الخطب

حق الجار وحسن مجاورته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *( خطبة الجمعة في موضوع  )*:

[حق الجار وحسن مجاورته ]

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الحمد لله امر أن يعامل الجيران بالحسنى، وحث على تعهدهم بالرعاية الفضلى* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد  القائل: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”،* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،أوجب على كل مسلم مسلمة احترام الجار و أرشد الى تحمل أخطائه و العفو عما يصدر منه في السر و الإجهار  و حذر من عقوقه و أذيته و هتك ستره و فضيحته.

*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محعبد مدا الله و رسوله القائل 🙁من سعادة المرء المسلم: المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء)فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين

* أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما  و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى  و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه  و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .

عباد الله : إِنَّ تَقوى اللهِ حَبلٌ مَتِينٌ تَترابَطُ بِهِ المُجتَمعاتُ،و البرَّدواء شَافٍ يُصلِحُ الأَفرادَ والجَماعاتِ، ثم إن النَّاسَ علَى اختِلاَفِ مَشارِبِهِمْ، وتَعَدُّدِ ثَقافَاتِهِمْ، مُضْطَرُّونَ للتَّعايُشِ والتَّداخُلِ، فَمتَى سَادَتِ الرَّوابِطُ بَيْنَ النَّاسِ علَى أَساسٍ مِنَ البِرِّ والتَّقوى والمَحَبَّةِ والرَّحمَةِ عَظُمَتِ الأُمَّةُ وقَوِيَ شأْنُها، ولكن إذا أُهمِلَتِ الحُقوقُ وتَفَصَّمَتِ الرَّوابِطُ شَقِيَتْ وهَانَتْ وحَلَّ بِها التَّفكُّكُ والدَّمارُ، مِنْ أَجلِ ذَلِكَ جَاءَ ديننا الحنيف داعيا إلى ِمُراعَاةِ هَذَهِ الرَّوابِطِ وتَقويمِها وإِحاطَتِها بِما يَحفَظُ وَجُودَها ويُعلِي مَنارَها، فَقَدْ قَرَنَ اللهُ حَقَّ الجَارِ بِعِبادَتِهِ سُبْحانَهُ وتَوحِيدِهِ، وبِالإِحسانِ لِلْوَالِدَيْنِ واليَتامى والأَرحامِ، فَقالَ عَزَّ مِنْ قَائل: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ))(2)،هَذَهِ وَصِيَّةُ إلهية فِي كِتابِهِ عَزَّ وجلَّ، لِكَي تُؤدِّيَ أيها المؤمن ـ ذكرا كنت أم أنثى ـ حُقوقَ جَمِيعِ جِيرانِكَ: مَنْ كَانَ بَينَكَ وبَينَهُ قَرابَةٌ، ومَنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيباً، بَلْ وحتى مَنْ لَمْ يَكُنْ علَى دِينِكَ، أَمّا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجاءَتْ فِي صُورَةٍ جَلِيلَةٍ وتَعبِيرٍ مُستَفِيضٍ لِمَعانِي حُقوقِ الجَارِ، والوِصايَةِ بِهِ، والبُعْدِ عَنْ كُلِّ مَا يُرِيبُهُ ويُسيءُ إِليهِ.فحُسْنُ الجِوارِ أَيُّها المُسلِمون  مَطْلَبٌ إِيمانِيٌّ عَظِيمٌ، وخُلُقٌ إِسلاَمِيٌّ كَرِيمٌ، فَعَنْ أَبِي هُرِيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلى جَارِهِ))، وفِي رِوايَةٍ: ((فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ))، والإِحْسانُ إِلى الجَارِ والقِيامُ بِحَقِّهِ سَبَبٌ لِلتَّفاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((خَيْرُ الأَصحابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُم لِصاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجارِهِ))،وحسن الجوارسَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذَّنوبِ، والفَوزِ بِرِضوانِ عَلاَّمِ الغُيوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ أَربَعَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنِيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ))، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: ” كن محسنا ” ، قال: وكيف أعلم أني محسن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت ، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت ، فقد أسأت

فلذلك كَانَ أَصْحابُ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوصُونَ بِتَعَهُّدِ جِيرانِهم بِالمَعروفِ، والحِرْصِ علَى مُشارَكَتِهم كُلَّ خَيْرٍ وسُرورٍ، يُطْعِمونَهُم مِمّا يَأْكُلونَ، ويُعِينونَهُمْ حِينَ يَحتاجُونَ، ويُسَهِّلُونَ لَهُم أَسبابَ الرَّاحَةِ والهَناءِ، ويَدفَعُونَ عَنْهُم مُكَدِّراتِ العَيْشِ والعَناءِ، فَالمُسلِمُ كَالنَّبتَةِ الزَّكِيَّةِ، تَبقَى رائِحتُها عَذْبَةً نَدِيَّةً فِي أَيِّ مَكانٍ غُرِسَتْ، فَقَدْ ذُبِحَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أأهْدَيْتُم لِجَارِنَا اليهودي؟ -مَعَ أَنَّهُ كَانَ علَى غَيْرِ عَقِيدَتِهِ-، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ علَى ذَلِكَ كَانُوا يَسأَلونَ عَنْ تَفاصِيلِ ما يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنَ الإِحْسانِ، ودَقائقِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِم لِجَمِيعِ الجِيرانِ، سأَلَتْ عَائِشةُ أُمُّ المُؤمنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَتْ: إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: ((إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا))، وضَرب الصحابة رِضوانُ اللهِ عَلَيْهِم أَروَعَ الأَمثِلَةِ فِي التَّكافُلِ والتَّعاوُنِ وحُسْنِ الجِوارِ، فَنالوا ثَناءَ نَبِيِّ اللهِ المُصطَفَى المُختارِ  صلى الله عليه وسلم، واحذروا عباد الله تضييع حق الجار فانه يطالب بحقه يوم القيامة فعن ابن عمررضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:”كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول:يا رب، سل هذا لم أغلق بابه دوني ومنعني فضله” عِبادَ اللهـ إِنَّ مِنْ حَقِّ الجَارِ علَى جَارِهِ أَنْ يأْمَنَ جَانِبَهُ، يأْمنَهُ علَى نَفْسِهِ وعِرْضِهِ ومَالِهِ وعِيالِهِ، و كيف لا و الأَمْنُ النَّفْسِيُّ أَساسٌ مِنْ أُسُسِ التَّعايُشِ الاجتِماعِيِّ السَّلِيمِ، وسَبَبٌ مُهِمٌّ لِلْعَيْشِ الهَانِئ الكَرِيمِ، فَمَنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ إِلى مَنْ حَولَهُ ارتَاحَ قَلْبُهُ، وقَوِيَ علَى الخَيْرِ نَشاطُهُ،  لِذلك عَدَّ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- الإِخلاَلَ بِالأَمْنِ النَّفْسِيِّ لِلْجَارِ مُنافِياً لِلإِيمانِ، ومُجانِباً لِسَبِيلِ البِرِّ والإِحْسانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))،وفِي رِوايَةٍ:عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الخُزاعِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((واللهِ لاَ يُؤمِنْ، واللهِ لاَ يُؤمِنْ، واللهِ لاَ يُؤمِنْ))، قِيلَ: مَنْ يَا رَسولَ اللهِ؟ قَالَ: ((الذِي لاَ يأَمَنُ جَارُهُ بَوائِقَهُ))، إِنَّ أَذِيَّةَ الجَارِ مَهْمَا كَانَتْ صُوَرُها، فَإِنَّها مَمقُوتَةٌ فِي الشَّرْعِ ممقوت فاعلها، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جار السوء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المُقامة، فإن جار البادية يتحول” لان البدوَ رُحَّل.

ولَقَدْ عَدَّدَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صُوَراً مِنْ حُقوقِ الجَارِ عِنْدَما سأَلَهُ أَصحَابُهُ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: مَا حَقُّ الجَارِ يَا رَسولَ اللهِ؟ فَقَالَ:(إِنْ استَقرضَكَ أقْرَضتَهُ  وإِنْ استَعانَكَ أَعنْتَهُ، وإِنِ احتَاجَ أَعطَيتَهُ، وإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جِنازَتَهُ،وإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ سَرَّكَ وهنَّأَتَهُ، وإِنْ أَصابَتْهُ مُصِيبَةٌ سَاءتْكَ وعَزَيَّتَهُ ولاَ تُؤذِهِ بِقُتارِ قِدْرِكَ،إِلاَّ أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْها، ولاَ تَستَطِلْ علَيهِ بِالبِناءِ لِتُشَرِفَ علَيهِ وتَسُدَّ عَنْهُ الرِّيحَ إِلاَّ بإِذْنِهِ)، بَيانٌ نَبَوِيٌّ رائِعٌ، جَمَعَ لِلْجارِ كَافَّةَ الحُقوقِ المَادِّيَّةِ والمَعنَوِيَّةِ:مُواساةً بِالمالِ وإِعانَةً،وسَدّاً لِعُمومِ الحَاجَةِ، وتَخْفِيفاً لِلمُعاناةِ والآلاَمِ، ومُشارَكَةً فِي الأَفْراحِ والأَتْراحِ، إِنَّهُ الانِسجامُ التَّامُّ والتَّرابُطُ الكَامِلُ والعَيْشُ الجَمِيلُ بَيْنَ أَفرادِ المُجتَمَعِ.

فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ وأَدُّوا حُقوقَ جِيرانِكُم، واشمَلُوهم بِخَيْرِكُم، وأَبْعِدوا عَنْهُم كُلَّ أَذَى، يَتِّحِدْ صَفُّكُم، وتَطِبْ حَياتُكُم، وتَهنأْ نُفوسُكُم  .

ونفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،…

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون إن لإذاية الجار خطورة كبيرة يغفل بعض الجيران عنها     و يستهينون بشأنها و هي سبب دخولهم النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال:” لا خير فيها،هي من أهل النار”، فقالوا: يا رسول الله ،فإن فلانة تصلي المكتوبة، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط،ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”هي من أهل الجنة “.

أيها المؤمنون ثَمَّةُ صُوَرٍ مِنَ التَّصرُّفاتِ تُعتَبَرُ تَقْصِيراً فِي حَقِّ الجَارِ وسببا لتبديل صفاء المدة بينكم وبينه بالأكدار،كَمُضايَقَتِهِ بِالأَصواتِ المُزْعِجَةِ المُنْكَرَةِ، ويَتَضاعَفُ وِزْرُ ذَلِكَ إِذا كَانَتْ مِمّا نَصَّ الشَّرْعُ علَى تَحْرِيمِهِ  وتَقْبِيحِ فَاعِلِهِ وتَجْرِيمِهِ، ويَعْظُمُ بِها البَلاَءُ إِذا وَقَعَتْ وَقْتَ الرَّاحَةِ والنَّومِ، فَإِنَّ لِلنَّاس حَقّاً فِي الاستِراحَةِ فِي بُيوتِهم، والاعتِداءُ علَى حَقِّهِم هَذا بِالتَّلَوُّثِ الصَّوتِيِّ ضَرْبٌ مِنْ ضُروبِ الأَذَى، فَرَفْعُ الصَّوتِ أَمْرٌ نفَّرَ مِنْهُ الشَّارِعُ ونَهَى، قَالَ تَعالَى:(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(لقمان 19)، ومِنْ حُسْنِ مُراعَاةِ الجَارِ والإِحْسانِ إِليهِ عَدَمُ إِسكانِ مَنْ يُؤذِيهِ فِي البَيْتِ المُجاورِ لاختِلاَفٍ فِي الطِّباعِ والعَاداتِ، وتَباعُدٍ فِي السُّلوكِ والتَّصرُّفاتِ، لاَ سيَّما إِنْ كَانُوا مَظِنَّةَ صُدورِ تَصرُّفاتٍ خَاطِئةٍ، والإِتيانِ بأَفعالٍ شائِنَةٍ، نَتِيجَةً لِوَضعِهم أَو حَالَتِهم الاجتِماعِيَّةِ، أَو لاختِلاَفِ مُيولِهم ومُعتَقداتِهم الفِكْرِيَّةِ، ويُضارِعُ ذَلِكَ فِي الأَذِيَّةِ ويَزِيدُ علَيهِ بَيْعُ الجَارِ عَقارَهُ لِغَيْرِ جَارِهِ مَعَ رَغبَتِهِ فِيهِ، فَعَنِ ابنِ عَباسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرضٌ فَأَرادَ أَنْ يَبِيعَها فَلْيَعْرِضْها علَى جَارِهِ)

فَالمُؤمِنُ الحَقُّ يُراعِي جَارَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فلا تؤذه بالروائح الكريهة و المياه المنتنة، و رمي الأزبال و الأتربة بباب داره أو قريبا منها و لا تضايقه في مدخله و مخرجه و لا تجسس عليه أو تتسمع إليه بل كن أحسن جار لجاره فأنت أخي المِؤمن أقرب الناس إليه مطلع على أسراره فإياك و كشفها وهتك وسترها، فمن اللؤم إشاعة أخباره ونشر عواره، فالكرام يحفظون سر جارهم في حضوره و غيبته،ولَكَنْ قَدْ يَجِدُ الجَارُ مِنْ جَارِهِ غَيْرَ ذَلِكَ، ويُصِادِفُ مِنْهُ مَا لاَ يَحِبُّ، إِذِ الكَمالُ السُّلوكِيُّ صِفَةٌ عَزِيزَةٌ، ومِنْ شأْنِ النَّفسِ الإِنسانِيَّةِ الخَطأُ والزَّلَلُ، والقُصورُ فِي القَولِ والعَمَلِ، ولَمَّا كانَ الأمْرُ كَذلِكَ فَإِنَّ الصَّبْرَ علَى البَلاَءِ، وتَحَمُّلِ التَّقصِيرِ والأَذَى، خُلُقٌ رَفِيعٌ بَيْنَ عُمُومِ المُسلِمينَ، وعَزِيمَةٌ يَظْفَرُ بِها السُّعداءُ مِنَ المُوَفَّقِينَ، قَالَ تَعالَى:(وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)(سورة الشورى43)، وهَذِهِ فَضِيلَةٌ مَطلُوبَةٌ فِي عُمُومِ بَنِي الإِنسانِ، وتَتأَكَّدُ الحَاجَةُ إِلَيْها بَيْنَ الأَقارِبِ والجِيرانِ، فاجعلوا السماحة والاحسان بدل الغلظة والفظاظة و التواصل و التزاور بدل القطيعة و الشنآن فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأَدُّوا حُقوقَ جِيرانِكم وإِخوانِكم، واصبِروا إِنْ وَجَدتُمْ أَذَىً وصَابِروا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمورِ، وفِيهِ وِقايَةٌ مِنَ الفُرقَةِ والشُّرورِ، ومَرْضاةُ الرَّبِّ الغَفُورِواستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات،   و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين،  و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا،ربنا إنك رؤوف رحيم )

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى