الخطبمقالات

علاجات ربانية للهموم و الغموم 

 

  علاجات ربانية للهموم و الغموم 

*الحمد لله رب العالمين* والصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد.  * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،  * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله  و مصطفاه من خلقه و خليله صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه واستمسك بهديه   إلى يوم الدين .

* أما بعد، فياعباد الله، لا يخفى عليكم أن الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحان، ومن طبيعتها الهمومُ والغمومُ والأحزان، و كلنا ذلك الانسان الذي لا يخلو حاله  من هم أو غم أو كرب ينزل به بسبب الأمراض والشدائد والمصائب والمُكَدِّرات للبال، وقد أخبرنا الله في كتابه أن الجنة فقط هي التي تميزت عن الدنيا بأنها ليس فيها همٌّ ولا غم؛ فقال سبحانه: ﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 48]، وأن من دخلها لا يتكدرُ خاطرُه أبدا فقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]، لكن طبيعة الحياة الدنيا أن يواجه الإنسانُ فيها  النكد و عدم الصفاء كما قال عز وجل: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، فلا يخلو الإنسانُ من حُزنٍ على  ماضٍ فات و لن يعود، ، ومن همٍّ بالمستقبَل المجهولة عواقبه، أو غمٍّ في الحال الحاضر بظروفه و ملابساته المتنوعة؛ وقد جعل اللهُ تعالى برحمته لنا ـ معاشر المؤمنين ـ علاجاتٍ وأدويةً ربانيةً للهموم والغموم والأحزان ـ واقعة أو متوقعة، علينا الأخذُ بها والاستفادَة منها،  :

 1- ـ منها العملُ بقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، ومنها الاستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم:  (عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سرَّاءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له)(رواه البخاري في صحيحه)

2- ـ ثم الاعتقاد بأن غُموم الدنيا وهُمومها مكفرات لذنوب المسلم وتَمحِيصٌ  لما في قلبَه ورفعُ لدرجاتِه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ). (رواه البخاري في صحيحه)

 ـ3ـ و مما يساعد على علاج هموم الدنيا: معرفةُ أنها فانية وأن متاعَها قليل وما فيها من لذة فلن تخلو من كدرٍ فلا تصفو لأحد، ، ولذلك فالخــروج

من الدنيا راحة للمؤمن، فعن أبي قتادة رِبْعيِّ الأنصاري أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: (مُستريحٌ ومُستراحٌ منه)، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، مَن المستريحُ والمستراحُ منه؟ فقال: (العبدُ المؤمنُ يستريحُ مِن نصَبِ الدُّنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ، والمستراحُ منه العبدُ الفاجرُ، يستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ).( ابن حبان في صحيحه)

ـ4ـ ومما  يعين على علاج الهموم: التأسِّي بالرُّسل والصالحين واتخاذُهم مثلًا وقدوةً: فقد كانوا ـ و هم خير الناس و أفضلهم و أعلاهم منزلة عند ربهم ـ أشدُّ الناس بلاءً في الدنيا والمرءُ يُبتلى على قدر دينه، والله إذا أحبَّ عبدًا ابتلاه، فعن سعدٍ قال: قلتُ: يا رسولَ الله أيُّ النَّاس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، فيُبتلَى الرَّجلُ على حَسَبِ دينهِ، فإنْ كان دينُهُ صَلبًا اشتدَّ بلاؤهُ، وإن كان في دينِهِ رِقَّةٌ ابتُليَ على حسْبِ دينهِ، فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يتركَهُ يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ).(سنن الترمذي)

5-  ـ ومن أنفع العلاجات الربانية الصلاة، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة 45]، فعن حذيفةَ رضي الله عنه قالَ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حزبَهُ أمرٌ صَلَّى)( سنن أبي داود)، وكذلك الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فبها تفرج الكروب و تُكفى الهموم و تغفر الذنوب.

6ـ ومن علاج الهموم التوكلُ على الله – عز وجل – وتفويضُ الأمر إليه:قال تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فالمتوكل على الله قويُّ القلب بالله، يعلمُ أن اللهَ قد تكفَّلَ لمن توكَّلَ عليه بالكفاية التامة، ويثقُ بالله ويطمئنُ لِوَعْدِه فيزولَ – بأمر الله – همُّهُ وقلقُه ويتبدلَ عُسرُهُ يُسرًا وترَحُهُ مرَحًا وخوفُه أمنًا.

7-  ومن العلاج النافع للمهموم : أن يجعل العبدُ الآخرةَ همَّه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل اللهُ غِنَاهُ في قلبِه وجَمَع له شَمْلَه، وأَتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومَن كانت الدنيا هَمَّه، جعل اللهُ فقرَه بين عَيْنَيْهِ، وفَرَّق عليه شَمْلَه، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له) (سنن الترمذي) 

8- ومن علاج الهموم و الغموم أن يعلم المهمومُ والمغمومُ أنَّ بَعْدَ العُسر يُسرًا، وأن بعد الضيق فَرَجًا،  كيف لا و  قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: (واعْلمْ أنَّ النصرَ مع الصبر، وأنَّ الفرَج مع الكرْب وأن مع العُسر يُسرًا). ( جامع العلوم و الحكم لابن رجب الحنبلي)

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .

سبحان ربك رب العزة  عما يصفون ،و سلام على المرسلين  و الحمد لله رب العالمين

 

 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد 

    ولنعلم عباد الله أن من علاج الهموم: الإكثار من الدعاء و هو نوعان دعاء وقاية، ودعاء علاج، فأما الوقاية: فهو اللجوء إلى الله تعالى          و التضرع إليه بأن يعيذَه من الهُموم ويباعدَ بينه وبينها، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام(اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكسَلِ،والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ،وغَلبةِ الرِّجالِ)،(رواه البخاري) وهذا الدعاء مفيدٌ بأمر الله لدفع الهم قبل وقوعه، وأما ما ينفع في ملاحظة مستقبِل الأمور فالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به، فعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اللهمَّ أَصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمةُ أمري، وأَصلِحْ لي دنياي التي فيها معاشي، وأَصلِحْ لي آخرَتي التي فيها مَعادي، واجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ)،( أخرجه مسلم)، لكن إذا وقع الهمُّ، وألَمَّ بالمرء الغم ، فبابُ الدعاء مفتوحٌ غيرُ مُغلَق، والكريمُ سبحانه إن طُرِق بابُه وسُئِل، أُعطى وأجاب، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمِّ والغمِّ، الدعاءُ العظيمُ المشهورُ الذي حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ منْ سمِعَه أن يتعلَّمَه ويحفظَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وحزنَه، وأبدلَه مكانَه فرجًا، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها).(اخرجه احمد وابن حبان و الطبراني) ومن الادعية النبوية بشأن الغم والهم والكرب: – أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ عند الكربِ: “لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيمُ، لا إله إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريمُ” ، وعن أنس رضي الله عنه قال: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كربَهُ أمرٌ قالَ: يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِكَ أستغيثُ)، وعن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله (ألا أُعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب؟! اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِك بهِ شيئًا)، ومن الأدعية النافعة في هذا الباب أيضًا ما علَّمه رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم لأمته بقوله: (دعواتُ المكروبِ: اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ) (رواه ابوداود)

و استعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله  و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به  و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم  و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم  و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.

(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)

( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)

(ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)

( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 

 الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة

القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني 

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى