السؤال الخامس عشر:ـ هل الآخذ على مقدم صح سنده للشيخ t يجب أن يرى أن مقدّمه له من المكانة العليا والرتبة العظيمة ما تنقطع عنه أماني غيره من المقدمين، حتى أنه يرى الحضور في وظيفته مع من لم يؤخذ على مقدمه كلا شيء، ولم يقف عند هذا بل أداه تفانيه في محبة الآخذ عنه إلى أن وضع له صورة وعلقها في قبلة بيته بصورة مكبّرة، ويرى أن ليس في بلاد المغرب من يعرف الطريقة الأحمدية على الواقع سواه، معلّلا ذلك بأنه أخذ الطريقة من بيت الشيخ؟ فبينوا لنا البيان الشافي .
الجواب : لاشك أن من تلقى الإذن في هذه الطريق الأحمدي وغيره من سائر الطرق هو بمنزلة من أخذ عن الشيخ مباشرة لأن المقدمين شيوخ في الحقيقة لمن أخذ عنهم وقد قال بعض العارفين :
وكل من أخذت عنه علما أو أدبا فهو إمام حتما
فلذلك يتعين على من أخذ عن مقدم أن ينزله منزلة الشيخ الذي يتعين تعظيمه كما قال الشيخ الأكبر ابن عربي من أبيات
ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله فقم بها أدبا بالله لله
وقد جرت عادة الله في خلقه أن من أساء الأدب على شيخ من أشياخه يبتلى بما لا قبل له به ولا يهتدي غالبا لسبب ابتلائه وامتحانه، وقل من سلم من المسيئين للأدب معهم أن يبلغ مراده كما ينبغي، بل يكسى بحلة الهوان فيتعين حينئذ على المريد أن ينظر لمن تلقى عنه الطريقة أو لشيء من أذكارها بل و لسائر من أفاده بعين التعظيم والإحترام أكثر مما ينظر بها لغيره ممن لم يستفد منه شيئا، أما كون المقدم الذي أخذ عنه في المنزلة أكبر من غيره في نظره فذلك على قدر ما للمريد فيه من حسن الظن وجميل الإعتقاد وبذلك يزداد انتفاعه، ولكن بشرط أن لا يؤديه اعتقاده إلى الحط من غيره، فأما كونه يرى الحضور في وظيفة أو جمعة مع من لم يأخذ عن مقدمه كل شيء فهذا من التعمق في الطريق مع سوء الأدب المفضي إلى انقطاع المريد عن حبل الشيخt لإهانته لغير من أخذ عنه، ومراتب المقدمين في التلقين واحدة في وجوب تعظيمهم وليس من الأدب في حق المريد الطالب في طريق الشكر للمزيد أن يصدر منه مثل هذا الأمر لا في السر ولا في الجهر، لأنه ربما أدى ذلك لتحزب الإخوان فيما بينهم في الطريقة الواحدة ويقع التفاخر فيما بينهم ويحملهم التعصب على الطعن في المقدمين وسوء الإعتقاد فيهم، حتى يؤدي ذلك فيما بينهم إلى ما لا تحمد عقباه، ولهذا قال سيدنا t لما بلغه عن الإخوان الآخذين عن الخليفة سيدي الحاج علي حرازم برادة والآخذين عن العلامة ابن المشري قيد حياتهما وانتصر كل فريق منهم للآخذين عمن أخذوا عنه:<< من يعرفني يعرفني وحدي>>، فأرشدهم t أنه هو مؤسس الطريقة التي يتعين على المريد أن يمتثل أوامره وينظر للمقدمين بما لا يفضي إلى الإعراض عن الشيخ في طريق إرشاده حيث يقول :<< قال لي سيد الوجود r :{ قل لأصحابك لا يؤذي بعضهم بعضا فإنه يؤذيني ما يؤذيهم}>>، ولاشك أن تنقيص قدر مقدم في الطريق وعدم الإلتفات إليه في محضر الإخوان الذين تلقوا عن غيره من أعظم إذا يتهم لهذا المقدم رفعوا غيره عليه، ولمراتب المقدمين غيرة كبيرة في الطريق شعروا بها أو لم يشعروا، و المريد المتداخل فيما بين المقدمين على خطر عظيم من أمره ولا يمكنه أن يزن بميزان عقله أو علمه ما لكل واحد منهم من خصوصية ومزية بعد خصوصية التقديم الذي لا يقين لديه في تحصيل ملقنه عليها ومن الغلو الذي لا يحل السكوت عنه أن يتخذ المريد تمثالا لذلك المقدم الذي أخذ عنه ويضعه قبالته حالة ذكره أو يعلقه في قبلة صلاته إن هذه لخصلة جاهلية من هذا المريد الذي كاد أن يعد فعله كفرا أما إعتقاده به بأن مقدمه ليس في عموم المغرب من يعرف الطريقة الأحمدية على الواقع سواه فهذا منه يحتاج فيه إلى بينة في طريق الحق ولا يكفيه في تعليل ذلك و الإستدلال بأنه أخذ الطريقة من بيت الشيخ بل لو أخذ الطريقة أو التقديم عن الشيخ مباشرة فإنه لا يكفي في الإستدلال على ما زعمه فقد يكون هذا المقدم جاهلا وأجهل منه من قدمه على غيره بلا برهان بل لو ادعى أنه مفتوح عليه في زمانه في هذه الطريقة فإنه لا سبيل إلى القطع بأنه لا يوجد بعد في عصره مفتوح عليه مثله أو أكبر منه فتحا فإن الخصوصية لا يطلع عليها كل أحد وفي زماننا هذا كثيرا من المفتوح عليهم في هذه الطريقة وهم في ظل الخمول غير متظاهرين بفتح ولا غيره فالمتعين على المريد أن يعظم مقدمه الذي أخذ عنه من غير أن يحط من قدر غيره والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .