الخطبمقالات

صراع الأجيال و كيفية التعامل معه

 

 صراع الأجيال و كيفية التعامل معه

الخطبة الأولى:

*الحمد لله رب العالمين، * و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الأنبياء و المرسلين  * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،   * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله  و مصطفاه من خلقه و خليله، ف صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم  وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .* أما بعد، عباد الله: * حديثنا اليوم عن موضوع يؤرق الآباء و الأمهات و الأبناء و البنات أيضا على السواء في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى، إنه موضوع كيفية التعامل مع الأبناء في عالم جديد له مؤثراته القوية التي تختطف منا أبناءنا و تستلبهم حتى لقد نحس أنهم غرباء عنا، فنتساءل كيف نطبق قاعدة:[لاعب ولدك سبعاً ثم أدبه سبعاً ثم صاحبه سبعاً] نعم نتساءل كيف نعمل بقوله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)] [التحريم:6]أي علموهم  من طاعة الله ما يقون به أنفُسَهم من عذاب الله، كيف نتحقق بتربيتهم على الأخلاق الفاضلة التي بُعث النبي ﷺ ليتممها فقد قال ﷺ:” إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ” (رواه أحمدعن أبي هريرة رضي الله عنه) فالإسلام لا يرضى ولا يقبل بأن تُنتَقَص الأخلاقُ ولا تتجزأ ولا أن تختزل في أي زمن من الأزمان ولا في أي جيل من الأجيال، كيف ذلك ونحن كثيرا ما نسمع الناس يتحدثون عن هذا الجيل الشبابي فيقولون إنه جيلٌ “جَحُود” لا يعترف بالجميل لمن أسدى إليه المعروف، و”عديمُ المسؤولية” و”جشِعٌ لا يشبع من المطالبة بشراء الأشياء”، و”كسول لا يحب تحمل أية مسؤولية”، ومستهتر لا يبالي بعواقب تصرفاته، و لا يقبل المحاسبة عليها الخ، و الخلاصة: أن نظرة الكبار إليه أنه جيل لا يحترم القيم و العادات    و التقاليد، ومع أنه قليل الخبرة فهولا يحترم الكبار ذوي الخبرة. للأسف هكذا يرى كثير من الناس الأكبر سنًا جيلَ الشباب. بينما نجد الشباب بالمقابل يردون للكبار الضربة باتهامهم بـأنهم جيل:”ضيِّقُ الأفـُق، وجيلُ التقليد والمحاكاة، و جيل الصرامة و الشدة والرتابة والملل”. فتتمثَّل النتيجة في حياةٍ أسرية صعبة، وهو ما ينعكس على المجتمع بأكمله نعم أيها المؤمنون: إن صراعات الأجيال ليست بالشيء الجديد، فكلنا قد مرَّ بها سواء مع الأسرة أو مع الأقارب أو حتى مع المعلمين أو المعلمات. إن الاختلاف في الآراء بين البشر من مختلف الفئات العُمُرية أمرٌ طبيعي. ولكن، هل نتصور مدى صعوبة الحياة الأسرية عندما تزداد هذه الاختلافات أكثر من اللازم؟ وعندما يصبح التفاهم المتبادل بين الأشخاص بمثابة عملةٍ نادرة؟ جميعُنا في بلدنا لدينا فكرة عن طبيعة الخلافات التي تنشأ بين الأهل والأبناء. سواءً في الشارع أو في الأسواق الكبرى أو حتى في الشقق المجاورة، ما من مكان هنا وهناك إلا و تتعالى فيه الأصوات ما بين صياحٍ وإهانات، في داخل البيت أو خارجَه، في المؤسسة التعليمية أو خارجها، بل أصبحت الأسر التي تعيش في سلام ولا يعلو صوتها يوميًا بمثابة ظاهرةٍ فريدة من نوعهامعاشر الإخوة المؤمنين: لو دققنا النظر في سنوات مختلفة، يعكس كلٌ منها جيلًا من الأجيال الثلاثة: الأجداد والآباء والأحفاد الشباب. فعلى سبيل المثال، لنقارن الأحوال بين سنة 1957 و1987 و2017. على الرغم من تعدد أوجه المقارنة بين السنوات الثلاثة، فلو اكتفينا بتسليط الضوء على أبرز الوجوه: مثلا الإعلام. فسنجد جيلا كانت مصادر الأخبار المتعارف عليها في وقته هي الصحف المحلية والبرامج الإذاعية، فلم يكن بمقدور الناس جميعا شراء تلفزيون أبيض وأسود حينذاك. ثم  جاء جيل لما أصبحت التلفزيونات الملونة رائجة و لها تأثيرها سلبا و إيجابا على الفكر و الأخلاق، ولم يكن قد آن أوان أجهزة الكمبيوتر بعد. أما  جيل الألفية الثالثة، فأبرز ما يتميز به عهدُه هو اختراع الإنترنت وانتشاره و انتشار وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة المتنوعة. بعد أن طرحت “الشبكة العالمية مصطلح العولمة”وأصبح العالم من خلال الإنترنت عند أطراف أصابعنا، بل بالأحرى على شاشاتنا مباشرة. بينما كان مفهوم “العالم كله” بالنسبة لأجدادنا وآبائنا يقتصر على مساقط رؤوسهم فحسب أو ما حولها .

نسمع اليوم كثيراً من الآباء يرددون هذه العبارة على مسامع أولادهم      و بناتهم:  أنت لا تعرف مصلحتك، لا زلت صغيرًا، لذا عليك أن تسمع كلامي” يغفلون عندما يرددونها أن هذا الجيل وُلد بأعين مفتوحة و آذان مفتوحة بدون حدود بخلاف واقعنا نحن أيام وُلدنا، نريد منهم البقاء في المنزل للمذاكرة و الدراسة و الحفظ يوميًا كما فعلنا، نريد منهم أن يرموا الهواتف النقالة جانبا لأنهم أصبحوا مدمنين عليها، بينما أحيانا نحن أنفسنا أصبحنا كذلك و لا نعطيهم من وقتنا إلا القليل المتثل في إعطاء الأوامر و الأوامر و الزجر و التهديد، بينما الواجب تشجيعهم الآن على استكشاف العالم الذي هجم عليهم. ويشتكي الأبناء من آبائهم قائلين:”يحبنا آباؤنا حين نفعل الصواب فقط.” ويقول بعضهم: “كثيرًا ما أشعر بالخوف من أبي وأمي”،ويقول:”ينبغي لآباءنا أن يسمحوا لنا بارتكاب الأخطاء وأن يتوقَّفوا عن انتقادنا باستمرار”. هكذا شعور العديد من الأبناء،لأن الآباء اليوم غالبًا ما يقابلون أخطاء أبنائهم بعدوانية لفظية وجسدية. ما من شك أن الآباء يحبون أبناءهم حتى وإن ارتكبوا الأخطاء، ولكنهم ينسون أنه ينبغي التعبير عن حبهم وإظهاره لهم. عندما يهملون ذلك تنشأ فجوةٌ بين الآباء والأبناء، و يلتمس الأبناء المشورة مع الأغراب لا مع آبائهم، ثم يشتكي الآباء أن أبناءهم لم يعودوا يخبرونهم بشيء، وبدلًا من أن يتناقشوا معهم لحل المشكلة بهدوء، يصبح الآباء متشككين وبالتالي أكثر عدوانية، لتبدأ القصة برُمّتها من جديد وكأنهم يدورون في حلقةٍ مفرغة.  ثم كثيرا ما يُمارسُ الضغط النفسي بطريقة غير إنسانية باستمرار على الأبناء ليحصلوا على مؤهلاتٍ تخولُ لهم الدخول لمعاهد عليا أو كليات  كالهندسة و الطب و الاقتصاد و غيرها مما يجعل حياتهم كالجحيم، و يفكرون متى يغادرون البيت إلى غيرة رجعة ليرتاحوا من هذا الضغط. فاعقلوا عباد الله و”لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم“. نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين . سبحان ربك رب العزة  عما يصفون، و سلام على المرسلين  و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد 

عباد الله: اعلموا أن (رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار)، و احذروا من انفلات الزمام فكلنا (راع و كلنا مسؤول عن رعيته) ولكن علينا باللين و الرفق، و تعويد الأبناء الصراحة و الشعور بالأمان عند البوح بها حتى لا يلجئوا إلى الكذب و الكتمان، و حتى يتخذوننا أصحابا ليس في أيدينا سلطة العقاب وحده، و ادعوا ربكم قائلين (ربنا هب لنا ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) و قائلين( ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين أعين و اجعلنا للمتقين إماما) ونقول للآباء و الأبناء معا اذكروا قول الله سبحانه في سورة الأحقاف:(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) هذا و استعينوا على  أموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات  و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به  و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم  و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.

(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)

( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)

( ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)

( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 

 الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى رحمته :” ذ سعيد منقار بنيس”
خطيب  بمسجد ” الرضوان ” لافيليت ” عين البرجة الدار البيضاء
 أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية
التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي للتعليم الثانوي مادة التربية الاسلامية ـ متقاعدـ
البريد الالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى