الخطبمقالات

الصيام في النصف الثاني من شعبان و ما يتعلق به من آداب و أحكام

 

 

 الصيام في النصف الثاني من شعبان و ما يتعلق به من آداب و أحكام

 

الحمد لله رب العالمينـ و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد الأولين و الآخرين،و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له القائل عز وجل:”سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ”(الحديد21)* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ومصطفاه من خلقه وخليله صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم و على آله                                              وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .

* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما    و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى واعتدى، و حاد عن الطريق المشروع  و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه  و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،

    عباد الله: فقال  العلامة عبد الرءوف المناوي فى مؤلفه فيض القدير: [قسم الشارع الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام: 1ـ قسمٌ شَرع تخصيصَهُ بالصيام إما إيجابا كرمضان، أو استحبابا كعرفة وعاشوراء والاثنين والخميس…الخ. وقسمٌ نهى عن صومه: مطلقا كالعيدين. 3ـ و قسمٌ نـهى عن تخصيصه بالصوم كيوم الجمعة، وبَعْدَ النصف من شعبان، فهذا النوع لو ِصيمَ مع غيره لم يُكْرَه، ( كأن تصوم يوما قبل الجمعة أو بعده) فإن خُصَّ بالفعل نُهِيَ عنه سواء قصد الصائم التخصيص أم لا، سواء اعتقد الرجحان أم لا.( و النهي هنا يقصد به نهي الكراهة لا نهي التحريم).

وهكذا نفهم كيف يكون الجمع بين الأحاديث الواردة في فضل صيام شعبان و الواردة في النهي عن صيام النصف الثاني منه، فمن العلماء من قالوا: لا بأس بصوم شعبان كلِّه وهو حسن غير منهي عنه واحتجوا في ذلك بأحاديثَ كثيرة منها حديثُ أمِّ سلمة رضي الله عنها “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ” (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه)  ومنها ما ورد عن أبي سلمة رضي الله عنه أن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ ” خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَمَلّ ُحَتَّى تَمَلّـُوا.” فقوله صلى الله عليه وسلم: “خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ  فَإِنَّ اللَّه لا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا فيه إشارةٌ إلى أن صيامه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يَتأسَّى به إلا من أطاق ما كان يطيق صلى الله عليه وسلم ، فالمداومة على العبادة وإن قلـّـَتْ أولى من جُهد النفس في كثرتها إذا انقطعت، والقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالباففي هذه الأحاديث دليل على فضل الصوم في شعبان كلِّه، و لكن من العلماء من قال بكراهة الصوم في النصف الثاني من شعبان (والكراهة من قسم الجواز) فقد جاء في شرح معاني الآثار للطحاوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”:إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ).” رواه أبوداود و الترمذي و النسائي و غيرهم) فمن هنا كان الاختلاف في التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان .

إنما ينبغي أن نعلم أنه لا تعارض بين أحاديث فضل الصوم في شعبان وبين أحاديث النهى عن صوم نصف شعبان الثاني، بل يمكن الجمع بين تلك الأحاديث  بأن يحمل النهيُ على من لم يدخل تلك الأيام في صيامٍ اعتاده ؛ فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:   لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ” (رواه البخاري عن أبي هريرة) ويُساند ذلك ما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يومين من كل جمعة لا يَدَعُهما فقلت : يا رسول الله رأيتك لا تدع صوم يومين من كل جمعة قال صلى الله عليه وسلم :” أيُّ يَوْمَيْنِ؟ ” قَالَ : قُلْتُ يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ” ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ” (رواه النسائي (فهذا الحديث عام في صيام يومي الاثنين والخميس، سواء كانا في شعبان أو غير شعبان، وسواء في النصف الأول أو النصف الثاني من شعبان. وأن المنع هو لمن تعمَّدَ الصوم بعد النصف لا لعادةٍ ولا مضافاً إلى ما قبله . ومن هنا نهى الإمامُ الشافعي رحمه الله وأصحابُه عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، فلا يصح أن يصوم المسلم آخر يوم أو يومين من شعبان زاعما أن ذلك على سبيل الاحتياط – وهذا هو المَعْني بحديثه صلى الله عليه وسلم”:لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ “(البخاري عن أبي هريرة)أي إذا وافق ذلك اليوم الأخير من شعبان يوماً كان المسلم معتادا على صومه كالاثنين والخميس مثلا أو كان صومُه لقضاءِ واجبٍ، أو وفاءٍ بنذر فلا بأس.  نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية*

 الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله، وعلى جميع من تعلق بأذياله ،  و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد، 

عباد الله : إن رمضان يحتاج منا إلى تهيئة لنفوسنا وتمرينها على فعل الطاعات و كيف لا و هي التي تعودت على الكسل و الزهد في الخيرات و الانهماك في المباحات بل والشبهات  عسى أن يتقبلها سبحانه منا  ويتوفانا على عمل صالح نلقاه به.فأعمال شعبان من جنس أعمال رمضان، وبمثابة النافلة القبلية، تمهيدا للدخول في رمضان بانشراح صدر، قال سبحانه وتعالى:   “أفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ ربه” (سورة الزُّمَر 22) وقال عز وجل”: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ” (سورة الانعام 125) فالهُدى والتوحيد و الطاعة من أعظم أسباب شرح الصدر والشركُ والضلال و المعاصي من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه. وإن من أسباب انشراح الصدور والتي تؤثر على ثواب الصوم : ترك فضول النظر و فضول الكلام و فضول الاستماع و فضول المخالطة و فضول الأكل والنوم (الفضول أي ما زاد على قدر الحاجة)؛ فإن هذه الفضول تتحول إلى آلام و غموم،  وأحزان وهموم، في القلب تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. و اعلموا أن مما ينبغي المسارعة إلى القيام به استعدادا لرمضان التوبة من الذنوب و التضرع إلى علام الغيوب أن يسهل طريقها،عن علي رضي الله عنه قال : حدثني أبو بكر – وصدق أبو بكر – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجلٍ يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر ، ثم يصلي ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) ( رواه الترمذي ، وابن ماجة  إلا أن ابن ماجه لم يذكر الآية) و  أكثروا من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم  و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم. ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى