مقالاتمواضيع مختلفة

بيعة الحاج الأحسن البعقيلي لسلاطين المغرب

بيعة الحاج الأحسن البعقيلي لسلاطين المغرب

بقلم الأستاذ: حسن باكو 

بسم الله الرحمن الرحيم

بيعة الحاج الأحسن البعقيلي لسلاطين المغرب و تمسّكه بالثّوابت الوطنية الحمد لله و الصّلاة و السّلام على مولانا رسول الله الفاتح الخاتم و على آله حقّ قدره و مقداره العظيم. أمّا بعد : أحمد الله سبحانه و تعالى أنّه وفّقني للقيام بهذا البحث ليشمل جانباً من الجوانب الكثيرة  المتشعّبة  في حياة العلّامة الفقيه سيدي الحاج الأحسن البعقيلي و الذي برز في مجالات فقهية ، صوفية ، اجتماعية و تربوية . وهذا الرّجل الذي ينام بين ظهرانينا في سكون عاش حياة مليئة بالعطاء و الحركيّة غير المنقطعة و التّجوال عبر أرجاء هذا البلد الأمين لنشر العلم و المعرفة. وأنّه من الواجب علينا أن نبحث في ثراث علمائنا الأجلّاّء أمثال الفقيه الحاج الأحسن البعقيلي لإمكانية التعرّف على أثارهم من خلال المخطوطات التي مازالت بين أيدي أبنائهم  أو أحفادهم ، و كذا سهولة استقصاء الشّهادات التي تعدّ كذلك من أهمّ الوسائل العلمية النّاجعة و لكشف ما هو غامض و مجهول عند القرّاء بصفة عامّة . و أنّه لمّا كُلّفت بهذا البحث لم أستطع الإحاطة به بادئ ذي بدء لكونه يقتضي الدّقّة و الحرص و الاعتماد على الوثائق المكتوبة و مقارنتها مع شهادات المعاصرين ، الأمر الذي لا يُعدّ هيِّنا و خاصّة أن الفقيه الحاج الأحسن البعقيلي ليس من السّهل الإحاطة بكلِّ ما كتب لكون أنّ هناك أمورا تشمل مواضيع ذات أهمّيّة بالغة نجدها مكتوبة في عدّة كتب و رسائل ، الأمر الذّي يتعيّن معه مطالعة ثراثه كلّه ، و هذا أمر ليس بالهيّن لأنّه ضخم و عدد منه في شكل رسائل تحمل وعظا و إرشادا و قواعد يتعيّن لذلك الإطّلاع عليها و دراستها لاستخلاص  العبر منها. و أنّ الاختيار الذي وقع عليه هذا البحث ما هو إلاّ جانب من هاته الجوانب المتعدّدة التي سبقت الإشارة إليها بصفة عامّة كالفقه و العلوم النّحوية و التّصوّف وغيرها . و هذا الموضوع له أهمّية بالغة اعتبارا للظّرفية التّاريخية التي كان يعيش فيها الفقيه و الاستعمار الفرنسي جاثم على أنفاس المغاربة, و القول و التّشبث بالثّوابت الوطنية كان له ردّ فعل مقيت من طرف المستعمر وأنّ هاته الأهمّية كانت كذلك من الأسباب الدّاعية لاختيار هذا الموضوع و كذلك من أجل إظهار أحد أعلام الفكر المغربي الذي ربّى و علّم وكتب لله و خدمة للدّين و الوطن. و تجلّى حرصه على استقرار البلد في تلك الظّروف العصيبة التي عاش فيها خاصّة و أن العالم عرف حربين عالميتين أثّرتا تأثيرا سلبيا على الفكر و الحياة الاجتماعية و الصّحية لكافّة مكونّات الشّعب المغربي. فعند وضع الاستعمار أيديه في بداية القرن العشرين على المغرب كان هذا الأخير يعاني من حالة اجتماعية و اقتصادية مزرية في كافّة المجالات ،  فاستغلّ المستعمر هذا الوضع لبسط نفوذه كما يشاء. فلم يكن هناك شيء إسمه المجتمع المدني أو جمعيات تقوم بأعمال المساعدة في المناطق النّائية للسكّان ، و إنمّا كان الشّيء الوحيد الذي يجتمع عليه المغاربة هو الدّين الإسلامي ، و كذا تمسّكهم بسلاطينهم اعتبارا لشرعية و مشروعية الحكم لهم لكونهم من سلالة الدّوحة النّبوية الشّريفة و هذا كان يكفي. فالحاج الأحسن البعقيلي كان من الدّعاة لنشر الدّين الإسلامي في كافّة المناطق وأنّه كان يتّجه إلى القرى النّائية و يُعلّم و يصحِّح لهم بعض الأخطاء التي يرتكبونها أثناء قيّامهم بشعائرهم الدّينية و يحثّهم على التّمسّك بالدّين وفق المنهج السّليم و هو مذهب الإمام مالك و العقيدة الأشعرية لكونهما ركائز دين ملوك المغرب منذ القرن الثالث الهجري <<و النّاس على دين ملوكهم>>. و من هذا المنطلق وجدتُ نفسي أمام شخصية تعلم جيّدا الدّور المنوط بها لنشر و تفسير المذهب المالكي و العقيدة الأشعرية في البوادي أوّلا ثمَّ الحواضر التي سيكون له موعد معها في آخر مشوار حياته. ذلك أنّه كان يعلم أنّ البادية هي أمُّ المدينة ،  و أنّ الخير منها و الشرّ منها و لا يمكن  أن تبنى حاضرة في غيّاب البادية ، و أنّ هؤلاء البدو سيرحلون لا محالة إلى المدن فإن رحلوا فإنهم سيكونون مزوّدين بخير الزّاد و هو التّقوى و العلم. ومن المعلوم أنّ ترسيخ الفكر الصّحيح في أذهان سكّان البادية سيكون له مفعول كبير في المستقبل و أثر إيجابي على سكّان المدينة فلم تكن وسائل الإعلام موجودة بالشّكل الحالي و كانت الأخبار تصل شفاهة و لهذا نجد العالم و الفقيه الأحسن البعقيلي يجوب أرجاء المغرب و يستقرّ في مناطق نائيّة و يعلّم قواعد الدّين على مذهب الإمام مالك و العقيدة الأشعرية و يُوَسِّع مدارك أهل الإحسان في المجال الصّوفي لمن هو أهل لذلك و بالتّالي كان نفعه عظيما على جميع  المستويات من نشر العلم و النّصيحة و المساهمة في استقرار الأسر كخليّة اجتماعية أوّلية التي يتكوّن منها المجتمع فإن صلُحت صلح المجتمع كلّه. و تبعا لذلك يساهم في استقرار الأمن والسّكينة و توجيه النّاس و حثّهم على تقوى الله و كذا أهل الله يحثّهم على صفاء النّفس و إعطائهم أجوبة شافية حول الخلق و الخالق عزّ وجلّ و كلّ ما يحتاجه الباحث عن الطّريق الموصلة للمعرفة بالله. فمن كان يحمل كلّ هذه الصّفات لا يكون إلاّ عالما منَّ الله على عباده به كجزاء لهم على حسن سريرتهم <<إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا>>. و إن تكلّمنا على الاستقرار النّفسي الذي كان المحور الرّئيسي الذي كانت تدور عليه حلقات دروسه و وعظه كذلك كان له جانب خاطب فيه أهل المغرب كافة بواسطة كتاب  <<رسالة مبشرة لسكان المغرب>>. يعرّفهم بربّهم أوّلا و كذا بلدهم و أفضليته على كافّة بلاد العالم و كذا بيعة سلطانهم اعتبارا على أنّ البيعة من عقيدة الدّين الإسلامي و التي انبنى عليها أول حكم في التّاريخ الإسلامي إبّان عصر رسول الله صلّى عليه و سلّم. فهذا فضل مَنَّ الله به على بلد المغرب لكونه يحكَم من طرف سليل الدّوحة النّبوية الشّريفة و أنّ بيعته هي بيعة للخليفة الظّاهر و الباطن لكونه كذلك يحمل إسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و هو السّلطان محمّد بن يوسف رحمه الله. كان هذا منطلقا للبحث في علاقة العلّامة الفقيه بسلطان المغرب. و أنّ البيعة هي الرّابطة التي تجمع السّلاطين أو الملوك برعاياهم حسب ما هو ثابت في السّنة و ما سار عليه الخلفاء الرّاشدين و غيرهم. إذن فالبيعة من الدّين وفقيهنا رجل دين وداعية و متصوّف فليس هناك أيّ استغراب إذا كان مِن أوّل المبايعين لسلاطين المغرب المعاصرين له و لكون البيعة كذلك أحد ركائز الطّريقة التّجانية التي يعتبر أحد أقطابها وشيوخها الكبار ووضع بصماته بقوّة على هذه الطّريقة. فكان أوّل من بايع السّلاطين من شيوخ الطّريقة التّجانية الشّيخ سيدي أحمد التّجاني مؤسّس الطّريقة حيث بايع السّلطان مولاي سليمان . و من تمّة بقي ملوك الدّولة العلوية يرعوْن شيوخ الطّريقة التّجانية و يساعدونهم على نشر التّربية الرّوحية و ترسيخ قيم الإسلام المثلى وخاصّة في السّاحل الإفريقي و أعماق إفريقيا و هذا أمر في غاية الأهمّية و لكن للأسف ليس موضوع بحثنا. و لكي نحيط بهذا الموضوع إحاطة شاملة يجب أوّلا أن نعرّف تعريفا علميا و فقهيا للمصطلحات التي ستصادف القارئ. وسنقسّم هذا البحث كالآتي : الباب الأوّل : الثّوابت الوطنية. المبحث الأوّل: إمارة المؤمنين وأصلها التّاريخي في المغرب. المبحث الثّاني:  نظام البيعة.             

المبحث الثالث: المذهب المالكي و العقيدة الأشعرية و التصوّف السّنّي. الباب الثاني: الحاج الأحسن البعقيلي و دوافع بيعته لسلاطين المغرب. المبحث الأول: المرجعية الدينية والصوفية للبيعة عند الحاج الأحسن البعقيلي. المبحث الثاني: جرد و تحليل الوثائق الدّالّة على هاته البيعة. الباب الأول: الثّوابت الوطنية: حين نستعرض تفسيرات المعاصرين للثّوابت و المتغيرات فالثّوابت هي الأصول الكلّيّة القطعية المتّفق عليها والمتغيّرات هي ما كان دون ذلك  من الظّنّيات و الفروع. و هذا تفسير ينصَبُّ على فقه الشّريعة الإسلامية  في تفسير الثّوابت بالأصول و المتغيرات بالفروع. فيبقى تفسير المصطلح ليس فيه إشكال لكنّ الإشكال في أنّ البعض يرتّب على هذا التّقسيم تصوّرا يقوم على أن الثّوابت هي الأحكام الشّرعية التي يجب الخضوع لها وأما المتغيّرات فهي خارجة عن الشّريعة و هذا تفسير مختلّ لأنّه يلغي دائرة المختلف فيه و الظّنيات. و الخلاصة أن هذا المصطلح أي الثوابت لا يمكن تفسيره إلا بالقطعيات والمتغيرات هي الظّنيات ، هذا على مستوى المصطلح بالمفهوم الفقهي . أمّا على مستوى ثوابت الدّولة فإنّها كذلك يمكن إسقاط هاته التفاسير عليها واعتبار الثابت هو القطعي و المتغيّر هو الظّنّي و أمّا الثّوابت الوطنية المغربية فتتمثّل في العقيدة الأشعرية و المذهب المالكي و التصوّف السّنّي و إمارة المؤمنين و حفظ الهوية و الخصوصية في الشأن الدّيني و لشرح هاته الثوابت الوطنية يتعيّن علينا وضع خطّة لتوضيح معانيها بإقتضاب لمعرفة ركائز الدّولة و ثوابتها التي لا تقبل النّقاش و لا التّغيير. وهي كالآتي: المبحث الأول: إمارة المؤمنين و أصلها التاريخي في المغرب: فاعتبارا لكون إمارة المؤمنين  أحد ركائز الثوابت الوطنية و الدّعامة الأساسية للأمن الرّوحي فإنّها تقوم على البيعة.                                                          

وتشكّل البيعة في المغرب بمدلولها الشّرعي و سيّاقها التّاريخي خاصية مهمّة تتكوّن منها الهوية الوطنية المغربية. فإمارة المؤمنين بدلالتها الشّرعية قامت على البيعة و أنّها  أدمَجت حقّ الله وحقّ الرّحم كما جاء في  قوله  تعالى  في  سورة  النساء الآية 1<< و اتقوا الله الذي تسّاءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا>> . فمنذ تزّوج المولى إدريس الأكبر كنزة الأمازيغية و المغاربة يعتبرون أنّ بناء المجتمع المغربي تحت بيعة المولى إدريس بيعة دينية إمتزج فيها حق الله و حق الرّحم. و هذا من أهمّ اللّطائف في خصوصيات المكوّن الدّيني للمجتمع المغربي و إستمرّ تطوّر المجتمع في صيغته إمارة المؤمنين بدلالتها الشّمولية عقيدة و رحما إلى عهد الدّولة العلوية. و أنّ الوفاء لحقّ البيعة باعتباره حقا من حقوق الله كان واجبا و لازال ، و كذلك إمارة المؤمنين في المغرب لها جذور تاريخية. و تمّ استعمال لقب أمير المؤمنين لأولّ مرّة بالدّولة الموحّدية ثم ما تبعها من الدّول. لكن هذا اللّقب إن سبق و لُقِّب به يوسف بن تاشفين مؤسّس الدّولة المرابطية فكان يلقّب بأمير المسلمين قبل أن يبسط يده على كلّ الأراضي المغربية و بعد ذلك اجتمع الأعيان و العلماء و شيوخ القبائل فعرضوا عليه لقب أمير المؤمنين فرفض لكونه أمازيغي و لا يتوفّر على شرط النّسب إلى آل البيت. و بحكم استقلال المغرب عن الخلافة العبّاسية منذ هارون الرّشيد أحسّ ملوك و سلاطين المغرب في تلك العهود باستحقاقهم للقب أمير المؤمنين لتضفي عليهم الشّرعية الدّينية نظرا لموقفهم و جهادهم في مقاومة النّصارى في الأندلس و توحيدهم لكافّة بلدان شمال إفريقيا و جهادهم كذلك من أجل فتح الجنوب الإفريقي. فكان أمير المؤمنين يمارس مهامّه في إطار البيعة ليس كإجراء شكلي و إنّما كانت تتضمّن شروطا على رأسها التزامه بالعمل بالكتاب و السّنّة مقابل الطّاعة في المعروف و تمنح البيعة للفقهاء مبدئيا على الأقل حق مراقبة السّلطان. فقد خضع السّلاطين منذ الأدارسة في المغرب إلى أن فرضت الحماية سنة 1912 لنظام البيعة. و بمقتضى هذا العقد كان يمارس العلماء و ظيفتهم إلى جانب السّلطان عبر  وسائل الفتوى و الإفتاء أي الاستشارة لذوي المكانة من علماء و غيرهم. ومن ضمن الاختصاصات المخوّلة لأمير المؤمنين ممارسة وظيفة التّحكيم بين القبائل في حالة النّزاع حول الأرض أو غيرها. وظلّت البيعة في المغرب مشروطة بالعمل بكتاب الله و سنّة الرّسول ، و على ما بويع عليه الرّسول صلّى الله عليه و سلّم  و الخلفاء الرّاشدون و الأئمة المهتدون .         و خلال بحثنا في الباب الثاني سنوضّح طبيعة العلاقة التي كانت تربط الحاج الأحسن البعقيلي باعتباره عالما مع السّلاطين الذين عاش في زمانهم وذلك بالتّفصيل و الإيضاح. المبحث الثاني:البيعة: يمكن تعريف البيعة في مفهومها الإسلامي، فهي كلمات تعبّر عن نيّة و عزيمة على الوفاء و الأداء فيما يبايع المسلمون خليفتهم أو حاكمهم على السّمع و الطّاعة في مقابل أن يحكمهم بما فيه مصلحة الأمّة و على أساس الكتاب و السّنة المطهّرة و الطّاعة في هذه البيعة واجبة بنصّ قوله تعالى << أطيعوا الله و أطيعوا الرّسول و أولي الأمر منكم >> سورة النساء الآية 59. وهذه البيعة يقصد بها البيعة العامّة أما البيعة الخاصّة أو الأصح البيعات الخاصّة فقد ورد في السّنة المطهّرة عن عُبادة بن الصّامت أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أمر بعض الصّحابة أن يبايعوه على أمور مخصوصة و من ذلك البيعة على الصّلوات الخمس و الزّكاة و البيعة على القول بالعدل و البيعة على النّصح لكل مسلم و البيعة على الجهاد إلى غير ذلك. قال النّووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم << يكفي في بيعة الإمام أن يكون من أهل الحلّ و العقد و لا يُلزم أحدا أن يحضر عنده و يضع يديه في يده بل يكفي التزام طاعته والإنقياد له بأن لا يخالفه و لا يشقّ العصا عليه>> . و البيعة عقد يترتّب عليه إلتزامات على الطّرفين (أولي الأمر و الرّعية) وذلك بشروط البيعة فيحْرُم نقضها إلا بحقّها و لها أهمية مركزية في النّظام السّياسي لذا جاء في الحديث النّبوي بأنّه ” من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”أخرجه الإمام مسلم في صحيحه, و لا يجوز إعطاؤها لأكثر من واحد. فهذه مجموعة قواعد لتعريف البيعة و كيفيتها و شروطها و هي نظام للحكم يبنى عليها أسس و قواعد نظام الحكم في الإسلام. فبيعة الحاكم لا تعدّ مطلقة و إنّما مقيّدة بشروط إلتزام الحاكم بالكتاب و السّنّة و ذلك برقابة العلماء و أهل الحلّ و العقد. المبحث الثالث :المذهب المالكي و العقيدة الأشعرية و التّصوف السّني : أولا :المذهب المالكي بالمغرب: كما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن المذهب المالكي يعتبر من أهمّ ركائز الثّوابت الوطنية باعتباره العمود الفقري لفقه المسائل و المعاملات و العبادات في المغرب. ظهر هذا المذهب على يد الإمام مالك بن أنس المزداد ما بين 90 و 97 هجرية حيث اختلف المؤرخون في تاريخ ازدياده وسمي بإمام دار الهجرة و المهمّ أن الإمام مالكا تميز  بطول العمر حيث أنه عاش على الأقل 82 سنة أما أصله فهو عرب و وصَف بعض الدارسين هذا المذهب بقول أهل المدينة . و كان الإمام مالك يعتقد بأفضلية المدينة على سائر البقاع اعتبارا لكونها فتحت بالقرآن و الباقي فتح بالسّيف أو الصّلح و من هنا يأتي أحد الأصول الأساسية في المذهب المالكي و هو إجماع أهل المدينة أو عمل أهل المدينة الذي يقدّمه الإمام مالك أحيانا على الحديث الصّحيح و يقدّمه على خبر الآحاد ، و مخالفة أهل المدينة له دليل على نسخه و يرِد هذا الأصل في الموطأ بـ << الأمر عندنا>>. هذا المذهب كذلك الذي يرتكز في أصوله على الكتاب و السّنة ثم الإجماع عند عدم توفّر النّص ثم القياس و كذلك المصالح المرسلة التي توسّع فيها المالكية كثيرا و الإستحسان و ذلك لدفع الحرج. و كان  مالك بن أنس يربط بين القول و العمل ويقول <<الإيمان قول و عمل>>. و بدخول المذهب المالكي إلى المغرب و إنتشاره عرف استقرارا سياسيا و دينيا. و هذا المعطى التّاريخي جعل المغرب يرتكز على المذهب المالكي باعتباره من الثوابت الوطنية التي لا تقبل التغيير و النقاش. أما فيما يخصّ الرّكيزة الثانية و هي العقيدة الأشعرية سنخصّص لها حيّزا جدّ مختصر لتعريفها و معرفة تاريخ دخولها إلى المغرب. ثانيا العقيدة الأشعرية: إن المغرب عرف التّلاحم بين المكوّنات الثلاث للتّديّن التي دعا إليها الفقيه عبد الواحد بن عاشر و هو يوضّح في منظومته التّعليمية “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” قائلا: 

في عقد الأشعري وفقه مالك……….و في طريقة الجنيد السالك

فقد أسهمت العقيدة الأشعرية وفقه المذهب المالكي و التّصوّف السّنّي في خلق إنسجام مذهبي و عقَدي في المغرب جنَّبَه كثيرا من القلاقل و الفتن التي كانت تقع في غيره . و للتعريف بالعقيدة الأشعرية و كذا تاريخ دخولها للمغرب و أسباب دخولها سنتطرّق بعجالة في بضعة أسطر لذلك. فمؤسّس هذه العقيدة هو أبو الحسن الأشعري ينتمي نسبه إلى الصّحابي الجليل أبي موسى الأشعري ولد بالبصرة سنة 270 هجرية تلقّى ثقافة قرآنية و لغوية واسعة و عاش في كنف شيخ المعتزلة  أبي علي الجبائي و تلقّى علومه حتى صار نائبه. ثم بدأ الأشعري يعيد النّظر في أفكاره و يدرس و يستخير حتى إطمأنّت نفسه و أعلن البراءة من الإعتزال. و بدأ في رسم خطوط جديدة و منهج يلجأ فيه إلى تأويل النّصوص و ذلك ما يراه متفقا مع محكمات الشرع و ما يقضي به العقل. و كان منهجه وسطيا معتدلا وهو مذهب السّنة و الجماعة و ما كان عليه المجتمع الإسلامي خلال القرون الأولى منسجما من الناحية الثقافية و العقدية و كانت عقيدته كذلك ثمرة تطوّر مذهب أهل السّنة و الجماعة  و هو ينتقل من مرحلة تجنّب الخوض في دقائق علم العقيدة كالذّات الإلاهية إلى مرحلة الدّفاع عن العقيدة الصّحيحة، حدث ذلك لكون انتشار الإسلام في عدّة دول و تواجهه مع العجمة اللغوية و رواسب الدّيانات السّابقة ، أدّى إلى انحرافات خطيرة مؤداه التّشكيك في بعض النّصوص القرآنية و إعطاء تأويلات مغايرة تؤدّي لا محالة للوقوع في المحظور. و ظلّت العقيدة الأشعرية في عهد المرابطين أسيرة الأوساط العلمية لأنّهم كانوا شديدي التحفّظ ممّا يمكن أن يزعزع الوحدة الدّينية و كذلك لكون المغرب آنذاك لم يعرف المذاهب غير السّنية كالإعتزال و التشيّع إلاّ في حدود ضيّقة و لذلك لم تكن الحاجة عند العلماء لنشر هاته  العقيدة . و كان أبو الحسن الأشعري وسطيّا لا يكفّر أحدا بذنب فلما أحسّ بقرب أجله دعا أحد جلسائه و قال له :<< اشهد عليّ أني لا أكفّر أحدا من أهل القبلة لأنّ الكلّ يشيرون إلى معبود واحد و إنّما هذا كلّه اختلاف العبارات>> و توفّي رحمه الله سنة 324 هجرية. أمّا عن تاريخ دخول العقيدة الأشعرية إلى المغرب فقد اختلف المؤرّخون وأنّ مِن أبرز العلماء الذين نشروا العقيدة في المغرب أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي المزداد سنة 489 هجرية صاحب كتاب <<التّجريد في علم الكلام>> و تلميذه يوسف بن موسى شيخ القاضي عيّاض.  ومن تمّة أصبحت العقيدة الأشعرية ركيزة من الثّوابت الوطنية المغربية .

ثالثا : التّصوّف: ليس هناك في الواقع تعريف واحد متفق عليه لمصطلح التَّصوّف و هناك أكثر من مائة تعريف تعبّر كلّ منها على ناحية خاصّة  وتشير إلى وجهة نظر. في هذا المعنى قال الإمام الغزالي في الإحياء << فإنّ عادة كلّ واحد منهم أن يخبر على حال نفسه فقط>>. 

   ولا جدال في أنّ الجانب الأخلاقي و تصفية النّفس من الشّرور و الآثام و محاولة الإرتقاء بها إلى أعلى درجات الكمال الخلقي من الأمور الأساسية في التّصوّف بل يجعلها البعض مرادفة التّصوّف  << التّصوّف خُلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصّفاء>> هذا من حيث الإتّجاه الخلقي. أما الجانب التّعبّدي فالصّوفي كثير العبادة و لكنّه يخالف العابد فهناك فرق بين عبادة العابد و عبادة الصّوفي. فالصّوفي يعبد الله لأنّه يستحقّ العبادة لا طمعا في جنّة أو خوفا من نار فهو مستسلم لمجاري قدره بالحمد والشكر على توفيقه في السراء و الضراء مبايعا مولاه على أنه هو السيد و هو عبد لا حول له و لا قوة إلا بربه . فالتّصوّف نشأ نشأة إسلامية صرفة فالقرآن الكريم و السّنة النّبوية فيهما من الإشارات العديدة و التّوجيهات الكثيرة ممّا ساعد المسلمين على تنمية هذا الشّعور الفطري فأقدم المسلمون على الزّهد و العبادة في القرنين الأوليين للهجرة و لم يكونوا بحاجة لإصطلاح التّصوّف كمثال الحسن البصري ورابعة العدويّة. و هكذا تأخّر إطلاق مصطلح التّصوّف بالمعنى الذي نعرفه اليوم حوالي قرنين من الزّمن بعد ظهور الإسلام. و ظهرت إثر ذلك عدة مدارس صوفية ترمي جلّها إلى عبادة الله من باب الإحسان و الإخلاص لله. و عُرفت في المغرب في شكل زوايا و طرق للتّعبّد و التّربية الرّوحية و الدّينية الصّحيحة و هو ما يصطلح عليه بالتّصوّف السّنّي عكس التّصوّف الفلسفي و كانت هاته الزّوايا محطّ اهتمام ملوك المغرب و رعاياهم لدرجة أنّها أصبحت من ثوابت الأمّة. الباب الثاني : الحاج الأحسن البعقيلي و دوافع بيعته للسلطان: المبحث الأول: المرجعية الدّينية و الصّوفية للبيعة عند الحاج الأحسن البعقيلي: يقول الله تعالى في كتابه العزيز:(قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء  و تنزِع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كلّ شيء قدير) صدق الله العظيم سورة أل عمران الآية 26 إنطلاقا من هذه الآية كان العلاّمةُ والفقيه ينظر إلى المُلك بأنّه إرادة الله في خلقه و أنّ صاحب الإرادة الأوّل و الأخير هو الله سبحانه و تعالى فلا مجال للفرد من إختيار أمام إرادة الله سبحانه و تعالى كما يؤكد ذلك الحديث القدسي (عبدي تريد وأريد ولا يكون إلاّ ما أريد ، فإن أطعتني أعطيتك ما تريد وإن عصيتني منعتك ما تريد و لا يكون إلاّ ما أريد). و من هذه الزّواية كانت جلّ كتبه كالإراءة و تبصرة الأرواح  و غيرهما و كذا الرّسالة المبشّرة لسكّان المغرب يحثّ فيها الحاج الأحسن البعقيلي على الإستسلام و الخضوع لإرادة الله.

  وأنّ المَلك أو السّلطان هو خليفة الله في الأرض و أن المَلك يتصّرف بإسم من أسماء الله التي لا يجب أن تزول فإن مات الملك يجب القول عاش الملك لإستمرار إسم من أسماء الله في أرضه. فلا نستغرب إن وجدنا الفقيه يستعمل عبارات مميّزة في شأن سلطان المغرب محمد بن يوسف في رسالته المسمّاة رسالة مبشّرة لسكاّن المغرب حيث قال: السّيد محمّد بن المولى يوسف بن المولى الحسن الشّريف الحسني من شجرة المولى محمد النّفس الزّكية و قد اجتمعت فيه حقائق جدّه صلى الله عليه و سلم حسّا ومعنا و إسما فلم يتقدّم نظير من خلفاء المغرب فضلا عن ملوكهم فقد إمتزج مع قطب الوجود إمتزاج الروح بالجسد فأحبّته الملوك قاطبة و النفوس لما عليه من القوّة و النّور النّبويين فصار يطرب ذكره الخافقين و يتغنّ  بحلاوة ذكره الغافلون فالمغرب كلّه بيته وهو سقفه فالمغرب من إفريقية إلى نهايته روضة الأشراف… فالمغرب أفضل من غيره ماعدا الحرمين الشّريفين فهما موطن كلّ مؤمن. من رسالة الفقيه . و قد حرّر رسالة موجّهة إلى سكّان المغرب سنة 1366 يتحدّث عن أصل و إلزام الأمّة الإسلامية بطاعة أولي الأمر وذلك من طاعة رسول الله كالآيتين:<< أطيعوا الله و أطيعوا الرّسول و أولي الأمر منكم>> سورة  نزلت في أولي الأمر و في العلماء (إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل) قال النّبي صلى الله عليه وسلم <<من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله و من أطاع أميري فقد أطاعني و من عصى أميري فقد عصاني>> رواه الإمام أحمد في مسنده . فالإمام الأعظم الذي للنّاس راع وهو مسؤول عن رعيّته الأئمة من قريش يعني الخلافة التي وقع إجماع المسلمين أنّها لا تتعدّد و أمّا الإمارة فينوب أهلها عن الخليفة كالخليفة المولى محمّد بن يوسف فإنّه في زمانه وحده الخليفة و ما وجد من أقطار الإسلام زمنه هم إنما الأمراء علموا أو لم يعلموا <<رسالة مبشرة لسكان المغرب>>. فـالحاج الأحسن البعقيلي يعتبر المَلك خليفة وحاكما ظاهرا و باطنا عن الأمة الإسلامية إحساسا منه بوجوب وحدة الأمّة الإسلامية كما كان الشّأن إبّان الخلافة أو الحكم في عصر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وكانت هاته القناعة راسخة في ذهنه و أقواله بحيث نجده يؤكّد على ذلك بقوله سواء علموا أو لم يعلموا و ذلك إنطلاقا من قناعته الدّينية على أن الحاكم هو الله و أنّ خليفة رسول الله يجب أن يمتزج فيه النّسب إلى البيت النّبويّ و كذا البيعة الشّرعيّة. و هذه المهمّة لم تكن مسندة إليه و إنّما هي واجب شرعي على كافّة العلماء لأنّ البيعة تكون دائما مشروطة بإتباع كتاب الله و سنّة رسوله.                                  فإن خرج السّلطان عن طريق الشّرع  كما وقع في عهد مولاي عبد الحفيظ العلوي إبّان توقيعه عقد الحماية جعلت عددا كبيرا من العلماء يسائلون السّلطان حول ما قام به و هذا يدخل في إطار دورهم. و من هذا الباب ندخل إلى دور الذي كان يقوم به الحاج الأحسن البعقيلي لإسداء النّصح و المشورة لسلطان المغرب و إبداء رأيه في بعض الظّواهر الاجتماعية التي كانت متزامنة مع الأفكار التي يروِّجها المستعمر آنذاك. و سنخصّص لذلك مبحثا خاصا لاحقا. و يتجلّى ذلك في عدّة رسائل نأخذ منها على سبيل المثال لا الحصر رسالة سمَّاها  إلجام الجهال بأسنّة ألسنة الكمال حول الرّدّ عن ابن المؤقّت هذا المؤلِّف الذي كان ينتقد ثقافة المجتمع المغربي بنقد شامل، لم يسلم منه لا علماء و لا طرق صوفية، و كان يدعو إلى تحديث المجتمع على شاكلة الغرب فقامت في وقته زوبعة كبيرة وصلت إلى السّلطان محمّد بن يوسف. و قال الحاج الأحسن البعقيلي <<……بعض مؤلّفات المؤقت التي يريد فيها كشف الغطاء عن المساوئ الوقتية و العيوب  قلت و هذا سبّ للأمراء و المسلمين قاطبة لم يترك فيه أحد فوجب منعه من إظهاره و الضّرب على يديه و الثاني إظهار الإلتباس فيما حلّ بالنّاس قلت  و هو أيضا تجسُّس حرام نجس رجس يجتنب إلى آخر ما سوّده فتبيّن منه أنه يغري النّاس على دفع الحقّ الذي هو المال في الباطل المركّب من الجهل فمن أعطى دراهمه في ترّهاته الباطلة أفسد نعمة الله في الإسراف الباطل فالرّسول لا يقول ما خالف النّصوص وكفانا القرآن و الحديث فالمؤقِت الغُمْرُ لا يمكن أن يتصوّر أن يكون نائبا عن الرّسول في توصيل الباطل, فالأمّة قائمة مستقيمة, و كلّهم أولياء الله,  فكلّ من حسنت عقيدته وليّ الله يقول رضي الله عنه أيضا: فانظر ما بناه خليفتنا السّيد المولى محمد بن المولى يوسف من المساجد المرفوعة المؤيّدة بالله تر عجبا فالذي أظهره الله على يديه يمنع ما زعمه محمد المؤقت فمن يوم  فتح المغرب لم يظهر مثله في الدّيانة و شيّد منارات الدين وهو أول نوّارة ظهرت يسقي إلاهي فإلى الآن ما ظهرت أنوار بحر القرآن، فالقرآن كالبحر لا تنقضي عجائبه فمن كان يسيء الظنّ بالله و برسوله وبالمؤمنين يظهر له ما أثبته ابن المؤقت. إنّ التّمعنّ في كلام سيدي الحاج الأحسن البعقيلي و قراءته بتروٍ يتجلّى منه أنّه رضي الله عنه يفرّق بين الخلافة الظّاهرة و الباطنة وقلّما تجتمعان حيث أشار إلى إجتماعهما في الخلفاء الرّاشدين و ذلك كان بعد وفاة سيّدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على كونها هي وارثة سرّه و خليفته الباطنية ولكن اعتبارا على أنّ من شروط الإمامة و الخلافة تقتصر على الذّكور فكانت رضي الله عنها خليفة لرسول الله لسرّه الباطني فقط، وهذا أمر ينتهي بالمؤلّف شرحه فيما بعد قصد تأكيد على أنّ الخلافة رجعت إلى المغرب في عهد الشّرفاء الأدارسة  و إستمرّت إلى العلويين لتكون خلافة ظاهرة و باطنة. فلمّا كان المؤلف يتكلّم على كون محمد بن يوسف سلطان المغرب و أنه خليفة رسول الله ظاهرا و باطنا عن الأمّة الإسلامية علموا أو يعلموا “رسالة مبشرة لسكان المغرب” هنا يعطي الشّرعية لمؤسسة إمارة المؤمنين التي ينفرد بها المغرب في العالم الإسلامي لكون الأمير يجمع بين حق الرحم و الدين أي البيعة و يشير كذلك على كون البيعة و الخلافة لا تعطى لإثنين حفاظا على الوحدة و الإستقرار. و بيّن في نفس الرّسالة فيقول في الصّفحة 26 وما يليها  << فالمغرب لا يطمع إقليم في مساواته لأنه بحر الخلافة النبوية الشريفة فمحبوبنا الذي أكرمنا الله به قرشي هاشمي نبوي فاطمي حسني توفرت فيه شروط الخلافة حسا و معنى و إنزرعت الخلافة باطنا من أب و أم إلى المولى إسماعيل وأبيه المولى محمد و المولى علي المجاهد ونسبهم أصرح الأنساب النبوية بإجماع العلماء المؤرخين و الفقهاء و لا يتصور فيهم لشدة غيرتهم على نسبهم فاجتمع فيه الصلاح و النسب……>> و يشير كذلك في الصفحة 14 على أن المغرب فليَحْمَدْ ربه الذي أختصه بالخلافة النبوية من النبي إلى قيام الساعة >> و هذا النّمط من التّفكير يوجد له سند في فكر الطّريقة التجانية باعتبارها رافدا من روافد التّصوّف وكما هو معلوم أن الصّوفية لهم أحكام ورؤى خاصّة بهم إنطلاقا من المراتب التي يصلوا إليها ليطلّعوا على الحقيقة و هي عبارة عن روح أوامر الشّريعة باعتبار الشريعة هي الجسد و الحقيقة هي الرّوح. وكما يقال (كلّ قول شيء غير مؤكد بالحقيقة فغير مقبول و كل قول بحقيقة غير مقيد بالشريعة غير محصول) فالحقيقة معناها أنباء عن تصريف الحق في أمور الخلق. فنرى أنّ الحديث يتنوّع عند الحاج الأحسن البعقيلي و ذلك راجع للمقام الذي يتحدّث منه باعتباره عارفا بالله و حسب تجربته الذّوقية لذا لا يمكن أن نفصل الجزء عن الكلّ فالحاج الأحسن البعقيلي  لمّا كان يخبرنا بحقيقة الخلافة فلم يكن يعوزه الدّليل العقلي أو الشّرعي إلاّ في مواضع قليلة و كان يتكلّم بلغة اليقين من قوله و هكذا حال المتصوّفة الواصلين. و معرفتنا به من خلال كتبه في التّصوّف و المعرفة بالله جعلتنا نسلّم بكلّ قول و نقله بكلّ أمانة. و بعد هاته التّوطئة المعرّفة بدوافع بيعة الحاج الأحسن البعقيلي سلاطين عصره و سنده الشّرعي و المذهبي والصّوفي. فأصبح لزاما علينا أن نتحدّث عن الواجبات الملقاة على عاتقه من جرّاء البيعة باعتبارها ليست مجرّد عمليّة شكلية بل مسؤولية ملقاة على عاتق أهل الحلّ و العقد و العلماء و على كافّة المسلمين لرقابة سلطانهم و إلى أي حدّ تصل تلك الرقابة ؟ فهناك كذلك رسالة في كتاب  <<ترياق لمن فسد قلبه و مزاجه>> يحثّ فيها الفقيه السّلطان كي يعزل الوزير الحجوي وزير المعارف. و هذا نصه: و سلطاننا قبة عزّنا و مظلنا و أميرنا و خليفة الرسول علينا الذي بايعنا له مبايعة تامة ظاهرا و باطنا مدة عمره المبارك لا يريد لك ذلك و المخزن كله لا يحبه و قد استوجب من أثار الفتن الطرد و العزل من حضرة كبرائنا و أمرائنا فنحب من سيادة الوزير أن يتوب إلى الله و أن يُعين أمّة الرسول و يدافع عنها فإنهم أولياء الله جاه الله جاه الله و دخّلنا عليك بجلالة سلطاننا أن تتوب إلى الله و لا تفتن المسلمين فإنك من الأحباب استهوتك و استخفتك ضعفة العقول و أنت لست من أهل ميدانهم فأنت من جملة الأيالة العلوية الشريفة فالمغرب نسب للأشراف العلويين فمن نسب لديار الأشراف عظم و شرف فلا تثِر في المغرب فتنا فالجرائد و أهلها فتنة و بلية إلا للسلاطين فيما بينهم فيحرم التجاسر على أسرار الملوك و فضح مراداتهم و نحن فقراء مستسلمون للأمراء فهم ظل الله في أرضه قال بعض الناس متى أكون شاكرا قيل إذا لم تر أحدا أحسن الله إليه مثلك خلقت الأنبياء لتهتدي بهم و خلقت الملوك لتأمن بهم و خلقت العلماء لتقتدي بهم . و هذا الخطاب يدلّ على جرأة الفقيه و جهره بالحقّ دون وجل أو خوف في تلك الفترة. الحاج الأحسن البعقيلي و دوره في النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف: لا يخفى على أحد أن الحاج الأحسن البعقيلي كان رجل دين و عالما و فقيها و رجلا صوفيا من أقطاب الطّريقة التجانية و أن هذا المزيج من الصّفات التي تحلّى بها جعلته رجلا مسؤولا ممّا يكون معه من الصّعب أن يتصرّف تصرفّات خارجة عن نطاق الصّورة التي وضعها لنفسه بتزكية من الله سبحانه و تعالى. و هكذا لمّا أردت أن أبحث في دوافع بيعته كنت أعلم حقّ العلم أساسها هي الشّرعية الدّينية و لا يمكن أن تكون خارجة عن أوامر الله و رسوله. فبيعته لها سند في الكتاب و السّنة سبق توضيح ذلك لقوله تعالى<< إن الذين يبايعونك إنّما يبايعون  الله>> فنظام البيعة هو ما أقرّه كذلك الرسول صلى عليه وسلم بقوله <<من مات بغيرها مات ميتة الجاهلية >> أمّا من حيث موقعه كشيخ من شيوخ الطّريقة التجانية و هي << طريقة صوفية مؤسسها هو أبو العباس أحمد التجاني 1737-1815م توفيق 17 شوال 1230 هجري بفاس . و هاته الطريقة مؤسسّة على تربية و تزكية النّفوس من الآثام طبقا لما هو في كتاب الله و سنة رسوله و هي العبادة من مقام الإحسان أي عبادة الله كأنّك تراه و هذه الطريقة يكون فيها المريد تابعا لشيخه و أحواله و الطّريقة كذلك مؤسسة على البيعة و هي بيعة المريد لشيخه قصد الإتّباع فلا يتصور ضدها . فالبيعة قاعدة أساسية تنبني عليها الطّريقة التجانية و من هذا المنطلق نجد الحاج الأحسن البعقيلي يصرّ على بيعته للشيخ سيدي أحمد التجاني بيعة تامّة في الظّاهر و الباطن. و نرجع لمبايعة السّلطان أو الملك فنجده يعظّمها أشدّ تعظيم . فهذا الموقع كان يفرض عليه باعتباره عالما دينيا مَهَامًّا كما هو وارد في رسالته: <<إنقاد الضلال و الجهال>> حيث يقول << فالسلطان تحت سلطة العلماء فهم الذين يولونه و يعزلونه و العلماء تحت سلطة الأدلّة الشّرعية>> فنراه يضع مرتبة المغرب فوق كافّة المراتب و تتجلّى غيرته على المغرب بقوله في الرّسالة الموجهة لسكّان المغرب في الصّفحة 15 الجملة الآتية : << فالمغرب لا يقتدي بغيره فالغير يقتدي بأهل المغرب لمكان الخلافة النّبوية>>. وهذا يجرّنا إلى رسالة سمّيتها رسالة خاصة هي ضمن عدّة رسائل للحاج الأحسن البعقيلي و نظرا للفائدة يمكن أن نستخلص منها من أمور هامّة لا زالت معروضة إلى يومنا هذا هي المتعلّقة بأنماط الحكم المعروفة دستوريا و عالميا و للفقيه رأي خاص كالآتي: نصّ الرسالة: الحمد لله وحده إلى المسلمين كافة أما بعد فليعلم كل مكلف عاقل من الشعب المغربي بأن المسلمين كافة بايعوا الخليفة النبوي المولى محمد بن المولى يوسف مبايعة تامة على أن يتقلد بأمور المسلمين كافة و أجمع المسلمون عليه على موافقة الشرع المطاع و أن العلماء لم يقبلوا و لم يأذنوا لأحد أن ينتخب أي شخص كان إلا من ولّاه الخليفة فإننا قبلناه فإن تعدى على المسلمين رفعوا أمره إلى الخليفة فلا يقبل المسلمون غيره فمن انتخب و صار عضو الإنتخاب فقد نكث و نقض العهد فمقصود غير أهل الحق إزالة نقطة الخلافة الإسلامية فالمسلمون قاطبة رفعوا أمرهم إلى السلطان الأعظم فيرفع عنا الأفكار الفاسدة فليعلم سيدنا أن المسليمن قاطبة عند نظرك و أن لمقام الخلافة النبوية و لا يقتد المغرب بالمماليك و السلام من علماء الإسلام الراسخين على خليفتنا و على رؤوسه أهل عز الإسلام. ( هذا أيام الحماية الفرنسية ) و الخلاصة أنّه كان يرفض أيّ تعديل لنمط الحكم في البلاد خوفا من ضياع الخلافة من الأسرة العلوية و يضيف بأدب القول و يسدي النّصيحة بقوله إنّ هذا الشّيء يؤول إلى زوال عزّ المغرب فالمماليك يقتدون بالمغرب لمقام الخلافة النّبوية و لا يقتدي المغرب بالمماليك. فهو لا يريد ملِكا محميّا كما تسعى لذلك القوّات المستعمرة و لا ملكا دستوريا كما تسعى لذلك الحركة الوطنية و لكن يريده خليفة يجمع بين يده السّلطتين الدينية و الدنيوية. و ثبت حقُّ ما قاله أنّ عزّ المغرب و ووحدته و إستقراره كان الضّامن الوحيد له هو الشّرعية الدّينية للحكم باعتبار أن المغاربة يلتفون حول الملك لهذا المقتضى و أمّا لو نجح مخطّط الإستعمار في عزل السّلطة الدينية و الدنيوية للسّلطان لكان مآل المغرب ما آلت إليه بعض الدّول من إنقسامات و حروب أهلية. هذا الذي يجعل المتتبّع لفكر هذا الرّجل أن يشهد له بقوّة فراسته و حدسه الذي كان سابقا لعصره. و الآن يعيش العالم الإسلامي صراعا حول التفكير العميق في  نمط الحكم الذي يليق بمجتمعاتهم و قد لا ينتهي المدّ و الجزر لخصوصيات هاته البلدان. و أنّ المغرب باختياره لنمط الحكم المبني على إمارة المؤمنين و الشرعية الدينية كان نسبيا في منأى عن الفتن فهاته الرسالة تدلّ على جرأة كاتبها في تلك الحقبة و دواليب السلطة بيدي المستعمر و ليست هناك أي ضمانات قانونية للفرد المغربي و كذلك لوجود قوانين زاجرة عن كلّ فعل أو قول من شأنه المسّ و زعزعة الأمن السياسي للمستعمر. و هذا القول كان من الواجبات الملقاة على عاتق العلماء الذين بايعوا السلطان قصد تمسكهم بالكتاب و السنة. و يأتي ليقول في نفس الكتاب رسالة مبشرة لسكان المغرب :<< فالعلوم في الكتب لا في الجرائد فالجرائد إنّما هو للملوك و لتبيين الأثمان والسّلع وبعده فليس فيها إلاّ إفساد الأدمغة فالحديث الصّحيح القرآن و كلام رسول الله حيث تبث { كفى بالمرء إثما أن يحدّث بكلّ ما سمع} {كفى بالمرء أن يُضيع من يعول} {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} فجهاد العلماء الأقلام و الصّدع بالحقّ ولو مرّا فلا تأخذهم في الله لومة لائم فالجرائد هي التي تهتك الأعراض فإذا تكلّم العالم بحقّ نطقت ألسنة الجرائد بتجريحه فليمسك الخليفة المحبوب عنان أهل الشّرع أهل الخير فالقاضي الذي يتهاون بالجماعة و الصّلوات في الوقت و العدل كذلك يجرّحه ذلك فعمّال سيّدنا و قضاته و أهل مراتبه السّلطانية وجب أن يحافظوا على الصّلوات بالجماعات في الأسواق و غيرها … فالأمراء نوّاب الله في الأرض فهم أولى بطاعة الله فالسّلطان لا يؤوي إلاّ أمينا في طاعة الله فمن لم يُصلِّ كيف تصِحّ ولايته ومرتبته . رسالة مبشرة لسكّان المغرب ص23. فحارب المستعمر و ذلك بما قاله أولي الأمر بالتّشبّت بالكتاب و السّنّة كالصّلاة جماعة و الأمانة فالمغرب يقتدى به . و إنّما كان يوجّه سهامه للمستعمر و يقول للسّلطان أسلك عنان أهل الشّرع يعني قربهم إليك . و يضيف كذلك في الصفحة 28 و يقول : فمقصودي أنّي نبّهت كعادتي على تبيين الحقائق و إن ظهرت كشمس في القائلة تنبيها لمن تمكّنت غفلته (رسالة مبشرة لسكان المغرب). و له كتابات في الشّأن السّياسي حين أوضح مهام الوزير في كتاب” ترياق لمن فسد قلبه و مزاجه” ص 73 فيقول :الوزير من يوازر السلطان في عمله أي يعينه على السّداد و الصّواب و إلاّ عزل عن رتبته إلى سيّاسة الدّواب فليست الوزارة إلاّ بالعمل الصّالح أيّده الله و لطف به آمين وكان يقصد بقوله هذا الوزير الحجوي وزير المعارف. ليرجع في الصّفحة الموالية و يقول فكيف يمكن لرئيس الجرائد الحجوي أن يساعدهم ويخامرهم فهو عند السّلطان من المستخدمين فتالله يصلح من يسبّ الأمّة أن يكون إلّا مع المجرمين فضلا أن يكون مع الرّؤساء. فهذا الكلام غنيّ عن التّفسير فكان فيه واضحا في ممارسة طعنه و إنتقاده للوزير الحجوي لمّا ساند ما كان يصدر في تلك الفترة في الجرائد من انحرافات و أقوال منافية للشّريعة. و قد خصّصت المبحث الثاني لجرد الوثائق الدّالة على بيعة الحاج الأحسن البعقيلي و ذلك كمايلي: المبحث الثاني: الوثائق الدّالة على بيعة الحاج الأحسن البعقيلي للسّلطان محمد بن يوسف: فأمّا الوثائق الدّالة على بيعته صراحة أو ضمنا لسلاطين المغرب فهي غزيرة بغزارة كتاباته فنجدها في جلّ الخطابات و الرّسائل و الكتب الخاصة و العامّة. فكان الفقيه يحسّ بأنّه أسعد خلق الله لكونه يوجد في بلد يحكمه سليل القبّة الشّريفة و نسبه كما يقول صراح فما من موضوع يتطرّق له حتى في رسائله إلى بعض المقدمين إلا و يوصيهم بطاعة الخليفة. هكذا كان بودّي أن أسرد كلّ ذلك ولكن في هذه القلّة دلالة عميقة و حبّ كبير يتجلّى من خلال هاته المقتطفات في كتاب صغير سمّاه << رسالة إلى الولدان من فارس أهل الميدان>> كوثيقة أولى و خصّص من الصفحة 16 إلى 27 الكلام عن المغرب و المزية العظيمة التي يتمتع بها لكونه على عقيدة الأشعري إمام أهل السّنة و مذهب الإمام مالك إمام أهل المدينة. و بعد مدح طويل في أهل المغرب وميزتهم في التّفريق بين ما هو حقّ وما هو باطل و اعتمادهم على العقل كآلة خلقها الله للتّأمل في مخلوقاته و ليس لإدراك كنه الله, حيث قال رضي الله عنه في ص 16 و 17: فعليك بتعظيم الأمّة كلّها خصوصا أهل المغرب, فإن لهم مزيّة عظيمة لا يعقلها إلاّ العارفون, فإنّهم على مذهب الأشعري و هو إمام أهل السّنة من أهل الكلام, و على مذهب مالك الذي هو إمام المدينة المنوّرة, فكلّ ما اشتمل عليه المغرب من المسلمين أولياء الله, فالولي من حسنت عقيدته, و قد صحّت عقيدة أهل المغرب قاطبة, فلم يكن فيهم من رسخت فيه شبهة عقلية باعتبار الله و باعتبار رسله و كتبه و ملائكته و اليوم الآخر و باعتبار الصّحابة, فكلّهم عدول, بل الأمّة كلّها عدول, و باعتبار الأشراف أولاد هاشم, خصوصا الفاطميين, فلم يوجد و لا يوجد بفضل الله رجل أو امرأة في المغرب يبغض صحابيا أو شريفا أو عالما أو أميرا, فصار أهل المغرب على قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم, فلا ينتهجون إلاّ بسنّته, و لا يستخدمون عقولهم, بيد أنّهم يقدِّمون شعاع ضياء عقولهم السّليمة بالله لله في الله إلى خطاب الله قرآنا أو حديثا صحيحا فيدركون به مقصود الشّرع, فيفرحون به و يبطلون به ما انتحله أهل الشّبه الفلسفية الذين حاولوا إدراك العلوم بالعقل من غير استناد إلى شرع, و لم يعلموا أن العقل إنّما هو نور بين المدرِك الذي هو الإنسان و بين المدرَك منه الذي هو حكم الله, و لو جهة الحكم لأهل القياس الشرعي…إلخ. و في صفحة 18 قام بسرد تاريخ حكّام المغرب ليصل إلى محمد بن يوسف ليغدق عليه بالأوصاف الجليلة و يشهد أن عهده عرف تطورا كبيرا و أمنا و عمرانا و ربحا للناس, قال رضي الله عنه: فما من وقت من فتح المغرب إلا و الشريف قبتهم و هو في وسطها دون بقية الأقاليم, من الأدارسة إلى العلويين فهلم جرا, حتى اجتمع لله الحمد سر الملوك و قوة إيمانهم و نور أشراف الفاطميين من جميع من تقدم و من عاصرنا في قبة غربنا, و مظل أنسنا, و إنسان أعيننا, الحامي ذمتنا, سيدنا و مولانا, أعز الناس إلينا, الحامل لواء السعادة و الكرامة, الشريف الأجل, الشجاع الأفضل, المقدام الكريم المنور, السيد محمد ابن المولى السيد يوسف ابن المولى الحسن, فهو الذي اجتمعت فيه مناقب الأولين و الآخرين من الأخيار, و هو نسخة سيد المرسلين ذاتا و معنى, و هو بحر السعادة و منبت الأرباح الدينية و الدنيوية, كيف لا و هو سلطان المغرب, و خليفة رسول الله في أرض الله, و هو المتقلد بالسنة, فأينعت فيه عراجين النيات الصالحات و الأعمال الصالحات, تدانت له الرقاب و تمدن له المغرب قاطبة, فصارت الصحاري و البراري التي لم يصلها تمام حكم أوائل سلفه كإيوانه و قبة سكناه, يعلوهم بعين حراسته, آمنين مطمئنين, فرحين بيمن ولايته, فتدانت له الأقطار السّوسية البعيدة حتى لا يظلم أحد في يمن أيامه, فربحت الناس و أمنت و سعدت, و أزهرت البساتين و غردت الطيور, و ظهر الدين و تمدن المغرب و بنيت المساجد, فبالله فانظر ما أبرمته يمينه السعيدة الباسطة من مساجد الدار البيضاء, فقد رد الدار البيضاء دار ديانة, امتلأت بالمساجد التي لم يتقدم مثلها للناظرين بنيانا و نورا و عمارة, عمرها الله ببركته بأخيار العالمين, فيا لها من منة على المسلمين…إلخ. و في الصفحة 25 يتكلم بإسم القطب التجاني سيدي أحمد رضي الله عنه و أرضاه و يقول: قال القطب التجاني رضي الله عنه: إيّاكم و التّعرّض للولاة فيما أقامهم الله فيه فإن لله عادة جارية إلى الآن إنّ كلّ من تعرّض لهم لابدّ أن يمكّنهم الله فيه حتى يتصرفوا فيه. و نقف عند قوله في الأسرة العلوية و ذلك في شكل وصية حيث يقول: فهذه رسالة إلى نفسي و إلى أولادي و إلى من كان كأولادي و نفسي فعلى مقتضاه أموت و أبعث فيجب على المسلمين قاطبة أن يعظّموا حامل لواء المسلمين سلالة و نسخة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولي الأمر من الأشراف الكرام العلويين فمن انتمى إليهم بالمحبّة و الخدمة رفع الله درجاته بمحبّته لآل بيته الأطهار فالخير كّله في محبّتهم و الشّرّ كلّه في مخالفتهم فمن والاهم فقد والى رسول الله صلّى الله عليه وسلم و على آله و من قاطعهم  فلأجل جدّهم قطعهم فمحبتهم سبب لبقاء الدّين و الدّيار و ضدّها سبب لخراب الدّين و الدّيار فكلّ من أحبّهم زاده الله نعمة و إكبارا>>. و استمرّ على هذا المنوال في الإشادة و التعظيم. أمّا الوثيقة الثانية المأخوذة من كتاب سيدي الحاج الأحسن البعقيلي المذكور سابقا و هو رسالة مبشرة لأهل المغرب فتطرّق في بدايتها إلى أصل الخلق و أنّ الله هو الحق ّو غيره برزح باطل ظلّ و أثر لقدرة الله. فمن خلال هذا البحث سأترك للقارئ التّمعّن في بعض الفقرات المخطوطات لهذا الفقيه و تصوّره لنمط الحكم في المغرب و طريقة بيعته و حبّه الشّديد لآل البيت كما سيتجلّى بكلّ وضوح أنّ هذا الرّجل أفنى عمره في خدمة وطنه و ملكه ودينه دون أن ينتظر لعمله مقابلا. و أهم ّما ورد في فقرات مختارة من الكتاب المذكور (رسالة مبشّرة لسكّان المغرب) <<  فلما توفيّ الرّسول ترك الخلافة الرّبانية في فاطمة فلخلافتها بايع علي كرمه الله باطنا بيعة التّلميذية و بايع من أوائل النّاس لأبي بكر بيعة الإمارة و الإمامة فلمّا ماتت فاطمة جمع بني هاشم فأظهر البيعة ظاهرا و باطنا لإنتقال الخلافة منها إلى أبي بكر على المنبر فنزّله منزلة النّبي ظاهرا و باطنا فإنّ الخلافة لا تتعدّد أبد الأبدين ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ ثم  الحسن ثم الحسين في مدّة ثلاثين سنة ثمّ الخلافة زالت مع الأمراء حتى أشرقت في عهد عمر بن عبد العزيز ثم افترقت الولاية الظّاهرة مع الولاية الباطنة بمعنى أنّه يكون أمير وحده و قطب وحده إلى عيسى بن مريم لكن تجتمع قوّة الخلافة و نسخة النّبوة ظاهرا و باطنا في كلّ أمير قرشي فلا تتعدّد الخلافة من قرشي ما بقي إثنان فإن تعدّدت البيعة قتل الثاني…. صفحة 7 و 8. ***** فمن شرب ماء المغرب ربح و سعد وربّما يُسلم كفّاره عند الموت فلا يسلكه الدّجّال فعن قريب ترى ما قلته من التّفصيل عند بروز حقيقة خليفتنا في قلبك فلا تجد في المغرب معتزليّا بل كلّهم أولياء الله فالوليّ العامّ من صحّت عقيدته فعقيدتهم على عقيدة مالك إمامهم… صفحة 13 ***** فقبّة المغرب الشّرف الصّراح هو مولانا محمد بن يوسف فانظر فإنّك لا تجد غيره في القرى و الأمصار فخليفتنا مجمع على شرفه و علمه و درايته و خلافته فقلّ من تولّى زمننا أو عدم وهو قرشي هاشمي فاطمي حسني عالم كامل ناسك محبّ للخير فانظر ما أسّسه من المساجد و ما أسّس في زمنه من أنواع القربات وانظر إلى اعتنائه بالدين و بالعلم و المدارس هو و وليّ عهده المولى الحسن العظيم الكريم الفاضل النّاسك فالله الكريم يقرّ بهما أعيننا و يبارك فيهما و يؤبّد فيهما الخلافة إلى قيام السّاعة فقد بايعناه مبايعة تامّة خالدة مدّة حياته و حياتنا و هو ربيع القلوب وأنس الأعين و سعادة الأيّام و الأحوال و انظر إلى ما أبطله من البدع و الهرج و الفتن حتى صار المغرب كلّه ككرسيه الذي جلس عليه حيّاطة و رعاية فلا تجد في زمنه هرجا و لا جوعا ولا فتنا و لا شيعا مختلفة في الدين فأهل المغرب في أيّامه في سعة ورغد عيش و أمن و أمان و كمال دين فشرّ الملل قبلنا علماؤهم  وخير هذه الأمّة علماؤها لا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم خلفاء الله من القرشيين الذين اختصّ الله بهم المغرب الشّريف بهم فالخلافة من قريش وصرحاء العرب من قريش في المغرب فإن المغرب مغناطيس, سفّ ويسفّ الأشراف إلى بطنه فليفْهم المغرب عن الله وليحمد ربّه الذي اختصّه بالخلافة النّبوية من النّبي إلى قيام السّاعة  فالقطبانية في المغرب…. فما في المغرب إلاّ خليفة أو خدّامه أو محبوه فللّه الحمد على السّلالة النّبوية الخالدة في المغرب فيجب على أمرائه و علمائه و أشياعه أن يحبّوه وأن يمثتلوا أمره بامتثال أمر نسبه الشّريف ….. صفحة 14 و 15 ***** فالمغرب لا يقتدي بغيره فالغير يقتدي بأهل المغرب لمكان الخلافة النّبوية (صفحة15) فأهل المغرب في إيوان خليفتهم المولى محمد بن يوسف الحسني فلم يوجد نظيره من الولاة فإنّه ارتضع ثدي المجد من أسلافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمغرب كلّه داره و عرشه و سكّان المغرب بمنزلة أولاده و عبيده و أضيافه و خدّامه فكلّهم مسلمون سنّيون شبابيون منسوبون إلى سيّديْ شباب الجنة….. (صفحة 19) ****** فجميع ولايات الخليفة وطنيّون يحبّون وطنهم وعزّ صولة وطنهم رجالا و نساء فكلّهم عصريون للخليفة المحبوب اعتقدوا فضله عليهم و خيره و رعايته بأعزّ سيوف سياسته و رعايته فلا يحتاج إلى كتابة في الكنانيش فالمسلمون عند نظر أميرهم…(ص 20) ***** وقد علم الخليفة أن أهل دائرته من ضمته أرض المغرب من مصر إلى السودان أحبابه و خدّامه فمن شدّ شدّ إلى النّار ( صفحة 20) ***** فالخليفة كذلك فما أمر به محبوبنا وخليفتنا النّاصح الدّال على الله سمعناه و أطعناه فلا نقول لك ما قالت اليهود لنبيّهم إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون بل نقول لك اذهب بنا حيث شئت فقد حكّمه المغرب على نفوسهم من غير انتخاب فالأمر جدّ لا مزاح ثم يضيف رضي الله عنه فليتدارك الخليفة الخرق قبل الإتّساع. (ص 20) ****** فليمسك الخليفة المحبوب عنان أهل الشّرّ عن أهل الخير فالقاضي الذي يتهاون بالجماعة و الصلوات في الوقت و العدل كذلك يجرّحه ذلك فعمّال سيّدنا و قضاته و أهل مراتبه السّلطانية وجب أن يحافظوا على الصّلوات بالجماعات في الأسواق و غيرها… (صفحة23) ***** فالسّلطان لا يولّي إلّا أمينا في طاعة الله فمن لم يصلّي كيف تصحّ ولايته و مرتبته فالعدل إذا جمع الظّهر و العصر و المغرب اليوم على أخيه و لا يرى في المسجد عمره كلّه فكيف تثبت خطّته و كيف يقال إنّه عدل رضى و كيف يقطع بصكوكه الحقوق…(ص 23 و 24 أنظر موضوع الزّيو اللّباس) ****** فالمغرب لا يطمع إقليم في مساواته لأنّه بحر الخلافة النّبوية فمحبوبنا الذي أكرمنا الله به قرشيّ هاشميّ نبويّ فاطميّ حسنيّ توفّرت فيه شروط الخلافة حسّا ومعنى، وأنزرعت الخلافة ظاهرا و باطنا من أب و أمّ إلى المولى إسماعيل و أبيه المولى محمد والمولى علي المجاهد، ونسبهم أصرح الأنساب النّبوية بإجماع العلماء المؤرّخين و الفقهاء، ولا يتصوّر فيهم لشدّة غيرتهم على نسبهم، فاجتمع فيه الصّلاح و النّسب الصّميم و العلم و النّسك و العبادة و  والشّجاعة و قوّة الجأش ،لا يخاف في الله لومة لائم و إن أحاطت به الأبحر العظام و الأمواج لشدّة قوّة جأشه وفراسته فاجتمع الفضل النّبوي من كلّ وجه واعتبار، وهو رئيس علماء إقليمه حكمائه و صلّاحه و قطب سفن السّياسة الرّبانية لا يخدع و لا تطرقه الغفلات ولا شهوات النّفوس و إنّما انكبّت مهمّته في الصّلاح و الإصلاح فقدر مجد إقليمه وشهدت له العوالم و فرحت بعرشه في كلّ سنة أعين العوالم من سائر ملوك الدنيا من غير تخصيص ، ففي ساعة واحدة أطبقت العوالم العلوية و السّفلية على الفرح به و الإفتخار بزينة عرشه فأطعم النّاس و أنفقوا الملايين من الذّهب و أخرجت الكنوز و أفرغت في قالب الأنس و السّرور و التّهنئة، فأطرب العرش كلّ حيوان و كلّ عاقل بقهر إلاهي فاتفقت الملوك كلّهم على الإفتخار بيوم عرشه و أنجلت الحقائق وأنبجست أبحر العقول في أيّامه و ما داك إلّا أنّه رضي الله عنه و أرضاه ظهر فيه أصله و عنصره من أبحر النّبوة و الرّسالة و نبت فيه ما غرسه الله فيه من الخلافة النّبوية، فلأجلها أحبّته العوالم العلوية و السّفلية فالأمر ضروري فكيف لا يهتزّ بفرح عرشه ملوك الدّنيا قاطبة و هو شريف قطعا نبويّ علويّ عالم ناسك آمر بالمعروف ناه عن المنكر عامل بالكتاب و السّنة متوكّل على ربّه لا يخاف أحدا إلّا ربّه. فمقصودي أنّي نبّهت كعادتي على تبيين الحقائق و إن ظهرت كشمس في القائلة تنبيها لمن تمكّنت غفلته فأمرت من اشتمل عليه المغرب من الذّكور و الإناث ألاّ يلقبّوه و لا ينادوه إلاّ بالخليفة فإنّه خليفة الله في أرضه فإنّنا معشر العلماء ممّا اشتمل عليه المغرب كمن تعلّم منّا و لم يتعلّم منّا بايعناه مبايعة تامّة مدّة عمره و أعمارنا و بايعنا وليّ عهده المولى الفاضل العالم الحكيم العارف النّاسك الصّالح المقدام الشّجاع السّيد الحسن بن المولى الخليفة محمد مبايعة الخلافة الرّبّانية كما بايع علي ابن أبي طالب مع بقيّة بني هاشم لأبي بكر بيعة الولاية و بيعة الخلافة النّبوية فقد وافق عليه ملوك الدّنيا قاطبة وهو سرّ العرش في الولايات كلّها فما وجد إنسان إلاّ وافق على عرشه و بايعه واستحسنه و هو سرّ تبشر المماليك كلّها لحضرته في يوم عرشه وهو اعتراف منهم بأنّه خليفة لا أمير فقط ، فقد امتزج به القطب الإسلامي وخدم حقائقه فأمتثلوا أمره ولا تدنّسوا سنّة جدّه بكلّ ما يخالفها فإنّه غيور على السّنة و إن حكم فهو أمير السّنة … (ص 26 -27 – 28 – 29). ويضيف في كتابه ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه ما نصّه : نعم صحّ بأنّ المخزن الشّريف يُحبّ كلّ مسكين مشتغل بما يعنيه، فالطّريقة التّجانية مساكين قال سيّدنا ومولانا الشّيخ (التّجاني)  نحن مساكين ليس لنا إلّا الله و رسوله يعني لم تتعلّق قلوبنا إلّا بالله و برسوله <<ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إليه يرجع الأمر كلّه>> سورة لقمان الآية 22 فقد بايعنا جميعا السّلطان و فوّضنا له أمورنا مبايعة تامّة خالدة ظاهرا و باطنا، و ندعوا له بكلّ خير و نحن تحت طاعته فربحنا و سعدنا و رغد عيشنا، ونحن المكلفّون نربّي الأحباب على طاعة الله و طاعة الرّسول و طاعة السّلطان و بيّنا في رسائلنا بأنّ سيّدنا السّلطان قام على ساق الجدّ في حفظنا و في حفظ إيماننا فهو سورنا و قبّة عزّنا فربحنا به فإنّه شريف كريم الأخلاق مؤيّد منصور لم يقع لأحد من العزّ مثل ما وقع له فنقول للفقراء الدّرهم الذي يأخذه السّلطان من أحلّ الحلال و أعزّ ما أنفقنا على أرواحنا فقالب سكّر يشربه السّلطان و خدمه أحبّ إلينا وأطيب ممّا نشربه لأمّهاتنا فإنّه أسدل علينا ظلّه و أمانه فلا يظلم أحد أولادنا وقد وصلنا من الرّاحة في أيّامه و الأمان ما لم يصله من تقدّمنا، ففي ما تقدّم تسفك الدّماء و في أيّامه انقطعت الظّلمات و الظّلم فلا عيب إذا أحبّنا المخزن الأكرم فإنّنا مساكين لا ندّعى دعوى ولا نتعرّض للملوك فقد نهانا شيخنا عنه و إيّاكم و التّعرّض للولات فِيما أقامهم الله فيه، يرشد الفقير أن يقبل على ربه و أن يسلم الحكم لربّه <<لله الأمر من قبل و من بعد>>. الصفحة 57 اهـ يتجلّى من خلال هذا البحث أنّ الحاج الأحسن البعقيلي لم يكن فقيها في النّحو والأصول و الحديث و التّصوف فقط ، بل كان رجل وقته ، محنّك و يعرف معرفة دقيقة أمور الحكم و أنماطه وما يصلح للمغرب كنظام للحكم. و بالفعل فبالرّجوع إلى الحقبة التّاريخية التي عرفها العالم قبل و بعد الحرب العالمية الثانية المسمّاة بصراع حول المستعمرات و البحث عن الثّروات بالقوّة و الإعتداء و  ذلك نتيجة لحكم شمولي كانت تعرفه الدّول المتقدّمة آنذاك ، والذي يصطلح عليه بالأنظمة الإستبدادية كالنّظام الفاشي و النّظام النّازي و غيرهما و هو نتاج ثقافة ما يسمّى بثقافة عصر الأنوار  مفاده إبعاد أحكام الدين عن رعاية الدولة و فصله الأمر الذي أدّى إلى إفراغ السّياسة من الوازع الدّيني و الأخلاقي و أصبحت قاسيّة لا تعرف حدّا لقسوتها. و هاته العدوى بدأت تنتشر في بعض الدّول الإستعمارية بحكم القوانين الموضوعة من طرف المستعمر الذي كان قبل دخوله يقوم بدراسة عميقة إجتماعية و سياسية للبلد قبل إستعماره. و من حظّ المغرب أنّ احتلاله جاء متأخرا شيئا ما عن استعمار الجزائر و تونس فالتّجارب التي عاشها المستعمر في هاته الأقطار جعلته يتفادى بعض الأخطاء و منها مثلا أنه قبل دخوله للمغرب كانت سياسته تنبني على إضعاف السّلطة الحاكمة و إبراز متناقضاتها و إمتلاكه للحكم بقيّادة من أبناء البلد بطريقة صورية. لكنّ المغرب لم تنجح معه االتّجربة لكونه بلد له تاريخ عريق في الحكم و نمط حكمه يختلف تماما عن أنماط الحكم في البلدان الأخرى لأنّه حضي بفضل من الله بحكم إمتزج فيه الدّين و نسب آل البيت هذان العنصران أدّيا دورا مهما في جمع شمل المغاربة. فلمّا أراد السّلطان مولاي عبد الحفيظ التّنازل عن العرش رغم ما فعله في حقّ العلماء شيوخ الزوايا من سجنهم والتّنكيل بهم لدرجة أن شيخ الطريقة الكتّانية أمر بجلده في السّاحة أمام أبنائه و زوجته فلفظ أنفاسه أثناء جلده. و كانت العلماء والجيش قد تمرّدوا عليه وحاول الهروب و التّنازل عن العرش لكنّ المستعمر رفض و سلّم العرش للمولى يوسف حفاظا على خصوصية المغرب خوفا من الفتن و بايعه المغاربة. قصدت إعطاء هذه الصورة المقتضبة لأبيّن أن الكلّ يعلم أنّ المغرب له خصوصية في نمط حكمه و لا يمكن أن يفرّط في ذلك لأنه يعني زوال الوحدة والإستقرار. فالفِرق التي كان الحاج الأحسن البعقيلي يواجهها كابن المؤقت أو الحجوي أو الوزير ابن العربي وغيرهم كانت تريد نظاما ملكيا دستوريا ، يعني نظاما يحتفظ الملك ببعض الإختصاصات كما يقال حاليا (يسود ولا يحكم). و نظام تريده الحماية وهو ملكا صوريا محميا من طرفها. وما  يطالب به الحاج الأحسن البعقيلي هو نظام مخالف وهو الخلافة أوالخليفة الذي يجمع بين السّلطة الدينية والدّنيوية. فكان طبيعيّا أنّه يتعرّض للمقاومة من كلا الجانبين فتمّ الإفتراء عليه لكن هذا العداء كان صادرا من طرف من يعلم عمق خطاب الفقيه ومن أشخاص قلّ علمهم فكثر انتقادهم. فاليوم نرى بعض الدّول التي فصلت الدّين عن الدّولة تعاني من ازدواجية خطيرة في الحكم وطغيان جهة على أخرى أصبح فيها الحكّام وضعهم كالوضع الذي كان يعيشه قادة الحماية، الذين كانوا يتظاهرون بحبّهم للمغرب لدينه ويحتفلون بالأعياد كما هو الشأن بالنسبة للحاكم ليوطي فلم ينجح. لأنّ الدّين لا يمكن فصله عن الدّولة على شاكلة الدّول المسيحية لأنّ ديننا يشمل نظاما للحكم فلمّا كان الحاج الأحسن البعقيلي يُشيد بالسّلطان و إمارة المؤمنين كان يرى جيّدا أنّ فصله عن الدّولة يعني خرابا للدّين و الدّولة. و ما نعيشه اليوم و محاولة الأحزاب السّيّاسية الإسلامية خارج المغرب الوصول إلى الحكم بأيّ وجه لَدليل على أنّ المواطن المسلم يريد الجمع بين الدّين و الدّولة لزرع الوازع الأخلاقي في السّياسة حتى لا تزيغ نفسه و هواه إلى الهاويّة. فإمارة المؤمنين في المغرب كمؤسّسة يرعاها الملك لها كافّة السّلطات و بالتّالي فالتّوازن مضمون باعتبار أنّ الرّأي الأخير يرجع له. ومن هنا أرى أن العلاّمة الحاج الأحسن البعقيلي كان ينظر بعيدا و له فراسة قويّة حتى في المجال السّياسي. و أنهي بحثي هذا بالتّرحّم على روحه الطّاهرة و أطلب من الله عزّ و جلّ  أن يسكنه فسيح جناته.آمين بقلم الأستاذ حسن باكو حرّر بالبيضاء  يوم الأربعاء بتاريخ21 جمادى الأولى 1433 الموافق04 أبريل 2012

المراجع:

  • إلجام الجهّال بأسنّة ألسنة الكمال حول الرد عن ابن المؤقت, للفقيه سيدي الحاج الأحسن البعقيلي
  • رسالة مبشّرة لسكّان المغرب، للفقيه سيدي الحاج الأحسن البعقيلي.
  • ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه، للفقيه سيدي الحاج الأحسن البعقيلي
  • رسالة إلى الولدان من فارس أهل الميدان، للفقيه سيدي الحاج الأحسن البعقيلي.
  • المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، نجم الدين الهنتاتي.
  • سلسلة الموسوعات المتخصصة، الدكتور محمود حمدي زقزوق, الموسوعة الثامنة: التّصوّف  الإسلامي.

بيعة البعقيلي للسلطان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى