الخطب

التحذيرمن أكل أموال الناس بالباطل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *( خطبة الجمعة في موضوع  )*:

[ التحذيرمن أكل أموال الناس بالباطل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)  «سورة البقرة: الآية 188»

* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل: »إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال «(أخرجه الترمذي و ابن حبان و الحاكم)

* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،قال عز وجل(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)  «سورة النساء: الآية 10»

* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله القائل ناصحا لأمته ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: «يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم»، ثم ذكر الرجلَ يطيل السفر أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء، ويقول: يا رب يا رب، ومطعمُه حرام ومشربُه حرام وملبسُه حرام وغـُذِّي بالحرام فأنى يُستجاب لذلك) فصلى الله عليه وسلم من نبي أمين  ناصح حليم،وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه وسنته إلى يوم الدين، أما بعد، من يطع الله ورسوله فقد رشد و اهتدى  و سلك منهاجا قويما   و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى  واعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا  نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له . عباد الله: كلكم يعلم أن شرعنا الحنيف حذر من خطورة الحصول على المال الحرام بأي طريقة؛ لأنه يؤدي لمنع الرزق، وعدم إجابة الدعاء وإغلاق باب السماء، فالمال فتنة و اختبار، و من فساد الزمان و أهله أن يتعود الناس أكل المال الحرام من غير مبالاة أو تحرج كما جاء في الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام؟)، وأكلُ المال الحرام ظـُلم ونبيناصلى الله عليه وسلم يقول:(الظلم ظلمات يوم القيامة)والعياذ بالله قال تعالى(و من لـم يجعل الله له نورا فما له من نور) والظالم يغضب الله و يسخطه لذلك حذر النبي صلى الله عليه و سلم من دعوة المظلوم فقال:(واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) (متفق عليه) ألا فاعلموا أيها المؤمنون أن من عقوبة أكل المال الحرام في الدنيا، عدم إجابة الدعاء، وعدم قبول العبادة، ثم الله تعالى يحاسب آكليه عليه يوم القيامة ويعاقبهم عقابا شديدا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجالاً يَتَخَوَّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) (البخاري) وللأسف معاشر المؤمنين في بلدنا طائفة عريضة من الناس لا يبالون من أي المال أكلوا أو أطعموا أبناءهم،لا يبالون في أي أودية النار هلكوا،منهم من يأكل من كد الفقراء وتعبهم ومن حقوق العمال وسعيهم ،تجدهم ومنهم من يتطاول على المستخدمين عندهم وكأنهم ملكوهم عبيدا بلا حساب ولا عقاب يمنعونهم حقوقهم ويحملونهم فوق طاقتهم، ويماطلون في رواتبهم، حتى يضطر هؤلاء المظلومون بعد طرق الأبواب المغلقة إلى طرق باب السميع العليم الذي لا يغفل ولا ينام، فتلتهم هؤلاء الظالمين من أصحاب الأعمال و الشركات وغيرهم صواعقُ الدعاء وهم لا يدرون. فيا مَن تظلم العُمَّال وتستوفي العمل منهم وتَبْخَسهم حقَّهم، فتمنعهم الحقَّ كُلَّه أو بعضه، اعْلَم أنَّ خَصْمَك الله يوم القيامة، فخِبْتَ وخَسِرت، فبادر إلى التوبة، ورُدَّ المظالم إلى أهلها وتحلَّلْ منهم قبل أن تندم و لا ينفعك الندم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا قال الله تعالى: (ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يوم القيامة؛ رجل أعطى بي ثم غَدر، ورجل باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعْطِه أجره) (البخاري).ومن هؤلاء الظالمين الأكالين أموال الناس ظلما وبهتانا،و سحتا وزورا طائفة من الأطباء وأرباب المصحات الخصوصية انحرفوا عن طريق زملائهم المخلصين للمهنة القانعين بما يسوق الله لهم من رزق حلال ـ فصار الجشع و الطمع يدفعهم لاستغلال ظروف المرضى العصيبة وحالاتهم المرضية الخطيرة بل وحتى الغير خطيرة، يهولون عليهم الأمور ويضخمون مستحقاتهم من الأجور      و يفرضون على المرضى فواتير عالية، و كشوفات وتحليلات غير  ضرورية، يبرمون مع بعض السماسرة صفقات و صفقات من صيادلة و بائعي المعدات والأدوات، فتجد المريض المسكين غنيا أو فقيرا منهوشا من طرفهم يأكلون ما عنده و ما ليس عنده، وهم على تمام الوعي و العلم أن الأمر لا يستحق كل تلك التكاليف الباهظة، ألا فليعلموا أن الله لهم بالمرصاد و أن عاقبة الظلم و عقوبته معجلة لا مؤجلة و أن هلاك الظالم عن قريب لاحق من حيث لا يشعر وإن كدس الأموال وبنى الفيلات والقصوروتمتع بأجمل العطل في أبهى المنتزهات فلا يغتر بما أتيح له من متاع زائل و لذة أو شهوة  فانية، فيتمادى مع موت الضمير كأن الله عليه غير رقيب وعلى ظلمه ليس بحسيب، عباد الله لقد هانت الأخلاق عند الكثيرين بعد هوان التقوى في حياتهم، وأعماهم بريقُ المال عن إدراك خطر الظلم وبخس الناس حقوقهم فتعاملوا مع من ألجأته الظروف        و حاصرته محن الزمن كآلات قارضة  قاضمة بلا رحمة ولا شفقة ولا إحسان.

ألا يا عباد الله فاسمعوا: فهذه جملة من الصور التي يكون فيها المسلم قد أكــــل

أموال الناس بالباطل علم أو لم يعلم نقولها ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42] فمن وجوه أكل أموال الناس بالباطل: ـ بالإضافة إلى أكلها بطريق التعدي والنهب، والسرقة وقطع الطريق والظلم  والخداع والحيل وعقود الرباـ أن يأكل أموال الناس بطريق اللهو كالقمار والرهان كالمغالبة بعوض والميسربأنواعه،والمراهنات المشتملة على المخاطرة والغرر والجهالة، وأن يأكلها من طريق الرشوة،قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)الذي يمشي بينهما(رواه أحمد)ومن الحرام ما يأخذه الحاكم ونحوه من المحكوم.فإن ما يأخذه القضاة من الأموال على أربعة أقسام:رشوة وهدية،وأجرة،ورزق. فالرشوة إن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق فهي حرام على الآخذ والمعطي وإن كانت ليحكم له بالحق على غريمه فهي حرام على الحاكم دون المعطي.وأما الهدية؛ فإن كانت ممن يهاديه قبل الولاية فلا تحرم استدامتها وإن كان لا يُهدي إليه إلا بعد الولاية، فإن كانت ممن لا خصومة بينه وبين أحد عنده جازت وكرهت(لأنها قد تكون تمهيدا لرشوة في المستقبل)،وإن كانت ممن بينه وبين غريمه خصومة عنده فهي حرام على الآخذ والمعطي، وأما الأجرة فحرام بالاتفاق لأن للحاكم راتب إنما أجري له لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه للأجرة. ومن الحرام أن يأخذ الزكاة أو الصدقة الغنيُّ وكذلك القادرُ القوي على كسب يكفيه .و من الحرام ما يأخذه عن طريق الغصب من مال الغير سواء أمسكه، أو أتلفه متعديا وهو يعلم، ومن الحرام ما جاء عوضًا لكتم حق وإخفائه أو لإظهار باطل وإعلانه.و من الحرام ما لا تطيب به نفس مالكه، وسيف الحياء كسيف الغصب،وأكل أموال اليتامى،وأموال الأوقاف والمال العام وجَحدُ الحقوق كالودائع والعارية ونحوها، وما لا تقوم به بينة من الأمانات عن أربابها أو عن ورثتهم،و صور المال الحرام كثيرة نسأل الله السلامة و العافية)نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،…

الخطبة الثانية* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي،الصادق الزكي،وعلى آله،وعلى جميع من تعلق بأذياله و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :أيها المومنون و من صور أكل المال بالباطل:الغش والاحتيال من مثل ما يقع من بعض السماسرة فيما يذهبون فيه من مذاهب التلبيس والتدليس؛ إذ يزينون للناس السلع الرديئة،والبضائع المزجاة، فيورطونهم، ويوهمونهم لاشتراء أو بيع ما لا حقيقة له ولا صحة، وكذلك كل أجر يؤخذ على عبادة فهو أكل لأموال الناس بالباطل. وكل ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل، وإن طابت به نفس مالكه؛ كمهر البغي، وحلوان الكاهن و ثمن الكلب الذي لم يأذن فيه الشرع( فالشرع إنما أذن في كلب الصيد و الحراسة)، والامتناع عن قضاء الدَّيْن، إذا امتنع منه من هو عليه، وكذا الامتناع عن إخراج ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها وكذا الامتناع من النفقة على من أوجب الشرع نفقته، و من الحرام:أن يأكل أموال الناس من طريق الملاهي والمنكرات،وكذا من الدخان، وشيشة الدخان وكل ما أعان على إهلاك النفس ونحو ذلك. أيها المؤمنون يظن  البعض خطأ أن المال الحرام إنما هو المال الذي يأتي من طريق الربا والخمور والرشاوي فقط لكن الصحيح أن صور المال الحرام كثيرة ومتعددة؛ فكل من استحل المال بطريق غير مشروع فهو آكل للحرام :-كتكسب بعض الموظفين من وظائفهم بطريقة غير رسمية؛ كأن يستغل سلطته ومكانته في تخليص أمور للغير مقابل امتيازات وأموال يدفعونها إليه، و تضييع أوقات العمل في غير مصلحة الشغل المكلف به؛ سواء ضيعها بما يجر عليه نفعًا -كأن كان يعمل عملا خارجيا لحسابه الشخصي- أم لا،أو يستغل أماكن وأدوات العمل في أمور شخصية كل هذا غير مشروع.أو يستغل سذاجة بعض الناس في المعاملات أيًا كان نوعها ويأخذ منهم أموالا على خدمات هي مجانية بالأساس، أويتهرب من دفع أجرة بعض الخدمات التي يستفيد منها أيًا كان نوعها بدعاوى مختلفة أشهرها المبالغة في غلاء الأسعار، معتبرًا أن هذا جزءًا من حقه في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.أو التملق الذي يفعله البعض لأخذ مكافأة أو درجة وظيفية بادعاء إنجاز نشاط لم يفعله على حساب زملائه، وعدم إتقان العمل بصفة عامة هو مقدمة للكسب المحرم؛ فالطالب الذي لا يتقن عمله و يستعمل الغش فيتخرج بعد ذلك طبيبًا أو مهندسًا أو شيخًا يفتي بغير علم، أو فلاحا لا يتقن عمله فيصدر للناس مزروعاته المسرطنة او غير الصالحة للاستخدام،كل ذلك كسب حرام.والتسول الذي أصبح حرفة لدى البعض بادعاء العوز والحاجة.بل من الحرام أكل مال نفسك على وجه البطر والإسراف؛ لأن هذا من الباطل وليس من الحق. فحذارِ عباد الله من المخالفة فإن الله عز وجل يقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [ إبراهيم:42]. واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة      و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره  و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم          و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى