الخطب

التدين المكذوب او التدين للمصلحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *( خطبة الجمعة في موضوع  )*:

[التدين المكذوب او التدين للمصلحة]

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5)[س  البينة]

*والصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل ناصحا لأمته: (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ:إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ،وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دعوتهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ)(الشافعي و البيهقي في المدخل عن مسعود) [والمعنى أن دعوة المسلمين قد أحاطت بهم فتحرسهم عن كيد الشيطان وعن الضلالة ]

* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل سبحانه(ألا لله الدين الخالص) ( الزمر3)

* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله القائل:(مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ) فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين  ناصح حليم، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من حافظ على دينه       و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين

* أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما    و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى  و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه  و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .

عباد الله، حديثنا اليوم معكم سنخصصه لظاهرة قبيحة استشرت في زماننا ألا و هي ظاهرة أصحاب التدين المغشوش أو أصحاب التدين الشكلي أو أصحاب التدين للمصلحة. فماذا نقصد بالتدين المغشوش ؟ انه تدين لا يقصد أصحابه به التقيد بالمقاصد الشرعية التي أُنزلت لأجلها الشرائع السماوية وأرسلت بهدف تبليغها الرسل والمتمثلة في عبادة الله وطاعته سبحانه،لأجل الفوز يوم القيامة، وليس هو تدين يُعنَى أصحابه بتوظيف النصوص الشرعية في تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى، والبعد عن مواطن الشُّبه وإنما هو تدين يسعى أصحابه لاستخدام الدين سلمًا لقطف حطام الدنيا.فتجدهم يقدمون المصلحة الدنيوية على المصلحة الأخروية، والمصلحة الشخصية والجهوية على المصلحة العامة من غير مبرر شرعي، أصحاب هذا التدين يصلحون ظاهرهم لأجل الناس ويخربون لله باطنهم بخلوه من الإخلاص و الخشية لله نعم أيها المؤمنون صاحب التدين الكاذب لا يقر له قرار، وليس له حد يقف عنده، فالمحرك الرئيس له هو مصلحته الخاصة، فدرجة تدينه تزداد أو تنقص كلما غلا أو رخص هدفه المنشود، وشعاره الدائم هو«ديني حيثما كانت مصلحتي و الحلال هو ما حل باليد».فهو لا يعدم حيلة في تزيين عمله وتجميل صنيعه، فتراه تذرف عيناه في مجالس العلم والوعظ كأنه من أشد الناس تأثرا، وتبدو أضراسه بالقهقهة في مجالس اللهو كأكثر الناس سفها تجده تارة مناصرًا للظلمة و المفسدين و تارة مؤازرًا للمظلومين و بجانب المصلحين، لأنه مستعد لتوظيف الدين والعلم ولكل المتناقضات ما دام يصب ذلك في مصلحته، ولهذا فحين سُئل شميط بن عجلان رحمه الله: هل يبكي المنافق؟ قال: «يبكي من رأسه، أما من قلبه فلا!».فالمنافقون في زمن النبوة كانوا يلجؤون إلى التدين المغشوش لمآرب في أنفسهم، وقد أظهرت الآيات القرآنية عوراتـهم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطـُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون]، كما فصلت سورةُ التوبة أخبارَهم وأوصافَهم وفضحت أخلاقهم حتى سماها بعض العلماء السورة الفاضحة.

وأصحاب التدين الشكلي لا يرون أي غضاضة في التهام أموال غيرهم بستار التدين والتزهد، وفي الذكر الحكيم: {إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: 34]، وهذا النوع من الناس آفة في الدين والدنيا معًا.

أصحاب التدين المغشوش لا يستحون من الاعتراض أو توجيه التّـُهم إلى أهل العفة والنزاهة ولو كانوا أنبياء عليهم السلام، فهذا الخارجي وأبو الخوارج ذو الخويصرة التميمي يعترض على قسمة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في غنائم حُنَيْن ويطالبه بالعدل  وهو العادل صلى الله عليه و سلم  [عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ : قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا قَسْمٌ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَا قَالَ، فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ(أي من الغضب)، فَقَالَ “: يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ” . فَآلَيْتُ أَنْ لا أُبَلِّغَهُ شَيْئًا أَبَدًا]  والغريب يا عباد الله أن صاحب التدين الكاذب قد يعرض نفسه للمهالك  وعلمه للنشر،وماله للإنفاق؛ مع سوء الطوية، ثم يكون أول من تُسعر بهم جهنم يوم القيامة، فـعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة رجل استشهِد فأتى به فعَرَّفَه نِعمه فعرَفها،  قال فما عملتَ فيها؟ قال قاتلتُ فيك حتى استشْهِدْت  قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جِرِّيئ فقد قيل، ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعَلَّمَه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به، فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار  ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلِّه فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال ما تركت مِن سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه،ثم ألقي في النار»،وفي سنن الترمذي في هذا الحديث: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة».وتظهر آثار الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة لأصحاب التدين المغشوش فيحملون جبالا من الحسنات، ولكن تختفي وراء ذلك جبال من الموبقات والسيئات  لأنهم لم تكن الطاعات تحجزهم عن ركوب الخطايا، فهم أولياء فيما يظهر للناس، وظلمة فيما يختفي من أعمالهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضى ما عليه أخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرح في النار) صحيح مسلم. أيها المؤمنون و قد تجدون صاحب التدين الكاذب أو المغشوش يدعو ويحث الناس على فعل الخير واجتناب المحرم، ولكن لا يُخضِع نفسه لهذا القانون، كأن شعاره «خذ علمي ولا تأخذ عملي»، يعني يصدق عليه قول القائل:(اجن الثمار وخل للعيدان للنار)ولهذا حذر الحبيب المصطفى  صلى الله عليه وسلم في الحديث يرويه أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقي في النار فتندلق أقتاب بطنه(أي أمعاؤه)، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)متفق عليه) ».كما إن صاحب التدين المغشوش لا يتورع في القول على الله بغير حق ما دام هذا المسلك يُدِرُّعليه النفعَ الدنيوي،يقول ابن القيم في مثل هذا الصنف من المتدينين: «كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه، في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب – سبحانه – كثيرًا ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولاسيما أهل الرئاسة، والذين يتبعون الشبهات  فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرًا، فإذا كان العالم والحاكم مُحِبَّيْن للرئاسة، مُتَّبِعَيْن للشهوات، لم يتم لهم ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق، ولاسيما إذا قامت له شبهة، فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى  فيخفى الصواب، وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهرًا لا خفاء به، ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته،وقال: لي مخرج بالتوبة»كتاب الفوائد ص١٤٥ فاتقوا الله معاشر المؤمنين واحذروا على تدينكم أن يكون مغشوشا أو مكذوبا وأنتم لا تشعرون نسأل الله العافية من كل آفة و بلية ظاهرة و خفية. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين و الخمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون من أصحاب التدين المغشوش أو للمصلحة من يقوم ببناء مسجد أو مدرسة أو أي مرفق حيوي، ولكن مراده ليس وجه الله تعالى واليوم الآخر، بل له شأن وأمر آخر، وقد قَصَّ علينا القران الكريم خبر أبي عامر الفاسق المتظاهر بالتدين الكاذب حيث زعم أنه قام ببناء مسجد للضعفاء وأبناء السبيل، بينما هدفه الحقيقي هو الكيد والمكر للدعوة، ففضح الله تعالى أمره وسمى ما بناه مسجد الضرار، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْـمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِّـمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْـحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107]، ثم قال تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّـمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْـمُطَّهِّرِينَ}  [التوبة: 108].ولقد عاب كثير من علماء الإسلام أمثال هؤلاء الحمقى الذين يوظفون دينهم لأجل الدنيا ويسترزقون به، فأصحاب التدين المغشوش موجودون في كل زمان ومكان، يجيدون التلوُّن والتقمصَّ بقوالب مختلفة ومتنوعة، فهم آفة الأمم، وسبب الانتكاسة والهزائم التي تعاني منها أمة الإسلام في الأزمنة المتأخرة.فالواجب على كل مؤمن و مؤمنة أن يتقي الله تعالى وأن يكون هدفه ورأس ماله الحقيقي إخلاص العبادة لله تعالى وأن يكون شعاره: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: 110] واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق  و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم. صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين،

و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد  

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى