أسس التربية الروحية عند الشيخ سيدي أحمد التجاني
انطلاقا من قوله تعالى : “و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين”. صدق الله العظيم.
إعداد : مولاي الحسن طالبي.
بسم الله الرحمان الرحيم و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و آله و صحبه .
نغتنم هذه الفرصة لنتحدث عن الشيخ سيدي أحمد التجاني وأسس طريقته انطلاقا من قوله تعالى :” و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا و قال إنني من المسلمين ” فأقول :
أولا : التعريف بسيدي أحمد التجاني
1 نسبه :
هو العالم الشهير والغوث الكبير الشريف العفيف أبو العباس سيدي أحمد بن سيدي محمد الملقب بأبي عمر بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن العبد بن سالم بن أحمد الملقب بالعلواني بن أحمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد الجبار بن إدريس بن إسحاق بن زين العابدين بن أحمد بن محمد الملقب بالنفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بن سيدتنا فاطمة بنت سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لد رضي الله عنه سنة ألف و مائة و خمسين من الهجرة الشريفة النبوية ، و قد رمز بعض أصحابه لميلاده بحساب الجمل ب”مولد الختم” .
توفي والداه في يوم واحد سنة ألف ومائة و ست و ستين من الهجرة ، و نشأ رحمه الله محبا في العلم ، حفظ القرآن في سن مبكرة ثم اشتغل بتلقي العلوم فكان يحفظ الصحيحين و رسالة ابن أبي زيد القيرواني ومختصر خليل في الفقه وغيرها ، فترأس رضي الله عنه في العلوم ودرس وأفتى و هو صغير السن ، و كان شديد التمسك بالسنة المطهرة متأدبا بآدابها شديد الحياء ، زاهدا في الدنيا ، لا يميل إلى اتباع الرخص بل كان دائم الاحتياط آخذا بحديث ” فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه” .
ولما بلغ رضي الله عنه سن الواحدة و العشرين اشتاقت نفسه لاتباع طريق السادة الصوفية ، فبحث عن أهل الله واجتمع مع أقطاب زمانه ، وفي سنة ألف ومائة و ستة و ثمانين توجه لحج بيت الله الحرام و زيارة قبر النبي المصطفى عليه السلام . و صار يبحث في طريقه عن أهل الله كما هي عادته ، فكان ممن لقيه بمصر سيدي محمود الكردي ، فحين وقع نظر سيدي محمود هذا عليه قال له .” أنت محبوب لله في الدنيا و الآخرة ” ، والتقى في مكة المكرمة بسيدي أحمد بن عبد الله الهندي ، وفي المدينة المنورة التقى مع القطب سيدي محمد بن عبد الكريم السمان ، ولم يزل رضي الله عنه ينهل من كل منهل عذب فرات و يتلقى عن الأكابر والتفات إلى سنة ألف ومائة وستة وتسعين . ففتح الله عليه وتلقى ورده الخاص به و بطريقته وأتمه سنة ألف و مائتين ، و هو الذي أخذه عنه الناس إلى يومنا هذا .
وبعد هذه الجولة التي جاب فيها الأقطار والبلدان ، لم يستقر به المقام في أي مكان فدخل حضرة فاس المحمية التي هي بكل خير وكرامة موصولة وبكل عز وسعادة منوطة ومحفوفة ، فدخلها في السادس من ربيع الثاني عام ألف ومائتين و ثلاثة عشر . فلقي السلطان الأعظم ، عالم الأمراء وأمير العلماء أبا الربيع مولانا سليمان بن السلطان مولانا محمد بن السلطان مولانا عبد الله بن السلطان مولانا إسماعيل رحمهم الله و قدس اسرارهم ، فرحب به و سهل ، و نوه بقدره و بجل ، وأنفذ له الدار المعروفة بدار المراية ، وهي التي تفضل مولانا أمير المؤمنين بإعادة بنائها واصلاحها . و كان يحضره رضي الله عنه في مجالسه الخاصة ، فوجد عنده نشدته والتمس لديه ضالته ، فقد كان مولانا السلطان يراسل بعض علماء المشرق باحثا عما يسهل له طريقة المعرفة الوهبية بعد أن استبحر في المعرفة الكسبية ، وكان يعجبه فهم الشيخ في التفسير وطريقته في تقابل الأدلة النقلية والعقلية ، وفي هذه السنة أمر الشيخ تلميذه سيدي الحاج علي حرازم برادة بجمع كتاب جواهر المعاني وترتيب فصوله وتهذيب مسائله و تأسيس قواعده ، فشرع فيه بفاس أوائل شعبان الأبرك وفرغ منه أواسط ذي القعدة الحرام من السنة الموالية ، و أحضره بين يدي الشيخ في مسجد الديوان فتصفحه من أوله إلى آخره و أجازه فيه .
2 وفاته :
وقد مكت رحمه الله بفاس إلى أن لقي ربه في صبح يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة ألف ومائتين وثلاثين من الهجرة بعد أن صلى الصبح ثم اضطجع على جنبه الأيمن و طلب ماء فشرب منه ثم عاد إلى اضطجاعه فصعدت روحه الكريمة إلى محلها الأقدس . و دفن بفاس بالمكان الذي أسس به زاويته و هو المعروف بالدرداس و عمره ثمانون سنة .
3 طريقته :
للحديث عن طريقة الشيخ التجاني وأسسها نعود إلى الآية منطلق الدرس وهي قوله تعالى :” و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا و قال إنني من المسلمين ” وهي الآية الثالثة و الثلاثون من سورة فصلت المكية ، فنجد الآية تجعل المزية في ثلاثة أمور :
أولا : الاهتمام بأمر المسلمين عامة بدعوتهم إلى ما فيه صلاحهم .
ثانيا : الاعتناء بإصلاح النفس بأن يكون نفع الانسان لنفسه لازما ولغيره متعديا يأمر بالخير و يترك الشر و يدعو الناس إلى ذلك .
ثالثا : التسليم في ما بينه و بين الله و في ما بينه و بين نفسه وفي ما بينه وبين الناس ، و لهذا قال سبحانه :” و قال إنني من المسلمين ” . روي عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال : “هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الله إلى الله ، أجاب الله دعوته ودعا الناس إلى دعوته وعمل صالحا في إجابته و قال إنني من المسلمين ، هذا خليفة الله ” . وذهب ابن العربي في الأحكام إلى أن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهو أصح مما ذهب إليه من قال إنها نزلت في المؤذنين ، لأن الآية مكية والأذان شرع في المدينة . وروي عن قتادة أنه تلا هذه الآية فقال هذا صدق قوله عمله ومولجه مخرجه وسره علانيته وشاهده مغيبه . قال الطبري : و قال إنني من المسلمين ، يقول : ” إنني ممن خضع لله بطاعته وذل له بالعبودة وخشع له بالإيمان بوحدانيته ” . وانطلاقا من هذه الآية عمل جل أهل الله على المساهمة في إصلاح المجتمع بالعناية أولا بإصلاح الذات ملتزمين الاستقامة والتقوى والامتثال لشرع الله واقفين عند أوامره ونواهيه ، لا يتعدونه إلى غيره ، حاملين المحبة لغيرهم ، يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم ، دالين على الله دلالة الجمال والجلال . والدعوة إلى الله إذا كانت مبنية على المحبة يرافقها اللين والرحمة والرفق بالعباد والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن فمراد الله في عباده أن يعرفوه ثم يعبدوه ثم يشكروه على ما أظهر عليهم من فضله . و إذا بنيت الدعوة على العمل الصالح و المحبة الصادقة وسلامة الصدور مع التسليم لمراد الله والتسليم لأهل العلم في معارفهم و لولاة الأمور في ما ولوا ولعامة المسلمين في صدق نواياهم وحملهم على محامل الخير قبل محامل الشر وحسن الظن الذي ما فوقه خصلة فإن النتيجة تكون بناء مجتمع متسامح متضامن متكافل متماسك ، يمثل الصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله : ” مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ” و قوله :” المومن للمومن كالبنيان يشد بعضه بعضا ” . و بناء على هذه الآية و غيرها من الآيات و الأحاديث الدالة على الارشاد السليم والتوجيه الصحيح بنى الشيخ التجاني رضي الله عنه طريقته على خمسة أصول عامة :
- الأصل الأول : العلم بالشريعة :
- الأصل الثاني : العمل بالشريعة :
- الأصل الثالث : شكر الوسائط و التأدب معهم :
- الأصل الرابع : الاخلاص في التوجه :
- الأصل الخامس : التسليم و الرضا :
وهو ما أخذ به نفسه و دعا إليه أتباعه من العناية بالقرآن الكريم حفظا وفهما و دراسة ، والعناية بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أسانيد ومتونا ، واستنباطا للأحكام منهما بطرق أهل الفن اجتهادا واستحسانا و استصحابا ومراعاة للعرف والمصالح المرسلة ودفعا للمشقة إلى غير ذلك . و قد قال لأصحابه مقالته الشهيرة :” إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه ” ؟ أجاب العلامة الإفراني من سأله عن هذا الكلام بقوله : ” نعم ، هذا كلام صحيح ، و لكن أخشى أن لا تكون عندك الصنوج ” ، وهي مقاييس الوزن ، فلا يصح الوزن بميزان الشريعة إلا لمن بلغ رتبة الاجتهاد بدراسة أصول الشريعة ومقاصدها وآلاتها ، وقد نشر رحمه الله طريقته بمدينة العلم وبلد العلم . و سلم لها كبار العلماء وانخرط فيها العديد منهم ، ذكر منهم سيدي محمد الحجوجي نحو أربع مائة و ثلاثة وثلاثين عالما في كتابه ” إتحاف أهل المراتب العرفانية ” في ثمانية أجزاء . و كذلك ذكرهم العلامة سيدي أحمد بن العياشي سكيرج في كتابيه ” كشف الحجاب ” و ” رفع النقاب ” .
أي تطبيق المعرفة إلى عمل بالجوارح والقلب ، في المعتقدات والعبادات والمعاملات والوقوف مع آداب الشريعة في المحسنات والعادات. فكان الشيخ رضي الله عنه يلزم من أراد الدخول في طريقته المحافظة على الصلوات الخمس على الوجه الأتم من طهارة كاملة واركان تامة و حضور الجماعة والمحافظة على الوقت وعلى الرواتب وقيام الليل حتى قال رضي الله عنه لمن قال له ” أنا لا استطيع أن أصلي قبل الفجر ركعتين ” : ” دع سبحتنا فأنت لا تصلح لطريقتنا ” . وكان وقافا عند حدود الشريعة لا يتعداها أبدا ، متورعا عن الشبهات، ما ترك شيئا لله ثم عاد إليه .، مكثرا من الصدقات و التبرعات . قال في الإراءة : ” فأهل هذه الطريقة هم الذين امتثلوا الأوامر الشرعية على وجهها ، و اجتنبوا مناهيه على وجهها ، فيجب عليهم الوقوف عند حد الشريعة كما أوقف الله مقامهم على مقام شيخهم و نبيهم صلى الله عليه و سلم ” .
قال في الجواهر :” و سألته رضي الله عنه عن معنى قوله تعالى ” يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة ” فأجاب بقوله :” اتقوا الله و خافوا من شدة عقابه و ابتغوا إليه الوسيلة التي تنقطعون بها عن غيره لتتصلوا به ، ولا وسيلة أعظم من النبي صلى الله عليه و سلم ، ولا وسيلة إلى النبي صلى الله عليه و سلم أعظم من الصلاة عليه . و قد أجاب رضي الله عنه عما حشيت به بعض كتب التفسير حول مقامات الأنبياء من الإسرائيليات بأجوبة شافية يطمئن إليها قلب الموقن وتنزجر عندها دعوى المشكك ، و قد أمر أصحابه بالتأدب مع مقامات الأنبياء وعصمتهم من كل ما لا يليق بحضرة الحق . والتأدب مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤكد على عدالتهم و يوضح كل ما أشكل من أمورهم ، و مع سائر العلماء و الأولياء والأمراء خلفاء الله في أرضه . و قد منع الزيارة إذا كانت زيارة أغراض و استمداد وليست زيارة أدب واخلاص لوجه الله . و أمر أن تعوض بالدعاء و إهداء الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم . ولا شك أن شكر من أجرى الله النعمة على يديه هو عين شكر الله عز و جل ، والإيمان بأعظم الوسائط سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم لا يتم الإيمان إلا به ، وعقيدة أهل السنة و الجماعة إثبات الفعل للعبد كسبا كما أثبته الله بقوله ” وما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ” . فالأوامر بنية الامتثال هي عين المعاينة لفعل الله .
والاخلاص عنده لا يقتصر على اخلاص التوحيد بل يشمل الاخلاص في الأعمال والمعاملات والآداب والاخلاص مع الله ومع النفس ومع الناس . و في الإراءة ج 1 ص 26 ” و إن التجاني ظهر بطريقة التجريد ، تجريد القلب مما سوى الله ، وإن طريقته طريقة سهلة سمحة لينة قريبة لا سلوك فيها أصلا …، فتربيتها حسن الوقوف بباب المولى لا غير ، فهو يجرد القلوب مما سوى الله ويرشدها إلى حضرة الله ” . فاختار لأتباعه أن يسلكوا ما كان عليه الصحابة من عدم ملاحظة الغير مع الله ، و يتبعوا طريقا واحدا لا اختلاط فيه ولا غبار عليه : ” و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه” . فلا يصح عادة أن يسلك الانسان مسالك متعددة في وقت واحد دون أن يضل السبيل . وهذا الاخلاص يقتضي أن يكون العبد حسن التعامل مع جميع الناس فيتحلى بفضائل الأخلاق ومن أعظمها الوفاء بالعهود : ” يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود ” سواء كانت عقود معاوضة أو عقود تبرعات أوعقود التزام، و حسن العهد من الإيمان .
ومعناه أنه في بساط الشريعة لابد من مباشرة الأسباب وفي بساط الحقيقة لا اعتراض على مراد الله عز وجل . فمن كلامه في هذا المعنى :” واعلم أن أحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام لا تتبع بالمناقشة و التفتيش فيجب الاقتداء بهم في كل ما أتوا به ، فإن الله ذكر هداهم حين ذكرهم قال تعالى : ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . فلا يحل لامرئ مسلم أن يناقش في أحوال الرسل عليهم الصلاة و السلام ، قال تعالى : ” و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ” . و قال جل و علا : ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ” و هذا عام في كل رسول . و من أراد أن يقيس أحوال النبوة على غيرها فهو جاهل بحقيقتها مقصر في آداب رتبتها . فلا بد أن يستحضر الإنسان خيرية هذه الأمة في جميع الأحوال ، فهي أمة الفضل ، تكرم الله عليها بجزيل إنعامه و أسبغ عليها كبير عطائه ، وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة و السلام : ” فلا و ربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما”. فمن أكرم بالرضا لقي بالترحيب الأوفى وأكرم بالتقريب الأعلى و هو إخراج الكراهية من القلب ، و علاماته ثلاث :
ترك الاختيار قبل نزول القضاء وفقد المرارة بعده وهيجان الحب من حشو البلاء ، قال الحسين بن علي رضي الله عنه : ” من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن غير ما اختاره الله ” . فعلى هذه الأسس النبيلة العظيمة المستمدة من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أسس الشيخ التجاني طريقته ، فتلقاها الناس بالقبول ، وانخرطوا فيها أفواجا من جميع أقطار العالم ، يلقنها العلماء الربانيون في كل زمان ومكان ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : سيدي علي حرازم برادة مؤلف جواهر المعاني ، وسيدي محمد بن المشري مؤلف كتاب الجامع ، و سيدي ابراهيم الرياحي التونسي صاحب “مبرد الصوارم الأسنة “، وسيدي عمر الفوتي صاحب “كتاب الرماح” ، وسيدي عبيدة صاحب “ميزاب الرحمة “، وسيدي محمد بن أحمد أكنسوس صاحب “الجيش العرمرم “و “الجواب المسكت ” ، و سيدي العربي بن السائح صاحب بغية المستفيد ، والمحدث سيدي محمد الحافظ المصري ، وسيدي محمد بن عبد الله أيناس الكولخي ، وسيدي محمد بن عبد السلام كنون ، و سيدي محمد الحجوجي ، وسيدي الحسين الإفراني ، وسيدي الأحسن البعقيلي ، وسيدي مَحمد النظيفي ، وسيدي محمد بن العياشي سكيرج ، و غيرهم كثيرون من داخل المغرب وخارجه . وقد عمل هؤلاء على الدب على الطريقة من الداخل والخارج ، فمن الداخل يحمونها من التحريف والتدليس ، ومن الخارج يحمونها من التبديع والتضليل ، هذا وإن سر نجاح الطريقة التجانية إلى اليوم يكمن في التزام اصحابها بالعهود وحسن التعامل مع الله ومع الخلق وحمل هم هذه الأمة والشفقة على الناس والابتعاد عن سفاسف الأمور ، و ترك ما لا يعني ، مما يجعلها علاجا مستساغا وبلسما شافيا لا يتنكر له إلا من جهل قيمته ، فلم يعرف على مر الزمان أن أنكر على الطريقة إلا واحد من اثنين : الأول من لم يطلع على حقيقتها ولم يطالع كتبها المؤلفة فيها ، فهذا حكمه كما يقول المناطقة باطل لأنه لم يسبقه تصور ، و ربما سمع أو رأى من بعض من ينتسب إليها ما يستوجب الإنكار ، فإنكاره محصور في المنكر عليهم لذاتهم لا لحقيقة طريقتهم . والثاني من ابتلي بالإنكار على الناس جميعا يحمله على انكاره الوهن الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه و سلم بحب الدنيا و كراهة الموت ، فهذا لا كلام معه لأنه عنيد متكبر .
و بهذا نكون قد جلنا جولة سريعة مختصرة في حياة الشيخ التجاني و طريقته و كبا بنا جواد السبق على الإحاطة بهذا المضمار و ادراك ما هنالك نسأل الله حسن القبول .