بسم الله الرحمن الرحيم
شفاء الآلام
بذكر ولادة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام
تأليف
العلامة النبيل، والسند الجليل ياقوتة الزمان،
ومفخرة العصر والأوان ذي المدد الإلهي، والفتح الرباني
مقدم الزاوية التجانية الكبرى الفاسية، ذات الأسرار الفاشية
الشريف
أبي العلاء إدريس بن محمد بن العابد الحسيني العراقي
رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ، وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين
وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
الحمد لله الذي شرف الكون بالنور المحمدي الصبيح، وخصه بأبلغ الثناء وأشرف المديح، ورفع ذكره بالقول والإشارة وأبين تلويح، وجعله روح العالم والسبب في وجود الأخرس منه والفصيح، والحائز للشرف الأثيل والمجد الخالص الصريح، وأجل الناس المقتدى بهم في المتجر الربيح، وأعطاه في أعلى الجنان المكان الفسيح، وفتح به أبواب الرحمة والإنعام، وحبا أمته من ذخائره ما تكَّلُّ عن وصفه الأفهام، وتعجز عن التعبير عنه الألسن والأقلام، ورحم العباد بمولده السعيد، وأضاء به من الكون القريبَ والبعيدَ، وطوَّق به الأجياد، وشرف به الأعياد، وأظهر بميلاده من آيات تشريفه ما أبهر عقول العالمين، ونشر من أصناف محاسنه وكمال أوصافه ما أقر أعين المحبين، وجعله الفاتحَ لما أغلق من الأكوان، الخاتمَ لما سبق مما يكون منها أو كان، وأبرزه من مكنون غيبه ناصر الحق بالحق في الأغوار والنجود، وهدى الخلق بمنهاجه القويم المشهود، وأرسله بالهدى والدين الحق، وخصه بعموم الرسالة لكل الخلقِ، وبه رسلَه ووحيَه ختم، وعليه نعمتَه وفضله أتمَّ، وجعله أكرم مولود، وشرف به الآباء والجدود، وأنزل عليه قوله وهو أصدق القائلين، ﴿وَمَاۤ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[1].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في الذات والأفعال والصفات، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها الموجودات.
وأشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرتُه من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، جعله سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء والمرسلين، وافترض على العباد طاعتهُ، وتعزيزه وتوقيره ومحبته، وشرح له صدرَه، ورفع بين سائر المخلوقات ذكرَه، وجعل الذلة والصغار على من خالفَ أمره، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وسلم الزواهرَ نوراً، الطوالعَ في سماء المجد بدوراً، وأصحابِه الأئمة الهداة المهتدين، العلماءِ الحكماء الحاملين لراية الدين، وعلى كل من انتسب لجنابه الأعظمِ، ودرج على دينه ومنهاجه الأقومِ، صلاة وسلاما دائمين متلازمين، إلى يوم الحشر والنشورِ، من غير انقطاع لهما على مدى الأعوام والأيام والشهورِ.
صلاةُ الله ما دام الدوام |
على خير الخلائق أجمعينا |
|
ننالُ بها شفاعته ونحظى |
بمنزلة العلى في الفائزينا |
|
ألا يا أمة المختار صلوا |
عليه وسلموا يا عاشقينا |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
معشر المحبين، لجناب سيد الأولين والآخرين، اعلموا أن الله جلت قدرتُه، وتقدست أسماؤُه وصفاته، ما أبرز الدنيا من العدم إلى الوجودِ، وما أوجد هذا الكون المشهودَ، وما أعد الآخرة بما فيها من النعيم المقيم لأهل الإيمان، ومن ضده لأهل النيران، وما أوجد العلوم والمعارف، والحكم واللطائف، إلا من أجل هذا النبي الأكرمِ، والرسول المعظم الأفخمِ، عناية منه سبحانه وتعالى به، وإظهارا لمزيد فضله ورفعةِ قدره، وليس في هذا ما تحيله العقول، ولا يعارضه حديث منقول، ولا يُستعظم هذا في الجناب العلي النبوي، والقدر الرفيع البهي المولوي، فقد استنارت بمولده صلى الله عليه وسلم بساتينَ يانعةَ الأغصان، وأجابت الأرواحَ يوم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[2] عن ذوق ما حصل لها من العرفان، واعترفت الخليقة بقدر ما نالها من الإيمان، وتفتحت أبواب الحق والعدل والإحسان، وكانت بمبعثه صلى الله عليه وسلمثمار العلوم والحقائق، وتلاشت بوارقَ العبارات في عيون رموز الإشارات والدقائقِ، وتعرفت بتجلي جماله صلى الله عليه وسلم المعارفُ، وأشرقت بظهور كماله أنوار العوارفِ، وعمت رسالته كل المخلوقات وكانت لهم نافعةً، ولسائر أنواع المكارم والخيرات دنيا وأخرى جامعةً، وكيف لا وهو صلى الله عليه وسلم عين الرحمةِ، وأصل كل حكمةٍ، والواسطةُ في كل نعمةٍ، وهو أشرف نوع الإنسان، المنتخبُ من خلاصة ولد عدنان، الممنوحُ ببديع الآيات، المخصوصُ بغرائب المعجزات، النبي الوحيدُ في جماله وبهائه، الفريد في سموه وسنائه، فجر السعادة الذي عم ضوءُه الورى، وبحرُ الهدى الذي ليس لساحله المحيط ورا. كما يشهد لذلك من محكم الكتاب، قول مولانا الكريمِ الوهاب، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاۤءِ لِيَبْلُوَكُمُ و ۤ أَيُّكُمُ و ۤ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾[3] .
قال العلامة الأليوري، في شرح البردة للبوصيري، ما محصله، قد بينت الآية الكريمة، أن الله سبحانه خلق السماوات والأرضين، من أجل اختبار الخلق أجمعين، أيهم أحسن عملا، وأجلهم قربا إليه ووصالا، وقد علم جل علاه، أن ليس في الوجود أحسن عملا من هذا النبي الأواه، وفائدة هذا الاختبار، مع عدم خفاء شيء على مولانا العزيز الغفار، أن يبرز للوجود، عنايته سبحانه بأكرم مولود، وبهذه الأمة من شفوف رتبتها، وإظهار منزلتها..
ومن السنة ما رواه الحاكم والبيهقي، وأبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام، آمن بمحمد، وأمر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا العالم، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن»، وقد صحح هذا الحديث الحاكم، وأقره السبكي في شفاء السقام، والبلقيني في فتاويه، ومثله لا يقال رأيا، فحكمه حكم المرفوع. وما رواه الحاكم والبيهقي والطبراني، وذكره ابن القطان في أحكامه، عن عمر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فقال تعالى: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه -أي لم أخلق جسده- قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعتُ رأسي، فرأيت مكتوبا على قوائم العرش، لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك، إلا أحب الخلق إليك، فقال الله تعالى صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك».
وما رواه ابن عساكر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال، هبط جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: «إن ربك يقول لك إن كنت اتخذْتُ إبراهيم خليلا، فقد اتخذتك حبيبا، وما خلقت خلقا أكرم علي منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنـزلتك عندي، ولولاك ما خلقت الدنيا».
لولاك يا أحمد المحمود ما طلعت |
شمس ولم تخرج الدنيا من العدم |
|
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من |
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم |
|
أنت الذي لولاك ما خلق امرئ |
كلا ولا خلق الورى لولاك |
|
صلى عليك الله يا علم الهدى |
ما حن مشتاق إلى مثواك |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
اعلم أيها المشتاق لهذا النبي الكريم، المحب في هذا الجناب الفخيم أن الله جل جلاله، وعز كماله، لما أراد أن يوجد الأكوان، ويظهر ما يكون منها أو كان، ابتدأ منها بإيجاد نور سيد الكونين، وإمام الثقلين، فخلق لبهاء كمال عزته بطونا، اختارها لحمله وظهورا، وجعلها لصون صدفة لؤلؤة نفسه النفيسة أودية وبحورا، ثم خلق منها سائر العوالم، وأمد منها كل جاهل وعالم، ووضعه في صلب آدم عليه السلام، ليشرف الكون بطلعة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ولم يزل سبحانه وتعالى ينقله من الأصلاب الطاهرة الجليلة، والأرحام الطيبة النبيلة، إلى أن استقر في صلب سيدنا عبد الله، ومنه إلى مولاتنا آمنة العظيمة الجاه وكل غدا به مستجيرا، وجعله أول الأنبياء نورا، وآخرهم ظهورا، ولذا توسل به صلى الله عليه وسلمكثير من الأنبياء والمرسلين، لأنه مددهم وإمامهم وسيدهم أجمعين:
- فآدم عليه السلام، لأجله قبلت توبته، وبالتوسل به إلى الله عز وجل أجيبت دعوته.
- وإدريس عليه السلام، بسببه رفعه الله، وقربه إليه وناداه.
- ونوح عليه السلام، في الفلك به توسل، وعليه في نجاة الله ولمن آمن به عول.
- وهود عليه السلام، بالتوجه به إليه سبحانه، استجاب دعوته وأعانه.
- وإبراهيم عليه السلام، بنوره الذي كان في صلبه نجاه من نار النمرود وخلع عليه ملابس الإقبال والسعود.
- وإسماعيل عليه السلام، من أجله فدي بذبح عظيم، نزل به جبريل عليه السلام من جنة النعيم.
- وأيوب عليه السلام، تعلق به في كشف ضره، فشفاه المولى سبحانه من حينه.
- وموسى عليه السلام، تمنى أن يكون من أمة هذا النبي الكريم، لما رأى لها من الفضل العميم، والخير الجسيم.
- وعيسى عليه السلام، بشر بوجوده، وطلب المهلة إلى زمانه وشهوده.
والأحبار به أخبرت، والكهان به بشرت، والرهبان بنبوته أعلنت، والجن برسالته آمنت، والهواتف بذكره هتفت، ونار فارس من نوره خمدت، والآيات بمدحه والثناء عليه نطقت، والأكاسرة بمولده تزلزلت وبحيرة ساوة عند ظهوره غارت. فهو صلى الله عليه وسلممظهر اسمه تعالى الرحمن، وبسببه ظهرت الأكوان، وهو سيد الأنام، وأفضل خلق الله على التمام، كما دل على ذلك صحيح الأخبار، ووردت بتحقيقه الأحاديث والآثار.
ومما يشهد لذلك من كلام رب العالمين، قوله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿وَإِذَ اَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيئِينَ لَمَآ ءَاتَيْنَاكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُومِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَآقْرَرْتُمْ وَأَخَذتُّمْ عَلَى ذَلِكُمُ و ۤ إِصْرِي قَالُو ۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾[4]… ومما يشهد له أيضا من السنة زيادة على حديث الشفاعة العظمى، المخرج في سائر كتب الحديث الصحيح الأنمى:
- ما أخرجه الترمذي وابن ماجة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي: آدم فمن سواه إلا تحت لوائي».
- وما رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الدلائل، قال الحافظ ابن حجر لوائح الصحة ظاهرة على صفحات متنه، عن عائشة رضي عنها، عن النبي y، عن جبريل عليه السلام أنه قال: «قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد y، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم».
- وما ذكره الإمام أبو العباس العزفي في كتابه الدر المنظم، في مولد النبي المعظم، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: «قلت يا رسول الله مم خلقت؟ فأطرق وعليه عرق كالجمان، ثم قال: يا علي، لما عرج بي إلى السماء، وكنت من ربي عز وجل كقاب قوسين أو أدنى، وأوحى إلي ما أوحى، قلت يا رب مم خلقتني؟ فقال: يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت جنتي ولا ناري، فقلت يا رب مم خلقتني؟ فقال يا محمد. لما نظرت إلى صفاء بياض نورٍ خلقته بقدرتي وأبدعته بحكمتي، وأضفته تشريفا له إلى عظمتي، استخرجت منه جزءا، فقسمته ثلاثة أقسام، فخلقتك أنت وأهل بيتك من القسم الأول، وخلقت أزواجك وأصحابك من القسم الثاني، وخلقت من أحبكم من القسم الثالث، فإذا كان يوم القيامة عاد كل حسب ونسب إلى حسبه ونسبه، ورددت ذلك النور إلى نوري فأدخلتك أنت وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك ومن أحبكم جنتي برحمتي. فأخبرهم بذلك يا محمد عني».
أنت الذي لما سألت شفاعة |
ناداك ربك لم تكن لسواك |
|
أنت الذي لما توسل آدم |
من ذنبه بك فاز وهو أباك |
|
وبك الخليل دعا فعادت ناره |
بردا وقد خمدت بنور سناك |
|
ودعا أيوب لضر مسه |
فأزيل عنه الضر حين دعاك |
|
وبك المسيح أتى بشيرا مخبرا |
بصفات حسنك مادحا لعلاك |
|
وكذا موسى لم يزل متوسلا |
بك في القيامة يرتجي بحماك |
|
والأنبياء وكل خلق في الورى |
والرسل والأملاك تحت لواك |
|
عليك بإكثار الصلاة مواظبا |
على أحمد الهادي شفيع الورى طرا |
|
وأفضل خلق الله من نسل آدم |
وأزكاهم فرعا وأشرفهم فخرا |
|
فقد صح أن الله جل جلاله |
يصلي على من قالها مرة عشرا |
|
فصلى عليه الله ما جنت الدجى |
وأطلعت الأفلاك في أفقها فجرا |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
أمة سيد البشر، وأفضل من تقدم ومن تأخر، اعلموا أنه يتعين على كل مسلم، لا فرق بين جاهل وعالم، أن يعرف نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، أبا وأما، ليكون عارفا بقدر هذا النبي الذي عم الورى علما وحلما.
.فأما نسبه صلى الله عليه وسلممن جهة أبيه الطاهر، الكوكب الدري الزاهر، فهو صلى الله عليه وسلمالنبي العربي الأبطحي، الحرمي الهاشمي القرشي، المختار المنتخب من خير بطون العرب، وأشرفها في الحسب، وأعرقها في النسب، وأنظرها جودا، وأطولها عمودا، وأطيبها أَُرومة، وأعزها جُرثومة، وأفصحها لسانا، وأوضحها بيانا، وأرجحها ميزانا، وأصحها إيمانا، وأفضلها نفرا، وأكرمها معشرا: أبو القاسم سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهو أول من كسى من العرب كعبة الرحمان، وكان ملحوظا بعين الرعاية بين الأعيان، فهذا نسبه صلى الله عليه وسلمالذي وقع عليه الاتفاق وما فوقه إلى آدم عليه السلام مختلف فيه بين المؤرخين الحذاق، والإجماع من الأئمة الأعيان، على أن عدنان، من ذرية سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم الخليل، على نبينا الهمام، وعليهما الصلاة والسلام.
قال في المواهب اللدنية نقلا عن أبي دحية أجمع العلماء – والإجماع حجة– على أن رسول الله صلى الله عليه وسلمإنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه بدليل ما رواه الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلمكان إذا انتسب لم يتجاوز معد بن عدنان، ويقول كذب النسابون مرتين أو ثلاثا».
وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يُعرفون، ومن تم أنكر الإمام مالك رضي الله عنه رفع النسب إلى آدم.
آباء خير الخلق قل لمن رغب |
في النظم عبد الله ثم المطلب |
|
فهاشم عبد مناف فقصي |
كلاب مرة فكعب فلؤي |
|
وغالب فهر فمالك يليه |
نضر كنانة خزيمة الوجيه |
|
مدركة إلياس ثم مضر |
ثم نزار فمعد الأشهر |
|
عدنان فيه أمر الأمين |
نقف في عدهم المبين |
|
صلى وسلم عليهم ربنا |
وآله ما دام ملك ذي الغنى |
.وأما نسبه صلى الله عليه وسلممن جهة أمه المصونة، والدرة اليتيمة المكنونة، فهو سيدنا محمد بن سيدتنا آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، الذي هو أحد أفراده من قبل والده بلا ارتياب.
وقد طهر الله سبحانه هذا النسب الشريف والحسب الطاهر المنيف، من سفاح الجاهلية وزناهم، ومن كل نقص في جانب آبائه الكرام وعلاهم، وكما حفظه من سفاح الجاهلية، حفظه من الكفر وغيره من الأوصاف الدنية، من لدن آدم وزوجه حواء، إلى سيدنا عبد الله ومولاتنا آمنة الغراء، اعتناء بسيد الأنام، ومصباح الظلام. قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾[5] – نقلا عن بعض العارفين–: “أن نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمكان يتنقل من ساجد إلى ساجد من آدم إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم ، وهو يدل على أن جميع آباء النبي صلى الله عليه وسلمكانوا مسلمين”.
ويشهد له ما رواه أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: «لم يلتق أبواي قط على سفاح لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرها». ويرحم الله القائل:
له النسب العالي فليس كمثله |
حسيب نسيب منعم متكرم |
|
أقدمه في كل مدح لأنه |
إذا كان مدح فالحبيب المقدم |
|
جليل بتاج المكرمات مخصص |
جميل كريم بالبهاء معمم |
|
فما أوجد الأكوان إلا من أجله |
حقيق طراز الكل فهو المكرم |
|
له الشمس تقفو والبدور جميعها |
كذا الضب والثعبان جاء يسلم |
|
ألا قل لقوم نازعوا إن أردتم |
نجاة به صلوا عليه وسلموا |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
أمةَ سيد الأولين والآخرين، وأفضل خلق الله أجمعين، اعلموا أن الله جل جلاله، وعز كماله، “لما أراد خلق الموجودات، وخفض الأرض ورفع السماوات، وأن يجعل في الأرض الخليفة، ويظهر للوجود هذه الخِلقة اللطيفة، قبض قبضة من نوره – أي نور خلقه– وأضافه إلى نفسه تشريفا لظهوره، وقال لها كوني محمدا، رسولا رؤوفا رحيما ممجدا، وصار ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله عز وجل.
ولما أراد سبحانه أن يشرف الكون بمولد خير الأنام، أمر جبريل عليه السلام أن ينزل في جماعة من الملائكة إلى الأرض بكمال الآداب، ويأخذ من أشرف مكانها قبضة تراب، فنزل جبريل بالملائكة المأمورين، إلى موضع قبر سيد المرسلين فأخذ ما أمر بأخذه من تلك القبضة، وهي أبيض وأصفى من الفضة وصعد بها إلى عين التسنيم، وهي أرفع شراب أهل جنة النعيم، وغمست في جميع أنهار الجنان، وعجنت بمائها حتى صارت كالكوكب الدري في البريق واللمعان، وسار بها جبريل عليه السلام، مع الملائكة الأبرار، في السموات والأرضين والبر والبحار، ليعلم سائر الأنام شرف طينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فاعترف بفضله في عالم الغيب سائر الأرواح، وأخذ على ساداتها الميثاق بمتابعته قبل حلولها في الأشباح، فعرفت الملائكة وجميع المخلوقات، سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلموفضلَه قبل أن تعرف آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم أودع الحق سبحانه ذلك النور المحمدي، في صلب الجسد الآدمي، الذي خلقه الله الكريم في أحسن تقويم، وذلك بيد القدرة الإلهية والحكمة الربانية، ثم أمر الله سبحانه الملائكة له بالسجود، تشريفا لما تحمله من نور سيد الوجود، فسجدوا طبق ما أمروا به.
ثم وضع الله سبحانه ذلك النور في ظهر آدم عليه السلام، فاصطفت الملائكة من خلفه لتحيي ذلك النور بالسلام، فسأل آدم عليه السلام من ربه أن يبين له موجب اصطفاف الملائكة من وراءه، فأجيب بأنهم ينظرون إلى نور خاتم النبيئين وإمام المرسلين، فطلب آدم من مولاه أن يجعل هذا النور في جبهته لتكون الملائكة في مواجهته، وحكمة تشريفها بوضع النور المحمدي المبين، كونها محل السجود لرب العالمين، فأشرق ذلك النور في جبهته مثل الشمس المنيرة، والياقوتة اللمعة في وقت الظهيرة، ثم سأل من ربه أن ينقل له ذلك النور إلى عضو من أعضائه، ليتشرف بطلعة رؤيته ومشاهدته فنُقل إلى أصبعه السبابة لأنها في التشهد تقع بها الإشارة، ثم زينت ببقية النور أصابعه الباقية، فوضع نور أبي بكر الصديق في الوسطى، ونور عمر الفاروق في البنصر، ونور عثمان ذي النور في الخنصر، ونور علي المحب المحبوب عند الله وعند سيد الأنام في الأصبع الخامس الإبهام، لخلافتهم عن مشرفهم عليه الصلاة والسلام. فكانت تلك الأنوار الحسنة تتلألأ في أصابع آدم ما كان في الجنة، فلما كان خليفة في الأرض عن ربه انتقلت الأنوار من أصابعه إلى ظهره”. وقد نقل هذا الحديث باختصار صاحب المواهب اللدنية عن الشيخ عبد الله بن أبي جمرة، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلمنبي الأنبياء الأخيار، وأن نبوته كانت قبل خلق آدم وسائر الأبرار، كما يشهد لذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي والحاكم وقال صحيح الإسناد ابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني عند الله لخاتم النبيئين، وإن آدم لمنجدل في طينته”.
– أي منطرح ملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه–. وما رواه الإمام أحمد أيضا والبخاري وأبو نعيم في الحلية وصححه الحاكم عن ميسرة الضبي رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال وآدم بين الروح والجسد».
ما نال فخر النبي المصطفى أحدٌ |
من الأنام له البرهان والحكم |
|
ماذا أقول بوصفي في الرسول وقد |
أثنى عليه الإله واحدٌ حكم |
|
صلى عليه إله العرش ما طلعت |
شمس وما لاح ثغر البرق يبتسم |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ولما أراد مولانا جلت ذاته، وتقدست أسماؤه وصفاته، أن يشرف هذا الكون بظهور سيد الأنام، وأفضل خلق الله على التمام، نقل نوره من آدم إلى زوجه حواء عليها السلام، ثم منها إلى شيث الذي وضعته وحده، كرامة لمن اطلع الله بالنبوءة سعده، ثم أوصى شيث عليه السلام ولده الصادق، بما أوصاه والده الفائق، وهو أن لا يضع ذلك النور إلا في الطيبات المطهرات، من النساء الباهرات، ووضع المولى جل علاه ذلك النور في أرض مكة الميمونة، وحمله مع نوح عليه السلام في السفينة، ثم قذف به في نار النمرود، وهو في صلب الخليل المعروف بالكرم والجود، ومنه إلى إسماعيل الذي فدي بالذبح المنجود، ولم يزل النور المحمدي، والسر الباهر الأحمدي، ينتقل من الأصلاب الطاهرة، إلى الأرحام الطيبة الفاخرة، إلى أن أوصله مولانا الرؤوف الرحيم إلى سيدنا عبد الله الفخيم، ولما أراد سبحانه وتعالى إبراز هذا النور الأبهر، ألهم لبحكمته ومنته جده الأشهر، رفيع المكانة والقدر، سيدنا عبد المطلب واسمه شيبة الحمد، فخرج بولده سيدنا عبد الله ذي الفخار والمجد، حتى وفد به إلى وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهو يومئذ سيد قبيلة بني زهرة، نسبا وشرفا، وكرما وترفا، فخطب منه لولده سيدنا عبد الله، بنته سيدتنا آمنة العظيمة القدر والجاه، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا، أما وأبا ومنبعا، وأنفذ لها في صداقها من الذهب أوقية جليلة، ومثلها من الفضة الجميلة، ومائة من الإبل والبقر والغنم النبيلة، وبعد تبادل الخطب زوجه إياها، وعند الجمرة الوسطى بمنى في شعب أبي طالب بنى بها، وكان ذلك يوم الجمعة أو الاثنين، من أول رجب الفرد الحرام الموجود بين الحلين، فسرى النور الكامل من سيدنا عبد الله، إلى مولاتنا آمنة الرفيعة الجاه، وحملت بمولانا رسول الله سيد الرسل والأنبياء، وأفضل خلق الله في الأرض والسماء.
قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية، وقد روى عن سيدنا عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : «أنه لما بنى سيدنا عبد الله بمولاتنا آمنة أحصوا مائتي امرأة من بني عبد مناف وبني مخزوم، مُتْن ولم يتزوجن أسفا على ما فاتهن من سره المعلوم، وأنه لم تبق امرأة في قريش إلا مرضت ليلة بنى عبد الله بآمنة»، وكيف لا وقد أضحت من كل بلاء آمنة، وضجت الملائكة لخالق الأرض والسماوات، بأنواع التسبيح والتهليل وسائر القربات، وفتحت أبواب الجنان، وأغلقت أبواب النيران، وأثمرت أشجار البساتين، وأزهرت بأنواع الطيب والرياحين، وتعطرت الحور والولدان، وتدفقت الأنهار بالخمور والعسل والألبان، وترنمت الطيور على اختلاف أنواعها فوق الأغصان، وانتشرت الملائكة في أقطار الأرض، طولهُا والعرض، تبشر بقرب ولادة النبي المختار، والرسول الذي يكثر به الخير المدرار، وتتمثل بين يديه الزوار، ويقبل شفاعته المولى الرحيم الغفار.
فمن به أصلا ومن بمولدٍ |
به شرفت أزماننا وازدهرت فخرا |
|
به اهتز عرش الله شوقا وأخرجت |
جنان وحور زينت تظهر البشرا |
|
به ضاءت الأرجاء من وجه بدره |
به شفت الشفا وقد أبدت العذرا |
|
به انشق أبواب لكسرى وهدمت |
لأهل الردى أركان مجدهم ذعرا |
|
وكان من الآيات إطفاء نارهم |
وقد كانت الآلاف توقدها دهرا |
|
أيا بنت وهب شرف الله طلعة |
بها أشرقت أنوار الضحى وتلت فجرا |
|
هو النعمة العظمى هو الرأفة الرحمى |
هو الجود والإحسان والمنة الكبرى |
|
عليه صلاة الله ثم عليكم |
معاشر آل ثم صحب رفعتم قدرا |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
اعلم أيها المحبُ في الجناب المحمدي الرفيع، المشغوفُ بسماع أحوال مولد النبي الشفيع، وما ظهر عند الحمل به من خوارق العادات، وعجائب الإرهاصات والمبشرات، فقد ذكر العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية، أنه لما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، نودي في الملكوت، ومعالم الجبروت، أن عطروا جوامع القدس الأسنى، وبخروا جهات الشرف الأعلى، وافرشوا سجادات العبادات في صفف الصفاء، لصوفية الملائكة المقربين أهل الصدق والوفاء، فقد انتقل النور المكنون، إلى بطن آمنة ذات العقل الباهر والفخر المصون، فقد خصها الله القريب المجيب، بهذا السيد المصطفى الحبيب، لأنها أفضل قومها حسبا وأنجب، وأزكاهم أخلاقا وفرعا وأطيب، وقال سهل بن عبد الله التَّستري فيما رواه الخطيب البغدادي الحافظ، لما أراد الله عز وجل خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمفي بطن آمنة ليلة رجب، وكانت ليلة جمعة، أمر الله عز وجل في تلك الليلة، رضوان خازن الجنان، أن يفتح الفردوس، و نادى مناد في السماء والأرض، ألا إن النور المخزون المكون، الذي يكون منه النبي الهادي في هذه الليلة، يستقر في بطن آمنة، وفيه يتم خلقه، ويخرج إلى الناس بشيرا ونذيرا.
وقال الإمام ابن الحاج في شرح عقود الفاتحة، نقلا عن بعض أهل العلم، لما أراد الله عز وجل إخراج تلك الوديعة، من خزائن الأصلاب الرفيعة، إلى كنـز أحشاء آمنة المنيعة، وظهرت لانتقال نوره آيات، وتباشرت به جميع المخلوقات، ونودي تلك الليلةَ في جميع الأرض والسموات، على لسان الحضرة الإلهية، يا عرشُ تبرقعْ بالوقار، ويا كرسي تدرع بالفخار، ويا سدرة المنتهى ابتهجي، وبأنوار المهابة تبلجي، ويا جنان تزخرفي، ويا حور من القصور أشرفي، ويا معاشر الملائكة تمنطقي واصطفي، وبالعرش حفي، ويا رضوان، افتح أبواب الجنان، ويا مالك، أغلق أبواب النيران، فإن النور المخزون، والسر المكنون، الذي في خزائن قدرتي من الأزل، في هذه الليلة إلى بطن آمنة انتقل، وفيها يتم خلقه تماما جليا، ويخرج إلى الناس بشرا سويا.
وأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة، وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات، لقرب ظهور خير أهل الأرض والسماوات، وكانت قريش في جدب شديد، وضيق عظيم مديد، فاخضرت الأرض، وحملت الأشجار، وأتاهم الرفد من كل جانب وسميت تلك السنةُ التي حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، سنةَ الفتح والابتهاج، لكونها حمل فيها بصاحب اللواء والتاج.
وقال ابن زكري لما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمكبير الكون وعمدته، وعظيمه وبهجته، ونكتة الوجود وزينته، فُعل به ما فعل من تزيين الوجود لظهوره، وتهيئه لقدومه وحضوره، إظهارا لمزيته، وإشهارا لخصوصيته،كما تزين المدن والأمصار، لقدوم الملوك والكبار، لتظهر بركاته في الآثار، بتهيئة أسباب الفرح والسرور والاستبشار، وليعلم في الملإ الأعلى، أنه صلى الله عليه وسلممن كل علي من المخلوقات أعلى، وليظهر لحور القصور، أن عموم السيادة وشمول الإجلال عليه مقصور، ولتشتاق قلوب أهل العلم، وأرباب الفتح والفهم لطلوع طلعته، وامتلاء أفئدتهم بصدق محبته.
وروى ابن إسحاق أن آمنة كانت تحدث وتقول: «ما شعرت بأني حملت به، ولا وجدت له ثقلا ولا وحماً كما تجد النساء بسببه، إلا أني أنكرت رفع حيضتي، وأتاني آت وأنا بين النائمة واليقظانة، فقال هل شعرت بأنك حملت بسيد العالمين وأفضل الخلق أجمعين، ثم أمهلني، حتى إذا دنت ولادتي، أتاني فقال لي: قولي، أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم إذا وضعته ممجدا، فسميه محمدا».
وعن أبي زكرياء يحيى بن عائد قال: بقي النبي صلى الله عليه وسلمفي بطن أمه تسعة أشهر كملا لا تشكو وجعا ولا مغصا ولا ريحا ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء، وكانت تقول: «والله ما رأيت من حمل هو أخف منه ولا أعظم بركة».
وله صلى الله عليه وسلمفي كل شهر من شهور حمله الزكية، نداء في الأرض ونداء في السماء العلية، أن ابشروا، فقد آن أن يظهر أبو القاسم، والسيد الذي أُحلت له ولأمته الغنائم، ولم تبق دار تلك الليلة إلا أشرقت، ولا بقعة إلا دخلها النور وابتهجت، ولا دابةٌ لقريش إلا نطقت، وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلائق، وأفضل من بعث بأشرف الطرائق.
بشرى لأكوان سمت أرجاؤها |
عن أن يحاط فسيحها بحساب
|
|
تنبي بمولد من به وبنوره |
ضاءت عوالمها بكل رحاب |
|
المفرد العلم الرسول المجتبى |
نور الوجود وفاتح لغياب |
|
صلى عليه الله ما دام الدعا |
لله مطلوبا بغير عتاب |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ولما تم لآمنة من حملها به صلى الله عليه وسلم شهران على المشهور، توفي والده سيدنا عبد الله بدر البدور، وهو إذ ذاك ابن ثمان عشرة سنة على القول المرضي، كما صححه الحفاظ العلائي وابن حجر والسيوطي، وكان قد رجع ضعيفا مع قريش لما رجعوا من تجارتهم، وإتمام مآربهم، وحاجياتهم، ومروا بالمدينة العظيمة المقدار، فتخلف عند أخواله بني عدي ابن النجار، فأقام عندهم مريضا شهرا، ولما قدم أصحابه إلى مكة، سألهم عبد المطلب عنه بعدما تخلف عنه طويلا، فقالوا خلفناه مريضا بالمدينة العظيمة الأنوار، فبعث إليه أخاه الحرث أو الزبير، فوجده قد توفي بالمدينة الرفيعة، ودفن في دار التابعة. وقد روي أنه لما توفي سيدنا عبد الله والد رسول القرآن، قالت ملائكة الرحيم الرحمن، إلهنا وسيدنا، وعالم سرنا ونجوانا، بقي نبيك يتيما لا أب له، فقيرا لا مال له، فقال الله تعالى، أنا أولى به من أمه وأبيه، أنا حافظه وراعيه، أنا ناصره وحاميه، أنا رازقه وكافيه، الموت حتم على عبادي فكونوا منه على حذر، فإنه لا يبقي ولا يذر.
وفي يتمه صلى الله عليه وسلم فوائد وثمرات، وحكم وغايات، أشار لبعضها الإمام ابن زكري فقال: إن يتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمإرهاص وتأسيس، وبيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ينشأ نشأة كاملة تامة، من جهة التخلي عن كل نقيصة، وبراءة الساحة من كل عيب، وتقدس الجناب من كل ما يستقبح، ومن جهة التحلي بفضائل الصفات، وسني الحالات، وأكمل الكمالات، فهو صلى الله عليه وسلم الجامع للحسن كله وسائر الإحسانات، وليس ذلك من شأن الأيتام الذين ليس لهم أب ولا أم، فكان في ذلك آيات وعبر، وعلامات تطابق مشهور الخبر، وتتنزل على أوصافه في الكتب القديمة، وتحقق أنه لبنة التمام والدرة اليتيمة.
أخذ الإله أبا الرسول محمد |
ليديم جاه كماله تكريما |
|
والخلق كلهم لديه بأرضهم |
وهو السماء إليهم تعظيما |
|
يا أمة المجد الرسول المصطفى |
صلوا عليه وسلموا تسليما |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
اعلم أيها المحب في أصل هذا الكون وقطبه الذي عليه المدار، المشتاق لسماع قصة مولد من لولاه لم تكن شموس ولا أقمار، أنه قد ذكر في المواهب اللدنية، عن أبي سعيد النيسابوري[6] في كتابه المعجم الكبير ورواه أبو نعيم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال، كانت آمنة تحدث وتقول: «أتاني آت حين مر بي من حملي ستة أشهر في المنام، وقال لي يا آمنة، إنك حملت بخير الأنام، فإذا ولدته فسميه محمدا، واكتمي شأنك، قالت ثم أخذني ما يأخذ النساء
– تعني من الطلق الذي هو وجع الولادة– ولم يعلم بي أحد، لا ذكر ولا أنثى، وأني لوحيدة في المنـزل – قلت ولعل هذا كان قبل حضور القابلة لها، وهي الشفاء والدة عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنها وعن ابنها– قالت آمنة وعبد المطلب في طوافه، يتعبد لله في بيته وحرمه، فسمعت وجبة أي هدة عظيمة وأمرا عظيما هالني، ثم رأيت كأن جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب عني الرعب وكل وجع أجده، ثم التفت فإذا انأ بشربة بيضاء ظننتها لبنا، وكنت عطشى فشربتها، فإذا هي أحلى من العسل، فأصابني نور عال -أي عظيم- ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا، كأنهن من بنات عبد مناف يحذقن بي، فبينما أنا أتعجب وأقول: وا غوثاه، من أين علمن بي».
قال في غير هذه الرواية: «فقلن لي، نحن آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وهؤلاء الحور العين»، قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب، ولعل الحكمة في حضورهن، كثرة الحور له صلى الله عليه وسلمفي الجنة. كما أن مريم وآسية من نسائه صلى الله عليه وسلم فيها،كما في الحديث. وأيضا قد أرادت آسية بعد وضعه أن تكحله فوجدته مكحولا بكحل الهدى، وأرادت مريم أن تقطع سرته فوجدته مقطوع السرة قد زال عنه الردى، وأرادت الحور العين أن تطيبه بأنواع الطيب، فوجدته قد طيبت بها شمائل هذا الحبيب، قالت آمنة: «واشتد بي الأمر، وأني أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم، فبينما أنا كذلك إذا بديباج أبيض، قد مد بين السماء والأرض وإذا بقائل يقول، خذاه – يعني إذا ولد– عن أعين الناس، قالت ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء – أي الملائكة تشكلوا بشكل الرجال– بأيديهم أباريق من فضة، فنظرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد أقبلت، حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد، وأجنحتها من الياقوت، فكشف الله عن بصري، فرأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات، علما بالمشرق، وعلما بالمغرب، وعلما على ظهر الكعبة»، قال الزرقاني: ولعل حكمة ذلك، الإشارةُ إلى أن شرعه يعم المشارق والمغارب ويعلو على مكة ويصير بينا واضحا كالأعلام. اهـ ثم قالت آمنة: «فأخذني المخاض، فوضعت سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وشرف وكرم، ومجد وعظم».
*** الوقــــــــــــــــــــــــوف ***
وقوفا على الأقدام في حق سيدي |
تعظمه الأملاك والجن والإنس[7] |
السلام عليك يا خير من دعى إلى الله وهدى، وأفضل من سلك بأمته منهاجا واضحا وسبيلا رشدا، يا سيدَنا محمدْ.
السلام عليك يا محل الفتوحاتِ والمواهبِ اللدنيةْ، وصاحب الملة الحنيفيةْ، والأحكام الشرعية، يا سيدنا محمدْ.
السلام عليك يا فخر السيادة وتاج علاها، وقطب المجادة وشمس ضحاها، وأصل الموجودات وسراج ضياها، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا خير من وضحَ منهاج الدين وبينه، وأفضلَ من حبب الحق سبحانه في القلوب أرضهَ ووطنهَ ومسكنهَ، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من لاح بدره في أفق السيادة واكتمل، وأجل من احتوى جسده الشريف على أنواع المحاسن واشتمل، يا سيدنا محمد.
السلام عليك أيها الحبيب الذي جلت معجزاتك عن العد والإحصا، والرسول الذي لا تتناهى خصائصك ولا تستقصى، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من جعلك ربك طاهرا مطهرا مرتضى، وشفيعا مشفعا في جميع الأمم يوم الفصل والقضا، يا سيدنا محمد.
السلام عليك أيها الصادق الأمين، المؤيد بالآيات والكتاب المبين، المبعوث رحمة مهداة للعالمين، يا سيدنا محمد.
السلام عليك أيها النبي الحليم الأواب، والصفي الذي أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من قمت بطاعات ربك أحسن قيام، واجتهدت بأنواع العبادات في ظلمات الليل حتى تورمت قدماك والناس نيام، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من قربك مولاك ليلة المعراج حتى كنت منه كقاب قوسين، وجمع لك بين المكالمة والمشاهدة له من غير كيف ولا مين، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من ردت لك الشمس بعد أفولها وانشق لك القمر، وكلمك الضب، وحن إليك الجذع، وسلم عليك الحجر، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من خضع لك البعير وعلم بنبوتك، وتذلل لك الغنم، وكلمك الذئب، وشهد برسالتك، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من نبع الماء الطهور من بين أصابعك، وأشبعت بالصاع الواحد الجم الغفير من أصحابك، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من مِن معجزاتك إبراء ذوي العاهات، وإحياء الموتى وشهادة الصبيان وغيرهم بأنك سيد السادات، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من رد عين قتادة بعدما سالت على خده، وقال اللهم ق عين قتادة كما وقى وجه نبيك بوجهه، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من كتب الله اسمك الشريف على ساق العرش والكرسي، وكل سماء وعلى الجنان والقصور والغرف، وشرفك بأشرف الأسماء، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من ذكرك مولاك سبحانه عضوا عضوا في القرآن، ولم يخاطبك دون غيرك من سائر الأنبياء الرسل إلا بالأوصاف الحسان، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا صادق اللهجة واللسان، وبهجة أكابر المقربين الأعيان، وتحفة من أشرق الله في قلبه نور الطاعة والإيمان، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من يخاطبك كل مصل في التشهد بقوله حيث ترفع درجاته، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ومن إذا دعوت أحدا وهو يصلي وجبت عليه إجابتك وصحت صلاته، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من تنمو بك الأقوات، وتنتعش بك الأرواح والذرات، وضريحك أفضل إجماعا من سائر بقاع الأرض والسماوات، يا سيدنا محمد.
السلام عليك يا من لا يرتجي المذنب العاصي إلا عفو الله وحسن استشفاعك، ولا خلاص له إلا التعلق بأعتابك، يوم يكون آدم فمن دونه تحت لوائك ومن أتباعك، يا سيدنا محمد.
السلام عليك من مولاك الرب الكريم، الرؤوف الرحمن الرحيم، الذي أنار بك الوجود وفضلك على الخليل والكليم، يا سيدنا محمد.
السلام عليك من أهل العالم العلوي والسفلي وسائر الأنام، بكل سلام أوجده رب البدء والختام، يا سيدنا محمد.
ولد الحبيب وخده متورد |
والنور في وجناته يتوقد |
|
ولد الذي لولاه ما كان النقا |
كلا ولا ذكر الحمى والمعهد |
|
ولد الذي لولاه ما ذكرت قبا |
أصلا ولا كان المحصب يقصد |
|
يا مولد الختم كم لك من ثنا |
ومدائح تعلو وذكر يوجد |
|
يا عاشقين تولهوا في حبه |
هذا هو الحُسن الجميل المفرد |
|
بشرى لآمنة برؤية حسنه |
هذا هو الجاه العظيم الأزيد |
|
ثم الصلاة على النبي وآله |
في كل يوم ماضي ويُجدد |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
هذا ومن عجائب ولادة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، أنه لما خرج من بطن أمه آمنة خرج مختونا نظيفا مقطوع السرة، بيد القدرة الإلهية، طيبا دهنيا مكحول العين بكحل العناية الربانية، مربوعا مائلا إلى الطول أبيض مشربا بحمرة، لم ير أحد قبله ولا بعده في الحسن والجمال مثله، وأنه خرج معه نور أضاءت له قصور الشام، وأنه بمجرد وضعه من بطن أمه وقع على الأرض جاثيا على ركبتيه، معتمدا على يديه، ثم أخذ بقبضة من التراب فقبضها، ورفع رأسه إلى السماء ينظر ببصره إليها، وكانت أصابع يديه مقبوضة يشير بالسبابة كالمسبح بها، وصارت النجوم تدنو منه حتى كادت تقع على الأرض، وأنه تكلم في أول ما ولد فقال: «الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا».
وأنه صلى الله عليه وسلم قد استهل بالعطاس فشمتته الملائكة بالصلاة عليه، ويشهد لبعض هذه الإرهاصات ما رواه ابن سعد عن همام بن يحيى، وإسحاق بن عبد الله أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلمقالت: «لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور الشام، فولدته نظيفا ما به قذر»، قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف، وفي خروج هذا النور الحسي عند وضعه الإشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزالت به ظلمة الشرك، كما قال تعالى: ﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِم و ۤ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[8] وما ذكره في المواهب اللدنية عن أم عبد الرحمن بن عوف وهي الشفاء قابلته صلى الله عليه وسلمأنها قالت: «لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلموقع على يدي، فاستهل، أي صاح كما يصيح المولود عند ولادته، فسمعت قائلا –أي ملكا من الملائكة– يقول رحمك الله». وأخبرت أنها رأت النجوم نزلت إليه عند ولادته، وأنه خرج معه نور عظيم رأوا به قصور الشام وهو بمكة، وأنه ولد ساجدا، رافعا طرفه إلى السماء، وأن الملائكة عند ولادته نطقوا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. وما رواه الطبراني في الأوسط وابن عساكر من طرق، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: “من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا، ولم ير أحد سوءتي”. وهذا أرجح الأقوال الثلاثة في الختان، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على شفوف رتبة سيدي ولد عدنان، ولما رجع جده عبد المطلب من طوافه إلى بيت آمنة، وليس بها باس في وضع نبي هذه الأمة، وأخبرته بجميع ما لديها من الخبر، وما جرى لها عند وضعه من عظيم الآثر، أخذه وفرح به فرحا لا يفي به اللسان، ولا يستطيع أن يكتبه بنان، وذهب به إلى الكعبة المشرفة، وأدخله إياها، ودعا الله تعالى أن يحمده أهل السماوات والأرض، لا فرق بين أهل الطول منها والعرض، وأقام له في سابع ولادته عقيقة كبرى، وسماه بالاسم الشريف الممجد، وهو سيدنا ومولانا محمد وعلى صلى الله عليه وسلم آله الأقربين وصحابته الهداة المهتدين.
وكانت ولادته صلى الله عليه وسلمفي ليلة الإثنين ثاني عشر ربيع الأول، على القول المشهور الذي عليه المعول، وكان وضعه صلى الله عليه وسلم في آخر الليل قبل طلوع الفجر، وتأخر خلاص أمه إلى ما بعد طلوعه، كما اختاره في الإبريز العارف الأشهر، وذلك في عام الفيل على الصحيح من أقوال الناس، وبه جزم حبر هذه الأمة سيدنا عبد الله بن عباس، وكانت ولادته صلى الله عليه وسلمبعد وقعته جزما، بمدة لا تتجاوز خمسين يوما، وبناء عل الراجح من ولادته صلى الله عليه وسلمقبل طلوع الفجر، فليلة العقيقة هي ليلة سابع العيد على القول الأشهر. وفي ليلة ولادته صلى الله عليه وسلماضطرب إيوان كسرى عظيم فارس، وسقطت منه أربع عشرة شرفة من شرفاته، إشارة إلى ضياء ظلم الحنادس، وخمدت نار فارس التي كانوا يعبدونها من دون الله الملاك العلام، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة طبرية، لا فرق بين الخاصة منها والعامة، وأضاءت لميلاده قصور بصرى من أرض الشام، وخرت لهيبته جميع الصلبان والأصنام، وأصبح كل جبار بعد عزته ذليلا، ومنعت الشياطين من أن تسترق السمع فلن تجد بعد ذلك إلى السماء سبيلا، ونادى المنادي في الأكوان تنبيها على كرامته وتذكيرا، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِي ۤءُ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُومِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا﴾[9]. إلى غير ذلك من الإرهاصات الواضحات، والآيات البينات، الدالة على بعثته الشاهدة بنبوته ورسالته.
لما بدا وجه الحبيب تهللت |
كل البقاع وقد نطقن شكورا |
|
ورأته آمنة يسبح ساجدا |
عند الولادة إلى السماء مشيرا |
|
وانشق إيوان لكسرى جهرة |
وغدا حزينا في الأنام كسيرا |
|
طفئت به نار المجوس تذللا |
وغدا به صيب الغمام مطيرا |
|
تساقطت الأصنام عند ولادته |
وتصعَّد الكمال فيه زفيرا |
|
بشراكم يا أمة الهادي لقد |
فزتم وحزتم جنة وحريرا |
|
فضلتم حقا بأشرف مرسل |
خير البرية باديا وحضورا |
|
صلى الله عليك ربي دائما |
ما دامت الدنيا وزاد كثيرا |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
ولما ولد سيد الأنام، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام اختار الحق سبحانه له من المرضعات العشر، سيدتنا حليمة السعدية رفيعة القدر، فقدمت إلى مكة المكرمة، لتظفر برضاع الياقوتة المعظمة، وقد أجرى الحق سبحانه اللبن في ثديها جريا، بعد أن لم يكن بها لبن أصلا، فناولته الثدي الأيمن، فتغذى منه صلى الله عليه وسلم ، ثم ناولته الثدي الأيسر، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلموتركه لأخيه من الرضاع، وهو عبد الله بن الحرث، الذي كانت ترضعه حليمة قبل ذلك. وقامت بحضانه صلى الله عليه وسلم بعد آمنة أمه القرشية، سيدتنا أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية، وهي أم أسامة بن حارثة.
وشق صدره الشريف أربع مرات، كما عليه المحققون من العلماء الأثبات، قال الشيخ علي الأجهوري.
وشق صدر المصطفى وهو في |
دار بني سعد من غير مرية |
|
كشقه وهو ابن عشر ثم في |
ليلة معراج وعند البعثة |
وتوفيت سيدتنا آمنة والدة سيد المرسلين، وهو صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين، ودفنت بالأبواء، وهي قرية بين مكة المكرمة والمدينة الغراء، وقد أحيا الله سبحانه والديه صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، حتى آمنا به وهو سبحانه على كل شيء قدير، وقد بذل الحافظ جلال الدين السيوطي جهده في هذه المسألة، فألف فيها سبع مؤلفات جليلة، وكذا تكلم على هذا الموضوع كثير من الأئمة، وقام بكفالته صلى الله عليه وسلم جده عبد المطلب، ثم خلفه في كفالته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته عمه أبو طالب.
وسافر صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثلاث مرات، على المعتمد عند العلماء من مجموع الروايات، آخرها حين كان ابن خمس وعشرين سنة. وتزوج صلى الله عليه وسلم بخديجة بنت خويلد الأسدية، بعد مقدمه من الشام المرة الثالثة، بشهرين وخمسة عشر يوما، وفي السنة الخامسة والثلاثين من عمره صلى الله عليه وسلم حكمته قريش فيمن يرفع الحجر الأسعد، وحملت كل قبيلة من طرفها إلى أن أوصلوه إلى الكعبة، فحمله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، ووضعه في محله من الكعبة المنيفة.
وفي يوم الإثنين سابع عشر رمضان حين كان صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره، بعثه الله رحمة للعالمين، ثم رسولا إلى كافة الخلق أجمعين، وأول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء، قوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم اَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[10]، وبعد مرور عامين وبضعة أشهر، أنزل الله عليك قوله: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم يَآ أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ﴾[11]، وكانت الدعوة الأولى منه صلى الله عليه وسلمفي أول الأمر على جهة السر، وأول من آمن به من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، ومن النساء الحرائر خديجة بنت خويلد، ومن الصبيان على بن أبي طالب، ومن العبيد بلال، ومن الموالي زيد بن حارثة.
ثم صدع صلى الله عليه وسلم بما أمره الله تعالى به حيث أنزل عليه قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُومَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[12]، وأمر صلى الله عليه وسلمأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، في السنة الخامسة من النبوة، ودخل صلى الله عليه وسلم مع من آمن له إلى شعب أبي طالب في السنة السابعة من النبوة، وتوفي عمه صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من النبوة، وبعده بثلاثة أيام توفيت زوجته صلى الله عليه وسلم خديجة.
وأكرمه الحق سبحانه بمعجزة الإسراء والمعراج وفرض الصلاة في السنة الحادية عشرة من نبوته y.
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وكان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
ولذا أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته بأن يبتدئ التاريخ العربي الهجري من سنة قدومه صلى الله عليه وسلمإلى المدينة، وقد بنى صلى الله عليه وسلم مسجد قباء حين إقامته بها وهو المسجد الذي أسس على تقوى من الله عز وجل، كما تعالى مشيرا إليه: ﴿لَّمَسْجِدٌ اسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنَ اَوَّلِ يَوْمٍ اَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَّتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾[13].
أيا خير خلق الله فضلا ومنة |
تبارك من أولاك مجد العوالم |
|
صلاتك بالرسل الكرام إمامهم |
بليلة إسراء بيان كرائم |
|
مقام إليكم ما أنيل لغيركم |
فبشرى لنا فيه برفع جناب |
|
وإذ نحن عند الله من خير أمة |
فصلوا عليه تفتحوا كل باب |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي السنة الأولى من هجرته صلى الله عليه وسلم بنى مسجده الشريف، الذي جعل الحق فيه ضريحه المنيف.
وفي أوائل السنة الثانية من الهجرة، شُرع الأذان، للإعلام بأداء الصلاة المفروضة على كل إنسان وفي الثاني عشر من صفر من نفس السنة الثانية، أذن الله سبحانه لنبيه صلى اله عليه وسلم بقتال الكفار، وكان الأمر به تدريجيا كتحريم الخمر.
وجملة غزواته صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون غزوة، وقد حضرها صلى الله عليه وسلم بنفسه، ولم يقع القتال بالفعل إلا في تسع منها، وهي بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وحبين والطائف وفتح مكة، بناء على ما عليه الجمهور من أنها فتحت عنوة.
وجملة سراياه التي لم يحضر فيها ويقال لها بُعوث ثلاث وسبعون، فالجملة بين الغزوات والسرايا مائة.
وفي نفس السنة المذكورة وقع تحويل القبلة، من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. وفي ليلتين خلتا من شهر شعبان من نفس السنة، فرض صوم رمضان المعظم، وعَقبه أوجب الشرع الحكيم زكاة الفطر، ثم زكاة الأموال، ثم سن الحق سبحانه صلاة العيد، التي لا تخفى حكم ما ذكر على كل عاقل رشيد.
وفيها أيضا تزوج علي بن أبي طالب بفاطمة الزهراء رضي الله عنهما. وفيها أيضا بنى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلمبعائشة رضي الله عنها.
وفي السنة الثالثة من الهجرة، حرم الله سبحانه الخمر بتاتا على عباده لما في تعاطيها من الأضرار التي لا تخفى على أحد من خلقه.
وفيها أيضا تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه أم كلثوم بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلمبعد موت أختها رقية رضي الله عنهما، ولذا يلقب رضي الله عنه بذي النورين.
وفيها تزوج صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، وفيها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وفي السنة الرابعة من الهجرة، شرع الله سبحانه صلاة الخوف، ورخصة التيمم، وذلك في غزوة ذات الرقاع.
وفيها ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما.
وفيها تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها، وتوفيت له زينب بنت خزيمة، وفيها أمر صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم العبرانية، ليكتب إلى اليهود ويقرأ له ما يرد عليه صلى الله عليه وسلم من كتبهم.
وفي السنة الخامسة أبطل الحق عادة التبني السيئة، فتزوج صلى الله عليه وسلمزينب بنت جحش بنت عمته، بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة رضي الله عن الجميع. وفيها نزلت آية الحجاب، وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَّرَآءِ حِجَابٍ﴾[14].
وفي السنة السادسة، فرض الله سبحانه الحج على من استطاع إليه سبيلا، وفيها وقع صلح الحديبية، وبيعة الرضوان ومراسلة الملوك.
وفيها أيضا اتخذ صلى الله عليه وسلم الخاتم من الفضة ليطبع بها كتبه، وكانت محتوية على ثلاثة أسطر على هذا الترتيب، محمد رسول الله.
وفي السنة السابعة أسلم خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان ابن أبي طلحة، بعد أن كانوا قادة جيوش المشركين ضد الإسلام والمسلمين، وفيها كانت عمرة القضاء.
وفي السنة الثامنة وقع فتح مكة المكرمة، وبسببه دانت جموع المشركين للإسلام، وانقادت لشريعة سيد الأنام، عليه الصلاة والسلام. وكان ممن أسلم إذ ذاك أبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان وأبو قحافة والد أبي بكر رضي الله عن جميعهم.
وفيها كسر صلى الله عليه وسلم ما كان بالكعبة من الأصنام، وعددها ثلاثمائة وستون. وفيها أمر بهدم سواع والعزى ومناة وغيرها من أصنام القبائل، فأبدل الله سبحانه الكفر بالإيمان، وانتشرت شريعة سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم في كل مكان وزمان.
وفي السنة التاسعة، حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يؤذن في الناس يوم النحر أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عُريان، وأنزل الله سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُو ۤاْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾[15].
وفي السنة العاشرة بعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى الجهة العليا من جهة عدن باليمن، وبعث أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالجهة السفلى من اليمن، ليعلم كل واحد منهما الناس شريعة الإسلام وقال صلى الله عليه وسلم لهما: «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا».
وفيها حج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعلم الناس مناسك الحج، وأنزل الله عليه في عشية عرفة وهو بها يوم الجمعة، قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِينًا﴾[16].
وفيها خطب صلى الله عليه وسلم خطبته الشهيرة، المشتملة على كثير من الأحكام الإسلامية، وهي الخطبة الخالدة التي نظمت القوانين الدولية، وحققت المساواة بين الناس، وردت الحق إلى نصابه، ورفعت لواء الحق خفاقا، ورفعت من شأن المرأة بعد أن كانت ذليلة في الدول، وحددت واجبات الزوجية، على الوجه الذي يكفل سعادة الأسرة.
وفي هذه السنة توفي ابنه صلى الله عليه وسلم سيدنا إبراهيم عليه السلام. وبانتهاء السنة العاشرة تم لهجرته صلى الله عليه وسلمعشر سنوات إلا شهرين وأحد عشر يوما.
ففيها بدره تلألأ نورا |
بانتشار الدعا فكان عميما |
|
هجرته ورثته عزا ومجدا |
واستوى أمر وكان حكيما |
|
سارعوا واغنموا وصلوا جميعا |
وعليه فسلموا تسليما |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
وفي وقت الضحى الأعلى من يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة توفي صلى الله عليه وسلم وفارق الدنيا، والتحق بمولاه، واختار الرفيق الأعلى على زهرة الدنيا رغبة في رضاه، بعد أن أدى الأمانة حق أدائها، وهدى الناس إلى الصراط المستقيم، ودعاهم إلى المولى العظيم، ولاقى صلى الله عليه وسلم من أجل نشر الدعوة الإسلامية، والأحكام الشرعية، أهوالا فظيعة ومشقات، ووقف لا تأخذه في الله لومة لائم أمام تلك الملمات وسبح غير مكترث بأحد في تلك الغمرات، إلى أن صارع الحق الباطل، وأباد تلك الجحافل، فنشرت أشعة الدين الإسلامي، في هاتيك المجاهل، فذهب صلى الله عليه وسلم إلى ربه والكون بما فيه ناطق بالشكر له والثناء عليه، لأنه السبب الأقوى في تخليص العالم من الضلال والفجور، والوسيلة العظمى في تنوير الأفكار وامتلائها بالفرح والحبور، فحسنت بذلك الأحوال، وسلم الناس من الغواية في الحال والمآل، وقد شهد له صلى الله عليه وسلم العلماء الغابرون، والفلاسفة الحاضرون، صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، ومجد وعظم.
ولما علم المسلمون بوفاته وأبو بكر رضي الله عنه متغيب بالسنح وهو مكان بعيد عن مسجد المدينة المنورة بنحو ميل حيث خرج عند زوجته حبيبة بنت خارجة، وقع للصحابة رضوان الله عليهم دهش وخيم، وتحير عظيم، واضطراب جسيم، فطاشت عقولهم، واختلفت أحوالهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما هو عليه من القوة والشجاعة قد خبل فجعل يصيح ويقول، إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي، وأنه والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران لمناجاته، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم، ثم سل عمر سيفه من غمده وقال، والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفي هذا.
ولما بلغ الخبر إلى أبي بكر وهو بالسنح جاء وعيناه تهملان، وزفراته تتردد في صدره، وغصصه ترتفع كقطع الجرة، وهو في ذلك رضي الله عنه جلد العقل والمقالة، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكب عليه وكشف عن وجهه الشريف ومسحه، وقبل وجبينه، وجعل يبكي ويقول، بأبي وأمي طبت حيا وميتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة، فعظُمت عن الصفة، وجلِلت عن البكاء ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس، ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشؤون، فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وأدناف يتخالفان لا يبرحان، فاذكرنا يا محمد عند ربك، ولنكن من بالك. ثم خرج إلى الناس وهم في وهم عظيم غمراتهم، وشديد سكراتهم، فجمع الناس وخطب عليهم خطبة جلها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلمفحمد الله وأثنى عليه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه، وأشهد أن الكتاب كما نزل، وأن الدين كما شرع، وأن الحديث كما حدث، وأن القول كما قال، وأن الله هو الحق المبين، ثم قال:
“أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وإن الله قد تقدم إليكم في أمره، فلا تدعوه جزعا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ اِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَّنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَّضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾[17] وإن الله قد اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم ما هو عنده على ما عندكم، وقبضه إلى ثوابه، وخلف فيكم كتابه، وسنة نبيه، فمن أخذ بهما عرف، ومن فرق بينهما أنكر، ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى اۤ أَنفُسِكُمُ و ۤ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ﴾[18]“.
وتلقى الناس كلهم من أبي بكر رضي الله عنه خطبته، وتحققوا مقالته، وعلموا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار كل واحد منهم يتلوا ما تلاه عليهم من آية سورة آل عمران.
عند ما أنعم الحبيب دعاه |
ونعاه إلى الجنان كريما |
|
وقال يا قوم إنني لإلهي |
سأجيب الندا لربي سليما |
|
وهو في شدة يودع أنفـ |
ـاسا ويرقى إلى المعالي عظيما |
|
كشف السجف والصديق يصلي |
بجموع ترى الحبيب اليما |
|
كلهم دهدهو وتاهو وكادت |
نفسهم منهم تصير جحيما |
|
عمر سل سيفه بوعيد |
للذي لا يقول حيا مقيما |
|
أسف حل واستجابوا وطاعوا |
لنداء إذ كان حقا عميما |
|
ودع الخلق مستجيبا لحق |
واجب لم يدم وكان عليما |
|
سلموا في الختام وصلوا عليه |
ربه خصه رؤوفا رحيما[19] |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
هذا وقد أيد الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بآيات بينات، ومعجزات واضحات، وأن أعظم تلك المعجزات كتاب الله المبين، الجامع لعلوم الأولين والآخرين، مع حسن نظمه وتأليفه، وصحة معانيه وعذوبة منطقه ولفظه، وفصاحة كلماته، وبلاغة معاني آياته، ولذا عجز عن معارضته، والإتيان بأقصر سورة من سوره، العرب العرباء، والخطباء البلغاء، والشعراء والأدباء، قال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اِجْتَمَعَتِ اِلاِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اۤ أَن يَاتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾[20] يُستلذ به في الخلوات، ويُونس به في الأزمات، ولذا قال فيه منزله من السماء: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَآءٌ﴾[21]، وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما رواه الإمام مسلم «اقرؤوا القرآن، فإنه ياتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»، فهو الوحي المنـزل، والدستور المفصل.
تنـزه عن قول وفعل ونية |
كلام قديم لا يمل سامعه |
|
دليل لقلبي عند جهلي وحيرتي |
به اشتفي من كل داء ونوره |
|
ونور به قلبي وسمعي ومقلتي |
فيا رب متعني بسر حروفه |
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا أن حن الجذع لفراقه وبكى، وكلمه الضب وتضرع إليه البعير وشكى، وسجد له النجم والشجر، وسبح في كفه الشريف الحصى وسلم عليه الحجر، وانشق له نصفين متباينين القمر، ونبع الماء الطهور من بين أصابعه وانهمر، وأشبع بتكثير الطعام الجم الغفير، بعد أن كان الشيء القليل اليسير، ورُدت له الشمس بعد أفولها، ونُصر بريح الصبا وهبوبـها، وضللته من حر الشمس الغمام، وسبح براحته الكريمة الطعام، وارتقى إلى مقام لم يصل إليه جبريل ولا الخليل ولا الكليم، وجمع له بين الرؤية والتكليم، وأثنى عليه سبحانه في الذكر الحكيم، فقال منوِّها بقدره الفخيم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى ا خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[22]، وقال فيه في كتابه المبين: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[23]، وأبرأ صلى الله عليه وسلم المرضى وأصحاب العاهات، وأحيى الحق سبحانه له الموتى وشهدت له بأنه سيد السادات، وأوجب سبحانه محبته وطاعته على سائر المخلوقات، لما أسداه صلى الله عليه وسلم على الجميع من البركات، وجعل أمته خير الأمم، وأعطاها مالم يعطه لمن تأخر أو تقدم.
فوجب علينا معشر أمة سيد البشر، وأفضل من تقدم وتأخر، أن نحب هذا النبي الأكرم، والرسول المعظم الأفخم، محبة تفوق النفس والمال والبنين، والأهل والوالدين والأصدقاء أجمعين، إذ ببركته صلى الله عليه وسلمكنا أكرم الأمم، ولولاه صلى الله عليه وسلم لم تخرج الدنيا من طي العدم. أخرج الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعدما أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار“. وأخرج البخاري في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين“. وأخرج البخاري أيضا من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، فقال عمر والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر -أي الآن عرفت الحق فنطقت به-».
ويكفي في فضل هذه المحبة، أنها سبب للمعية معه صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما يشهد لذلك من الأحاديث ما يلي:
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه ، أن رجلا – وهو ذو الخويصرة اليماني الذي كان بال في المسجد– كما في رواية الدارقطني: «قال يا رسول الله متى الساعة، قال ما أعددت لها، قال لاشيء إلا أني أحب الله ورسوله، قال أنت مع من أحببت، قال أنس فما فرحْنا بشيء مثل فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت، وفي رواية الصحيح أيضا فقلنا ونحن كذلك، قال صلى الله عليه وسلم نعم قال أنس فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام ما فرحوا به، قال أنس فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم». وروى الحافظ أبو نعيم عن مسعر بن كدام عن عطية «قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما جالسا فقال له رجل يا أبا عبد الرحمان وددت أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: فكنت تصنع ماذا؟ فقال: كنت والله أومن به وأقبله بين عنيه، فقال له ابن عمر: ألا أبشرك، قال بلى يا أبا عبد الرحمن، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: ما اختلط حبي بقلب أحد فأحبني إلى حرم الله جسده على النار».
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبني كان معي في الجنة»، وقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: «إني أحبك يا رسول الله، فقال له المرء مع من أحب»، وقد كان للصحابة رضوان الله عليهم الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر من هذه المحبة الكاملة في هذا المسك الأذفر، ويكفي من ذلك قول علي بن أبي طالب كرم الله وجه لما سئل كيف كان حبكم للرسول صلى الله عليه وسلم ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وما روي عن عبد الله بن زياد أنه كان يعمل في جنة له فأتاه ابنه فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلمتوفي فقال: “اللهم أذهب بصري حتى لا أرى بعد حبيبي محمد أحدا”، فكف الله بصره.
جعلنا الله جميعا من المحبين له ولرسوله بمنه وأماتنا على ذلك، وحشرنا عليه بمخض فضله ويمنه، آمين.
ارحم اليوم مذنبا قد أتاك |
يا حبيب القلوب ما لي سواك |
|
قد أبى القلب أن يحب سواك |
أنت سؤلي ومنيتي وسروري |
|
طال شوقي متى يكون لقاك |
يا منائي وغايتي واعتمادي |
|
غير أني أريدها لأراك |
ليس سؤْلي من الجنان نعيما |
|
سيد الرسل خير من ناجاك |
أحمد المصطفى شفيع البرايا |
|
كلما حرك النسيم الأراك |
فعليه الصلاة في كل وقت |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
هذا وليعلم كل محب صادق، في جانب المصطفى الرسول الفائق، أن الله عز وجل أكرمه بأولاد كرام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، وفي عددهم بين العلماء اختلافات والأصح أنهم ثلاثة ذكور وأربعة بنات، وهم سيدنا القاسم، وسيدنا عبد الله، وسيدنا إبراهيم، وسيدتنا زينب، وسيدتنا رقية، وسيدتنا أم كلثوم، وسيدتنا فاطمة الزهراء.
فأما سيدنا القاسم فهو أول مولود ولد له صلى الله عليه وسلم ، قبل المبعث بسنتين، وعاش سنتين على ما رواه ابن سعد عن ابن جبير بن مطعم وعن قتادة، وتوفي قبل المبعث النبوي، وقيل إنه عاش حتى بلغ سن التمييز وركوب الدابة، وتوفي في الإسلام، لما رواه يونس بن بكير عن محمد بن علي بن حسين قال: كان القاسم قد بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيبة، فلما قبض قال العاصي بن وائل، لقد أصبح محمد أبتر، فنزلت: ﴿إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرِ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَبْتَرُ﴾[24]، عوضا عن مصيبتك بالقاسم، وهو أول من مات من أولاده صلى الله عليه وسلم ، وبه كان يكنى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأما سيدنا عبد الله فقد توفى صغيرا بمكة، ولم تعلم مدة حياته، ويسمى أيضا بالطيب وبالطاهر، وهو أصغر أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة.
وأما سيدنا إبراهيم، فقد ولد من مارية القبطية، في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وعق عنه صلى الله عليه وسلمفي سابع ولادته بكبشين، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة على المساكين، وتوفي وله سبعون يوما على ما رواه أبو داوود والبيهقي، فتكون وفاته سنة تسع من الهجرة، وفي يوم وفاته ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم ، وقال: «إن العين تدمع والقلب يخشع، ونقول إلى ما يرضي ربنا، وإنما على فراقك يا إبراهيم لمحزنون»، وفي يوم وفاته انكسفت الشمس فقال الناس أنما انكسفت لموت إبراهيم، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الشمس والقمر آياتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد».
وأما سيدتنا زينب فهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم اتفاقا، وعن ابن إسحاق أنها ولدت سنة ثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم ، وأدركت الإسلام، وهاجرت بعد بدر إلى المدينة وتوفيت سنة ثمان من الهجرة وتزوجت بابن خالتها وهو أبو العاصي بن هالة المسمى بلقيط، وولدت له عليا ومات صغيرا، وقد ناهز الحلم، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم فتح مكة كما ولدت له أمامة التي حملها صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح على عاتقه فكان إذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود أعادها، وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
وأما سيدتنا رقية فقد ولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم ، وعقد عليها بالتزوج عتبة بن أبي لهب، ثم فارقها من غير دخول بها، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد إسلامه وكانت بارعة الجمال، وتوفيت والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وهي ابنة عشرين سنة وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله، دفن البنات، من المكرمات».
وأما سيدتنا أم كلثوم فلا يعرف له اسم لعدم وجوده، وتعرف بكنيتها، وكان عتيبة بن أبي لهب عقد عليها، ثم لما نزلت سورة ثبت يدا أبي لهب، قال أبو لهب لوالديه عتبة وعتيبة، رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما من غير دخول بهما، وفي عتيبة بالتصغير قال النبي y: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك»، فسلط الله عليه وهو بالزرقاء من الشام أسدا، أخذ برأسه فكسره ومات على كفره، ثم تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه بها بعد وفاة أختها رقية رضي الله عنها سنة ثلاث من الهجرة، وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة.
وأما سيدتنا فاطمة الزهراء فقد وُلدت رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين من مولد والدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وسماها بفاطمة بوحي من الله تعالى له لأنه سبحانه وتعالى فطمها، ومنعها وذريتها عن النار يوم القيامة، وتزوج بها سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجه في السنة الثانية من الهجرة، وبنى بها في شوال سنة ثلاث من الهجرة، ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، ولعلي إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر، وولدت له ثلاثة أولاد ذكور وبنتين، وهم الحسن والحسين ومحسن ومات صغيرا وأم كلثوم، وتزوج بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب وتزوج بها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وترك من ذُكر ممن عدا محسنا عدة أولاد كما هو معلوم.
وكل أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم، فإنه كما تقدم من مارية القبطية إحدى سراياه صلى الله عليه وسلم.
وأما نساؤه صلى الله عليه وسلمفإحدى عشرة ست قرشيات وأربع عربيات وواحدة إسرائلية توفي منهن إثنتان في حياته صلى الله عليه وسلم. وهما خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية، وزينب بنت خزيمة الهلالية المدعوة بأم المساكين، وخلف صلى الله عليه وسلم بعده تسع نساء، وهن:
- سودة بنت زمعة العامرية، بمكة المكرمة بعد أن رجعت من الحبشة.
- عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمي، وهي إحدى المكثرين للحديث.
- حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوي، وهي الصوامة القوامة.
- أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومي، وكانت من أجمل النساء.
- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموي، وأصدقها النجاشي نيابة عنه صلى الله عليه وسلم.
- زينب بنت جحش الأسدي، وهي أول أزواجه موتا بعده صلى الله عليه وسلم.
- ميمونة بنت الحرث الهلالي، وقبرها بشرق نواحي مكة.
- جويرية بنت الحرث الخزاعي، وكانت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها بتسع أواق من ذهب فأداها صلى الله عليه وسلم وتزوجها.
- صفية بنت حُيي القرظي من نسل هارون أخي موسى عليهما السلام، وإليهن أشار الحافظ أبو الحسن المقدسي بقوله:
إليهن تعزى المكرومات وتنسب |
توفي رسول الله عن تسع نسوة |
|
وحفصة تتلوهن هند وزينب |
فعائشة ميمونة وصفية |
|
ثلاث وست ذكرهن مهذب |
جويرية مع رملة ثم سودة |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
أيها المؤمنون، الذين هم بمحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم فائزون، اعلموا أن ليلة مولده صلى الله عليه وسلمأفضل من ليلة القدر، التي أخبر الله سبحانه عنها بأنها خير من ألف شهر، ووجه صاحب المعيار هذه الأفضلية بما ينيف على عشرين وجها، كما أجاد في هذا الموضوع صاحب المواهب اللدنية وكذا العلامة ابن زكري وابن مرزوق وغيرهم من الأيمة الإعلام، فينبغي تعظيمها وإقامة الحفلات الدينية فيها، بكثرة الصلاة والسلام على الحضرة المحمدية، وإنشاد الأمداح النبوية، وغير ذلك من أعمال القربات، وأنواع البر والصدقات، كما يجب أن تجنب عن المناكر والمحرمات، وسائر المخالفات، فاستعمال المولد النبوي بدعة مستحسنة، بشرط سلامتها من كل مخالفة. وفي استعماله على هذه الصفة الممدوحة فوائد.
قال الجلال السيوطي في كتاب “الوسائل في شرح الشمائل”: “ما من بيت أو محل أو مسجد قريء فيه مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلا حفت الملائكة أهل ذلك البيت أو المحل أو المسجد، وصلت على أهل ذلك المكان، وعمهم الله بالرحمة والرضوان، ورفع الله عنه القحط والبلاء والحرق والغرق والآفات والعاهات، والبليات والنكبات والبغضاء والحسد واللصوص، وإذا مات المسلم المستعمل للمولد النبوي هوَّن الله سبحانه عليه جواب منكر ونكير” اهـ.
وقد سأل بعض مشايخ الإسلام، النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه في المنام، عما يفعله الناس في مولده الشريف، مما يدل على الفرح والسرور بمنصبه المنيف، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: «من فرح بنا فرحنا به» كما ذكره صاحب السر الرباني، في مولد النبي العدناني.
فعمل المولد أمان في ذلك العام، وبشرى عاجلة لنيل البغية والمرام، ورضي الله عن العارف بالله سيدي محمد بن يحييى بلامينو الرباطي إذ يقول:
من كان فيها النبي المفرد العلم |
يا ليلة عن كمال المجد مسفرة |
|
فليلة القدر من علاك تحترم |
فقت الليالي أنوارا ومنزلة |
|
فكان من نوره الكرسي والقلم |
أتيت بالمصطفى المختار من مضر |
|
يا ليلة لاح فيها الفضل والكرم |
لك الفخار على الليالي أجمعها |
|
ومن به رسل الرحمن قد ختموا
|
أَهدى البرية أسناها وأكرمها
|
|
وما أتى لحماه الخلق واحترموا[25] |
أُهدي إليه صلاة لا نفاذ لها |
اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى سَيِّــدِنـَا مُحَمَّدٍ الفـَـاتـِحِ لِمَا أُغـْـلِقَ،وَالخــَـاتــِـمِ لِمَا سـَـبـَـقَ، نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ، وَالهـَـادِي إلىَ صِراطِكَ المُسْـتَـَقـِـيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَــقَّ قَــدْرِهِ وَمِقْـدَارِهِ العَظِـيــمِ،
إخواني ارفعوا أيديكم معي إلى الله الكبير المتعال، امتثالا للحديث الوارد عن سيد الأرسال، الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه والترمذي وابن ماجة والحاكم في مستدركه، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، قال: «إن الله حي كريم يستحيي إذا مد العبد يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين»، فها نحن يا مولانا قد مدننا أيدينا إليك، وقصرنا آمالنا عليك ففرِّغ لنا قلوبنا من الشواغل والأغيار، وأملأها لنا بالمعارف والأسرار، وأجرنا بعفوك وجودك من النار، واغفر لنا بفضلك ما سلف من الأوزار، وأدخلنا مع السابقين الأولين إلى الجنة برحمتك يا عزيز يا غفار، فإنا معترفون على أنفسنا بأننا خالفنا أوامرك ونواهيك وتعدينا، وأفرطنا في ارتكاب المناكر العظيمة وبالغنا، وعن العمل بكتابك الذكر الحكيم أعرضنا، وعن سنة نبيك صلى الله عليه وسلم خرجنا، واستوى في هذا كله علماؤنا وجهالنا، ورجالنا ونساؤنا وأغنياؤنا وفقراؤنا، وبارزك بالذنوب الكبائر والصغائر الجميع، ونريد التوبة النصوح والإنابة فلا نستطيع. وندعوك فيما ينـزل بنا من الشدائد والأزمات والمخاوف والنكبات، فلا نزيد على الدعاء بالشفتين واللسان، وماتت قلوبنا بما ارتكبناه من العصيان، فها نحن يا أرحم الراحمين بين يديك ما بين مُقعد وكسير، وأنت أكرم وأرحم وأحلم من تجاوز عن العصاة وفك الجاني والأسير، فإنه كلما أخرسنا لُؤمنا أنطقنا كرمك، وكلما أيستنا أوصافنا، أطعمتنا مِنَنك، فنحن عبيدك المذنبون، وفقراؤك المسيئون، وما للعبد مَنٌّ وإن عصا محيد عن باب مولاه، فاغفر ذنوبنا يا يجيب دعاء المضطر إذا دعاه، وإنا ضعفاء فقراء أذلاء بؤساء، وأحوج الناس إلى مغفرتك الضعيف والبئيس والفقير، وإنا عالمون يقينا بأنك على مغفرة ذنوبنا وإن عظمت لقدير، وقد روينا عن نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن سيدنا جبريل عليه السلام عنك يا مولانا تنـزهت ذاتك، وتقدست أسماؤك وصفاتك، أنك قلت وقولك الحق، «من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي».
إلهنا إننا ندعوك بما دعاك به نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال كما رواه الترمذي ومحمد بن نصر والطبراني والبيهقي في الدعوات عن ابن عباس رضي الله عنهما: «اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد به ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيمانا ويقينا ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك الفوز في القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء. اللهم إني أُنزل بك حاجتي، فإن قصر رأيي، وضعف عملي، افتقرت إلى رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور، ويا شافي الصدور، كما تجير بين البحور، أن تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور. اللهم ما قصر عنه رأيي، ولم تبلغه نيتي، ولم تبلغه مسألتي، من خير وعدْتَه أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك، فإني أرغب إليك فيه، وأسألك برحمتك يا رب العالمين».
اللهم يا ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، الركع والسجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود،وأنك تفعل ما تريد.
اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضللين، سلْما لأوليائك، وعدوا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.
اللهم هذا الدعاء، وعليك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان.
اللهم اجعل لي نورا في قلبي، ونورا في قبري، ونورا بين يدي، ونورا من خلفي، ونورا عن يميني، ونورا عن شمالي، ونورا من فوقي، ونورا من تحتي، ونورا في سمعي، ونورا في بصري، ونورا في شعري، ونورا في بشري، ونورا في لحمي، ونورا في دمي، ونورا في عظمي.
اللهم أعظم لي نورا، وأعطني نورا، واجعل لي نورا، سبحان الذي تعطف بالعز وقال به، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي المجد والكرم، سبحان ذي الجلال والإكرام.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقلوبنا وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قابلين لها، وأتمها علينا.
اللهم انصر سلطاننا، وأيد ديننا وانصر سائر ملوك ورؤساء المسلمين، على أعدائهم الظالمين، وحرر سائر الأراضي المستعمرة من يد أعدائك الكافرين، ووحد كلمة المؤمنين، على جمع شمل الدين.
اللهم إنا دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، فإنك أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر وترحمنا لنكونن من الخاسرين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
******************
كتبه جامعه مختصرا له من المولد النبوي المسمى
بـ “الإسعاد الفائق بمولد خير الخلائق”
مسميا لهذا الاختصار
“شفاء الآلام بذكر ولادة الرسول الأعظم عليه السلام“
في يوم الأربعاء 7 ربيع المولد النبوي عام 1377 هجرية الموافق 2 أكتوبر سنة 1957
عبيد ربه وأسير ذنبه إدريس بن محمد العابد الحسيني العراقي
أمنه الله في هذه الدار ودار التلاقي
آمين.
*******************
بيان محتويات كتاب “شفاء الآلام”
- خطبة المولد التي يفتتح بها.
- ما خلق الله سبحانه الكون كله إلا من أجل الرسول الأعظم y.
- دليل كون الأشياء مخلوقة من أجله صلى الله عليه وسلممن الكتاب والسنة.
- أصل المخلوقات نور المصطفى y.
- توسل كثير من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام به صلى الله عليه وسلمودليل ذلك.
- بيان نسبه صلى الله عليه وسلممن جهة أبيه وأمه وما خصه الله تعالى به.
- أصل تكوين نطفة الرسول صلى الله عليه وسلموما آلت إليه حتى تكون y.
- كيفية تزويج عبد الله بآمنة وقدر الصداق الذي جعل لها وحمل آمنة به y.
- ما وقع لآمنة في شهور حملها بمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلممن المزايا والإرهاصات.
- وفاة والده صلى الله عليه وسلموحكمة يتمه وما أودع الحق سبحانه فيه من المزايا والخصائص.
- قصة والدته صلى الله عليه وسلموبيان من حضر لها من الملائكة ومن النساء.
- مطلوبية القيام عند تعداد معجزاته ودليل هذه المطلوبية.
- عدد السلام عليه صلى الله عليه وسلمحال القيام وحكمة ذلك.
- عجائب ولادته صلى الله عليه وسلممن خروج النور معه وإضاءة قصور الشام به وغير ذلك.
- تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلمباليوم والشهر وبعض ما وقع لإيوان كسرى ونار فارس.
- مرضعاته صلى الله عليه وسلموحاضنته وعدد مرات شق صدره وتاريخ وفاة والدته.
- دليل إحياء الله تعالى لأبويه صلى الله عليه وسلمحتى آمنا به وعدد رحلاته إلى الشام وبعثته.
- أول من آمن به ودخوله إلى شعب أبي طالب وتاريخ معجزة الإسراء والمعراج وهجرته للمدينة.
- ما قام به صلى الله عليه وسلمفي المدينة من السنة الأولى إلى السنة الثالثة من الهجرة.
- ما كان منه صلى الله عليه وسلممن السنة الرابعة إلى السادسة من الهجرة.
- ما حدث من السنة السابعة إلى السنة العاشرة من الهجرة.
- حجة الوداع وبعض ما اشتملت عليه خطبته صلى الله عليه وسلمفيها من الأحكام.
- وفاته صلى الله عليه وسلموما قام به أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
- أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلمالقرآن وما أودعه الله تعالى فيه.
- ذكر الكثير من معجزاته صلى الله عليه وسلمالتي أيده الله تعالى فيه
- وجوب محبته صلى الله عليه وسلموتقديمها على محبة كل شيء.
- فضل محبته صلى الله عليه وسلموما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم فيها.
- عدد أولاده صلى الله عليه وسلمذكورا وإناثا.
- عدد أزواجه صلى الله عليه وسلمومن توفي منهن في حياته ومن توفي منهن بعد وفاته.
- فضل ليلة مولده صلى الله عليه وسلموبعض استعمال المولد النبوي الشرعي.
- الدعاء إلى الله تعالى بنيل المطالب الدنيوية والأخروية.
الهوامش:
[1] – الأنبياء: 107
[2] – الأعراف: 172
[3] – هود: 7
[4] – آل عمران: 81
[5] ـ الشعراء: 219
[6] ـ النيسابوري بفتح النون نسبة إلى نيسابور أشهر مدن خراسان قاله الزرقاني.
[7]ـ عدد السلام عليه صلى الله عليه وسلم هنا أربعة وعشرون على عدد كلما صلاة الفاتح لما أغلق وينبغي للقارئ والمستمع لها أن يكون واقفا على قدميه متأدبا بين يديه صلى الله عليه وسلمإجلالا وتعظيما له فإنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره كسائر الأنبياء والرسل والشهداء، وانظر في الأصل وهو “الإسعاد الفائق بمولد خير الخلائق”، الأدلة كافية في مطلوبية القيام من السنة والقياس وعمل السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم ويكفي من ذلك حديث أبي دواود والترمذي والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه بنته فاطمة قام لها وقبلها وأجلسها في مجلسه.
[8] ـ المائدة: 15 – 16
[9] ـ الأحزاب: 45 ـ 46 ـ 47
[10] ـ العلق: 1 ـ 4
[11] ـ المدثر: 1 ـ 4
[12] ـ الحجر: 94
[13] ـ التوبة: 108
[14] ـ الأحزاب: 53. أقسام الحجاب ثلاثة أنظرها مفصلة في الأصل الذي هو الإسعاد الفائق
[15] ـ التوبة: 28
[16] ـ المائدة:3
[17]ـ آل عمران: 144
[18]ـ النساء: 135
[19]– انظر في الأصل وهو الإسعاد الفائق ما خلفه صلى الله عليه وسلمبعد وفاته من تركاته وزوجاته وسرياته، وما كان له صلى الله عليه وسلممن أولاد وبنات وأخوات وعمات، وما كان عليه صلى الله عليه وسلممن الخلق والخلق وغير ذلك.
[20] – الاسراء: 88
[21] – فصلت: 44
[22] ـ القلم: 4
[23] ـ الأنبياء: 107
[24] – الكوثر: 1 ـ 4
[25] ـ انظره في الأصل وهو الاسعاد الفائق، بمولد خير الخلائق، الكلام بتوسع على فضل ليلة المولد وتعظيم يومه وعلى تاريخ حدوث استعمال المولد شرقا وغربا وما فيه من الخير العميم، والفضل الجسيم، بشرط سلامته من البدع والمنكرات المنهى عنها شرعا وطبعا.