. ثم قال وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول لا تشاور من ليس في بيته دقيق أي لأنه متشتت البال، فعلم أن حياة الأبدان مقدمة على حياة الأرواح، والقوت بالعلم لأن حياة الروح فرع عن حياة الجسم من حيث أنها محل لظهور أفعال التكليف وإقامة شعار الدين، وهذا اللوم في حق من يضيع من يعول مع اشتغاله بخير آخر فكيف بمن يضيعهم باشتغاله باللهو واللعب ونحو ذلك انتهى. وفيه أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نتوكل توكل العوام فنترك الكسب بالتجارة والزراعة والصناعة ونحو ذلك ونصير نسأل الولاة والأغنياء تصريحا أو تعريضا فإن ذلك جهل بمقام التوكل كما هو شأن من يطلب الوظائف والانظار بالوسائط وكتابة القصص ثم يدعي التوكل بعد ذلك وهو قد سأل مع الغنى الشرعي وربما يحتج بأن التكسب عطله عن الاشتغال بالعلم وذلك حجة لا تنهض إلا إذا لم يكن في بلده أو إقليمه من يقوم بحفظ الشريعة أما إذا كان في بلده من يقوم مقامه بالإفتاء والتدريس فالأدب اشتغاله بالتكسب إلى أن يمن الله عليه بما يأكل وما يشرب من حيث لا يحتسب ونحو ذلك فإياك يا أخي وسؤال الناس بلا ضرورة وقد كثر وقوعه من غالب حملة القرآن مع قدرتهم على الكسب بالحرف والصنائع وغيرهما أنظره. وفي (ثيق[9]) أخذ علينا العهود أن لا نزهد في الدنيا لم نجده في الزهد من نعيم الترك وخلو اليد وراحة القلب فنكون كحمار الرحى الذي يبتدئ منه ينتهي سيره إليه فنخرج من لذة إلى أعظم منها أو مثلها كما يقع في ذلك العباد الذين لم يسلكوا على يد الأشياخ فكأنهم بهذا الزهد ما برحوا عن حظ نفوسهم ولا عن حجابهم عن ربهم وإنما نزهد في الدنيا زهد العارفين وهو أن نعلق قلوبنا بحب الله وحده ثم نمسك الدنيا بحذافيرها فلا نترك منها شيئا إلا إن كان فيه شبهة ونتصرف في الدنيا تصرف حكيم عليم ونستعمل كل شيء فيما خلق له وإيضاح ذلك أن الله تعالى امتن علينا بأنه سخر لنا ما في السموات وما في الأرض ولا يكمل لنا شهود امتنانه علينا إلا بشهودنا الافتقار إلى كل شيء في الوجود فافهم واعمل على هذا الزهد ودع عنك قول من يقول بذم الدنيا على الإطلاق فإنه جاهل بما قلناه فإن الذم ما حصل إلا من تعلق القلب بمحبتها دون الله تعالى وحجاب صاحبها بها عن الآخرة ثم أنه يصبح لعبد قط الاستغناء عن الدنيا كما يتوهم أقل ما هناك حاجته إلى ما يأكل وما يشربه وما يتنفس فيه من الريح فإن من زم نفسه مات. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزهد في الدنيا فقال ” هو اليقين” وقد ذكرنا في الآداب الكبرى أن بيت الفتنة في الدنيا أربعة أشياء النساء والجاه والمال والولد والكامل لا يهرب من شيء منها بل يحبها كلها بتحبيب الله عز وجل ويغلب حكم محبة الطبع والنفس لله تعالى أنظره (عن أسباب عيشة) بكسر العين أي معيشة وفي (جص[10]) ” من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة”  وفيه ” العافية في عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة وجزء في سائر الأشياء”. وفيه ” من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر” وفيه ” الفار من عياله كالفار من الزحف” انتهى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب، وقوله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” فمخصوص بطائفة من ضنائن الله تعالى وخاصته جعل رزقهم من حيث لا يعلمون لئلا يكون لأحد عليهم منة، وإن كان من هو أعلى منه جعل رزقه للكسب للإقتداء به فقد كان سيدنا زكريا نجارا وكذلك سيدنا نوح وسيدنا إدريس خياطا وسيدنا داوود دراعا وسيدنا آدم حراثا وسيدنا محمد مجاهدا عليهم صلوات الله وسلامه وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الحرف من زراعة وتجارة وغير ذلك ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” وفي (هب[11]) إنما أسباب المعاش من حراثة وتجارة وغيرهما بمنزلة الكشاكيل التي في أيدي السعاة فإنه قد جرت عادة الرب سبحانه أنه لا ينزل الرزق على العبد إنزالا بأن يعطيه الرزق في يده من غير حيلة بل لا يعطيه إياه حتى يسأله بكشكول من كشاكيل أسبابه فإذ مد له الكشكول وضع له فيه ما يليق به ويصلحه، وحينئذ فيجب على المتسبب أن ينزل سببه بهذه المنزلة فيكون نظره عند السبب إلى ربه عز وجل لا إلى السبب كما أن الساعي المتكفف إنما ينظر إلى الناس الذين يعطونه ولا ينظر إلى كشكوله الذي في يده وإذا كان نظره عند السبب إلى ربه عز وجل كان متعلقا حال سبببه بربه عز وجل فيكون سببه وصلة بينه وبين ربه تعالى فلا يعتمد على سببه بل على ربه وإذا كان اعتماده على ربه فلا يتعاطى إلا سببا أذن له ربه فيه وحينئذ فلا فرق عنده بين أن يكثر الأسباب أو يقلل فإن المعطي سبحانه واحد وهو قادر على أن يعطيه في سبب واحد ما يعطيه لغيره في أسباب عديدة فليتق الله وليجمل في الطلب فهذه صفة أسباب المتعلقين بالله عز وجل، وأما غيرهم فيقتلون أنفسهم حالة السبب بالخدمة ولا يرون سببا من الأسباب إلا تعاطوه سواء كان مأذونا فيه أو غير مأذون فيه ويعتقدون أن الرزق يكون على حسب حيلهم وسياستهم الفاسدة فهؤلاء هم الذين يستحلون التدبيرفي أمور الدنيا والتعب فيها وركوب المشاق العظيمة في طلبها على طاعة الله عز وجل وعبادته لكمال انقطاعهم عنه سبحانه أنظره. وفي (جص[12]) ” ليس أحد منكم بأكسب من أحد قد كتب الله المصيبة والأجل وقسم المعيشة والعمل والناس يجدون فيها إلى منتهى” قال الحفني فمن جد في السعي ليس بأكثر تحصيلا ممن ترك السعي لكون كل لا ينال إلا ما قدر له انتهى. ورحم الله من قال:

والشرع قد أمر بالتسبب

وباعتقاد نفي فعل السبب

ومن قال:

توكل على الرحمن في كل حاجة

ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب

ألم تعلم أن الله قال لمريما

وهزي إليك الجذع تساقط الرطب

ولو شاء أدنى الجذع من غير هزه

إليها ولكن كل شيء له سبب

وروي إذا سبب الله تعالى لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه حتى يتغير له والبلاد بلاد الله والعباد عباد الله فأي موضع رأيت فيه رفقا فأقم واحمد الله تعالى وفي (ثيق[13]) أخذ علينا العهود أن نعلم إخواننا طرق اليقين حتى لا يهتموا بأمر رزقهم كل الاهتمام، فنقرر عندهم أن الله تعالى قد قسم لكل عبد رزقا معينا لا يزيد بالإقبال ولا ينقص بالإدبار وأنه ليس للمقبل على الدنيا ليلا ونهارا إلا ما للمدبر عنها ليلا ونهارا هذا هو الأساس، ومن قعد عليه استراح قلبه من العناء والكد ثم بعد هذا الأساس يا أخي تأتي إلى رزقك برياضة وانشراح صدر من غير شره نفسه ولا مزاحمة أحد فإن الرزق تارة يأتي إليك وتارة تأتي أنت إليه فلا يقال السعي مطلقا أفضل ولا ترك السعي مطلقا أفضل بل كل كامل في مرتبته لأنك لا تعلم ذلك إلا بعد الوقوع وأما قبل التحرك فلا تعلم ذلك والله غني حميد انتهى. (ككسب) وهو طلب الرزق وفي (عم[14]) أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرغب إخواننا الذين لم يكثروا التعبد بعلم ولا غيره في التكسب بالبيع والشراء والزراعات وكل عمل يساعدهم على القوت بطريقه الشرعي على وجه الإخلاص لا على وجه التكاثر والمفاخرة بمطاعم الدنيا وملابسها وشهواتها فإن من اكتسب الدنيا على وجه التكاثر والتفاخر فمن لازمه تعدى الحدود الشرعية في الحل لأن الحلال في كل زمان لا يتحمل الإسراف وقد زار الحسن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فأخرج له عمر كسرة يابسة ونصف خيارة وقال كل يا حسن فإن هذا الزمان لا يتحمل الحلال فيه الإسراف انتهى. فلا ترى أحدا في سعة من الدنيا إلا وهو قليل الورع فيغش وينصب ويبيع على المساكين وأكلة الرشا وغيرهم وأما إن طلب التوسع في الدنيا بغير طريق التكسب الشرعي وأقبل على العبادة فربما أكل بدينه ووقع في الرياء والنفاق لمن يحسن إليه وإن لم يكن مقبلا على العبادة سلق الناس بألسنة حداد إذا لم يعطوه ما طلب فالتكسب الشرعي أولى بكل حال وقد ورد أن الله تعالى علم آدم عليه السلام ألف حرفة وقال له يا آدم قل لبنيك يكتسبون بهذه الحرف ولا يأكلون بدينهم. وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول قد تعين التكسب اليوم على كل فقير وفقيه لعدم من يتفقدهم بالبر والإحسان في هذا الزمان لقلة المكاسب فقد صار التاجر اليوم يمكث الثلاثة أيام أو أكثر لا يستفتح فكيف يفتقد غيره وهو لم يعمل بقوت نفسه وعياله وضيوفه فضلا عن المغارم التي عليه من كراء بيت وحانوت وعوائد للظلمة أنظره. وعليك يا أخي باكتساب الغنم فإنها من دواب الجنة وأموال الأنبياء وهي كلها خير وبركة لمن أخرج زكاتها الشرعية وأداها لمستحقها وفي (جص[15]) ” الغنم بركة ” أي زيادة في النمو والخير فيندب اقتناؤها قاله العزيزي. وفيه ” الغنم بركة والإبل عز لأهلها والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وعبدك أخوك فأحسن إليه وإن وجدته مغلوبا فأعنه ” وفيه ” الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها” وفيه ” الغنم أموال الأنبياء ” أي هي معظم أموال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما من نبي إلا وقد رعاها سياسة لرعاية الخلق {لطيفة} أخبرني من أثق به رحمه الله أنه كان يقول مثل الإخوان كمثل الغنم إذا افترقت وانتشرت انتفعت بالرتع في الكلأ وفيما يعنيها وإذا اجتمعت افتتنت بنطح بعضها بعضا فكذلك الإخوان إذا افترقوا انتفعوا باشتغال كل واحد بذكر ربه وبما يعنيه وإذا اجتمعوا افتتنوا بالقيل والقال والغيبة والنميمة والخوض فيما لا يعني ومن استراب فالعرب بالباب. وروي أن لسيدنا ابراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام غنما كثيرة جدا وان عدة الكلاب التي تحرسها أربعة آلاف في عنق كل كلب طرق ذهب قدره ألف مثقال فقيل له لم تفعل ذلك قال لعلمي بأن الدنيا جيفة وكلابها طلابها فأعطيتها لطلابها وذلك جائز في شرعه لهذه النكتة وهي إهانة الدنيا وذلك يحرم في شرعنا للنهي عن إضاعة المال شرعا وطبعا واجتمعت الأمة على تعزير من عير برعي الغنم فقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها لأن هذا مقام تحقير وتنقيص فلا يقال ذلك إلا في مقام السؤال كأن قيل هل رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم فيقال نعم أنظر الحفني وانظر كتاب الشفاء ففيه الشفاء (وحرفة) بالكسر صناعة يرتزق الإنسان منها ويحترف بها لنفسه ولعياله وفي (جص[16]) ” إن الله يحب العبد المؤمن المحترف ” قال المناوي أي المتكفف في طلب المعاش بنحو صناعة أو زراعة أو تجارة لأن قعود الرجل فارغا أو شغله بما لا يعنيه مذموم ومن لا عمل له لا أجر له أنظر العزيزي وفيه أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور وفي البخاري عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ” وفي إرشاد الساري وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يأكل من سعيه الذي يكسبه من أموال الكفار بالجهاد وهو أشرف المكاسب على الإطلاق لما فيه من إعلاء كلمة الله وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي انتهى. وفي (ثيق[17]) أخذ علينا العهود أن نعلم أولادنا الحرفة بعد تعليمهم أمر دينهم التي لابد منها فإنه إن لم يكن بيده حرفة أكل بدينه أو بلسانه وسلق الناس بالسنة حداد وحقد عليهم في الباطن وقد كان الناس في الزمان الماضي يمرون حملة العلم والقرآن ويرتبون لهم المراتب ويهدون إليهم الهدايا ويتفقدونهم في المواسم وغيرها يقولون لهم اشتغلوا ونحن نكفيكم جميع ما تحتاجون إليه فصار الفقيه اليوم لا يحصل له ما ينفقه على عياله حتى يذوب قلبه من الدوران طول النهار ثم بعد ذلك يأكل صدقة فتعلم الحرفة للفقيه الآن من أبرك المصالح ولو كانت دنيئة كالأدمى والحجامة ونحوهما فإن وسع الله عليه كان وإلا فتغنيه عن سؤال الناس انتهى. وعن الثوري رضي الله عنه أنه كان يقول أحب لطالب العلم أن يكون في كفاية فإن الآفات وألسن الناس تسرع إليه إذا احتاج وذل وكان يقول إن الرجل ليكون عنده المال وهو زاهد في الدنيا وإن الرجل ليكون فقيرا وهو راغب فيها. وعنه أيضا وعليكم بالحرفة فإن عامة من أتى أبواب الأمراء إنما أتاهم لحاجة انتهى. وفيه وينبغي للشيخ أن يرغب الفقراء في عمل الحرفة ليأكلوا منها ولا يأكلوا بدينهم وتقدم في هذا الكتاب أن ميزان أكلك يا أخي بدينك أن تقدر أنه لو فقدت جميع صفاتك المحمودة لم يعطك أحد شيئا فإن قدرت أنها فقدت كلها حتى صرت فاسقا ولم يرجعوا عن إعطائك فأنت لم تأكل بدينك. وينبغي له أن يعلم الفقراء أن كل لقمة نزلت في جوق أحدهم من صدقات الناس وأوقافهم لأصحابها وإذا استرقتهم لأصحابها صارت مكافأة أصحاب اللقمة عليهم مطلوبة. ثم قال إذا أكل المريد صدقات الناس وأوساخهم وهداياهم وطلب أن يكافئهم تعطل عن السير إلى مراتب العارفين فليس له خبرة إلا في التجرد من الدنيا والسلام. وكان سيدي ابراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول أنا ما أحب للفقير أن ينقطع للتعبد في زاوية أو غيرها إلا إن كان له حرفة تقوم به لئلا يتقاسم أصحاب اللقيمات والحسنات ثواب تلك الأعمال لتي نشأت من قوى تلك اللقيمات فإنه لولا هي ما قدر على ذلك التعبد أنظره. وينبغي للإنسان أن يتجنب الحرف المذمومة شرعا وطبعا كالصياغة والصباغة والجزارة والحياكى لحديث ” شرار أمتي الصائغون والصباغون ” وفي آخر ” شرار أمتي الحياكة ” وروي ” لا تعلموا أولادكم حرفتين الصياغة والجزارة ” أي لما جبل عليه أربابها من الغش والمطل والمواعيد الكاذبة ومخالطة النساء وقسوة القلب وفي الحديث “أكذب الناس الصباغون والصواغون ” ومنه قولهم كل صانع كذاب أبوهم حداد وهذا هو الغالب والنادر لا حكم له وفي (خل[18]) وروي عن بعض التابعين أنه أوصى رجلا فقال له يا أخي لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين أما البيعتان فهو بيع الطعام وبيع الأكفان وأم الصنعتان فهما الجزارة والصياغة أما الجزار فإنه قاسي القلب وأما الصواغ فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة انتهى. وبائع الطعام يحب الغلاء ويكره الرخاء وبائع الأكفان قاسي القلب وناسي الآخرة وفي (د[19]) ” رح يا مسكين تتعلم صنعة ما دمت صغيرا ” وذا قاله لطالب علم أخذ عنه الورد وبقي جالسا فقال له قم لشغلك قال ما عندي شغل أنا طالب فذكره ومن عادته رضي الله عنه أن يحض أصحابه على تعلم الكتابة لئلا يضيعوا انتهى. أي متى احتاج احدهم فيكتب ويبيع أو يكتب بالأجرة أي مع دوام الثواب الأخروي ورحم الله من قال:

والأجر لا تنقصه الإجاره

بشرى لنا بهذه البشاره

وأما تعلم الكتابة لأن يتخذوا كتبة الظلمة أو أمناء أو عدولا أو جباة فكلا وحاشا ومعاذ الله قال تعالى: ” فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ” ورحم الله من قال:

ولا تكتب بكفك غير شيء

يسرك في القيامة أن تراه

وكان رضي الله عنه يقول: ” ما لا أرضاه لنفسي لا أرضاه لغيري وما لا أفعله لا آمر به ” انتهى. والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم {عجيبة} أخبرني بعض الإخوان رحمه الله ورضي عنه أن بعض كتبة الولاة كتب إليه أن واليه عزله عن الكتابة وأنه في غم ونكد وهم وشدة لذلك فرأى ذلك الأخ في تلك الليلة أنه اجتمع بالكاتب في عالم الروح فصار يزجره عن الكتابة ويوبخه عن كل خطة وينفره عن قرب ساحة الولاة ومن جملة ما زجره به أن قال له اعلم أن من حكمة الله وعادته أن كل من كان كاتبا للظلمة لابد أن يحول الله صورته صورة حمار حوافره حوافر حمار ورأسه رأس حمار إما عند موته أو في قبره أو عند البعث سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا، ” رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين”  “ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا ” آمين (وحرث) وهو الكسب وجمع المال والزرع وهو المراد به هنا وفي (خل[20]) فالزراعة من أعظم الأسباب وأكثرها أجرا إذ أن خيرها يتعدى للزراع ولإخوانه المسلمين وغيرهم والطير والبهائم والحشرات كل ذلك ينتفع بزراعته حتى أنه ليقال أن الزارع لو سمع من يقول نأكل منه حين زراعته ما يزرع شيئا لكثرة من يقول نأكل منه فما في الصنائع كلها أبرك منها وانجح إذا كانت على وجهها الشرعي وهي من أكبر الكنوز المخبأة في الأرض لكنها تحتاج إلى معرفة بالفقه وحسن محاولة في الصناعة مع النصح التام والإخلاص فيها فحينئذ تحصل البركات وتأتي الخيرات. وعنه صلى الله عليه وسلم: ” ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له حسنات إلى يوم القيامة ” ومن ذلك ما ورد أيضا ” أن الملائكة تستغفر للزراع وللغارس ما دام زرعه أخضر أو كما قال عليه الصلاة والسلام ” ثم قال وقد كان سيدي أبو محمد المرجاني رحمه الله يقول اعلموا أن الهمم قد تقاصرت عن العبادات والانقطاع إلى الله تعالى فعليكم بالزراعة فإنها تحصل الأجور الكثيرة أرادها المكلف أو لم يردها أنظره وفي (عف[21]) حكي أن الشيخ محمدا الغزالي لما رجع إلى طوس وصف له في بعض القرى عبد صالح فقصده زائرا فصادفه وهو في صحراء له يبذر الحنطة في الأرض فما رأى الشيخ محمدا جاء إليه وأقبل عليه فجاء رجل من أصحابه وطلب منه البذر لينوب عن الشيخ في ذلك وقت اشتغاله بالغزالي فامتنع ولم يعطه البذر فسأله الغزالي عن سبب امتناعه فقال لأني أبذر هذا البذر بقلب حاضر ولسان ذاكر أرجو البركة فيه لكل من يتناول منه شيئا فلا أحب أن أسلمه إلى هذا فيبذره بلسان غير ذاكر وقلب غير حاضر انتهى. ” لمثل هذا فليعمل العاملون ” وفي (ثيق[22]) أخذ علينا العهود أن نحفظ حرمة أصحاب المنافع العامة لكونهم قائمين عنا بفرض الكفاية وذلك كالمعداوي والإسكافي والفران والطحان والتراس والطباخ والجزار والزيات والنجار والحداد والحراث والحصاد ونحوهم وقد سمعت سيدي عليا الخواص يقول فد أكرم الله تعالى السوقة وأرباب الصنائع بأربع خصال: الأولى أنهم يأكلون من كسب يمينهم ويطعمون منه الظالم والمسكين والفقير ولا يأكلون شيئا من الصدقات. الثانية أنهم لا يشهدون لهم قط أعمالا لا تكفر عنهم قبيح زلاتهم ولا يقولون قط كفرها الشيء الفلاني بل هم خائفون وجلون. الثالثة تعظيمهم للعلماء والصالحين وتغميض بعضهم عيونهم عن عيوب الناس لعدم الموازين التي يوزن بها الأفعال عندهم. الرابعة حمايتهم من الدعاوى وشبهات أهل علم الكلام انتهى. وفيه أخذ علينا العهود أن نرشد إخواننا إلى أنهم لا يبيعون لأحد شيئا ولا يشترون منه ولا يخيطون ولا يطبخون ولا يفعلون شيئا من جميع الحرف والصنائع إلا بقصد نفع الخلق بالأصالة ويجعلون نفع أنفسهم بحكم التبع لا بالقصد الأول ثم إذا قدر أنهم فعلوا شيئا مما ذكر بغير تلك النية فلا ينتفعون به ولا بثمنه وإن كان ذلك الفعل من العقود أعادوا العقد ثانيا على نية نفع الناس كل ذلك لتكون أفعال إخواننا عبادة لا عادة وليدخلوا في ضمان الله عز وجل بالمعونة المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم  ” والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ” وماذا يضر الطباخ مثلا لو نوى بقيامه للطبخ من ثلث الليل نفع عباد الله بذلك الطعام لا نفع نفسه فإن نفع نفسه بالثمن حاصل على كل حال ولو لم يقصده ومن كانت هذه نيته في حرفته وصنائعه فهو في عبادة في جميع ما يتقلب فيه من الحرف والصنائع ثم قال لا يقدر على العمل بهذا العمل إلا من كان زاهدا في الدنيا أما المحب لها فليس همته من حرفته إلا الفلوس ولا يكاد يخطر على باله نفع الناس أبدا ولكل مقام رجال والله واسع عليم انتهى. (تجارة) مصدر تجر كنصر باع واشترى وفي (جص[23]) ” أن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يطروا[24] وإن كان عليهم[25] لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا[26]” وفيه ” التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء ” وفيه ” التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة”انتهى. والصدق يكون في نحو الأخبار بثمنها وعيوبها فذلك مما يزيد البركة في التجارة كما وقع للجلال المحلي فإنه كان يبيع الأقمشة من بعد العصر إلى المغرب فقط ويبيع أكثر من جيرانه الذين يبيعون طول النهار وكان يقول هذا علي بكذا ولا أبيعه إلا بكذا وفيه عيب كذا وكان بعض العارفين حياكا وكان إذا قطعت منه فتلة على النول علم عليها بالعصفر ليعرف أنها قطعت وليست كالمتصلة من أصلها وإذا تم المقطع كان غالبه خطوطا وكان يخبر الناس بذلك وكانوا يقبلون عليه كثيرا تبركا أنظر الحفني. وفي (عم[27]) أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرغب إخواننا التجار وغيرهم في الصدق في أخبارهم بالثمن خوفا عليهم وعلى أموالهم من النقص فإن الله جعل البركة مقرونة بالصدق في العمل والعلم والرزق وغير ذلك فمن لم يصدق نزع الله البركة من علمه وعمله وعمره ورزقه، ثم ذكر حكايات عجيبة فانظرها فيه. ثم قال: فاصدق يا أخي في أخبارك المشتري ولا تغش[28] فيحول الله عنك النعم أنظره قال تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” الآية ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” وفي (حى[29]) قال صلى الله عليه وسلم “أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور” وفي خبر آخر “أحل ما أكل العبد ككسب يد الصانع إذا نصح” وقال عليه الصلاة والسلام ” عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق” وقال أيضا ” الأسواق موائد الله تعالى فمن أتاه أصاب منها” وقال صلى الله عليه وسلم ” الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ” وقال أيضا ” الجالب إلى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله ” أنظره وفي (جص[30]) ” بئس العبد المحتكر إن أرخص الله الأسعار خزن وإن غلاها الله فرح ” وفيه من ” تمنى على أمتي الغلاء ليلة واحدة أحبط الله عمله أربعين سنة ” وفي ابن ماجة عن عمر رضي الله عنه ” من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس ” وفي مسلم عن معمر بن عبد الله مرفوعا ” لا يحتكر إلا خاطئ”  (واعلم) أن الاحتكار الممنوع شرعا هو أن يمسك الإنسان ما اشتراه في وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مع استغنائه عنه واحتياج الناس إليه لما فيه من الأضرار بالمسلمين وفي الحديث ” لا ضرر[31] ولا ضرار ” بخلاف إمساكه ما اشتراه في وقت الرخص ليبيعه بأكثر مما اشتراه به عند احتياج الناس إليه فليس باحتكار ولا ممنوع شرعا بل ربما يثاب عليه بحسب النية ويختص، تحريم الاحتكار بالأقوات كقمح وشعير وذرة وفول وعدس وتمر في بعض البلدان وأرز كذلك ولا يعم جميع الأطعمة (وروي) ” عليك بأول السوم ” فإن الربح مع السماح أي لأن الإنسان إذا باع بربح يسير رغب الناس في الشراء منه فيكثر ربحه ولحديث ” رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا اقتضى سمحا” ويؤخذ من الحديث الحث على المسامحة في المعاملة وترك المشاحة فيتأكد الاعتناء بذلك رجاء نيل دعوته صلى الله عليه وسلم (وروي) ” أن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا فلما هلك قال الله تعالى له هل عملت خيرا قط قال لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا قال الله تعالى قد تجاوزت عنك ” انتهى. وفيه أيضا ” لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه ” أي لأن الدين يشغل البال ويشين العرض فلا ينبغي إلا عند الضرورة من نحو نفقة عياله وقد تداين صلى الله عليه وسلم الشعير لأهله ورهن فيه درعه وسلاحه وروي ” ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا والآخرة ” وفي رواية ” من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ” انتهى. وفي (ثيق[32]) أخذ علينا العهود أن نأمر إخواننا التجار وغيرهم بحفظ الأدب مع جيرانهم في السوق وننهاهم عن سلوك طريق جبابرة التجار وهو أن يثبوا على السلع المفرطة كوثوب السبع على الفريسة ويتركون جيرانهم المحاويج ينظرون إليها نظرة بحسرة ثم بعد هذا الفعل القبيح يهربون بتلك الفوائد عند حصول رمية أو مظلمة على سوقهم ويتركون الفقراء للمصائب بل كما كانوا أول مستفيد كذلك ينبغي أن يكونوا أول وازن في المقام ثم إن من هرب ولم يغرم شيئا مع الفقراء فربما يقيض الله تعالى لماله الآفات والعاهات ومن يأخذها منه مصادرة أو جحدا فلا يلومن إلا نفسه والله في عون العبد ما كان العبد فيعون أخيه والله أعلم انتهى (فتسعة عشر) كقفل جمعه عشور وأعشار (الرزق) مجموعة ومنطوية بإذن علام الغيوب (في عقد صفقة) مصدر صفق كضرب وزنا ومعنى يده بالبيعة وعلى يده صفقا وصفقة ضرب يده على يده وذلك عند وجوب البيع وفي (جص[33]) ” تسعة أعشار الرزق التجارة والعشر في المواشي ” قال الحفني أي بسبب ما يحصل منها من نتاج وصوف ولبن ونحو ذلك والقصد من هذا الحديث الإعلام بكثرة الرزق من التجارة عن غيرها وليس المراد منه حصر الرزق في هذين السببين إذ من أسبابه الصناعة والغزو وليس في هذا الحديث تعرض لأفضل طرق الكسب وأفضلها سهم المغازي ثم الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة انتهى.


[1] ـ الرماح

[2] ـ الجامع الصغير

[3] ـ الجامع الصغير

[4] ـ عوارف المعارف

[5] ـ أي موافقة انتهى

[6]  ـ العهود المحمدية

[7] ـ الإحياء ( إحياء علوم الدين )

[8] ـ العهود المحمدية

[9] ـ المواثيق والعهود

[10] ـ الجامع الصغير

[11] ـ الذهب الإبريز

[12] ـ الجامع الصغير

[13] ـ المواثيق والعهود

[14] ـ العهود المحمدية

[15] ـ الجامع الصغير

[16] ـ الجامع الصغير

[17] ـ المواثيق والعهود

[18] ـ المدخل

[19] ـ الإفادة الأحمدية

[20] ـ المدخل لإبن الحاج.

[21] ـ عوارف المعارف

[22] ـ الواثيق والعهود

[23] ـ الجامع الصغير

[24] ـ يطروا بضم تحتية من أطرى جاوز الحد في الثناء انتهى

[25] ـ أي حق سببه التجارة

[26] ـ قوله يعسروا بضم سين وكسرها من عسر غريمه كضرب ونصر طلب منه قضاء دينه في ضيق وشدة انتهى

[27] ـ العهود المحمدية

[28] ـ بضم معجمة من غش كرد انتهى

[29] ـ الإحياء

[30] ـ الجامع الصغير

[31] ـ ونظمه من قال: مدار احكام الشريعة أتى  حديث لا ضرار فاحفظ يا فتى

[32] ـ المواثيق والعهود

[33] ـ الجامع الصغير

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى