بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفاتحِ لِمَا أُغلِقَ،
وَالخاتمِ لِمَا سبقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ،
وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْتَقيم،
وَعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدْرِهِ وَمِقْدَارِهِ العَظِيمِ،
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الْفَيْضُ الأَحْمَدِي
فِي الْمَوْلِدِ الْمُحَمَّدِي
لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ وَغَوْثِ الأَنَامِ
مَوْلاَنَا أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
نِيَاسٍ الْكُولْخِيّ التِّجَانِيِّ
رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنَّا بِهِ
آمِينْ
تنبيه مهم: اقتصرنا في نشر هذا المولد على النص النثري فقط.
وهو مكون من نصوص شعرية طويلة مصاحبة لهذا النص.
ومن أراد التوسع يرجع إلى النص الأصلي
وَصَلَّى اللهُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ
يقول ابنُ الحاج عبدُ الله إبراهيمُ، لا يزال في جمال مولاه يهيمُ، هذا الفيض الأحمدي في المولد المحمديِّ، الحمد لله بلسان المرتبة الجامعةِ للأسماءِ والصفاتِ والمقاماتِ والأحوالِ والتجلياتِ والكمالاتِ، مَنْ أوجدهُ الله قبل وجودِ الوجودِ من عين المطلق الوُجود، وجعله عين أعيانهمْ، والسببَ في وُجدانِهِمْ، من كان نبيّاً وآدمُ بين الماءِ والطينِ، بل كان نبيّاً ولاَ آدمُ ولا ماءُ ولا طينُ.
أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله إلا هو الواحدُ الأحدُ، لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ له كفؤاً أحدْ. وأن سيدنا محمدا عبده ورسولهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وبعد:
لما أراد اللهُ الملكُ الحقُ أن يُبرزَ نورَ سيدِ الوجودِ، ويجعلَهُ خلقاً متميزاً ذاتاً مستقلا، وأن يُوجِدَ به الوُجودَ من محض الفضل والكرم والجود، خلقَ سيِّدنَا محمداً قبل أن يخلقَ الحُجُبَ والعرشَ وما في جوفهِ، وجعلَه عموداً منْ نورٍ يسبحُ الله تعالى قبلَ العرشٍ والكرسيِّ بمائتَيْ ألفِ عامٍ.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أنه قال: خلقَ اللهُ نورَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قبلَ أنْ يخلقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ والعرشَ والكرسيَّ والحُجُبَ والْجَنَّةَ والنَّارَ والدُّنيَا والآخرةَ وآدمَ وشِيتاً ونوحاً وَإبراهيمَ وسليمانَ وموسَى وعيسَى بِستمائَةِ ألفِ عامٍ وأربعةً وعشرينَ ألفَ عامٍ، خلق الله بعدهُ اثنَيْ عشرَ حِجاباً، الأولُ: حجابُ القدرةِ، الثانِي: حجابُ العظمة، الثالثُ: حجابُ المنةِ، الرابعُ: حجابُ الرحمةِ، الخامسُ: حجابُ السعادةِ، السادسُ: حجابُ الكرامةِ، السابعُ: حجابُ المنزلةِ، الثامنُ: حجابُ الهدايةِ، التاسعُ: حجابُ النُّبُوَةِ، العاشرُ: حجابُ الرفعةِ، الحادِي عشرَ: حجابُ الطاعةِ، الثانِي عشرَ: حجابُ الشَّفاعةِ.
ثم أقامهُ في حجابِ القدرةِ اثنَيْ عشرَ ألفَ سنةٍ وهو يقولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى.
وفي حجاب العظمة إحدى عشرَ ألفِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ عَالِم السِّرِّ وَأَخْفَى.
وفي حجابِ المِنَّةِ عشرةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ الرَّفِيعِ الأَعْلَى.
وفي حجابِ الرَّحمةِ تسعةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ مَنْ هُوَ الدَّائِمُ لاَ يَزُولُ.
وفي حجابِ الكرامةِ سبعةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ الْعَليمِ الحَكِيمِ.
وفي حجابِ المَنْزِلَةِ ستةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ الأَعْلَى.
وفي حجاب النَّبُوَّةِ أَرْبَعَةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ.
وفي حجابِ الرِّفْعَة ثَلاَثَةَ آلافِ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ.
وفي حجابِ الطَّاعَةِ ألفيْ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ الْقَدِيمِ الأَزَلِيِّ.
وفي حجابِ الشفاعةِ ألفَ سنةٍ وهو يقول: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ.
قال عمه الكريم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلاَلِ وَفِي |
مُسْتَوْدَعِ حَيْثُ يَخْصِفُ الوَرَقُ |
|
ثُمَّ هَبْطَتَ البِلاَدَ لاَ بَـشَرٌ |
أَنْتَ وَلاَ مُضْغَةٌ وَلاَ عَلَقُ |
|
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ |
أَلْجَمَ نَـسْراً وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ |
|
وَرَدْت نَارَ الْخَلِيلِ مُكْتَتَماً |
تَجُولُ فِيهَا وَلَسْتَ تَحْتَرِقُ |
|
تُنَقَّلُ من صُلْبٍ إلى رحمٍ |
إذا مـضى عالم بدى طبق |
|
حَتَى احْتَوى بَيْتَكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ |
خِنْدَفِ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ |
|
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْ |
ضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ |
|
فَنَحْنُ فِي ذَاكَ الضِّيَاءِ وَفِي النُّو |
رِ وَسُبْلَ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ |
(آخر)
يَا مُصْطَفَى مِنْ قَبْلِ نَشْأَةِ آدَمَ |
وَالْكَوْنُ لَمْ تُفْتَحْ لَهُ الأَغْلاَقُ |
|
أَيَرُومُ مَخْلُوقٌ ثَنَاءَكَ بَعْدَمَا |
أَثْنَى عَلَى أَخْلاَقِكَ الْخَلاَّقُ |
وقلت في مدحه صلى الله عليه وسلم:
أَبَداً تَفُوهُ بِمَدْحِكَ الأَفْوَاهُ |
يَا خَيْرَ مَنْ يَنْتَابُهُ الأَوَّاهُ |
|
يَا مُصْطَفَى الأَكْوَان قَبْلَ كِيَّانِهَا |
فَرْداً لَقَدْ فُقِدَتْ لَهُ الأَشْبَاهُ |
|
مِنْ أَيْنَ يُوجَدُ كَفْؤُهُ وَشَبِيهُهُ |
أَزَلاً أَرَادَ عُلاَهُ هَذَا اللهُ |
|
وَهُوَ الْخَلِيلُ هُوَ الْكَلِيمُ وَرُوحُ مَنْ |
أَبَداً تَقَدَّسَ لاِنْفِرَادِ عُلاَهُ |
|
وَهْوَ الْبَشِيرُ هَوَ النَّذِيرُ وَرُوحُهُ |
ذَا الْكَوْنُ مَا أَعْلاَهُ وَمَا أَحْلاَهُ |
|
وَهْوَ الْمُغِيثُ هُوَ الْكَرِيمُ وَجُودُهُ |
إِصْلاَحُ هَذَا الْكَوْنِ فَهْوَ غِنَاهُ |
|
قَدْ طَالَمَا اسْتَسْقِي الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ |
فَالْمُصْطَفَى كَنْزُ الأَنَامِ هُدَاهُ |
|
بَدْرٌ إِذَا قَابَلْتَهُ لَيْثٌ إِذَا |
نَازَلْتَهُ بَحْرٌ يَفِيضُ نَدَاهُ |
|
بَلْ فَوْقَ هَذَا كُلِّهِ مِنْ جُزْئِهِ |
مَا الْجُزْءُ عِنْدَ الْكِلِّ مَا أَدْنَاهُ |
|
فَلِذَا إِذَا رَامَ الْبَلِيغُ ثَنَاءَهُ |
مَا نَالَ فِي مَدْحِ الْجَنَابِ مُنَاهُ |
|
يَا مُصْطَفَى الأَكْوَانٍ عِنْدَ جَنَابِكُمْ |
بَرْهَامُ فَاشْفَعْ فِيهِ مَا أَجْنَاهُ |
|
أَخْرِجْهُ مِنْ لَيْلِ الْجَهَالَةِ وَأَكْثِرِ |
الإِعْطَاءَ كَيْ يَحْظَى بِمَا يَهْوَاهُ |
|
أَزْكَى الصَّلاَةِ مَعَ السَّلاَمِ مُـسَرْمَداً |
لِلْمُصْطَفَى الْمَرْجُوِّ فَيْضُ حِبَاهُ |
|
وَالآلِ وَالأَصْحَابِ مَا دَاعٍ دَعَا |
يَا خَيْرَ مَنْ يَنْتَابُهُ الأَوَّاهُ |
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: “أولُ ما خَلق اللهُ تعالى نورِي ومن نوري خَلق الله كلَّ شيء”.
وعن سيدِنا عمرَ رضي الله عنه أن مولانا رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا له: “يا عمرُ أتدري من أنا؟ أنا الذي خَلق الله قبلَ كلِّ شيء نورِي فسجدَ للهِ وبقيَ في سجوده سبعمائَةِ عامٍ فأولُ كل شيء سجد للهِ نورِي ولا فخرَ، يا عمرُ أتدرِي من أنا؟ أنا الذي خَلق اللهُ تعالى العرشَ من نورِي والكرسيَّ من نورِي واللوحَ من نورِي والقلمَ من نوري ونورَ الأبصارِ من نورِي ونورَ العقلِ الذي في رؤوسِ الخلقِ من نورِي ونورَ المعرفةِ في قلوبِ المؤمنينَ من نورِي ولا فخرَ، يا عمرُ أتدرِي من أنا؟ أنا الذي من أجلِي أخذَ اللهُ الميثاقَ منَ الأَنبياءِ والرُّسلِ والأممِ بإقرارِ نبوتِي وأنْ يتواصوْا بِي قرناً بعد قرنٍ قال الله عز وجل: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِيقَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)[1] “من نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ” (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) فأقروا بذلك قال عز من قائل: ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) بأنَّ خِيرَتِي مِنْ خَلْقِي وَصَفِيِّي أَحْمَدُ خاتمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ المرسلينَ وحبيبُ ربِّ العالمينَ وَحُجَّةُ اللهِ على الخلقِ أجمعينَ (وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي) وميثاقي(قَالُوا أَقْرَرْنَا ) قال الله عز وجل: ( قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) بأن خِيرَتِي مِنْ خَلْقِي وَصَفِيِّي أحمدُ( فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )[2] ولا فخرَ.
وعن سيدنا جابرٍ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ اللهِ بأبِي أنتَ وأمِّي أَخبرنِي عن أولِ شيءٍ خلقهُ تعالى قبل كل الأشياءٍ، قال: “يا جابرُ إن الله تعالى خلقَ قبلَ كلِّ الأشياءِ نورَ نبيكَ من نورهِ، فجعلَ ذلكَ النورُ يدورُ بالقدرةِ حيث شاءَ اللهُ تعالى، ولمْ يكنْ في ذلكَ الوقتِ لوحٌ ولا قلمٌ ولا جنةٌ ولا نارٌ ولا ملكٌ ولا سماءٌ ولا أرضٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا جِنِّيٌّ ولا إِنْسِيٌّ. فلمَّا أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يخلقَ الخلقَ قسَّم ذلكَ النورَ أربعةَ أجزاءٍ، فخلقَ من الجزءِ الأولِ القلمَ، ومن الثانِي اللَّوحَ، ومن الثالثِ العرشَ، ثم قسَّم الجزءَ الرابعَ أربعةَ أجزاءٍ فخلقَ منَ الأولِ حملةَ العرشِ، ومن الثانِي الكرسيَّ، ومن الثالثِ باقِي الملائكةِ، ثم قسم الجزءَ الرابعَ أربعةَ أجزاءٍ فخلقَ من الأولِ السماواتِ، ومن الثانِي الأرضينَ، ومن الثالثِ الجنةَ والنارَ، ثم قسمَ الجزءَ الرابعَ أربعةَ أجزاءٍ فخلقَ من الأولِ نورَ أبصارِ المؤمنينَ، ومنَ الثانِي نورَ قلوبهمْ وهو المعرفةُ باللهِ، ومن الثالثِ نورَ أُنْسِهِمْ وهو التوحيدُ لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
قلت مادحا:
عَلَى الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ مِنْ مَعْشرالْبِيضِ صَلاةُ وَتَسْلِيمٌ مِنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
واجعلنَا بهِ منْ خدَّامهِ وأحبابهِ وأنصارهِ، وانصرْنا بهِ وارحمْنا بهِ، واكْفنَا جميعَ النَّوائبِ والآفاتِ والمصائبِ والمعائِبِ والهمومِ والغمومِ، برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ. آمِينْ.
ولما أرادَ اللهُ خلقَ آدمَ أبِي البشرِ، ويُنيلَهُ غايةَ العزِّ والفخرِ، خلقهُ بِيَدِهِ تعالى ونَفخَ فيهِ منْ رُوحِهِ، ووضعَ ذلكَ في صُلْبِهِ، وأمرَ المَلائِكَةَ بالسُّجودِ لهَ، وأسكنهُ في الجنةِ، فكانتِ الملائكةُ يقفونَ خلفَ آدمَ صفوفاً صفوفاً، ينظرونَ إِلَى نورِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال آدمُ: يا ربِ مالِ هؤلاءَ يقفونَ خلفِي صفوفاً صفوفاً؟ فقال اللهُ تعالى: ينظرونَ إلَى نورِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي أَسْتَخْرِجُهُ من ظهركَ فهو خاتمُ النَّبيِّين والمرسلين، صلواتُ اللهِ عليهمْ أجمعينَ. فقال آدمُ: يا ربِ اجعلْ هذَا النورَ فِي مقدَّمِي حتَّى تستقْبِلَنِي الملائكةُ ولاَ يستدبرُونِي. فجعلَ ذلكَ النورَ فِي جبهتِهِ، فكانتِ الملائكةُ يقِفُونَ قُبالةَ آدمَ صفوفاً صفوفاً، يتنعَّمونَ بالنَّظرِ إلى نورِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو يُشرقُ في جبهتهِ كالشمسِ والقمرِ، قال آدمُ: يا ربِّ أُريدُ أَنْ يكونَ لِي نصيبٌ من هذَا النورِ في مكانٍ أراهُ، فنقلهُ الله تعالى إلى أُصبُعِه السبابةِ من يدهِ اليمنَى، فكانَ آدمُ يسبحُ، فيسبحُ اللهَ تعالى ذلك النورُ في أُصبعهِ، فلِذلك سمِّيتْ تلكَ الأُصبعُ المُسبحةَ، فقال آدمُ: يا رب هلْ بَقيَ من هذا النورِ شيءٌ؟ فقال تعالى: بَقِيَ نورُ أَصْحَابِهِ فقال آدم: يا رب اجعلْهُ في بقيةِ أصابعِي، فجعلَ نورَ أبِي بكرٍ في الوُسطى ونورَ عمرَ في البِنْصَرِ، ونورَ عثمانَ في الخِنْصَرِ، ونورَ عليٍّ فِي الإِبْهَامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وَاجْعَلْنَا بِجَاهِهِ مِنَ الْمُصْطَفِينَ الأَخْيَارِ، وَجُنْدِكَ الْمَنْصُورِينَ، وَأَمِتْنَا عَلَى مَحَبَّةِ هَذَا النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَابْعَثْنَا وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ أَصْحَابِهِ فِي أَعَلَى عَلِّيِّينَ. آمِينْ.
ثُمّ لمْ يزلْ نورُه ينتقلُ منَ الأَصْلابِ الطَّاهرةِ، من آدم إلى شيتٍ إلى إدريسَ إلى إبراهيمَ الخليلِ إلى إسماعيلَ إلى الأرحامِ الزكيةِ، لم تَقَعْ له أمُّ في الزِّنَا قطُّ، ولاَ اعْتَرَاهَا ما يعْترِي الْجاهليَّةَ منْ آدمَ إلَى أبيهِ عبدِ اللهِ، تَطْهِيراً لهُ صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: “بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْناً فَقَرْناً، لَمْ يَفْتَرِقْ شُعْبَتَانْ إِلاَّ كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا”. قال الإمام البوصيري:
لَمْ تَزَلْ فِي ضَمَائِرِ الْكَوْنِ تُخْتَا |
رُ لَكَ الأُمَّهَاتُ وَالآبَاءُ | |
مَا مَضَتْ فَتْرَةٌ مِنَ الرُّسْلِ إِلاَّ |
بَـشَّرَتْ قَوْمَهَا بِكَ الأَنْبِيَّاءُ |
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وَصُنَّا بِذَلِكَ النُّورِ صَوْنَكَ لَهُ عَنْ كُلِّ غَائِلٍ، مِنْ نَفْسٍ وَهَوىً وَشَيْطَانٍ وَدُنْيَا، حَتَّى نُدْرِكَ الصَّفَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَالتَّزْكِيَّةَ التَّامَّةَ، وَنُدْرِكَ سِرَّكَ الْمَصُونَ وَعِلْمَكَ الْمَخْزُونَ آمِينْ.
حتَّى جاءَ ظهورُ جسدهِ التُّرابِي في عالمِ الظهورِ والمثالِ، كمَا سبقَ فِي العِلْمِ القديمِ. أَشْرَقَ نورهُ في جبينِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ، ورُويَّ عن عبدِ اللهِ والدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ نامَ ليْلَةً فِي الأَبْطَحِ فرأَى في المنام، كأنه خرجَ منهُ سلسلةٌ بَيْضَاءُ لهَا أربعةُ أطرافٍ، طرفٌ في المشرقِ، وطرفٌ في المغربِ، وطرفٌ منهَا بلغَ عَنَانَ السَّماءِ، وطرفٌ منها صارَ شجرةً خضراءَ علَى كلِّ ورقةٍ منها نورٌ وأهلُ المشرقِ والمغربِ يستظلُّونَ بهَا، فلمَّا أَصبحَ سألَ المعبِّرينَ عنها فقالوا: إِنْ صَدَقَتْ رُؤياكَ يَخْرُجَنَّ من صُلْبِكَ من تؤمنُ به أهلُ السماوات وأهلُ الأرضِ ويكون نبيَّ آخرِ الزمانِ.
ولما أرادَ اللهُ أنْ ينقلَ نورَ سيِّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حرَّكَ قلبَ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ أنْ يتزوجَ بعدمَا خطبَتْهُ النِّساءُ الحسانُ، وراودَتْهُ في نفسهْ وبذَلْنَ لهُ أموالاً طائلةً، فقدْ صحَّ أنَّ امرأةً قالتْ لهُ يوماً: قَعْ عليَّ ولكَ مثلُ ما فُدِيتَ به منَ الإبلْ، فقال:
أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهُ |
وَالْحِلُّ لاَ جَلَّ فَأَسْتَبِينَهُ |
|
وَالْحُرُّ يَحْمِي عِرْضَهُ وَدِينَهُ |
فَكَيْفَ بِالأَمْرِ الذِي تَبْغِينَهُ |
وقال عبدُ اللهِ يوماً لأُمِّهِ: أُريدُ منكِ أنْ تخطُبِي لي امرأةً ذاتَ حسنٍ وجمالٍ وبهاءٍ، وكمالٍ وحسبٍ ونسبٍ عالٍ، قالتْ: حُباً وكرامةً يا ولدِي. ثم إِنَّها دارتْ في أحياءِ قريشٍ وبناتِ العربِ، فلمْ تعجبْها إلاَّ آمنةُ بنتُ وهبٍ، فوقعَ عليها من فورهِ فحملتْ بسيدِ الأنامِ سيدِ الأولينِ والآخرينَ.
عنْ سهلٍ بنِ عبدِ اللهِ قال: لما أرادَ اللهُ خلقَ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في بطنِ أمهِ آمنةَ ليلةَ رجبٍ، وكانتْ ليلةَ جمعةٍ، أمرَ رضوانَ خازنَ الجنانِ أنْ يفتحَ الفردوسَ، ونادَى منادٍ في السماواتِ والأرضِ، ألاَ إنَّ النورَ المكنونَ المخزونَ، الذي منه النبيُّ الهاديُّ يستقرُّ هذهِ الليلةَ في بطنِ أمُّهِ، الذِي فيهِ يتمُّ خلقهُ ويخرجُ إلى الناسِ بشيراً ونذيراً.
وعن كعبِ الأَحبارِ رضي الله عنه: أنَّهُ نودِيَ تلكَ الليلةَ في السماءِ وصِفاحِهَا والأرضِ وبِقاعِهَا، أنَّ النورَ المَكْنُونَ الذي منهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقِرُّ الليلةَ في بطنِ آمنةَ، طوبَى لها طوبَى لها. وأصبحتْ يومئذٍ أصنامُ الدنيَا منكوسةً، وكانتْ قريشٌ في جدبٍ عظيمٍ، فاخضرَّتِ الأرضُ، وحملتِ الأشجارُ، وأتاهمُ الرِّفْدُ من كلِّ جانبٍ، فسُمِّيتْ تلكَ السنةُ التِي حُملَ فيها بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سنةَ الفتحِ والابتهاجِ.
وعن ابنِ عباسٍ رضى الله عنه: أَنَّهُ كانَ في دِلاَلَةِ حَمْلِ آمنةَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أنَّ كلَّ دابةٍ لقريشٍ نطقتْ تلكَ الليلةَ وقالت: حُمِلَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وربِّ الكَعْبَةِ، وهوَ إمامُ الدنيا وسراجُ أهلها، ولمْ يبقَ سريرٌ لملكٍ من ملوكِ الدنيا إلاَّ أصبحَ منكوساً، وفرتْ وحوشُ المشرقِ إلى المغربِ بالبشاراتِ، وكذلكَ أهلِ البحارِ يبشرُ بَعضهمْ بعضاً، ولهُ في كلِّ شهرٍ منْ شهورِ حملهِ نداءً في الأرضِ ونداءً في السماءِ، أنْ أَبْشِرُوا فقد آنَ أنْ يظهرَ أبو القاسمِ ميموناً مباركاً.
وعن بعض العلماءِ أنَّ آمنةَ رضي الله عنها أخبرتْ بأنَّها لمَّا حملتْ بهِ صلى الله عليه وسلم في رجبٍ، رأتْ رجلاً مليحَ الوجهِ طيبَ الرائحةِ وهو يقولُ: مرحباً بكَ يا محمدُ فقالت: فقلتُ لهُ: من أنتَ؟ قال: أنا آدمُ أبو البشرِ فقلتُ له: ما تريدُ؟ فقال: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بسيِّدِ البَشرِ وفخرِ ربيعةَ ومضرٍ. قالتْ آمنةُ: ولما كانَ الشَّهرَ الثانيِ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامٌ عليكَ يا رسولَ اللهِ فقلتُ : من أنتَ؟ فقالَ: أنا شيتٌ فقلتُ له: ما تريدُ؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بصاحبِ التأويلِ والحديثِ. ولما كان الشهرُ الثالثُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامُ عليكَ يا نبيَّ اللهِ قلت له: من أنت؟ فقال: أنا إدريسُ فقلت له: ما تريدُ؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بالنبيِّ الرَّئيسِ. ولما كان الشهرُ الرابعُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامُ عليكَ يا حبيبَ اللهِ فقلت له: من أنت؟ قال : أنا نوحٌ قلت له: ما تريد؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقد حملتِ بصاحبِ النَّصرِ والفُتوحِ. ولمَّا كانَ الشَّهْرُ الخامسُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامُ عليكَ يا صفوةَ اللهِ قلت له: من أنت؟ قال: أنا هودٌ قلت لهُ: ما تريدُ؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقد حملتِ بصاحبِ الشَّفاعةِ العظمَى في اليوْمِ المَوْعودِ. ولما كان الشهرُ السادسُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامُ عليكَ يا رحمةَ اللهِ قلت له: من أنتَ؟ قال: أنَا إبراهيمُ الخليلُ قلت له: ما تريدُ؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بالنبيِّ الجليلِ. ولمَّا كانَ الشهرُ السابعُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقول: السلامُ عليكَ يا منْ اختارَهُ اللهُ قلت له: منْ أنتَ؟ قال: أنَا إسماعيلُ الذَّبيحُ قلت له: ما تريد؟ قال: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بالنبيِّ الرجيحِ المليحِ. ولمَّا كانَ الشهرُ الثامنُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهو يقولُ: السلامُ عليكَ يا خِيرةَ اللهِ قلت له: من أنتَ؟ قالَ: أنَا مُوسَى بنُ عمرانَ قلتُ لهُ: ما تريدُ؟ قال أبْشرِي يَا آمنةُ فقدْ حملتِ بمَنْ ينْزِلُ عليْهِ القرآنُ. ولمَّا كانَ الشهرُ التاسعُ دخلَ عليَّ رجلٌ وهوَ يقولُ: السلامُ عليكَ يا خاتمَ رُسْلِ اللهِ دنَا القربُ منكَ يَا رسولَ اللهِ قلتُ لهُ: من أنتَ؟ قالَ: أنَا عيسَى بنُ مريمَ قلتُ لهُ: ما تريدُ؟ قالَ: أبْشرِي يا آمنةُ فقدْ حملتِ بالنَّبيِّ المَكرمِ، والرَّسولِ المعظمِ صلى الله عليه وسلم.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وبَشِّرِ النبيَّ بما كتبْناهُ وما تلَونَاهُ، وهبْ لنَا بذلكَ البِشاراتِ في كلِّ طرْفةٍ وفي كلِّ لحظةٍ يا منْ أمْرهُ بيْنَ الكافِ والنونِ، يا من يقولُ للشيْءِ كنْ فيكونْ،
ورَوى ابنُ إسحاقَ أنَّ آمنةَ رضي الله عنها قالتْ: مَا شَعَرْتُ بأنِّي حملتُ بهِ وما وجدتُ لهُ ثقْلاً ولاَ وَحْماً كمَا تجدُ النساءُ، إلاَّ أنِي أنْكَرْتُ حَيْضَتِي[3]، وأَتَانِي آتٍ بينَ النَّائمَةِ والْيَقْظَانَةِ فقال: هلْ شَعرتْ بأنَّكِ حملتِ بسيِّدِ الأنامِ، ثمَّ أمْهَلَنِي حتَّى إِذْ دَنَتْ وِلاَدَتِي أتانِي فقال: قولِي أُعِيذُهُ بالوَاحِدِ منْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، ثمَّ سمِّيهِ مُحَمَّداً.
ورُوِي أنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى أذِنَ تلكَ السنةَ لجميعِ نساءِ الدنيَا أنْ لاَ يحْمِلْنَ إلاَّ ذُكوراً، كرامةً لهُ صلى الله عليه وسلم.
قالتْ آمنةُ: لمَّا حملْتُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم كانتْ ليلةَ الجُمعةِ مِنْ شهرِ رجبٍ، ولم يبقَ في مكةَ دارٌ إلاَّ دخلهَا النُّورُ. وفِي أولِ ليلةٍ من شهورِ حمْلهَا تَزلْزلَ إِيوانُ كسرَى. وفِي الشهرِ الثانِي امتلأتِ الأكوانُ بالبُشْرَى. وَفي الشهرِ الثَّالِثِ انْقَطعَ نهرُ سَاوةَ. وفِي الشهرِ الرابعِ بانَتْ لَهَا الأسرارُ الخفيَّةُ. وفِي الشهرِ الخامسِ غاضتْ بحيْرَةُ ساوةَ. وفِي الشهر السادسِ خمدتِ النيرانُ. وفي الشهرِ السابعِ انْشقَّ لكسرَى الايوانُ وسقطَ عنْ رأْسهِ التَّاجُ. وفي الشهرِ الثَّامنِ عظمُ كرْبهُ وهاجَ فسألَ عنْ ذلكَ الأحبارَ والكُهَّانَ فقالوا: قد قربَ مولدُ ولدِ عدنانَ، وهوَ نَبيُّ آخرِ الزمانِ المَنْعوتُ في التَّورَاةِ والإنجيلِ والزَّبورِ والفُرقانِ، ومَنْ ينزُّلُ عليهِ القرآنُ. وفي أولِ ليلةٍ منَ الشهرِ التاسعِ وهو شهرُ ربيعِ الأولِ حصلَ لآمنةَ السرورُ والهنَا، وفِي الليلةِ الثانِيَّةِ بُشِّرَتْ بنيلِ المُنَى، وفِي اللَّيْلَةِ الثالثَةِ قيلَ لهَا: لقدْ حملْتِ بمنْ يقومُ بحَمْدِنَا وشُكْرِنَا، وفي الليلةِ الرابعةِ سمِعَتْ تسبيحَ الملائكةِ فِي السماءِ، وَفي الليلةِ الخامسةِ رأَتْ الخليلَ في منامهَا يقول لها: أَبْشِرِي يَا آمنةُ بهذَا النبيِّ الجليلِ صاحبِ القدرِ والسَّنَا، وفِي الليلةِ السادسةِ كمُلَ عنْدهَا الفرحُ وما فَتَرَ ومَا وَنَى، وفي الليلةِ السابعةِ سطعَ عليْهَا نورُ الرِّضَى وعَمَّ ذلكَ الْغِنَى، وفِي الليلةِ الثَّامِنَةِ سمِعَتْ لسانَ الفرحِ والسرورِ ينادِي ويقول: يا آمنةُ قَرُبَتْ ولادةُ نورِ النورِ وبدرِ البدورِ، وفِي الليلةِ التَّاسِعَةِ بَدَا سَعْدُهَا وَالْغِنَى، وفي الليلةِ العاشرةِ ضَجَّتِ الملائكةُ لربِّها بالحمدِ والشكرِ والثنَا، وفي الليلةِ الحاديةِ عَشَرَ زالَ عنْ آمنةَ التعبُ والعنَا، وفِي الليلةِ الثانيةِ عَشَرَ أحسَّتْ أنَّ الحملَ يُرِيدُ النُّزولَ بالطَّلْقِ والهنَا.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وَاجْعَلْ هَذَا النَّبِيَّ الْمُكَرَّمَ وَالْحَبِيبَ الْمُعَظَّمَ، قُوتَ أَرْوَاحِنَا وَرُوحَ أَشْبَاحِنَا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَكْبَرِ النَّاسِ حَظّاً مِنْ وِرَاثَتِهِ، وَاجْعَلْنَا فِي مُشَاهَدَةِ طَلْعَتِهِ الْبَهِيَّةِ أَبَداً، بِحَيْثُ لاَ تَحْجُبُنَا عَنْهَا وَلَوْ لَحْظَةً مِنَ الدَّهْرِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَ الاِكْرَامِ.
ثمَّ لما جاءَها الطَّلْقُ وكانتْ في الدارْ فرداً، رأَتْ طَائراً أبيضَ قد مسحَ فؤادهَا فذَهبَ رَوْعُهَا، ثم أُتِيَتْ بَشَرْبَةٍ بيضاءٍ فتناولتْهَا فأَضاءَ لها نورٌ عالٍ، ثم رأتْ نسوةً كالنخلِ طوالاً فأحدَقْنَ بهَا فقالت: من أيْنَ عَلِمْتُنَّ بي، وفي روايةٍ عنها قالت: فَقُلْنَ لِي: نَحنُ آسيةُ امرأَةُ فرعونَ ومريمُ بنتُ عمرانَ وهؤلاءِ الحورُ العينُ، ثم رأتْ ديباجاً أبيضَ من بين السماءِ والأرضِ ورجالاً بَأَيْدْيهِمْ أباريقُ فضةٍ، وقطعةً منَ الطيرِ أقبلتْ حتًّى غطتْ حجرتهَا، مناقيرُهَا منَ الزُّمردِ وأجنحتَهَا من الياقوتِ، ورأتْ مشارقَ الأرضِ ومغاربَهَا وثلاثةَ أعلامٍ منصوباتٍ علماً بالمشرقٍ وعلماً بالمغربِ وعلماً علَى ظهرِ الكعبة، فأخذهَا النِّفاسُ فَوضعَتْه صلى الله عليه وسلم.
وُقُوفاً عَلَى الأَقْدَامِ فِي حَقِّ سَيِّدٍ تُعَظِّمُهُ الأَمْلاَكُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عينَ الحقِّ، التي تتجلَى بهَا عروشُ الحقائقِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حبيبَ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صفوةَ اللهِ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رحمةَ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مرتبةً جامعةً للأَسماءِ والصفاتِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا من فَاتِحِيَّتُهَ لِبَدِيعِ الإِيجَادِ بَرَاعَةُ اسْتِهْلاَلٍ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا من خَاتَمِيَّتُهُ بَرَاعَةُ المَخْتَمِ وَالْكَمَالِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْحِجَابُ الأَعْظَمْ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الْمَعَارِفِ الأَقْومْ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نُورَ عَرْشِ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نُورَ عُيُونِ الإِنْسِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا إِنْسَانَ الْعُيُونِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَاتِمَ النَّبِيئِينَ وَالْمُرْسَلِينَ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَنَا مُحَمَّداً،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ هُوَ الرَّحْمَةُ وَالرَّحِيمُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا جَمَالَ مَمْلَكَةِ الرَّحْمَانِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نُورَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ هُوَ الْبَابُ وَالْمِفْتَاحُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ هُوَ الرَّحْمَةُ وَالنَّجَاحُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ثَانيَ اثْنَيْنِ الْوُجُودِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَعْدِنَ الأَنْوَارِ وَالأَسْرَارِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ بَارِزِ التَّجَلِّيَّاتِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ تَجَلَّى لَهُ الْحَقَّ بِكَمَالِ الذَّاتِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ لاَ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَحَمُّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ الذَّاتِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُبُودَةِ وَالسِّيَّادَةِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُفَرِّجَ الْكُرُوبِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ اللِّوَاءِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَيَاةَ الأَرْوَاحِ وَالأَشْبَاحِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ التَّشَكُّلاَتِ الْبَاهِرَاتِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الدُّرَّةُ الْبَيْضَاءُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا قُطْبَ الْوُجُودِ وَرُوحَ الْعَارِفِينَ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ هُوَ الإِسْمُ وَالْفِعْلُ وَالْحَرْفُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَالداً وَمَا وَلَدَ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَلَمَ الرُّشْدِ وَالْفَلاَحِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ هُوَ الْمِشْكَاةُ وَالْمِصْبَاحُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ حُبُّهُ هُوَ الدِّينُ وَالصَّلاَحُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللهِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَفِيعُ يَوْمَ الْمَحْشَرِ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ الْمُرْسَلِينَ،
الْمَدَدَ الْمَدَدَ يَا رَسُولَ اللهِ،
الشَّفَاعَةَ الشَّفَاعَةَ يَا رَسُولَ اللهِ،
الْكِفَايَةَ الْكِفَايَةَ يَا رَسُولَ اللهِ،
الْوِلاَيَةَ الْوِلاَيَةَ يَا رَسُولَ اللهِ،
النُّصْرَةَ النُّصْرَةَ يَا رَسُولَ اللهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
قالت آمنة: لمَّا وضعْتُهُ صلى الله عليه وسلم رَأيتُهُ ساجداً للهِ تعالى، وهو مثلُ الرَّجلِ الكبيرِ العارفِ بربِّهِ، وبسطَ يدَهُ بالدَّعَاءِ إلى ربِّه. وفِي روايةٍ عن آمنةَ رضي الله عنها فنظرْتُ إليهِ صلى الله عليه وسلم فإِذَا هوَ ساجدٌ قدٌ رفعَ أُصبُعيْهِ إلى السماءِ، ورأتْ سَحَابةً جاءتْ حتَّى غشيَتْهُ فغيَّبتْه، ثم سمِعتُ مُناديّاً ينادي طُوفُوا به مشارقَ الأرضِ ومغاربَهَا وأدْخلُوه البحارَ ليعرفُوهُ باسمهِ ونعتهِ وصورتهِ، ويعلمونَ أنَّه سُمِّيَ فيهَا الماحِي، ثمَّ انْجَلَتْ عنهُ في أسرعِ وقتٍ.
ورَوَى الخطيبُ البغداديُّ أنَّ آمنةَ رضي الله عنها قالت: لمَّا وضعْتُه صلى الله عليه وسلم رأيْتُ سحابةً عظيمةً، لها نورٌ أسمعُ فيهَا صَهيلَ الخيْلِ، وخفقانَ الأَجْنِحَةِ، وكلامَ الرِّجالِ، أيْ الملائكةِ المُتشكِّلينَ بشكلِهمْ، حتُّى غشيَتْه، وسمِعتُ مناديّاً ينادِي طُوفُوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ليعرفُوه، وأدْخِلُوه البحارَ ليعْرفُوهُ باسْمِهِ ونَعْتِه وصورتهِ فِي جميعِ الأرضِ، وأَعرضُوهُ على كلِّ روحانِيٍّ منَ الجِنِّ والإنْسِ والملائكةِ والطيورِ والوحشِ، وأَعْطُوهُ خلقَ آدمَ ومعرفةَ شيتِ وشجاعةَ نوحٍ، وخُلَّةَ إبراهيمَ ولسانَ إسماعيلَ ورضَى إسحاقَ، وفصاحةَ صالحٍ وحكمةَ لوطٍ وبشرَى يعقوبَ، وشدَّةَ موسَى وصبرَ أيوبَ وطاعةَ يونسَ، وجهادَ يُوشَعَ وصوتَ داودٍ وحبَّ دانيالَ، ووقارَ إلياسٍ وعصمةَ يحيَى وزهدَ عيسَى، وأَغْمِسُوهُ في أخلاقِ النّبِيِّينَ صلى الله عليهمْ أجمعينَ،
ثمَّ انْجَلَى عنْه مَا ذُكِرَ، فإذَا بهِ قُبِضَ على حريرةٍ خضراءَ مطويةٍ طياً شديداً، ينْبُعُ منْ تلكَ الحريرةِ ماءٌ، وإذَا بقائلٍ يقول: بَخٍ بَخٍ قَبَضَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم علَى الدنيَا كُلِّهَا لمْ يبقَ منْ أهلِهَا إلاَّ دخلَ فِي قَبْضَتِهِ، ثمَّ نظرتُ إليهِ صلى الله عليه وسلم فإذَا هُوَ كالقمرِ ليلةَ البَدْرِ، رِيحُهُ كَالْمِسْكِ الأَذْفَرِ، وَإذَا بِثلاثَةِ نَفَرٍ فِي يدِ أحَدِهمْ إبريقٌ منْ فضةٍ، وفي يدِ الآخرِ طَسْتٌ منْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ، وفي يدِ الثالثِ حَريرةٌ بيضاءُ فنَشرَهَا فأَخْرَجَ منهَا خاتماً يَحارُ النَّاظِرونَ دُونَهُ، فغسَلَهُ سبعْ مراتٍ ثم ختمَ بَيْنَ كَتِفيْهِ صلى الله عليه وسلم، فأدْخلُه تحتَ أجْنِحتِه ساعةً ثم ردَّهُ إليَّ.
وفي حديث صحيح أنَّها لمَّا ولدَتْهُ صلى الله عليه وسلم رأَتْ نوراً أضاءَ لهُ قُصورَ الشَّامِ، وفي حديثٍ آخرَ قالتْ: خرجَ من فرْجِي شهابٌ أضاءَتْ لهُ الأرضُ حتَّى رأيْتُ قصورَ الشَّامِ. وذكرَ إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ أنَّها قالتْ: لمَّا ولدْتُه صلى الله عليه وسلم خرجَ منْ فرْجِي نورٌ أضاءتْ لَهُ قصورُ الشَّامِ فولَدْتُه نظيفاً ما بِه قذَرٌ،
وعنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عبدِ المطلبِ قالتْ: لمَّا وُلِد النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأَيْتُ فيهِ ستَّ علاَمَاتٍ الأولَى: سقطَ ساجداً، والثانيةُ: لما رفعَ رأسَهُ منَ السجودِ قالَ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وإِنِّي رسولُ اللهِ، الثالثةُ: رأيتُ البيتَ مُستضِيئاً منْ نورِهِ قدْ غَلَبَ ضَوْؤُهُ ضوءَ السِّراجِ، الرابعةُ: أرَدْتُ أنْ أغِسلَهُ فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ يَا صَفِيَّةُ لاَ تُتْعِبِي نَفْسَكِ فِإِنَّا قَدْ أخَرَجْنَاهُ مَغْسولاً طَيِّباً طاهراً، الخامسةُ: أردْتُ أنْ أَعْرِفَهُ أذكرٌ أمْ أنثَى فوجَدْتُه مختوناً مسروراً أيْ مَقطُوعَ السُّرَّةِ، السادسةُ: أرَدْتُ أنْ ألُفَّهُ في لِفَافَتِهِ فوجَدْتُ علَى ظَهْرِهِ خاتمَ النُبُوَّةِ بيْنَ كتفيْه.
عن فاطمةَ بنتِ عبدِ اللهِ الثَّقَفِيِّةِ قالت: إِنَّها شهِدَتْ وِلاَدَةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليلاً قالتْ: فمَا شيْءٌ أنظرُ إِليهِ إلاَّ نورٌ، وإنِّي أنْظُرُ إلَى النُّجُومِ تَدْنُو حتَّى إِنِّي لأَقُولُ يَقَعْنَ عَلَيَّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا وَأْجْسَادَنَا بِنُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَنَوِّرْ بِهِ قُبُورَنَا وَنَوِّرْ لَنَا بِهِ الطَّرِيقَ عَلَى الصِّرَاطِ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.
وَرُوِيَتْ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ فِي أَخْبَارِ مَا وَقَعَ عِنْدَ وِلاَدَتِهِ مِنَ الْخَوَارِقِ إِرْهَاصاً.
أَخرجَ أبُو نُعيْمٍ عَنْ عمرانَ بْنِ قُتَيْبَةَ قالَ: سمعتُ أبِي وكانَ منْ أوْعيةِ الْعلُومِ يقولُ: إِنَّ اللاَّتَ وَالْعُزَّى خَرَجَا مِنْ خَزَائِنِهِمَا وَهُمَا يَقُولاَنِ: وَيْحَ قُرَيْشٍ جاءَهُمُ الأَمينُ جاءهمُ الصِّدِّيقُ، وَكانُوا يَسْمعونَ صوتاً مِنْ داخلِ الكعبةِ يقولُ: الآن يُرَدُّ عليَّ نُورِي، الآنَ يجيءُ زُوَّارِي، الآنَ أُطَهَّرُ منْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ، أيَّتُهَا العُزَّى هَلَكْتِ. وتَزَلْزَلَ البيتُ ثلاثةَ أيَّامٍ،
وأخرجَ ابنُ عساكرَ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه أَنَّ نَفَراً مِنْ قريشٍ منهمُ ورقَةُ بنُ نوفلٍ وزيدٍ بنٍ عمرَ بنٍ نُفَيْلٍ دَخَلُوا علَى صنمٍ لهمْ، فرأوْهُ مكْبوباً علَى وجههِ، فأنْكرُوا ورَدُّوهُ لحالهِ، فانقلبَ انقلاباً عَنِيفاً فردُّوهُ فانقلبَ الثالثةَ. فقالُوا: هذَا لأمرٍ حدثَ، وخاطبهُ بَعضُهُمْ بِأبياتٍ يَتَعَجَّبُ فيهَا منْ أمرهِ ويسأَلُهُ فيها سببَ تَنْكِيسهِ، فسمعَ هاتفاً منْ جوفِ الصَّنَمِ يقولُ بصوتٍ جَهِيرٍ مرتفعٍ:
تردَّى لمولودٍ أضاءَ لِنُورِهِ جميعُ فجاجِ الأرضِ فِي الشرقِ والغربِ
ومِنهَا ما في خبرٍ عنْ سيِّدِنا عبدِ المطلبِ قالَ: كنْتُ فِي الكعبةِ فرأيْتُ الأَصنامَ سقطَتْ من أماكنِهَا وخرَّتْ ساجدةً، وسمعتُ هاتفاً منْ جدارِ الكعبةِ يقولُ: ولدَ المصطفَى المختارُ الذِّي تهْلِكُ بهِ الكفارُ، ويُطَهِّرُ مِنْ عبادةِ الأصنامِ ويأْمُرُ بعبادةِ الملكِ العلاَّمِ، ومنها أنَّه لمَّا وُلدَ هتفَ هاتفٌ عَلَى الحَجُونِ بشعرٍ تَضَمَّنَ مدحَ آمنةَ بولادتِهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وهتفَ آخرُ علَى جبلِ أبِي قُبَيْسٍ بمثلِ ذلِكَ. ومنها ما وردَ أنَّ الشيطانَ لعنَهُ اللهُ وأشْقَاهُ زَقَّ – أيْ صاحَ حُزناً- أربعَ زقَّاتٍ حينَ لُعنَ وحينَ أُهبطَ وحينَ وُلِدَ صلى الله عليه وسلم وحينَ نزلتْ فاتحةُ الكتابِ.
ومنها ما في حديثٍ رواه الحاكمُ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّه كانَ بمكةَ يهودٍيٌّ، فصاحَ ليلةَ ولادتهِ يا أهلَ مكةَ هلْ وُلدَ فيكمْ اللَّيلةَ مولودٌ قالُوا: لاَ نعلمُهُ قالَ: ولدَ هذه اللَّيلةَ نبيُّ الأمةِ الأخيرةِ، بيْنَ كتِفيْهِ علاماتٌ فيهَا شَعَرَاتٌ متواتراتٌ كأنَّهُنَّ عرْفُ الفرسِ. فأدْخَلُوهُ علَى أُمِّهِ وأُخْرِجَ لهُ فَكَشَفَ عنْ ظهرهِ، فرَأَى تلكَ الشامةَ فخرَّ مَغْشِيّاً عليه، فلما أفاقَ قالُوا لهُ: ويْلَكَ، قال: قدْ ذهبتْ واللهِ النبوَّةُ منْ بنِي إسرائيلَ.
ومنها انصدَاعُ إيوانُ كسرَى وسقوطُ أربعَ عشرةَ شُرْفَةً منْ شُرُفاتِه، وكانَ يُظُنُّ أنَّها لاَ تَهُدُّه إلاَّ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، لأنَّهُ كان عظيماً مُتْقَنَ البناءِ مُحكَمَهُ. ومنهَا غَوْرُ مياهِ عيْنِ ساوةَ، ومنها خمودُ نارِ الفرسِ التِّي كانُوا عاكفينَ على عبادتِها، ومنها رؤيةُ المُوبِذَانْ.
والمَشهورُ بهِ العملُ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ في اليومِ الثانِي عشرَ الذي هوَ الاثنينُ اتفاقاً من شهرِ ربيعِ الأولِ علَى الأصحِّ أوْ اللَّيلةِ، والأصحُّ الأولُ. وليلةُ المولدِ أفضلُ اللَّيالِي ولَوْ لَيْلَةَ القدرِ لأنَّ فضلَ ليلةِ القدرِ كمَا قال عز من قائل: )تنزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ( فلاَ شَّكَ أن نُزولَ سَيِّدَ الوجودِ أعظمُ وأفضلُ وأرفعُ وأنفعُ وأكرمُ وأشرفُ منْ نزولِ الملائكةِ. وولدَ صلى الله عليه وسلم بمكةَ المشرَّفةَ على الصَّوابِ بالمولدِ المعروفِ وكانَ داراً وقلتُ ارتجالاً:
أَهْلاً بِشَهْرِ الْمَوْلِدِ ذَكَّرَنَا بِالمَحْتِدِ
أصلَ الأصول السَّيِّدِ حَبِيبِنَا الْمُبَجَّلِ
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيم، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[1] ـ آل عمران الآية 81
[2] ـ آل عمران 82
[3] – عيون الآثار لسيد الناس الصفحة 78 المجلد الأول