بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله وصحبه أجمعين
“حقيقة الطريقة التجانية”
إن الطريقة التجانية؛ طريقة مولانا الشيخ أحمد بن محمد التجاني، رضى الله عنه، طريقة علم، ومعرفة، وعمل، وإخلاص، وكل المتمسكين بها من أجلة العلماء الذين هم المرجع فى الإسلام وعلومه لمسلمي بلادهم .
وهذه الطريقة عبارة عن الوردين، والوظيفة، وذكر الجمعة، وما عدا هذا مما اشتملت عليه كتبها فهو من التصوف، وليس بداخل فى مسمى الطريقة. وهذا منقول عن جميع أئمة هذه الطريقة الشريفة بلا إستثناء .
فقد قال القطب الرباني، العارف الصمداني، مولانا الفقيه المحدث الأصولي الصوفي الجامع مولانا الشيخ أحمد بن العياشي سكيرج رضى الله عنه كلاما:” إن سيدنا رضي الله عنه قد تحقق بأنه سيقع الكذب عليه من المختلقين الشاكين فى تصديق أهل الله، المكذبين لهم والكذابين فى حق أمثاله، فتبرأ مما سينسبونه إليه من كل ما ينافي الشرع فقال:”إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع، فما وافق فخذوه وما لم يوافقه فاطرحوه “.
وإذا تقرر لديك هذا أيها المنصف، كنت معتقداً، أو منتقداً فلا شك أنك لا تقبل الترهات المنسوبة لهذا السيد الجليل المصرح بالتبرىْ منها سواء تحقق لديك إنها متقولة عليه، أو منقولة عنه؛ نقلها عنه أحبابه، أو أعداؤه، ذكرت فى كتب المؤلفين فى طريقته، أو غيرهم، أو شاعت وذاعت بين أصحابه، أو غيرهم فهو متبرىء من جميع ذلك. ويكفي فى تبرئته سلوكه على الجادة، والتبري مما يخالف الشرع قولا، وفعلا، وحالا”. “إنتهى باختصار” .
ثم قال:” لو بين المقدمون فى الطريقة لإخوانهم المتمسكين بحبلها، والمريدين للدخول أن ما زاد على الذكر اللازم فيها من ورد، ووظيفة، وذكر جمعة، غير لازم للمريد ذكره، ولا إعتقاده لخفت وطأة الإنكار على طريقتهم المحمدية، ولا فرح المبغضون بما يقفون عليه مما مد لسانهم فى الانتقاد على أهلها ” إنتهى.ص 5-6 ” جناية المنتسب.
فإذا عرفت هذا، فإن كل ما يقوله فيه المعتدون أنه عقيدة للتجانيين، تارة ينسبون التجانيين إلى الباطنية، أو إلى الشيعة الإمامية، وأخرى يجهرون بكلمة الكفر فى حقهم، وعمدتهم فى جميع هذه التهم النصارى، أو المستشرقون، أو ما شاع فى الكتب المنسوبة إليها مما ليس عليه العمل، كما قال الإمام المحدث ألفا هاشم، وإليه أقول: كل ما يقوله فيه هؤلاء باطل وزور تمليه عليهم العمالة، والتبعية بالإضافة إلى فقدهم لنور الإيمان.
قال مولانا الشيخ أحمد سكيرج أيضا: فى كتاب “طرق المنفعة” : “المقصد الثانى: فى التنبيه على أن المريد لا تلزمه متابعة الشيخ فى جميع أفعاله، وأقواله، وأحواله، إلا إذا أمره بذلك: لم يبلغنا عن شيخنا القطب التجاني رضى الله عنه، أنه أمر أصحابه والآخذين عنه أن يقتدوا به فى أقواله، وأفعاله، وسائر أحواله، أو بالخروج عن المذهب الذى تقلدوه من بين المذاهب الأربعة، والعقائد السنية بل الثابت عندنا أن الفضل المقرر فيها بفضل الله طبق ما وعده به الرسول عليه السلام، يناله كل من أذنه فى تلاوة أذكارها من ورد، ووظيفة، وذكر جمعة، بشروط ذلك لا غير. فإن هذه الطريقة مبناها على القيام بأذكارها اللازمة المذكورة بعد المحافظة التامةعلى إمتثال الأوامر، وإجتناب النواهي بقدر ما فى الإمكان فى السر والإعلان، وملاك الخير كله فى أداء الصلوات المفروضة فى غاية الإتقان، لجميع شروطها والإهتمام بها فى سائر الأحيان، ثم ما زاد فهو فضل بقدر إتباعه فى مجاهدته فى العبادة، وإخلاص النية، وتطهير الطوية، والصدق فى معاملة الحق والخلق، والتخلي عن كل مذموم والتحلي بكل محمود إلى غير ذلك مما كان يوصي به أصحابه حتى لا يكونوا من الآمنين لمكر الله. فإن التأدب مع الحق تعالى من المريد يكون على قدر إقتباس أنواره من مشكاة الاقتداء به.
وقد قال الشيخ سيدي علي الخواص رضي الله عنه: “من زعم إنه يتأدب مع الله تعالى، بلا واسطة شيخه، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أساء الأدب، ثم لا يتم ذلك له، أو لا يستمر على الدوام معه بخلاف الأدب مع الله تعالى، مع شهود الوسائط فإنه يدوم”. أهـ.
وذلك مما يدل على محبة المريد لشيخه التي هى المغناطيس الجاذب لترقي المراتب، وفيه من احترام الشيخ ما يقضي عليه بإمداده بالمدد الأوفر، سيما وحرمة الشيخ من حرمات الله. قال الحاتمي قدس سره :
ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله فقم بها أدبا لله بالله
ولهذا يتعين القطع بما صح عن الشيخ، أو الولي على المريد ليتمكن بصدقه فى مقام التصديق ثم إنه لا ينقطع المريد عن طريقته إلا بنقض العهد الذي به يؤذن له فى أذكارها اللازمة بأخذه عليه مشافهة بالتلقي عنه، أو بواسطة المقدم الذى قدمه مقدمه بالإذن المقيد، أو المطلق فيها، ولا ينقطع عنه مددها إلا بذلك وربما طرأ ناقض في الحين مثل الردة. نسأل الله السلامة والعافية فى الدنيا والدين.
وهناك أمور تفضي بالمريد للإنقطاع إن صدر منه شىء منها وقد بينت فى كتب الطريقة فليراجعها من أراد الإطلاع عليها فيها، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قلت : وهذه الشروط التى أشار إليها الشيخ سكيرج، على أنها تقطع المريد عن الطريقة ثلاثة فقط. :-
أولها : الترك بعد الأخذ تركا كليا.
ثانيها : جمعها مع طريقة أخرى.
ثالثها : زيارة الأولياء زيارة استمداد.
وهذه الشروط لا تعلق لها أبدا بما جاء فى تلك الكتب والمؤلفات باسم الطريقة، مع علمنا بأن هذه الكتب كتب علمية يستفيد منها من أراد ما شاء، وليس لأحد أن يرتب منها عقائد وينسبها إلى التجانيين، إلا إذا حمل ما فيها على الوجه الذى يحملها عليه أهل هذه الطريقة ممن عرفوها معرفة حقيقية، وإلا كان الكاتب كذابا، مدلسا، ظالما، وما يرمي به أصحابها من تكفير يرجع بلا شك عليه.
فإذا عرفت حقيقة الطريقة التجانية وأنها الثلاثة الأذكار فقط، فلا عبرة بما يقوله الأدعياء الجاهلون من نسبة كل خيال، أو ضلال تسوله لهم نفوسهم المريضة بأنه من الطريقة فليس من الطريقة إلا ما يؤخذ العهد به من هذه الأوراد المعروفة التي سبقت الإشارة إليها.